أيوب التوراتي وفاوست جوته
محمود شاهين
كتاب يدخلنا إلى تفاصيل سفر أيوب التوراتي مفصلا ومحلل طبيعة العلاقة بين "يهوة" والشيطان من جهة، وبين "أيوب" الذي يثبت على إيمانه وينجح في جلده وصبره على ما حل به من أذى جسدي واقتصادي وفكري/عقائدي، ويستخلص الباحث من هذه السفر مجموعة افكار، منها متعلق "بسفر أيوب" كنص أدبي إنساني مجرد: "أن سفر أيوب هو ملحمة الإنسان في مأساته مع الإله في مفهومه التوراتي" ص108، وهذا ما يجعل القارئ يتقدم من سفر أيوب ليتعرف عليه عن قرب وما جاء به، ومنها متعلق بتحليل الأحداث والشخصيات في السفر: "...الإله التوراتي هو الذي كسب الرهان مع الشيطان، لكن القراءة المتفحصة للنص تكشف أن الإله هو الذي خسر الرهان، بأن قدم كإله متبجح متحد ودون أخلاق إلهية، بينما قدم أيوب كإنسان نبيل مظلوم تمرد عليه وتصدى لمفاهيمه
واتهمه بالظلم بل وشكك في قدرته وخيرانيته، أي أن الشيطان كسب الرهان وبامتياز" ص108، وهذا الخلاصة تدفع المتلقي ليقرأ بتمعن وتفكير، وأن يتحرر من قدسية العهد القديم، وتجعله يتقدم من أدب الهلال الخصيب الذي تحدث عن قصة أيوب السومري ويبحث عن العلاقة بين النص الهلالي والنص التوراتي والتغييرات التي حدثت عليه، كما أن فكرة الصراع بين الإنسان والإله/الآلهة تأخذنا إلى جلجامش وانكيدو اللذان خاضا صراعا جسديا وفكريا مع الآلهة، واستطاعا قتل "خمابا" حارس غابة الأرز وسحق ثورة السماء وقتله، والرد على طلب عشتار للاقتران بجلجامش بصورة مهينة، وما رحله جلجامش للبحث عن الخلود إلا تحدى للآلهة وتمرد على قراراتها بفناء البشر.
من هنا، اعتقد كان على الباحث أن يقدمنا من بدايات ظهور قصة "أيوب" في النصوص القديمة قبل أن تظهر في الكتب السماوية ويطلعنا على التغييرات والتعديلات والاضافات التي حصل على القصة ومن ثم يبدأ بحثه المقارن مع فاوست جوته.
ومبررات هذا الأمر تكمن في الفكرة التي طرحها الباحث حينما تحدث عن فاوست قائلا: "بينما فاوست هو ملحمة النفس الإنسانية في البحث عن مكانة لها في الوجود، وإن شئتم الوجودين، الوجود الدنيوي والوجود الأحروي، وأن شئتم ما هو أكثر شمولية، الوجود في المطلق الأزلي بدنيوية وآخرته" ص108، فكرة الوجود أول تناول لها جاء في ملحمة جلجامش، وهل هناك أعظم من فكرة البحث عن الخلود، والتمرد على الموت؟.
والجميل في هذا الكتاب أن الباحث يوضح علاقة الكاتب بالسارد، جوته ببطل مسرحيته "فاوست"، فيقول: "من الواضح هنا أن فاوست يحمل فكرة جوته نفسه، وأكاد أجزم أن جوته كان يتخيل نفسه في فاوست، كما كنت أتخيل نفسي في "الملك لقمان" وفيما بعد في "أديب في الجنة" حيث جعلت من الملك لقمان شخصيتي الفصامية" ص92، وهذا يأخذنا إلى جدلية الكاتب والسارد/الراوي، مع أيهما نتعامل كقراء؟، وأيهما يجب أن (نحلله/نفككه) عندما نقرأ العمل الأدبي؟، وما الصلة/العلاقة بينهما وما هو حدود الاختلاف/الفاصل؟.
في الختام نقول أننا بحاجة إلى مثل هذه الكتب، التي تفكك النصوص وتحللها، مبينة أن هناك افكار واستنتاجات أعمق بكثير مما يظهر على السطح، وعلى القاري مهما كان موضعه، أن لا يأخذ النص برؤية الآخرين، بل برؤيته هو، كيف يراه، وكيف يفهمه.
الكتاب من منشورات مكتبة كل شيء، جيفا، الطبعة الأولى 2017
نشرت فى 4 ديسمبر 2019
بواسطة magaltastar
قصيدة
"ضياء تشرين"
موسى الكسواني
استخدم الحروف بكثرة في النص الأدبي يعطي دلالة إلى أن الكاتب/الشاعر يردنا أن نتفهم الصورة/الحدث/الموضع الذي يطرحه، وكثرة استخدام الحروف يشير إلى الانحياز الشاعر وحبه لما يُراد طرحه، وهنا سيفقد الكاتب/الشاعر شيئا من سيطرته على النص، بحيث يأخذه الموضوع الأدبي بعيدا ويغرق في سرد التفاصيل، لكن الكاتب/الشاعر المتقن لصناعة الأدب بالتأكيد سيمتع القارئ من خلال قدرته على استخدام الصورة الشعرية/الأدبية، ومن خلال سلاسة واللغة، الشاعر "موسى الكسواني" يقدم لنا قصيدة طويلة، سنحاول أن نقف عندها ونرى كيف كان تقديمه لقصيدة "ضياء تشرين".
يفتتح الشاعر قصيدته قائلا:
"مِنْ دونما دِرايةٍ
تشرينُ جاءَ بَغتةً مَخاضُهُ"
فهذه الفاتحة التي بدأت بحرف "من" سنجدها تؤثر على كيانية القصيدة كاملة، بحيث نكاد لا نجد بيت في القصيدة دون وجود حرف يُفصل الحدث/الصورة التي يتناولها الشاعر.
"قُبيلَ أنْ يَطالَ شاربَ النُّعاسِ نومُهُ
وقدْ تلاشى في عِراكِهِ
مَعَ اعتلالِ سادِناتِ مَعبدِ النُّجومِ حُلمُهُ
حتى أتى اليقينُ في بِشارةٍ زهراءَ
هلَّلتْ بها مُغرداتُ الصُّبحِ في مَسرَّةٍ
على جَناحِ سابحٍ تلفَّعتْ بدفئهِ
مَولودةُ السَّماءِ في تشرينْ"
إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجد فيه تفاصيل كثيرة وشروحات، لهذا نجد اسهاب في الشرح، من خلال حروف "أن، في، مع، بها، على" ونجد التواصل والتكامل في الحدث/الصورة التي يراد تقديمها، من هنا يتم تجاوز الصورة الطويلة التي يقدمها الشاعر، فالتواصل والترابط يجعل الصورة قريبة من المتلقي، لكن الشاعر لا يكتفي بهذا التواصل والترابط، بل يضيف إليه صور شعرية قصيرة تأتي ضمن هذه الصورة الكبيرة، مما يجعل المتلقي يستمتع بها متجاوزا حالة الشرح، فيتوقف عند كل مقطع لما فيه من صور شعرية مثل "شارب النعاس، جَناحِ سابحٍ تلفَّعتْ بدفئه" وإذا ما اضفنا إليهما الأسطورة والتراث المتمثلان ب"سادنات، الزهراء" نكون أمام قصيدة تفتح شهية المتلقي لينهل منها بشغف وشهية.
وإذا ما زدنا التوقف عند المقطع السابق سنجد فيه عناصر مخففة مهدئة، فهناك الطبيعة "الصبح والشمس"، وهناك حضور المرأة الذي جاء من خلال "السادنات والزهراء"، وكلنا يعلم رمزية "الزهراء/عشتار" وما تحمله من معنى للحب والجمال، كل هذا يجعل القصيدة سلسة ويستمتع بتناولها.
وهناك جانب يضاف إلى ما سبق، إلا وهو اللغة البيضاء التي جاءت في القصيدة، وبما أن الشاعر يحب وينحاز لموضوع قصيدته التي اسهب في تناولها، فلا بد أن ينعكس هذا الحب والانحياز على الألفاظ والمضمون الذي أرادنا معرفه، فالمقطع السابق يكاد يخلو من أي لفظ قاس أو مؤلم إذا ما استثنينا لفظ "تلاشى، عراكه، اعتلال" تكون بقية الألفاظ بيضاء بالمطلق، وهذا ما يجعل القصيدة منسجمة بين الألفاظ والمضمون/الفكرة التي أريد طرحها والطريقة التي قدمت بها القصيدة ـ الشرح والتفصيل ـ.
الشاعر يحدثنا عن شهر تشرين هو شهر من السنة، بمعنى أن له نقيض، فالفصول تتبدل وتناقض بعضها بعضا، من هنا جاءت فكرة الملحمة الكنعانية "البعل" التي تتحدث عن الصراع الأزلي بين "البعل" والموت، وقد سبق أن اشار الشاعر إلى الأسطورة من خلال "الزهراء" بمعنى أن هناك شيء في العقل الباطن عند الشاعر يشير إلى هذا التناقض/الصراع، فيكيف جاء في قصيدة؟:
"فزمَّلتها ناشِراتُ الوَمْضِ في فِراءٍ مِنْ حَنينْ
وَلاذَ في مِحرابِها
فَتيلُ مَنْ يُصافحُ الصباحَ في
لُهاثهِ الخفوتِ مثلَ رَجرجاتِ قنديلٍ
تدلَّى في ارتعاشةٍ
نادى بها نداءُ الفجرِ قبلَ أنْ
يَبيضَّ شَعرُ اللَّيلِ في سُدولهِ الأخيرْ"
صراع الطبيعة ليس صراع دموي كما هو الحال بين البشر، بل صراع هادئ/ناعم/طبيعي، فرغم التناقض بين فصول السنة إلا أن حياة أو موت أي فصل يحمل بين ثناياه ولادة جديدة، فالتعاقب بين الربيع والخريف وبين الصيف والشتاء يخدم فكرة الحياة، من هنا سنجد انعكاس لهذا التكامل في (الصراعات) على طريقة تقديم القصيدة، فتبدو لنا كحالة طبيعية، من هنا نجد الألفاظ القاسية محدودة، وتخدم فكرة البياض أكثر مما تخدم فكرة السواد، وهذا ما نجده في عبارات: "لهاثه الخفوت، رجاجات قنديل، يبيض شعر الليل" ، والألفاظ القاسية "لاذ، لهاثه، رجاجات، ارتعاشه، الليل، الأخير" كلها جاءت بصورة مخففة وتخدم فكرة البياض التي أراد الشاعر تقديمها.
من هنا يمكنا أسقاط هذا الأمر على هذا المقطع من القصيدة:
"في كلِّ عامٍ مرةً
يجيءُ وجهُها الضحوكُ كلَّما
أتَى الفتى تشرينُ حاملًا بهِ
فانوسَ مُعجزاتِه على حَفاوةٍ
ليعلنَ الولادةَ الأولى لِشمْسِنا الحنونْ"
يبدو المقطع متماثلا مع فكرة عودة "البعل" إلى الحياة، فمن خلال الألفاظ التالية: "يجيء، الضحوك، أتي، الفتى، فانوس، معجزته، حفاوة، ليعين، ولادة، شمس، الحنون" يمكننا القول أنها ألفاظ تتماثل وتتطابق مع تلك التي جاءت في ملحمة "البعل" الكنعانية، فهل أثر المكان والظرف على الشاعر بحيث جعله يستخدم عين فكرة الملحمة، أم ان الشاعر متأثرا بالملحمة الكنعانية؟.
