دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

قراءة، نقد ... وتحليل 
لقصيدة : أشرِعَةُ العَراء للشاعر: صالح أحمد (كناعنة)
بقلم: الأديب الناقد : محمد الدمشقي..
///
نص القصيدة
أشرِعَةُ العَراء
شعر: صالح أحمد (كناعنة)
///
فتّشتُ عن يَومي فقادَتني المرايا للعيونِ الساهِراتِ على الوجَع
لا شَيءَ يُشبِهُني هُنا!
لا شَيءَ يُقنِعُني هُناك!
كيفَ انزَلَقتُ إلى السّرابِ أنا الذي ما زلتُ أبحَثُ عَن حُروفٍ
أستَطيعُ بأن أصوغَ بِها أناشيدَ انطِلاقي كَي أرى...
شمسًا بحجم يدي، وأمنِيَةً بحَجمِ بَراءَتي...
والريحُ تجمَعُني، وأتبَعُها، وتَسحَبُني إلى...
أفُقٍ على عَطَشٍ تَغَرَّبَ عن ملامِحِهِ ليبحَثَ عَن غَدٍ؟!
ويَصُدُّها عنّي اختلاطُ الواقِفينَ على نَواصي المَوجِ...
ثمَّ يرُدُّني لجُنونِها عطَشٌ، وما في الموجِ مِن نَجوى الزّبَد.
..
كيفَ انزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ أيُّها الحبُّ الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ... 
ليكونَ لي صَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّ المَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي... 
ما زِلتُ أبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ لي لُغَةٌ 
وأكونُ أغنِيَةً
وأحسُّ لي شَفَةً 
تقتاتُ مِن شَغَفي
لتَصيرَ لي صِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُ عَن يَدي في لُجَةٍ...
أعتى مِنَ الحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني...
فغَدَوتُ حَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُ بلا جَسَد!
..
يا مَهبِطَ الأحلامِ مِن وَجَعِ الصّدى
هل في المدى جِهَةٌ بلونِ ملامِحي؟
وجهي الغُروبُ ومعصَمي شفَقٌ أوى
وَجَعَ النَّشيدِ على جُنونِ جَوارِحي
عينايَ سارِيَةٌ تخافُ مِنَ الهَوى
حتى مَ والأهواءُ كُنَّ مَسارِحي
بحثًا عَن الأبعادِ أهذي والرُّؤى
ريحٌ... سأوقِدُ شُعلَةً لجَوانِحي
وأعودُ أبحَثُ عن مَفاتيحي التي غَرِقَت...
بِمَوجٍ ما اهتَدَيتُ لسِرِّهِ..
ويجيئُني غضَبًا على غَضَبٍ وأشرِعَتي العَراءُ..
وَمَوطِئي زِبَدٌ... وقَد وَزَّعتُ أعضائي على
جُدُرِ التَّنائي، والتّجافي، والتَّشَرذُمِ، واللَّهَب...
..
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
لا حَرفَ لي آوي إليهِ لأتّقي
شرَّ انفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِ تَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟ 
أم تُراني أتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
///
النقد والتحليل : بقلم الأستاذ محمد الدمشقي
///
الملاحظ هنا درس مهم في مسألة تكلمت عنها سابقا ... و هي أن التكثيف الشعري ليس معناه قتل الاستغراق و التفاصيل و لكن المهم سلاسة التنقل بين الصور .... كما انه لا يعني قصر الجملة بالضرورة فشاعرنا هنا أطال النفس باسلوب موسيقي رقراق .... فنرى الجمل في المقطع الأول متصلة و لكن الايقاع التفعيلي منحها تناغما و حركة مع بقاء الحالة الشاعرية في كل جملة و هذا أيضا تكلمت عنه ... فالقصيدة هي أن تكون كل الجمل شعرا ... دون جمل توصيلية او إنشائية و هذا يتطلب قدرة تأملية و خيالا ممتدا 
في كل سطر صورة و انزياح مع الموسيقا التفعيلية و هذه خلطة سحرية لا يجيدها الا الكبار ... كذلك وجود هدف قريب و بعيد ... الهدف القريب في كل جملة و الهدف البعيد في الوعاء الذي جمع تلك الجمل 
لا شيءيشبهني هنا 
لا شيء يقنعني هناك
دلالة على حالة الضياع العربي حيث تمزق الانسان العربي بين واقع لا يشبهه و هروب لا يقنعه 
فكانت النتيجة هي الانزلاق الى السراب ... و صرنا نبحث عن حروف تمنحنا انطلاقا و هذه دلالة على هروبنا نحو البوح لأننا مكبلون عن الأفعال و لكن من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه و ان لم يستطع فبقلبه و ذلك اضعف الايمان ... و بما ان اليد مكتفة فنحن في اوسط الاحتمالات نحاول ان نفرض وجودنا بالكلمة فهل تكفي و تصنع انطلاقة يا ترى ؟ و قد زاحمنا أصحاب النفوذ حتى على اقلامنا و الكل يدعي اليوم بانه شاعر و يسرق الاعلام و الاضواء بماله و علاقاته 
فكيف تستطيع أمنية بريئة ان تجد لها طريقا بين غربان الزيف 