بعد أن يعم الخير بظهور البعل/الخصب، يأخذ الناس بتمجيد القادم الجديد:
"تشرينُ يا نبوءَةَ القلبِ التي
تحقَّقَ افتراشُها للكونِ
ساعةَ انبلاجِ الدِّفءِ في المَدى الفَسيحْ
" تشرينُ يا صديقيَ السَّميحْ
تَفلتَتْ منَّا على عَمايةٍ عقيلةُ الزَّمانِ
بَعدَ أنْ تاهتْ على رَمْضَائِنا
جحافلُ الذين قد شَرَوْا أنوارَهم بظلماءِ البسوسِ
واشترَوْا عُوارَهم بما
زَهتْ بهِ نفائسُ النفوسْ
وفي انْبساطِ غُفلِنا نثرنا كُلَّنا
وما حوَتْ جِعابُنا عطورَ مَجدٍ خاطئٍ
على صِحافٍ منْ بَياضْ
فَسارَ فينا ألفُ عامٍ غافلٍ عنَّا
ومَا يَزالُ كاتبُ التاريخِ تستهوي دواتُهُ
عُفونةَ انتصارهِ لغيهبٍ من الكذبْ
وما يزالُ فاغرًا فمَ الغباءِ ليلُنا الكسيحْ"
تمجيد "البعل/تشرين" جاء من خلال:
"تشرينُ يا نبوءَةَ القلبِ التي
تحقَّقَ افتراشُها للكونِ
تشرينُ يا صديقيَ السَّميحْ"
فيبدو لنا المخاطب "تشرين" أكبر مما هو بشري، لهذا نجد الشاعر يعظمه، من خلال استخدام صيغة التعظيم "يا" ونجد حالة الناس البائسة دون وجود "تشرين/البعل":
" تَفلتَتْ منَّا على عَمايةٍ عقيلةُ الزَّمانِ
بَعدَ أنْ تاهتْ على رَمْضَائِنا
جحافلُ الذين قد شَرَوْا أنوارَهم بظلماءِ البسوسِ
واشترَوْا عُوارَهم بما
زَهتْ بهِ نفائسُ النفوسْ"
وكأن الشاعر يقول أن الحياة دون "تشرين/البعل" صعبة ومؤلمة وقاسية، فهو يسهب في تناوله لحالة الألم، وكأنه يريد أن يفضي ما في نفسه من ألم "لتشرين/للبعل" لهذا يبدو لنا كصديق حميم للشاعر أو كإله، وهنا نتوقف متسائلين: لماذا استخدم الشاعر شهر تشرين الخريفي وليس شهر نيسان الربيعي؟ علما بأن تشرين يمثل فصل الخريف، وهل لهذا علاقة بحالة التواصل والتكامل بين الفصول، أم إنه خطأ وقع فيه الشاعر؟، أم أن الحالة البائسة التي يعيشها الشاعر جعلته يتخذ "تشرين" الخريفي صديقا يفضي له، فهو يريد شخص/حالة/إله على شاكلته ممتلئ بالسواد والقتامة؟.
اعتقد أن المقطع السابق يشير إلى حالة الالم التي يمر بها الشاعر، فهو يتحدث عن الضغط الواقع عليه، لهذا نجده يستخدم "تفلتت، تاهت، رمضائنا، بظلماء، غوارهم، غفلنا، خاطئ، غافل، غفوته، الكذب، الغباء، ليلنا، الكسيح" وإذا ما قارنا هذا المقطع مع ما جاء في فاتحة القصيدة، يمكننا ان نجد التباين بينهما، حتى يبدو وكأن هناك قصيدة جديدة غير تلك التي افتتحت بها القصيدة، وهذا ناتج عن حالة الضغط والالم الذي يمر بها الشاعر.
يقدمنا الشاعر أكثر مما يعانيه فيقول:
"لُغاتُنا مريرةٌ في لَغْوِها
وجَمعُنا نِثَارْ
وكلُّ ما فينا مَكاثيرٌ عِثارْ
وذِي السَّوافُ قدْ تَجلبَبَتْ أمَانينا الكُثارْ"
إذن هناك حالة من القهر يمر بها الشاعر، وهذا ظاهر في القصيدة، لكن لماذا تباينت افتتاحية القصيدة البيضاء عن متناها الأسود؟، اعتقد أن الشاعر/الإنسان بطبيعته يميل نحو البياض، لهذا هو دائما يحلم/يفكر بعالم جميل مترع بالبياض والأمل، وهذا ما وجدناه في فاتحة القصيدة، فالشاعر له دور اجتماعي يضاف إلى دوره كشاعر، كأديب، من هنا أراد من خلال حديثه عن الطبيعة البيضاء أن يقدمنا من الأمل، بعد أن تأكد أننا مؤمنين بالمستقبل، فاتجه إلى ترغيبنا بالمستقبل، من خلال تناوله لتفاصيل السواد والألم الذي يعيشه، فبعد أن غرس فينا بذرة الحياة، أراد أن يرينا الموت كي نسرع بالتقدم من الحياة التي أرادها لنا.
"تشرينُ ذارعُ المدى القَصيِّ في مَسيرنا المديدْ
تشرينُ يا مُكاءَ روحيَ التي
اسْتولدْتَها الكمالَ كُلَّما تَنَفَّسَتْ
رِئاتُ العمرِ عامَها الجَديدْ
ضياءَ تشرينِ البهيِّ يا وليدةَ السماءْ
إليك مَملوكُ الهوى قلبي
كأي نسمة تشمُّها إناثُ النور
في صباحٍ مِنْ عُطور
مَملوكةٌ إليك أنفاسي
كأيِّ هَمسةٍ آوتْ إلى احتِضانِ لهفةٍ
على سريرٍ مِنْ سرورْ
إليكِ مَملوكُ الهوى شِعري أيا صغيرتي
كأيّ لثغةٍ تَراقَصتْ
على شفاهِ طفلةٍ خَجولْ
مَملوكةٌ جوارحي إليكِ يا حبيبتي
كأيِّ موسيقى تَذوَّبَتْ دلالًا مثلما الحفيفُ
فوقَ هفهفاتِ زيزفونةٍ جَسور"
التماثل بين المقدمة والخاتمة يشير إلى طبيعة الشاعر التي تنحاز للبياض والحياة الجديدة، وهذا ما كان في قصيدة "ضياء تشرين" فالمضمون أبيض والألفاظ كذلك، حتى أننا لا نجد أي لفظ اسود أو مؤلم، فهناك عالم ناصع، وهذا التقدم من جديد نحو البياض يؤكد على أن الشاعر يحمل في عقله الباطن الأمل بالحياة، وهذا ما اراده لنا نحن المتلقين للقصيدة، فالفاتحة وخاتمة البياض، يشير إلى حرص الشاعر على مشاعر المتلقين للقصيدة، بحيث لا يريد صدمنا بالحديث عن الألم في الفاتحة، وأخر الحديث عن الألم انسجاما مع طبيعته البيضاء، لهذا جعل الألم بين بياضين.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.
نشرت فى 23 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
الفعل والحرف في قصيدة
"أنا من تعبت"
جروان المعاني
وحدة الألفاظ والمضمون ضرورية في العمل الأدبي، فهذا يشير إلى انسجام الكاتب/الشاعر مع نصه، مع ما يكتبه، ويؤكد على حالة التماهي مع النص، بحيث يجعلنا نشعر بصدق ما يقدم لنا من أدب، كما أن الاختزال والتكثيف أصبح سمة العصر، فالنصوص الطويلة ـ في عصر النت ـ أصبح عدد متناوليها من القراء محدود جدا، من هنا نجد ميل العديد من الكتاب إلى التكيف مع العصر، والشاعر "جروان المعاني" واحدا منهم، وعندما يوجه الأديب/الشاعر خطابه إلى القارئ، فهذا يشير إلى ثقة الأديب/الشاعر بالقارئ لهذا خصه بهذا الحديث الشخصي، ويشير أيضا إلى العلاقة الحميمية التي تربطهما، وعندما تكون المتعة والسلاسة حاضرة، فهذا يعطي دفعا اضافيا ليتقدم القارئ من النص/القصيدة بشهية ورغبة جامحة.
فاتحة النص الأدبي تعطينا صورة أولية عن مضمونه:
"أنا من تعبت فراغاته من غرغرة الماء
اشرب كأسا من سراب "
عندما يحدثنا الشاعر عن ألمه، عن تعبه، فهذه فاتحة تقدمنا من الشاعر، لأن هذا الحديث الشخصي عن الهموم لا يكون إلا بين الأصدقاء، فرغم ألفاظ الألم التي جاءت "تعبت، فراغاته، غرغرة، سراب" إلا أن طريقة الخطاب جاءت لخففت من وطأة الألم على المتلقي لأنه هو المخاطب/هو من خصه الشاعر بهذا الحديث، وهذا ما جعله يشعر أنه (الماعون الكبير) الذي يستع لسماع حديث مؤلم من صديقه.
وما يلفت النظر أن هناك ثلاثة أوصاف/حالات متعلقة بالماء "غرغرة، أشرب، سراب" وإذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة، سنجد الحالات السلبية أكثر من الايجابية، وهذا يخدم مضمون القصيدة الذي يحمل الألم.
وهناك ثلاثة حروف "السين والشين" جاءت في كلمات "السراب، كأسا، أشرب" قريبة من بعضها، وحرف مكرر ثلاث مرات "الغين" جاءت متعلقة في "فراغاته، غرغرة"
سنجد هذه الحروف "السين والشين والغين" حاضرة في الألفاظ المستخدمة في القصيدة، وبقيت مؤثرة في العقل الباطن عند الشاعر، لهذا نجدها حاضرة في هذا المقطع:
"جادلني لأرى سر التعب
وشهوة الغياب "
المضمون قاس، والألفاظ أيضا "التعب، الغياب" وحروف "السين والشين والغين" كذلك حاضرة.
المقطع التالي يتضمن أضافة معرفة لهذا التعب والعذب:
"اسأل الغيب فيجيبني السياب
ما أخبار من قصت أظافر عمري ؟
وسكبت جمرها بردا على جسدي
ما أخبار من تركتني أتلوى
اعاتب الاقدار"
دائما ما يكون مخاطبة المرأة أو الحديث عنها يخفف من وطأة الالم على الكاتب/الشاعر والقارئ أيضا، كما أن تناول الكتابة أو الكتاب يهدئ من النفوس، كما هو حال الطبيعة، الشاعر يستخدم الكتاب/السياب والمرأة ليهدئ مما يمر به من ألم، لهذا نجد صورة الألم أقل حدية مما جاء في الفاتحة، فهناك ألفاظ بيضاء في "السياب، وسكبت، بردا، جسدي" كما اننا نجد فعل القسوة "قصت" متعلق بشيء جميل "أظافر" إذا ما تجاوزنا "عمري" وهذا التأخير للفظ "عمري" يمكننا القول أن هناك ميل ورغبة عند الشاعر إلى التخلص من حالة الألم، لهذا نجد عبارة "بردا على جسدي"، موازية ل "تركتني أتلوي"، وحالة التوازن هذه جاءت من خلال كلا من السياب والمرأة، وأيضا حالة المخاطبة لنا نحن المتلقين للقصيدة، كل هذه جعلت الشاعر يتجه نحو السكون والهدوء، ويختم قصيدته قائلا:
"فتبثني صورتها عبر ألف جدار
أعود واشرب كأس الحنين
وها أنا
أعيش عمري انتظار"
فكافة الألفاظ جاءت بيضاء "فتبثني، صورتها، عبر، ألف، أعود، وأشرب، كأس، الحنين، أعيش، عمري" إذا ما استثناء "جدار، انتظار" فالشاعر تخلص من حالة الألم وأخذت نفسة تهدئ، لهذا وجدنا ألفاظه المستخدمة بعيدة عن حالة الألم والقسوة.
إذا ما تتبعنا كلمات: "أسال، الغيب، السياب، وسكبت، جسدي، أشرب، كأس، أعيش" كلها تؤكد على تأثر الشاعر بالحروف التي جاءت في فاتحة القصيدة، لكن المضمون تحول من حالة القسوة إلى الهدوء والسكون، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن مخاطبة الأصدقاء/القراء، والحضور المرأة، والكتاب/الكتاب كلها عناصر مهدئة للنفس، مما ينعكس على النص الأدبي.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.
نشرت فى 23 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
مناقشة قصائد عمار خليل
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تم مناقشة قصائد للشاعر الفلسطيني "عمار خليل" وقد افتتح النقاش الشاعر "جميل دويكات" قائلا: قلت منذ زمن أننا سنكون أمام شاعر كبير وها نحن نقف أمام شاعر مهم ويأخذ مكانته بين الشعراء، "عمار دويكات" استطاع أن يشق طريقه بكل قوة ليقدم لنا مثل هذه القصائد المفعمة بالصور الشعرية، وهذا ما كان ليتحقق دون أن يأخذ الشاعر الملاحظات التي كنا نواجهه بها.
ثم تحدث الأستاذ "سامي مروح" قائلا: قصائد عمار مفعمة بالأمل وبالحياة، وهذا بحد ذاته يحسب للشاعر، فاستخدامه للفعل المضارع كان يخدم هذا الأمل والرؤية المستقبلية للحياة، كما أننا نجد شيء من الصوفية فيما يقدمه لنا، وهذا يخدم الرؤية الناعمة التي يقدمها الشاعر، فهو يبعدنا عن مواطن الألم من خلال هذه الصوفية والصور الشعرية، ونجد الارث الديني ظاهرا في قصيدة "أما الجدار" وهذا يقرب المتلقي من القصيدة لأنه تخاطبه باللغة التي نشأ عليها.
وتحدث الروائية "خلود نزال" قائلة: قصائد جميلة، تشعرنا بالجمال وتجعلنا نلامس الطبيعة الناعمة وهادئة، حتى أننا نجد أنفسنا أمام صور كتلك التي رسمها "جبران خليل جبران" وهذا بحد ذاته يحسب للشاعر الذي يحسن استخدام الصور الشعرية ويمتع المتلقي بها، كما أننا نجد حضور للقرآن الكريم وهذا يجمل أكثر القصائد ويجعلها أقرب إلينا أكثر، وإذا ما أضفنا المشاعر الإنسانية إلى ما سبق كما هو الحال في قصيدة "توبة قابيل" نتأكد اننا امام شاعر متميز قادر على امتاع وجذب القارئ إلى ما يقدمه من شعر.
وتحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" قائلة: عنوان قصيدة "توبة قابيل" يشير إلى الجرائم التي ارتكبت على الأرض من الخليقة وحتى الآن، وهذا ابعد التاريخي والتغول في الزمن يشير إلى قدرة الشاعر على جعلنا نسبر أغوار التاريخ وما فيه من احداث، كما أن المشاعر الإنسانية كان لها أثر واضح علينا خاصة مشاعر الأم التي تترقب بشغف إلى ولديها الملتصقان، كما أن طريقة سرد القصة جذبنا إلى القصيدة وجعلنا نراقب أحداثها باهتمام أكثر، ونجد هناك صور الطبيعة البكر كما هو الحال في قصيدة "احتفالية في حضرة الماء" التي تأخذنا إلى عالم أرضي، لكنا الأرض البكر التي لم تتلوث بالدماء والأفعال البشرية بعد، فهذا التنوع في الأفكار والصور الإنسانية الطبيعية يجعلنا نستمتع ونتوقف عند الافكار التي تحملها القصائد.
ونجد في قصيدة " الوردة والمقصلة" حالة جديدة للولادة، فرغم الموت الظاهر فيها إلا أن هناك حياة تكمن في باطن هذا الفناء، وكأن هناك حالة استنساخ/حياة تنبعث من جديد، وهذا الأمل والنظرة الايجابية للحياة ضرورية ومهمة جدا لنا، خاصة في ظل تفشي الخراب والقتل والتشرد في بلداننا.
أما الشاعر "علي شحادة" فقال: نحن أمام لغة شعرية متميزة ومتينة تأخذنا إلى عالم من الخيال، فالتشبيهات والصورة التي جاءت في القصائد كافية لتجعلنا نهيم في عالم من الجمال والفرح، وهذا بحد ذاته يحسب للشاعر الجميل "عمار خليل" من هنا أجد من الضروري أن يكون هناك بعض القسوة في القصائد حتى نشعر بشيء من الصراع الذي نعيشه.
ثم قدم الاستاذ "رائد الحواري" ورقة نقدية جاء فيها: " حكمة الحوار في قصيدة
"الوردُ والمقصلة"
استخدام الكاتب/الشاعر لطريقة/أسلوب ينسجم مع متطلبات (الجمهور) والعصر فهذا يشير إلى تكيفه وتأثره بالواقع، وهذا شيء يحسب له، لكن هناك خط فاصل بين ما يريد أن يكتبه الكاتب/الشاعر وبين ما يريده (الجمهور) بحيث لا يندفع الكاتب/الشاعر بكل ما يكتبه إلى (الجمهور)، وأن يبقى لنفسه مساحة يعبر فيها عن ذاته ككاتب/كشاعر، وهنا تكمن أهمية الكاتب ودوره في (التغيير) وخلق حالة من الوعي عد (الجمهور)، فالاختصار والتكثيف أصبح سمة عامة في عصر النت، وهذا الأمر يتطلب جهد خاص وقدرة استثنائية ليكون الكاتب منسجما مع (الجمهور) الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم مادة عصرية لكن بطريقته الخاصة، بمعنى أن شكلها/حجمها يوحي بأنها تناسب (الجمهور) لكن الحكمة التي تحكلها، والفضيلة التي جاءت بها تمثل حالة فكرية قديمة، فنحن في زمن النت والمصلحة والسرعة والمال، فكيف يمكننا أن نتقبل أفكارا (تقليدية) انتهى زمنها؟.
وهنا يكمن دور الشاعر الطليعي/التقدمي، فهو يوحي للقارئ أنه (شكليا) منسجما مع العصر، لكنه يقدم مادة فكرية أخلاقية تبث الأمل بالحياة ـ رغم هول الواقع ـ فالشاعر لا يكتفي بالاختزال والتكثيف، بل يضيف جمالية أخرى من خلال تقديم مادته الأدبية من خلال الحوار، وأي حوار، حوار بين عناصر غير ناطقة، بين المقصلة والوردة، وكأنه بهذا التغريب يريدنا أن نخرج من العصر/الواقع والذهاب إلى الفكر والتخيل، وهذا بحد ذاته يعد (طفرة) في هذا الزمن، من هنا تأتي أهمية قصيدة "الوردة والمقصلة".
المباشرة في قصيدة
"وأمّا الجدار"
اعتقد أن المواطن العربي عامة ومنهم الفلسطيني عنده عقدة من حرس السين، فقد أصبح هذا الحرف فارغ، ويشعر المواطن/المتلقي بالامتعاض منه، فقد سمعنا كلمات "سنبني، وسنعمر، وسنكون، وسنحرر، وسنتقدم، و... و...، لكن لم يكن هناك إلا الخراب والتقهقر والانهزام، ليس على مستوى النظام الرسمي فحسب، بل على مستوى البديل وحركات التحرر أيضا، وقد تفاقم هذا الأثر ليصل إلى المواطن العادي، الذي فهم وعرف وعلم طبيعية الخدعة التي يحملها حرف السين، فلم يعد يلقي له بالا، اعتقد أن هذا القصيدة ـ رغم أنها تحاول أن تخلق الأمل ـ إلا أنها تعد من شاكلة الخطاب التعبوي القديم، والذي لم يعد يجدي في بعث (النخوة العربية).
القصيدة القصة في قصيدة
"توبة قابيل"
تداخل/التزاوج بين الأنواع الأدبية شيء جميل ورائع، فهذا يعطي مدلول/فكرة على أهمية التنوع والتعدد، لكن بطريقة غير مباشرة، ويعطي أيضا مفهوم على ضرورة التجديد، وعدم تقديس شكل أدبي بعينه، "الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم قصة بشكل قصيدة، والجميل فيها أنها مكثفة وتحمل فكرة إنسانية، كما أنه جاءت بأكثر من صوت، والأجمل ان الشاعر يستخدم طريقة التشويق فيها سرد القصيدة، فهو يقدم الأحداث على مراحل، بحيث يتوقف المتلقي عند كل مقطع من القصيدة/القصة، المقطع الأول جاء فيه:
"هُما طفلان
مُلتسقان في المشفى ،
وأمهما لدمع الحزن ساكبة
لتزرعَ في صُداع الروح أمنية ً
لـيـفـتـرقا !؟.."
هذا المقطع يشير إلى وجود حالة ولادة غير طبيعية، فهناك توأم ملتصق، والأم بطبيعتها تريدهما معا، وتخاف فقدان أحدهما أو كلاهما، وهذا الأثرة الإنسانية مهمة وضرورية لجذب القارئ للقصيدة، والتي بها يريد أن يستكشف ويعرف ما آلت إليه بقية القصة/القصيدة، وهذا التشويق لمعرفة القصة يجيبنا عليه الشاعر في المقطع الثاني:
"يقول : طبيب أطفالٍ
- وقد ذ ُهلت ملامحُهُ -
بأنـّهما ..
بقلبٍ واحدٍ خَــفـَقـَـا "
هناك مشكلة تتفاقم، وبالتأكيد ستنعكس على أثارها على الأم وعلى القارئ، الجميل في اللغة التي استخدمها الطبيب، أنها جاءت بفواصل، وكأنه لا يرد أن يقدم حقيقتهما الصادمة للأم ولنا دفعة واحدة، لهذا هو يراعي مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث يقدم المعلومة بشكل يفهم منها خطورة وضع التوأم.
يعود الشاعر ليسرد لنا بقية القصة بعد أن أسمعنا صوت الطبيب وطبيعة المخاطرة التي تحمهما عمالية فصلهما:
"يُخيّم في
فراغ الصمت صمت ٌ،
كلّ مَن في
صدمة الميلاد مرتقب ،
ولم يدروا ..
بأنهما لمعنى الحب قد خـُـلقا"
يراعي الشاعر مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث لا يريد أن يصدمه بالألفاظ المؤلمة، لهذا نجده يستخدم كلمات لها أثر جميل على الأم وعلى القارئ، لهذا جاءت نهاية القصة/القصيدة بهذه الألفاظ غير المؤلمة.
اللغة البيضاء في قصيدة
"احتفالية ٌ في حضرة الماء"
للغة المجرد أثرها على القارئ، فهي قادرة على ايصال فكرة النص الأدبي/القصيدة دون أن ندخل في تفاصيل الأحداث، وعندما تكون الألفاظ منسجمة مع المعنى/المضمون بالتأكيد فأن هذا يشير غلى أن الشاعر قد توحد مع قصيدته، بحيث يتداخل فيها المكتوب مع الكاتب ويتوحدان معا.
على بُعْـــدِ عـُمْرين
ما زلت حيّا ،
اُسجل ميلاد حرفي
واُعلن فوق الغمام وصولي
أ ُصلي وفيّ خشوعٌ
يقاسمني ما يريدُ
أكونُ فتيا
يكون نبيّا "
الجميل في هذا المقطع ان الشاعر يحدثنا عن مشاعره، فنحن من يفهمه والأقرب عليه، لهذا خصنا بهذا الحديث وهذه اللغة الناعمة والهادئة.