و كأننا في مهب ريح تحملنا من عطش الى عطش ... و نبقى متغربين على شواطي الوهم بانتظار الغد و لا يجيء و لا نسعى لجلبه ...
كيفَ انزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ أيُّها الحبُّ الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ... 
ليكونَ لي صَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّ المَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي... 
ما زِلتُ أبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ لي لُغَةٌ 
وأكونُ أغنِيَةً
وأحسُّ لي شَفَةً 
تقتاتُ مِن شَغَفي
لتَصيرَ لي صِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُ عَن يَدي في لُجَةٍ...
أعتى مِنَ الحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني...
فغَدَوتُ حَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُ بلا جَسَد!
..
و هنا يتجه الخطاب الى الحب و الحب بكل قدسيته كحل اخير ... يبدو انه أيضا انزلق الى نهايات غريبة ... حتى الحب تاه بين فوضى المشاعر فاما ان يموت بسبب مشاغل الحياة و همومها او ان يتحول الى شهوة رخيصة او نزوة عابرة ... و كلها نهايات غريبة حقا فرغم بساطة التعبير نهايات غريبة لكنه ناسب الفكرة و أحاط بكل جوانب التأويل 
مع ان الحب كان المرفأ و الأمل و اللغة التي تصلنا بالغد ... و بالشروق .. و يعيدنا الى انسانيتنا و فطرتنا النظيفة ... 
و ما اجمل القفلة هنا ... فغدوت حرفا حنطوه ... هذا صداه بلا جسد
فما اصعب ان نتحول الى حروف محنطة على رفوف الانتظار و الضجر و الغربة 
و هنا اود ان اشير الى أمر يغفل عنه الكثيرون في النثر و الكتابة المقطعية و هو وجود قفلات لكل مقطع مهمة هذه القفلات أولا صنع دهشات تحفز القارئ و ثانيا هي محطات استراحة قبل الانتقال الى المقطع اللاحق و هذا يمنح النص انسيابية و مرونة مهما كان طويلا ...
يا مَهبِطَ الأحلامِ مِن وَجَعِ الصّدى
هل في المدى جِهَةٌ بلونِ ملامِحي؟
وجهي الغُروبُ ومعصَمي شفَقٌ أوى
وَجَعَ النَّشيدِ على جُنونِ جَوارِحي
عينايَ سارِيَةٌ تخافُ مِنَ الهَوى
حتى مَ والأهواءُ كُنَّ مَسارِحي
بحثًا عَن الأبعادِ أهذي والرُّؤى
ريحٌ... سأوقِدُ شُعلَةً لجَوانِحي
هذا المقطع العمودي يشبه استراحة موسيقية بين مقاطع مسرحية ... و يشبه تلخيصا لكل ما سبق ... هو وقفة جميلة بين مقاطع العمل
وأعودُ أبحَثُ عن مَفاتيحي التي غَرِقَت...
بِمَوجٍ ما اهتَدَيتُ لسِرِّهِ..
ويجيئُني غضَبًا على غَضَبٍ وأشرِعَتي العَراءُ..
وَمَوطِئي زِبَدٌ... وقَد وَزَّعتُ أعضائي على
جُدُرِ التَّنائي، والتّجافي، والتَّشَرذُمِ، واللَّهَب...
..
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
لا حَرفَ لي آوي إليهِ لأتّقي
شرَّ انفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِ تَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟ 
أم تُراني أتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
هنا عاد شاعرنا الى التساؤلات العبثية التي تحيط بالانسان الفلسطيني و العربي بشكل عام ... البحث عن مفاتيح ضيعناها ... ما هي تلك المفاتيح ... هل هي اخلاقياتنا التي غيرناها فالاخلاقيات عماد الامم و انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا كما قال شوقي ... أم انها ربما تكون اسس بناء الحياة مثل العلم و العمل و اليقين و الايمان و الامل ... المهم اننا ضيعنا الكثير من المفاتيح فغرقنا ... و ما عرفنا سر الحياة و الانطلاق ... و صار موطننا زبدا لم يعد انتماؤنا متجذرا و عميقا و حبنا له صار هشا و ربما من طرف واحد .... و ليت الشاعر قال وزعت اعضائي على جزر بدلا من جدر لأنها متناسبة جدا مع الحالة البحرية للنص ...
القفلة كانت يائسة لكن واقعية و مؤلمة ...و عادت بنا الى الحديث الشريف ... فعندما تكون اليد عاجزة .. يجعلنا هذا نفكر ... هل نكتب هروبا من عجزنا ؟ ام نكتب لغاية سامية ... سؤال يتخبط على امواج الشطآن الضائعة ... فنحن بلاد كل شيء فيها يذهب الى الحريق
كانت هذه وقفة شعورية مع نص رائع
باحترام:
محمد الدمشقي / سوريا

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

557,265