المقطع التالي يستخدم فيها الشاعر لغة ناعمة وهادئة تبث الطمأنينة في المتلقي وتجعله ـ بألفاظها المجردة يشعر بالخير الذي حدث:
"وعند اللقاء
اُقبلُ وجه الضياء
يقولُ بهمس ٍ
سلامٌ عليك
سلام عليّا "
"اللقاء، أقبل، وجه، ضياء، بهمس، سلام" كل هذا يشير إلى الخير الذي حدث، هذا البياض استكمل في المقطع التالي، والذي جاء بلغة ريفية مفعمة الأمل والخير القادم:
"اُرتِب في دفئ روحي
مواعيدَ الشتاءِ
وأغسل وجه البذور
أزرعُ أعمدة الماء
في كل نبضٍ
فيكبر سِربُ الجداول
يَسقى جموعَ الجذورِ
ويُــزهر دربُ الخلود
ربيعـًا وقلبًا نديا"
تبدو لنا القصيدة وكأنها قصيدة ريفية، وأن كاتبها ، غير تلك التي بدأت بها، فاللغة والأحداث والألفاظ تتباين عن تلك التي بدأت بها، فقد كانت البداية تتحدث عن السماء والفضاء، وهنا نجد عالم أرضي، لكنه يتماثل بجماله مع عالم السماء، فالبيئة ريفية صافية، ومثل هذه الطبيعة بالتأكيد تمنح القارئ الهدوء لما فيها من جمال وسكينة.
يقدمنا الشاعر أكثر من عالم الجمال والبياض، بحيث نتخلص تماما من أي لفظ مؤلم أو يمكن أن يشير إلى حالة القسوة:
"أمُرُّ بكل الحدائق
أجمعُ عِـقد الفراشات
يحتفلُ الورد بي
تبدأ الأغنياتُ
وأصوات نبضي
تناجي الطيور
تحطُ على كتفيّا"
عالم أرضي، لكنه ايضا عالم الجنة/الفردوس الذي يطمح إليه كل إنسان، وهذا ما يجعل القصيدة منسجمة بين البداية السماوية التي جاءت بها والتفاصيل الأرضية/الطبيعية الريفية.
يختم الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"وفي الأفق شمسٌ
وظلٌ يُرافقني للمساء
وليل شهيٌ
عباءته من نجومٍ
غطاءُ السماء
حكاية ُ بَوْحٍ
شفاهٌ تعانق كأس السكون
وتهمسُ لحن التسامر في أذنيّا
فتلخد للعشق روحي
أظلُ على بعد عمرين حيّا"
الألفاظ جاءت بيضاء، كحال سابقتها، وهذا يشير إلى أن الشاعر توحد مع القصيدة، بحيث انسجما معا، ولم يعد يقدر أن يتحرر من حالة (الاشراق) فكتبته القصيدة بالفاظها."
وفي نهاية الجلسة تحدث الشاعر "عمار خليل" قائلا: الشاعر يعيش حياتين، والشاعر لا يتقدم إلا بالنفس النقدي البناء، لهذا تجدني اتفهم وتقبل واعمل على تجاوز الهفوات التي أقع فيها مستفيدا من الملاحظات التي يبديها المتلقي للقصائد، واحب أن أنوه غلى ضرورة الاشارة إلى أن الشاعر يخاطب العامة والخاصة، وعليه أن يراعي متطلبات الطرفين، بحيث يكون بين مسافتين متساويتين، وهذا أمر مهم وضروري لأي كاتب، ولهذا ما كان في قصيدة "أما الجدار" التي حاولت أن أوصل فكرة القصيدة للمتلقي العادي، وختم حديثه بالشكر للجنة الثقافية لدار الفاروق، متمنيا العودة بالسلامة للروائي "محمد عبد الله البيتاوي" من الشارقة.
وقد تقرر أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 24/11/2018 الساعة الثالثة مساء لمناقشة ديوان "أمشي إليها" للشاعر الفلسطيني "سامح أبو هنود"
نشرت فى 15 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
دور القصيدة في ديوان
"حارس المعنى"
أحمد الخطيب
للكتابة أثر استثنائي على الشاعر، فهي من تمنحه الفرح، وهو يجد ذاته من خلالها وبها، والكتبة تعطيه حالة من الصوفية، بحيث يتوحد معها وتتوحد معه، ويمكنهما معا أن يقما علاقة المرأة والرجل، فالكتابة هي من أهم العناصر التي تكون الشاعر.
في هذا الديوان الكبير بحجمة ـ أربعمائة وسبعون صفحة ـ والممتع بنوعية القصائد التي يحملها نجد عالم الكتابة بكل جلاء، فهي الحياة التي يعيشها الشاعر، وهي الماء الذي يروي ظمئه، والهواء الذي يتنفس، فكل قصائد الديوان جاءت لتتحدث عن أثر ودور وأهمية الكتابة عند "أحمد الخطيب" بحيث يكاد أن يكون الديوان رواية تتحدث عن الكتابة وأثرها ودوافعها وحيويتها، فاتحة الديوان جاءت بهذا الشكل:
"في القصيدة
شيء اسمه حرفة
أن تبدل حرفا بحرف إذا
ما تآمر مصف الكلام عليك، وأن
تأخذ الشمس صدفة
... وتدخلها في الشمال، وتعكس شمس الغروب ...،
وتحفز غزلان دربك،
حتى إذا نام راعي الحلال،
نبهت الحليب من الضرع
فانساب رأفة
شيء اسمه حرفة
وتأويل شرفة.
تطل ما ذهب إلى الماء
تحرف عن مشهد في الحديقة
نصفه
القصيدة رمز،
إذا ما انفردت على الماء
تفرج عن عادات المكان
ورمز إذا ما اختزلت المحارات
في القاع
عزف
وألفة" ص5و6، بهذه الفاتحة يمكننا القول أن "أحمد الخطيب" يؤكد على أن عناصر المهدئة/الفرح تتكون من الكتابة/القراءة، والطبيعة، ورغم أنه يتجاهل دور المرأة في الفاتحة إلا أنه يتناولها في متن الديوان، فهو كشاعر يركز على أدواته، جاعلا منها الباعث والخالق للعناصر الأخرى "المرأة والطبيعة والثورة" على النقيض من الشعراء الآخرين الذين يجعلون المرأة هي الباعث والخالق لبقية العناصر، وسنحاول أن نبين المنحى الذي استخدمه الشاعر في هذا الديوان وتركيزه على الكتابة كعنصر مُوجد للعناصر الأخرى.
فالكتابة تكمن في "القصيدة، حرفا، الكلام حرفة، عزف، تأويل، رمز" والطبيعة ب "الشمس، الغروب، غزلان، الكائنات، الماء، الحديقة" فالشاعر لا يتعاطى من الكتابة ككتابة فحسب، بل يقدمها بكليتها، لهذا أثرها وحالاتها من خلال العزف، والرمز، والحرفة، والتأويل، فهو رفع الكتابة إلى الحالة الحقيقية لها، وليس إلى الكتابة المجردة، وعندما تناول الطبيعة، لم يقتصر على جغرافيا بعينها، بل تحدث عن جغرافية الأرض، لهذا نجد الشمس والغروب والماء، وكأنه من خلال الفاتحة الديوان يريدنا أن لا نأخذ الأشياء من زاوية واحدة، بل بشمولية، وهذا ما يؤكد أن الديوان هو رواية تتناول واقع/حالة الكتابة وأثرها.
يقول في قصيدة "يعقل ليلها الأبد":
"...
لي ما للقصيدة من سماء حلتها تتعمد
لي ما للحوار من البلاغة مورد
فتهيئي
يا بنية الماء المسوغ للجمال
فقد جنينا الخمر منك، وأشهد
أني لفحت النار في جسد الكلام
وخضت في بيت البلاغة
ما يجوز
ويبعد
شجر قديم قال لي: يا أيها المنسي
في الكلمات، كيف أعيش منسيا هنا
ويموت قربك من تركت، فأسعد
شجر قديم
غامض في ثوبه
ومقدد
فتهيئي
يا جملة الريح القديمة، واستعيدي
من فضاء الشعر ما قد ينجلي
عن سيفه أو يغمد
فأنا تركتك في مهب الكائنات قليلة،
وحسرت ثوبك عن رهانك،
فأدخلي في جنتي
لأموت وحدي في ظلالك، أو اعيش،
وإن أعيش، أمشي إلى جمر الكتابة
ثم أمشي
وأرقد" ص205-207، يحول الشاعر القصيدة/الكتابة إلى امرأة، لهذا نجده يستخدم الفاظ "فتهيئي، جنينا الماء منك، لفحت النار، جسد الكلام، وخضت، يغمد، وحسرت ثوبك، فأدخلي جنتي" كل هذه الألفاظ والعبارات تشير إلى علاقة الرجل بالمرأة، فالكتابة ـ وهي مؤنة ـ منحت الشاعر حالات العلاقة مع المرأة، وبصرف النظر أن كان الشاعر يستخدم الكتابة/القصيدة كرمز أو كحالة هروب من المباشرة والوضوح، تبقى الكلمات والمعنى توحي إلى المرأة والمكانة التي تحملها، لكنها جاءت من خلال الكتابة، بالكتابة هي التي أوجدت هذه العلاقة، بمعنى أنها الخالق لهذه المرأة.
قلنا أن الشاعر يُوصل الكتابة إلى حالة التوحد "الصوفية" وهو يعتزل الناس والكون مختليا بصومعة القصيدة، بحيث لا يشارك خلوته أي أحد، وهذه الخلوة جاءت من خلال :
" لأموت وحدي في ظلالك، أو اعيش،
وإن أعيش، أمشي إلى جمر الكتابة
ثم أمشي
وأرقد" ص207، فهنا الحالة تتحدث عن خلوة وتوحد وعزلة، وعمل ـ امشي وأرقد ـ كل هذا ليصل الشاعر إلى التماهي الكلي مع ربه/القصيدة.
ونجد الأثر الديني في هذه الأبيات من القصيدة من خلال: "تتعمد، فأدخلي في جنتي" وهذا الجمع بين المسيحة ـ تتعمد ـ والآية القرآنية يؤكد على حالة الرهبة التي يريدها الشاعر، فمن خلال تعمده بالقصيدة سيدخل جنة الخلد.
الديوان منشورات الجنان للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2010.
نشرت فى 13 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
المد في رواية
"بحر تموت فيه الأسماك"
ممدوح أبو دلهوم
هل من المفترض أن نكتب عن أعمال أدبية لا تروق لنا، ومن ثمة علينا تجاهلها؟، اعتقد من واجب القارئ أن ينبه الكاتب إلى مواطن القوة والضعف فيما يقدمه من أعمال أدبية، لكي يقدمه من الجمهور أكثر وليسهل على الكاتب يقرب من حالة الأبداع والتألق، مبينا وجهة نظره فيما يكتب من أدب، فيكفينا أن أفواهنا مغلقة أمام مؤسسات النظام الرسمي، فلتكن مفتوحة أمام الكاتب الذي ـ اعتقد ـ ان سعة صدره تتسع للرأي المخالف.
من الجميل أن يكون الكاتب ذاته، بمعنى أن يكون الشاعر شاعرا، والقاص قاصا، والروائي روائيا، والناثر ناثرا، فلكل نوع أدبي مكانته ودوره وأهميته، فهناك قصائد نستمتع بها كحال الرواية، وهناك قصص نستمع بها كالقصيدة، وهناك نثر يذهلنا كالشعر، في هذه الرواية نجد حالة (نفخ) لقصة لتكون بحجم رواية، فبدت لنا مشوهة وغير متناسقة لا شكلا ولا مضمونا، حتى أنها تتعب وترهق المتلقي لما فيها من مد وتطويل دون داع، فالكاتب عملا جاهدا على أضافة أماكن وأحداث لقصته، لكنه لم يقنعنا بهذه الاضافات ولم يمتعنا، والمتعة هي أحدى أهم ميزات العمل الأدبي الجيد.
بكل موضوعية حاولت قراءة الرواية منذ زمن ولم استطع اكمالها، فعدت إليها من جديد لعلي اتجاوز حالة العجز الأولى، لكن بعد أن وصلت إلى نصفها أصابني الملل من جديد، وأرجو أن يكون احساسي شخصي وليس لبقية القراء، لعل يكون هناك من يستطيع أن يتحدث عنها بطريقة تقربنا منها من جديد.
الرواية من منشورا وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2008،
نشرت فى 10 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
((((((((شاعر وناقد )))))))))
(((((( شاعرنا سوري الاصل من الطراز الاول يصول ويجول في اللغة
مبدع في مجاله شعرا وصرفا رافضا اي مديح له او تسمية ان قلت شاعرا رفض
وان قلت استاذا رفضهامتمكن مبدع جرول بن أوس ))))
((ناقدنا الاستاذ المبدع صالح احمد فلسطيني الاصل مبدع جزاهما الله خيرا )))
(((قراءة وتحليل قصيدة )))
((((ضحكت خناسُ .)))بقلم جرول بن أوس ..
///
نص القصيدة:
ضحكتْ خُناسُ فهاجَ ذلك مدمعي
من بعد أن أشجى بكاها مسمعي
دهراً طويلاً ما عرفت لغيرها
سحاً لدمعٍ ، كان هيّض أضلعي
أمضتْ خُناسُ الدهرَ تبكي صخرَها
واليومَ تضحكُ ، ذاك أمرُ المُفزَعِ
لوكنت أعلم يا خُناسُ طريقةً
أرقا بها نزفاً لذاك المَدمعِ
لسفحتُ دمعاً طالما أرجأتُهُ
في سِرِّ نفسٍ ما هَناها مَرتعي
ولرحت أبكي الدهرَ عَلَّ حزينةً
رأفتْ بها الأيامُ رأفة مُولَع
فتردّ ضحكتها ولو لهُنيةٍ
وتعيدُ أيامي التي لم ترجعِ
لو كنت أعلمُ يا خناسُ لأدمعٍ
نفعاً لعشتُ الدهرَ أسفحُ أدمعي
كيما يعودُ لذي الشفاهِ توهجٌ
من بسمةٍ أو ضحْكةٍ كمُشعشعِ
إن كنتَ يوماً قد بكيتَ لصخرها
ها نحنُ نبكي فقدَ كلِّ سَمَيْدَعِ
قد كنتُ أذكرها إذا ذُكرَ البكا
واليوم أذكرها لضحِكٍ يَدّعي
أنْ كلَّ حُزنٍ قد تبدّدَ فجأةً
مذْ أنْ رأتْ نَوحي وفيضَ توجُّعي
قالت : لَصِنْوي أنتَ في هتّانةٍ
فاجمعْ شجونكَ ، و لْتَجِي تبكي معي !
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
قراءة وتحليل القصيدة ((( بقلم الاستاذ صالح احمد
قصيدة راقية تتكئ بمدلولها على الرمز التراثي (التاريخي) ليشحنها بدلالة موحية ومؤثرة بعمق.. وقد أبدع الشاعر إذ بدأها بمطلع يحمل إشارة إلى الرمز المعتمد كمتلازمة دالة موحية مشحونة بالبعد النفسي والوجداني والشعوري المقصود.. هذا الرمز الذي زاد جمالا وعمقا وتأثيرا .. حين حمّله وكساه ثوب المفارقة الراقية .. (ضحكت خناس) ، مفارقة راقية.. تستوقف القارئ وتشده بقوة .. خناس... رمز البكاء.. والرثاء.. والعويل في وعي القارئ العربي.. تضحك!
وليرفع من وتيرة الدهشة.. دهشة المفارقة... جعل ضحكها يزيد بكاءه.. ويثير دموعه..
ضحكتْ خُناسُ فهاجَ ذلك مدمعي
من بعد أن أشجى بكاها مسمعي
دهراً طويلاً ما عرفت لغيرها
سحاً لدمعٍ ، كان هيّض أضلعي
...
فخناس التي ارتبط اسمها وذكرها بالبكاء والحزن ولدهور خلت.. ها هو شاعرنا يجعلها تضحك.. بل وتثير بضحكها دموعه.. وتذكي حزنه!
هنا يبدأ الرمز بالتجلي التعبيري.. إنها لفتة تحسب للشاعر.. بأن بدأ الرمز من نقطة الاستثارة.. والاستنارة (التنوير الذهني لإدراك معنى الرمز) في ذات اللمحة التعبيرية.. وهي لفتة قوية مؤثرة إبداعية راقية.. يشكر عليها شاعرنا.. إذ يحمل إشارة (تضمينا رامزًا) لبيت المتنبي الذي ذهب مذهب الأمثال (الطير يرقص مذبوحا من الألم) تثير ذهن القارئ وإحساسه.. وتنير له قبسا لإدراك ما وراء الرمز من معنى قصده الشاعر..
خنساء تاريخنا ملأت الدنيا بكاءً لموت شخص واحد اسمه صخر هو اخ لها.. ولكنها حتما ستضحك اليوم إذا رات ما حل بخنساوات أيامنا وقد ذهبت الحرب بكل أخ وابن وقريب وحبيب .. ما يذكرنا بفيض الخواطر لأحمد أمين الذي قال فيه (هذه الحرب أرخصت الحياة ففي كل يوم تحصد الأرواح من فعل الطائرات والغواصات وسائر المدمرات.. حتى بات الإنسان يضحك ألما.. فهو يرى حوادث الدنيا الكبيرة من خلال دنياه الصغيرة)
أمضتْ خُناسُ الدهرَ تبكي صخرَها
واليومَ تضحكُ ، ذاك أمرُ المُفزَعِ
نعم ... مفزع أن يجعل الدهر باكيا يضحك... ومُبكِيا مُفزِعًا يُضحِك ... ففي واقعنا .. حيث رخصت حياة البشر.. لم يعد موت فرد... مات عزيزًا حرًا .. يملك أمر نفسه كصخر أخي خناس.. مبكيا.. بل مضحكا!
إن كنتَ يوماً قد بكيتَ لصخرها
ها نحنُ نبكي فقدَ كلِّ سَمَيْدَعِ
فإذا كنا نتأثر لشعر خناس.. ويثيرنا بكاؤها صخرا... فما حالنا اليوم.. ونحن نبكي كل حرٍ .. وكل أصيل.. وكل كريم (سميدع = صميدع)
وإن كانت خناس قد وجدت سلوى بموت أخيها.. فكيف أجد ما أرقا (المخففة من "أرقأ" بمعنى أقطع وأوقف وأمنع) النزف والدمع.. الذي بات عامًّا شاملا لا يبرح أحدا .. ولا يستثني مخلوقا؟!
وإمعانا بالمفارقة التي تثير القارئ.. وتزيد شحنة الدهشة والتأثر : يعود ليذكرنا بضحك خناس.. ويلتفت (خاصية الالتفات في البلاغة والتعبير) ليشرح لنا .. أو ليمنحنا قبسًا يجعلنا ندرك سر ضحكها فيقول:
قد كنتُ أذكرها إذا ذُكرَ البكا
واليوم أذكرها لضحِكٍ يَدّعي
أنْ كلَّ حُزنٍ قد تبدّدَ فجأةً
مذْ أنْ رأتْ نَوحي وفيضَ توجُّعي
كنت أذكرها كلما ذكر البكاء (ولولا كثرة الباكين حولي).. وهذا كان، أو اصبح ماضيا! أما اليوم.. وأنا أراها تضحك.. هذا الضحك الذي يدّعي أن الحزن (حزنها وحزن أمثالها) تبدد وتلاشى أمام ما يحدث اليوم .. يومي الذي أصبح يحمل صفتي ويشرح حالي ومصابي وبكائي..
حالي وبكائي كإنسان هذا العصر.. وهذا الجزء من العالم المبتلى برخص الانسان.. جعلها (خناس) تقول:
قالت : لَصِنْوي أنتَ في هتّانةٍ
فاجمعْ شجونكَ ، و لْتَجِي تبكي معي !
أنت مثلي فعينك هتانة (كغيمة هطلها متواصل) فتعال لتبكي معي..
(من عرف مصيبة غيره.. هانت مصيبة نفسه عليه..)
وختاما:
أوجه تحية تليق بشاعرنا المبدع..
باحترام: صالح أحمد (كناعنة)
نشرت فى 10 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
حكمة الحوار في قصيدة
"الوردُ والمقصلة"
استخدام الكاتب/الشاعر لطريقة/أسلوب ينسجم مع متطلبات (الجمهور) والعصر فهذا يشير إلى تكيفه وتأثره بالواقع، وهذا شيء يحسب له، لكن هناك خط فاصل بين ما يريد أن يكتبه الكاتب/الشاعر وبين ما يريده (الجمهور) بحيث لا يندفع الكاتب/الشاعر بكل ما يكتبه إلى (الجمهور)، وأن يبقى لنفسه مساحة يعبر فيها عن ذاته ككاتب/كشاعر، وهنا تكمن أهمية الكاتب ودوره في (التغيير) وخلق حالة من الوعي عد (الجمهور)، فالاختصار والتكثيف أصبح سمة عامة في عصر النت، وهذا الأمر يتطلب جهد خاص وقدرة استثنائية ليكون الكاتب منسجما مع (الجمهور) الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم مادة عصرية لكن بطريقته الخاصة، بمعنى أن شكلها/حجمها يوحي بأنها تناسب (الجمهور) لكن الحكمة التي تحكلها، والفضيلة التي جاءت بها تمثل حالة فكرية قديمة، فنحن في زمن النت والمصلحة والسرعة والمال، فكيف يمكننا أن نتقبل أفكارا (تقليدية) انتهى زمنها؟.
وهنا يكمن دور الشاعر الطليعي/التقدمي، فهو يحوي للقارئ أنه (شكليا) منسجما مع العصر، لكنه يقدم مادة فكرية أخلاقية تبث الأمل بالحياة ـ رغم هول الواقع ـ فالشاعر لا يكتفي بالاختزال والتكثيف، بل يضيف جمالية أخرى من خلال تقديم مادته الأدبية من خلال الحوار، وأي حوار، حوار بين عناصر غير ناطقة، بين المقصلة والوردة، وكأنه بهذا التغيب يريدنا أن نخرج من العصر/الواقع والذهاب إلى الفكر والتخيل، وهذا بحد ذاته يعد (طفرة) في هذا الزمن، من هنا تأتي أهمية قصيدة "الوردة والمقصلة".
المباشرة في قصيدة
"وأمّا الجدار"
اعتقد أن المواطن العربي عامة ومنهم الفلسطيني عنده عقدة من حرس السين، فقد أصبح هذا الحرف فارغ، ويشعر المواطن/المتلقي بالامتعاض منه، فقد سمعنا كلمات "سنبني، وسنعمر، وسنكون، وسنحرر، وسنتقدم، و... و...، لكن لم يكن هناك إلا الخراب والتقهقر والانهزام، ليس على مستوى النظام الرسمي فحسب، بل على مستوى البديل وحركات التحرر أيضا، وقد تفاقم هذا الأثر ليصل غلى المواطن العادي، الذي فهم وعرف وعلم طبيعية الخدعة التي يحملها حرف السين، فلم يعد يلقي له بالا، اعتقد أن هذا القصيدة ـ رغم أنها تحاول أن تخلق الأمل ـ إلا أنها تعد من شاكلة الخطاب التعبوي القديم، والذي لم يعد يجدي في بعث (النخوة العربية).
القصيدة القصة في قصيدة
"توبة قابيل"
تداخل/التزاوج بين الأنواع الأدبية شيء جميل ورائع، فهذا يعطي مدلول/فكرة على أهمية التنوع والتعدد، لكن بطريقة غير مباشرة، ويعطي أيضا مفهوم على ضرورة التجديد، وعدم تقديس شكل أدبي بعينه، "الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم قصة بشكل قصيدة، والجميل فيها أنها مكثفة وتحمل فكرة إنسانية، كما أنه جاءت بأكثر من صوت، والأجمل ان الشاعر يستخدم طريقة التشويق فيها سرد القصيدة، فهو يقدم الأحداث على مراحل، بحيث يتوقف المتلقي عند ك مقطع ن القصيدة/القصة، المقطع الأول جاء فيه:
"هُما طفلان
مُلتسقان في المشفى ،
وأمهما لدمع الحزن ساكبة
لتزرعَ في صُداع الروح أمنية ً
لـيـفـتـرقا !؟.."
هذا المقطع يشير إلى وجود حالة ولادة غير طبيعية، فهناك توأم ملتصق، والأم بطبيعتها تريدهما معا، وتخاف فقدان أحدهما أو كلاهما، وهذا الأثرة الإنسانية مهمة وضرورية لجذب القارئ للقصيدة، والتي بها يريد أن يستكشف ويعرف ما آلت إليه بقية القصة/القصيدة، وهذا التشويق لمعرفة القصة يجيبنا عليه الشاعر في المقطع الثاني:
"يقول : طبيب أطفالٍ
- وقد ذ ُهلت ملامحُهُ -
بأنـّهما ..
بقلبٍ واحدٍ خَــفـَقـَـا "
هناك مشكلة تتفاقم، وبالتأكيد ستنعكس على أثارها على الأم وعلى القارئ، الجميل في اللغة التي استخدمها الطبيب، أنها جاءت بفواصل، وكأنه لا يرد أن يقدم حقيقتهما الصادمة للأم ولنا دفعة واحدة، لهذا هو يراعي مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث يقدم المعلومة بشكل يفهم منها خطورة وضع التوأم.
يعود الشاعر ليسرد لنا بقية القصة بعد أن أسمعنا صوت الطبيب وطبيعة المخاطرة التي تحمهما عمالية فصلهما:
"يُخيّم في
فراغ الصمت صمت ٌ،
كلّ مَن في
صدمة الميلاد مرتقب ،
ولم يدروا ..
بأنهما لمعنى الحب قد خـُـلقا"
يراعي الشاعر مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث لا يريد أن يصدمه بالألفاظ المؤلمة، لهذا نجده يستخدم كلمات لها أثر جميل على الأم وعلى القارئ، لهذا جاءت نهاية القصة/القصيدة بهذه الألفاظ غير المؤلمة.
اللغة البيضاء في قصيدة
"احتفالية ٌ في حضرة الماء"
للغة المجرد أثرها على القارئ، فهي قادرة على ايصال فكرة النص الأدبي/القصيدة دون أن ندخل في تفاصيل الأحداث، وعندما تكون الألفاظ منسجمة مع المعنى/المضمون بالتأكيد فأن هذا يشير غلى أن الشاعر قد توحد مع قصيدته، بحيث يتداخل فيها المكتوب مع الكاتب ويتوحدان معا.
على بُعْـــدِ عـُمْرين
ما زلت حيّا ،
اُسجل ميلاد حرفي
واُعلن فوق الغمام وصولي
أ ُصلي وفيّ خشوعٌ
يقاسمني ما يريدُ
أكونُ فتيا
يكون نبيّا "
الجميل في هذا المقطع ان الشاعر يحدثنا عن مشاعره، فنحن من يفهمه والأقرب عليه، لهذا خصنا بهذا الحديث وهذه اللغة الناعمة والهادئة.
المقطع التالي يستخدم فيها الشاعر لغة ناعمة وهادئة تبث الطمأنينة في المتلقي وتجعله ـ بألفاظها المجردة يشعر بالخير الذي حدث:
"وعند اللقاء
اُقبلُ وجه الضياء
يقولُ بهمس ٍ
سلامٌ عليك
سلام عليّا "
"اللقاء، أقبل، وجه، ضياء، بهمس، سلام" كل هذا يشير إلى الخير الذي حدث، هذا البياض استكمل في المقطع التالي، والذي جاء بلغة ريفية مفعمة الأمل والخير القادم:
"اُرتِب في دفئ روحي
مواعيدَ الشتاءِ
وأغسل وجه البذور
أزرعُ أعمدة الماء
في كل نبضٍ
فيكبر سِربُ الجداول
يَسقى جموعَ الجذورِ
ويُــزهر دربُ الخلود
ربيعـًا وقلبًا نديا"
تبدو لنا القصيدة وكأنها قصيدة ريفية، وأن كاتبها ، غير تلك التي بدأت بها، فاللغة والأحداث والألفاظ تتباين عن تلك التي بدأت بها، فقد كانت البداية تتحدث عن السماء والفضاء، وهنا نجد عالم أرضي، لكنه يتماثل بجماله مع عالم السماء، فالبيئة ريفية صافية، ومثل هذه الطبيعة بالتأكيد تمنح القارئ الهدوء لما فيها من جمال وسكينة.
يقدمنا الشاعر أكثر من عالم الجمال والبياض، بحيث نتخلص تماما من أي لفظ مؤلم أو يمكن أن يشير إلى حالة القسوة:
"أمُرُّ بكل الحدائق
أجمعُ عِـقد الفراشات
يحتفلُ الورد بي
تبدأ الأغنياتُ
وأصوات نبضي
تناجي الطيور
تحطُ على كتفيّا"
عالم أرضي، لكنه ايضا عالم الجنة/الفردوس الذي يطمح إليه كل إنسان، وهذا ما يجعل القصيدة منسجمة بين البداية السماوية التي جاءت بها والتفاصيل الأرضية/الطبيعية الريفية.
يختم الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"وفي الأفق شمسٌ
وظلٌ يُرافقني للمساء
وليل شهيٌ
عباءته من نجومٍ
غطاءُ السماء
حكاية ُ بَوْحٍ
شفاهٌ تعانق كأس السكون
وتهمسُ لحن التسامر في أذنيّا
فتلخد للعشق روحي
أظلُ على بعد عمرين حيّا"
الألفاظ جاءت بيضاء، كحال سابقتها، وهذا يشير إلى أن الشاعر توحد مع القصيدة، بحيث انسجما معا، ولم يعد يقدر أن يتحرر من حالة (الاشراق) فكتبته القصيدة بالفاظها.
نشرت فى 8 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
التنوع والتعدد الأدبي في مجموعة
"مسا ... فات"
سمير الشريف
للعصر اثره على الكاتب، فنحن في زمن النت والسرعة والقارئ الذي يريد الفكرة مختزلة ومكثفة، لكن هذا النوع من الكتابة لا يقدر عليه أي كاتب، فهو بحاجة إلى مجهود كبير وقدرات خاصة على الصياغة الأدبية، ويحتاج إلى أشكال أدبية متنوعة حتى يجد القارئ الفكرة بأكثر من شكل أدبي، كما أن اللغة والألفاظ لها مكانتها ودورها في جذب القارئ لهذا النوع من الأدب.
من الجميل أن يكون للكاتب بصمة تميزه عن الآخرين، "سمير الشريف" من الذين يكتبون قصة الومضة، وهذا النوع من القصص يحتاج إلى قدرات استثنائية، واستطيع القول أنه أصبح هذا النوع من القصص ميزة تحسب للقاص "سمير الشريف" الذي يتقن هذا النوع من الكتابة، وأعتقد أنه في هذا المجموعة قدم ما هو جديد من خلال تعدد الأشكال الأدبية للقصص، فمنها ما جاء بشكل رمزي، وآخر بشكل واقعي، وبعضها قُدم بصورة الفانتازيا، وهناك بعض القصص الساخرة، ومنها ما جاء بأكثر من مدرسة أدبية، ولا يكتفي القاص بهذا فنجده أحيانا يقدم أفكارا بحاجة إلى وقفة وتفكير، وهنا قصص تقدم أسئلة أو جاءت بصيغة سؤال، وإذا ما أضفنا إلى كل هذا وجود صورة قصصية، أو قصص جاءت بشكل صور أدبية، نكون أمام كاتب يستحق أن نتوقف عند ما يقدمه من قصص، فالملفت للنظر ليس الأفكار فحسب ـ بل الشكل الأدبي والطريقة التي قدمت بها القصص أيضا، فهنا يتوحد الجمال والتنوع الأدبي مع المضمون، وهذا التكامل بين الشكل والمضمون يجعلنا نقول أن "سمير الشريف" أبدع وتألق في مجموعة "مسا ...فات".
عناوين المجموعة كافة جاءت بكلمة واحدة: "هروب، مرايا، اندفاع، صراخ، تمرد، غروب" ـ إذا ما استثنينا قصة "ابن كلب" وهذا يتناسب وطبيعة قصة الومضة، فالاختزال في العنوان يخدم القصة وهو كافا ليعطي القارئ اشارة عن طبيعة شكل هذه المجموعة، كما العناوين جاءت بين الفعل والاسم والحرف.
الفانتازيا
سنحاول هنا تقديم بعض النماذج من الأشكال الأدبية التي استخدمها "سمير الشريف" في مجموعته القصصية "مسا ...فات"، ننوه إلى أن هذا النوع من الأدب يمثل ذروة اغتراب الكاتب عن واقعه، كما في ذات الوقت أنه يشير إلى تمرد الكاتب على هذا والواقع، فالأفكار هنا تتجاوز العقل والمنطق، يقول في قصة "مواجهة":
"مررتُ بي لحظة، قلت لي: كيفك يا أنا؟
تطلع بي مستغربا ثم تركني ومضى" ص 13، حالة الاغتراب نجدها في الألفاظ التي استخدمها القاص: "مستغربا، تركني، ومضى" وهذه اشارة إلى الوحدة التي يمر بها القاص، وهذا الانسجام بيم فكرة الاغتراب وبين الألفاظ المستخدمة وبين شكل الفانتازيا الذي جاءت به القصة يجعلنا نتأكد أن القاص لا يكتب لقصة بل هي من تُكتبه، وهذا التوحد بين الحالة الكتابة والقاص والشكل الأدبي تؤكد إلى أن الكاتب يكتب بطريقة ناضجة ومن داخله، من عقله الباطن وليس من الخارج فحسب، وهذا ما يجعل القصص تأخذ مكانتها ووقعها في القارئ.
جاء في قصة "اختناق":
"عندما قفز النمر من اللوحة التي يضع الفنان رتوشها. لم يحرك الرسام ساكنا غير أنه أحس بخيط ساخن ينساب تحته بهدوء" ص14، هناك فعل التمرد "قفز" لكنه ليس فعل تمرد عقلي، بل فعل مجنون/أعلى وأبعد من العقل، النمر يقفز من اللوحة.
في قصة "رفض" يقدم:
"المرأة التي أكتبها لم يعجبها حال النص المائل، تمردت، صرخت، وقفت محملقة بعيون تنفث غضبا، سمعت الكثير من تقريعها قبل أن تنسل من بين الحروف وتمسك بالقلم وتكتب نهاية تليق بها" ص21، اعتقد عندما تتمرد اللوحة على الفنان وعندما تتمرد الشخصية على كاتبها فهذا يشير إلى ذروة وقع الحال على الكاتب، لهذا نجده يؤنسن الصورة والمكتوبة، بحيث يعطيها افعال إنسانية، وكأنها بها يقدمنا من ضرورة أن نتجاوز (المتخيلات) التي تتمرد على صانعها/موجدها، فالأولى أن نتمرد نحن الذي نشعر ونحس، لا تلك التي لا تشعر ولا تحس، والجميل في هذه القصة أن أفعال التمرد جاءت كثيرة: "لم يعجبها، تمردت، صرخت، وقفت، تنفث غضبا، تنسل، تكتب" وهذا ما يجعلنا نتأكد انحياز الكاتب للمرأة، لهذا نجد افعال التمرد كثيرة، وكأنه بها يعكس حجم الظلم الواقع عليها، فكان لا بد من وجود أفعال تتناسب وحجم الظلم الواقع.
في قصة "هوس" يقول:
"جن الكاتب الذي أضاع فكرته، ارتبك، عبس في وجوه من حوله، وما درى أنها هربت حتى لا يسجنها في نصه الجديد" ص38، أيضا نجد فعل التمرد/الرفض في هذه القصة، فهناك افعال: "أرتبك، عبس، هربت" والفكرة المطروحة أيضا جاءت متجاوزة العقل، فهنا الحديث يدور عن فكرة وليس عن إنسان، ومع هذا نجده تتمرد على صاحبها، على من أوجدها، أليس الأحرى أن نتمرد نحن أيضا على من يظلمنا ويضطهدنا؟.
في قصة "تمثال":
"التمثال الذي دبت فيه الحياة، كان مختلفا، صرخ/ مد أصابعه مقتلعا شعر رأسه، محتجا على الفيتو الأخير" ص66، فعال التمرد: "دبت، مقتلعا، محتجا" وأيضا القاص يجعل من (المتخيل/المصنوع/الموجود إنسانيا) يقدم على فعل التمرد، وكأنه بهذا المتمردات يستحثنا على أن نقدم نحن أيضا على فعل التمرد/الثورة.
في قصة "بُقع":
"المانيكان التي سئمت نظرات الرجال والوقوف أمام الواجهة الزجاجية وتجذر فيها إحساس أن قطار الزواج غادر محطتها، هجمت على عامل النظافة بقوة ولم يستطيع الزبون ولا صاحب المحل تخليصه إلا بعد أت تكرت على جسده بقعا زرقاء وعويل صراخ يملأ المكان" ص83، "مجسم العرض يتمرد على واقعه، أليس أولى أن يتمرد الأحياء على واقعهم؟، فهي "سئمت، وهجمت" وفعل ما لا يفعله الأحياء، فإلى متى يبقى الأحياء ساكنين؟.
الرمز
الرمز له وقعه على القارئ كما هو الحال بالنسبة للأشكال الأدبية الأخرى، وهو شكل أدبي يحاول فيه الكاتب أن يُبعد القارئ قليلا عن المباشرة حتى يعطيه مساحة للتفكير والوقوف عند النص الأدبي، جاء في قصة "تحذير":
"لعقت البقرة وجه وليدها بحنو هامسة...
: لا تنخدع بعنايتهم الزائدة فحليبي ولحمك هدفهم المنظور" ص 25، العقل العربي متعلق بقصص الحيوان فهناك كتاب "كلية ودمنة" الذي يعد جزءا من التراث الثقافي العربي، "سمير الشريف" في هذه القصة حاول أن يقدمنا من جديد إلى ما في ذلك الكتاب من حكم.
يقول في قصة "ارتباط":
"لا تبتعدي عزيزتي إحساس جارف بالفراغ يحتويني بعيدا عنك..
همس فنجان القهوة وهو يزحف نحو الدلة التي تعبق برائحة الهيل" ص45، من الجميل أن يقدم لنا علاقة حب بهذا الشكل الجديد والبعيد عن المباشرة، وما يحسب للقاص أنه استخدم المذكر "فنجان" والمؤنث "دلة" والتألق جاء عندما جعل "الفنجان" يأخذ قيمته هو ملآن من الدلة المؤنثة، والتي هي تعطيه القيمة والأهمية. فبدون الأنثى" لا قيمة له للذكر، هذا ما أراد أن يوصلنا إليه "سمير الشريف".
قصة "تطور":
"الطريق الزراعي الذي ظل محطة للعاشقين. أصابه الاكتئاب عندما توسعت حدود البلدية وصار نفقا لا يتوقف عنده حتى العابرون" ص65، يركز القاص على استخدام الرمز عندما يريد أن يتحدث عن العشق والحب، وكأنه يريدنا أن نتوقف عند هذا الفعل الإنساني الذي نفتقده في هذا الزمن، في هذا العصر، فعل عصر السرعة والنت حد وقلل من أهمية فعل الحب ودوره في الحياة الإنسانية؟ فأراد القاص أن يقدمنا من أهمية هذا الفعل من خلال استخدام الرمز؟.
الواقع
هناك بعض القصص جاءت بصورة واقعية، لكن الاختزال والتكثيف اعطاها سلاسة وانسيابية، بحيث جاء خفيفة الظل على القارئ، من هذا القصص قصة "لعب":
"زحف بكرسيه داخل المقهى المعتم يكركر ماء شيشته متهيئا للعبة جديدة...
ـ رتب جنودك يا صديقي. لكنا أحجارا على رقعة شطرنج" ص46، الفعل والكلام والحدث كلها واقعية لكن الطريق والفكرة التي جاء بها جعلتها جميلة وذات أثر على القارئ.
قصة "مكافأة":
أنهت اللجنة تقريرها بعد ضبط مخالفات المصنع. تنهد الجميع ارتياحا لإنجاز المهمة، انتظروا كتاب الشكر، صباح اليوم التالي جحظت عيونهم وهم يتسلمون أوراق الاستغناء عن خدماتهن" ص47، تناول واقع الفساد بطريقة مختزلة ومكثفة وبعيدا عن السرد والحشو يجلعا قصة خفيفة الظل رغم السواد الذي تحمله.
قصة "قهر":
"ندت من فم الطفل صرخة مكتومة، ووالده يضغط بكفة الكبير على يده الطرية، يجره من أمام المحل الذي تتزين واجهته بالألعاب دون أن ينتبه الطفل للدمعة التي انطلقت من عيني الأب محاولا إخفاءها" ص64، يتعمد "سمير الشريف" ظان يتحدث عن الواقع بطريقة واقعية، بمعنى أنه يستخدم الهموم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطن بواقعية، لكنه الطريقة الذي قدمت بها سلسة وخفيفة، وهذا ما يجعل القارئ يتناولها دون ان يمتعض أو يتأذى نفسيا بسبب السواد الذي تحمله.
قصة "مرايا"
"المعارض الذي ظل يحتل صف المنتديات الأول معقبا، والمرتزقة يمضغون لحمه ويزورون عنه محاولين ألا يمكنوه من الحديث، انبرى عند موته مؤبنين، محاولين بشتى الاسباب إثبات صداقته الحميمة" ص 73، بلا ادنى شك أن صورة النفاق الاجتماعي مزعجة ومؤلمة، لكن الطريقة التي استخدمها القاص جعلت فكرة الحدث الأسود تصل إلى القارئ بأقل ألم وقسوة.
قصة "لقاء":
"سأل الصحفي المتحمس الرئيس الذي يقف لأمام الكاميرا بشموخ:
ـ ماذا عن مذكراتك التي نزلت السوق حديثا؟
ـ سمعت أنه كتاب رائع." ص79، القاص يركز على مواقعه ككتاب، فهو ينتقد واقع البعض الذين ينسلخون عن موقفهم ككتاب من المفترض أن يكونوا في مصاف الأنبياء، إلى هذا السلوك الهابط، وكأنه بهذه المفارقة بين الدور الذي من المفترض أن يقوم/يسلكه الكاتب وبين ما يحدث فعليا يريدنا أن نستعيد ذاتنا النبيلة لنستطيع أن نتقدم إلى الأمام.
قصة "فرصة":
"بينما كان المحاضرون منشغلين بالتهنئة لإلقاء كلمتهم، كان يتفرس وجوه نساء الصف الأول باشتهاء" ص90، تركيز لقاص على النخب المثقفة وما تفعله من انتقاص لذاتها أراد به أن يعري الفئة التي ينتمي إليها وأن يشير إلى أن البعض من زملائه لا يستحقون ـ بسلوكهم ـ أن يكونوا كتابا من المفترض يمثلون روح الأمة وتطلعها إلى الحياة الكريمة.
الصور
من جمالية النص الأدبي ان يكون هناك صور أدبية تخفف من وطأة الألم على القارئ، وتمنحه شيء من الفرح من خلال الجمال الذي تحمله الصور الأدبية، "سمير الشريف" من الذين يهتمون بالقارئ لهذا نجده تعمد أن يكون هذا التعدد والتنوع الأدبي في مجموعته القصصية، وأن يزيدنا من خلال الصور الأدبية التي جاءت في القصص، من هذا الصور قصة "لعاب":
"أمام عربة الحلوى، مضغ المتسول أمنياته المهاجرة" ص20، ففي هذه القصة التي جاءت تحمل أكثر من شكل أدبي، ففيها الرمز والواقع والصورة الجميلة والتكثيف والاختزال واللغة السلسة والسهلة، ونجد ابتعاد اقاص عن استخدام ألفاظ قاسية قدر المستطاع، فإذا ما استثنينا لفظ "المتسول" نكون أم الفاظ عادية رغم قسوة القصة وما تحمله من فكرة الحرمان.
في قصة "حلم":
"أمام اللوحة التي يعلو فيها الموج ضاربا أسوار المدينة، تمنى أن يسحبه الماء إلى الأعماق التي احتوت حبيبته" ص23، صورة العلاقة الحميمة التي تجمع الحبيب بالحبيبة، وكأن القاص من خلال هذه الصورة أرادنا أن نتقدم من جديد من فكرة الانتماء للحبيب، فهو يريدنا أن نتخلص من مفاهيم العصر الجديدة وما فيه من ماديات.
في قصة "محاولة":
"ظل المخبر الغصنان يحاولان أن يتصافحا في الأعالي، غير أن مخبرا أمعن في قصهما شكا في ذاك اللقاء المريب" ص24، قصة جاءت تحمل الرمز والصورة الأدبية معا، مما اعطاها أثر جميل على القارئ، رغم وقع الحدث القاسي عليه.
قصة "عسس":
"تحسس كاتم الصوت بيد باردة، أصاخ السمع عله يصل لهمهمات النائمين في أحلامهم" ص43، نجد القاص يستخدم الصور الأدبية عندما يريد أن يتحدث عن النظام الرسمي العربي، وكأنه يتعمد أن يخفف من وطأة الحدث والمشهد من خلال استخدام الرمز الصور الأدبية، فهو يعتني بمزاج ونفسه القارئ لهذا هو حريص على عدم ازعاجنا ـ قدر المستطاع ـ بالأحداث والمشاهد المؤلمة، لكنه في الوقت نفسه يريد أن يوصل فكرته لنا.
في قصة "محاكمة":
"صرخ الفتى بوجه والده المعلق في إطار
ـ صدئت بنادقنا التي اشتريت، ولم يُبقى الذئب على أحد من خرافنا" ص49، أيضا نجد الفانتازيا والرمز والصورة الأدبية في هذه القصة، وهذه الأشكال الثلاث تتناسب وحجم المأساة/السواد في القصة، فهناك ألفاظ: "صرخ، المعلق، صدئت، بنادقنا، الذئب" وهي بشكلها المجرد تعطي مدلول على القسوة والسواد، لهذا اراد القاص أن يوازي بين فكرة السواد والشكل/الطريقة الأدبية بحيث لا يتعب أو يؤذي القارئ بالفكرة السوداء.
قصة "جدوى":
"ذات وجع انطلقت الجثة تبحث عن قبر"ص53، ما يحسب لهذه القصة أن القارئ يشعر أن القاص يحاول أن يهرب من الخوض في تفاصيل قسوة الأفكار والألفاظ في القصة، لهذا نجده أنهاها بأقل عدد من الكلمات، فالفانتازيا والصورة الأدبية التي جاءت فيها ساهمت في حدة وقع الحدث والألفاظ على القارئ.
قصة "سقوط":
"شد العازف أوتار العود فتساقطت مفردات السلم الموسيقي" ص68، بهذا الشكل يمكننا القول أن "سمير الشريف" فعلا استطاع أن يقدم ما هو جديد، فتعدد الأشكال الأدبية تنوعها كان يخدم فكرة تنوع وتعدد الأحداث والأفكار السوداء التي تحملها المجموعة، وكأنه من خلال التعدد والتنوع اراد أن يزيل ـ قدر المستطاع ـ الأحداث المؤلمة ويجعل القارئ يستمتع بها رغم قسوة الأفكار والألفاظ.
المجموعة من منشورات وزارة الثقافة، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2018.
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
الأيتام مشاريع العظماء
خليل حمد
كتاب يقدم مجموعة من الشخصيات التي تعرضت لفقدان أحد الابوين أوكلاهما، وأثر هذا الفقدان على ابداعهم، فالكاتب اعتمد على كتاب "الخالدون المائة" للكاتب الامريكي "مايكل هارت" كمرجع اساسي لتأكيد الأثر الايجابي على الشخصيات التي تناولها الكتاب، اضافة إلى بعض الشخصيات من خارج قائمة المائة، مثل شخصية "صدام حسين وياسر عرفات"، فهو يطرح مرحلة/سنة اليتم وأثرها على المبدع، فيبدأ من مرحلة الولادة حتى السنة الواحدة والعشرين لعينة اليتم، فالكاتب يعتمد على فكرة أن الألم هو المحفز والباعث على نماء الابداع والتألق، حتى أنه جعل من مقولة "جبران خليل جبران" في فاتحة للكتاب حقيقة وسند علمي ومنهج دراسة لهذه الشخصيات، والتي جاء فيها:
"اللؤلؤة هيكل بناه الألم حول حبة رمل" فالكاتب يأخذ هذه المقولة كمسلمة علمية على وجود المبدعين والعظماء، حتى أنه يضع فرضية يقول فيها:
"قل لي متى تيتمت أقل لك من أنت!"
اعتقد أن الفرضيات الاجتماعية لا تأخذ مكانتها كالفرضيات العلمية، وهذا ما أخذ على النظرية الماركسية التي كانت موفقة في "المادية الجدلية" عندما تناولت حقائق نظرية علمية صرفة، واخفقت في "المادية التاريخية" لأن الحالة الإنسانية حالة معقدة ومركبة ومختلفة ولا يمكن أن تخضع لفكرة واحدة تنطبق على كافة المجتمعات البشرية.
إذن معضلة الكتاب تكمن في هذه المسألة، "يحاول أن يخلق/يوجد/يضع نظرية تقول أن اليتم/الالم هو الواجد والخالق للإبداع والمبدعين"، وهذا الخلل وجدناه في أكثر من موضع في الكتاب، فعندما يتحدث عن الشخصية المبدعة يتضع الأثر الذي تركته وكأنه مسلمة علمية، وهذا الاسلوب غير علمي، فمن المفترض في هذه الحالة أذن، أن ينطبق ما يقدم على كافة أو معظم الأيتام الذي مروا/تعرضوا لعين المرحلة، لكن أخذ حالة واحدة وتعميمها على أنها حقيقة علمية يمكن اسقاطها على كافة الأفراد فهو يمثل نموذج واضح على التفكير الطيباوي وليس العلمي.
ولكي نكون موضوعيين فيما نقول، سنأخذ حالة مفردة "بطرس الأكبر" من تلك الاستنتاجات التي يعممها الكاتب على كافة الحالات، فيقول عن فئة الخامسة وما يمتازون به:
"ـ يأتي من بينهم القادة الأفذاذ والعباقرة العظماء.
ـ هم أقوياء عظماء وأصحاب شخصيات كرومية.
ـ لا تحكمهم العاطفة، تقدميون، متنورون، رواد.
قادرون على تحقيق أهدافهم بشكل إعجازي، عظيم.
ـ انجازاتهم تمثل في الغالب قصة نجاح استثنائية مبهرة.
ـ القادة منهم يحكمون بقوة وجبروت، ولا يتوانون عن ابعاد منافسيهم لو كانوا اقارب من الدرجة الأولى.
ـ علاقتهم بالنساء غير مستقرة وقد ينفصلون عن شركاء حياتهم بعد مدة قصيرة.
ـ قد تكون قلوبهم غليظة قاسية حتى على فلذات أكبادهم.
ـ يمقتون الطبقات الاقطاعية والبرجوازية فهي عكس طباعهم وميولهم.
ـ يميلون للزواج من عامة الشعب والأوساط المتوسطة، ولو كانوا قادة عظام.
ـ غالبا ما يكونوا عمالقة في انجازاتهم، إن لم كانون أقوياء.
ـ محبون للمرح وكثيرا ما يكون مرحهم عنيفا، وقد يسرفون في الشرب.
ـ يسعون لإقامة الأساطيل وتطوير الجيوش.
ـ ينتهجون سياسة ثقافية ثورية وجديدة للدولة.
ـ يميلون لفصل الدين عن الدولة، ويعبرون أن المؤسسات الدينية تمثل قاعدة الرجعية ومنطلقها، وقد يسعون إلى إدخال مناهج تطويرية. "ص67و68، إذا ما توقفنا عند هذا الصفات التي يحاول الكاتب أن يعممها، نجدها مقلوبة، بمعنى أنه أخذ صفات وأعمال وإنجازات شخصية واحدة من قائمة المائة، واعتمدها كحقيقية علمية يمكن اسقاطها وتعميمها على كافة الحالات، متجاهلا دور التربية التي تلقتها الشخصية، ودور المحيط الاجتماعي والطبيعي والأسري حولها، كما أن هناك جوانب أخرى لها تأثير على أي شخصية من الجانب الثقافة التي تتلقاه الشخصية، مثل الشعر والأدب والفنون والمسرح والموسيقى، ويضاف إلى كل هذا طبيعة المادة التي تدرس للشخصية، مثلا التاريخ حسب أي منهج يقدم لها، وأيضا هذا الأمر ينطبق على العلوم الأخرى.
من هنا نجد الخلل في طريقة التعميم التي ينتهجها الكاتب، فهو يجعل العربة أمام الحصان، لهذا نقول أن الكتاب باستنتاجاته لم يكمن موفقا بتاتا، لكن بالمادة التي قدمها والمعلومات عن تلك الشخصيات فهو مجهود كبير يستحق أن نقف عنده، فنحن نجهل العديد من تلك الشخصيات وحتى أن عرفناها فلا نعرف انجازاتها وأثرها على المجتمعات.
الكتاب دون اسم لدار نشر، لكنه موثق في وزارة الإعلام الفلسطينية تحت رقم (182 و.ع.ر) بتاريخ 8/9/2011.
الطبعة الأولى 2011
والطبعة الثانية 2015.
نشرت فى 6 نوفمبر 2018
بواسطة magaltastar
العرض الخامس في مهرجان فلسطيني الوطني للمسرح
مسرحية زمن الخيول البيضاء
العمل على تحويل عمل روائي إلى مسرحية ليس بالأمر السهل، لكن "فتحي عبد الرحمن" استطاع أن يقدم عرض يتجاوز فيه الصعاب، ويقدم عمل ملحمي بكل معنى الكلمة، فالرواية فيها العديد من الشاهد التي يعجز المسرح على احتوائها، خصة تلك التي يكون فيها "خالد والحمامة" معا، أو مشهد الصراع بين "الهباب والأدهم" لكن عبقرية المخرج جعلته يستخدم تقنية السينما، بحيث جاءت كل تلك المشاهد التي لا يمكن أن تقام على خشبة المسرح من خلال عرض سينمائي، وبنفس الممثلين، فيشعر المشاهد أن العرضين السينمائي والمسرحي هما عرض واحد، يخدما المسرحية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، يشعر المشاهد بضرورة تحويل "زمن الخيول البيضاء" لعمل سينمائي، وكأن العرض الذي قدم يفتح شهية المشاهد إلى مشاهدة العمل سينمائيا كاملا وليس من خلال مقتطفات
وإذا ما أخذنا عدد الممثلين والممثلات، وطريقة تقديمهم بلباس يتناسب وتاريخ المرحة، نهاية العهد التركي وبداية الاحتلال الانجليزي، وتركيز المخرج على دور المرأة، أم خالد، وزوجته ياسمين، وزوجة عبد الحميد التي تعرض زوجها فيما يقوم به من أعمال لا تتوافق وطبيعية المصلحة الوطنية الفلسطينية، وريحانة التي ترفض الزواج بالهباب، رغم مكانته وما يملكه من منال وجاه ومركز" والنسوة اللواتي يطالبن المختار أن يقوم بدوره في تأمين المياه للقرية" كل هذا يشعرنا بأن للمرأة دور مهم وحيوي في عملية التحرر والمقاومة، وهذا يحسب للمخرج الذي ركز على هذا الجانب، وإذا ما اضفنا بعض المقاطع الغنائية التراثية إلى ما سبق، نكون أمام عمل يستحق التوقف عنده، وهناك أيضا الديكور والتقنية الضوئية والصوتية التي كان بمستوى عمل "زمن الخيول البيضاء".
الرواية لإبراهيم نصر الله واعدها للمسرح فتحي عبد الرحمن.
نشرت فى 31 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
أمل دنقل
أن نتقدم من شعر "أمل دنقل" يعني أن نكتشف عالم الشاعر، فمن يطلع على ما كتبه سيجده شاعرا نبيلا، شاعرا محبا، شاعرا متمردا، شاعرا متألقا ومبدعا، وأن يغادرنا هو في العقد الرابع من عمره فهذا يعني أنه كان شاعرا بكل معنى الكلة، فعندما يستهلك الإنسان جسده قبل أوانه، فهذا يدل على أن الشاعر كان أكبر من جسده الذي لم يقوى على البقاء صامدا كما هو حال شعر الشاعر.
"لا تصالح"
القصيدة الأشهر هي "لا تصالح" وقد قلنا أن وقع فعل الأمر على القارئ فيه شيء من القسوة، لأن من معانيه أن هناك من يصدر لنا الأمر ، وعلينا أن ننفذ، وأن من أصدر الأمر يحمل شيء من الفوقية، لكن "أمل دنقل" يتجاوز هذا الوقع لفعل الأمر من خلال استحضار سيرة الزير سالم" التراثية، فبمجرد أن يدخل القارئ إلى متن القصيدة سيعلم أن الكلام موجه للزير، والذي سيخفف من وقع فعل الأمر الذي قرأه في فاتحة القصيدة
"أمل دنقل" في "لا تصالح" استخدم لغة سهلة وتتوافق تماما مع ما جاء في سيرة الزير، ولكن الجميل فيها أنه وظف الحدث التراثي/تاريخي بشكل يتطابق تماما مع والواقع العربي/المصري، كما أن استخدم صيغة السؤال قصد منها الشاعر استثارة العقل، وطبعا هذا لا ينفي أن يكون بين ثناياه استثارة النخوة والتي هي جزء من تركيبة النفس العربية، والتي تنحاز للإثارة وتتأثر بشكل واضح في طريقة وشكل الخطاب الموجه إليها، لهذا نقول أن قصيدة "لا تصالح" وظف فيها الشاعر حدث تراثي/تاريخي بشكل ينسجم ويتوافق مع الواقع.
"ماريا"
دائما للمرأة أثر إيجابي على المتلقي، فأن يكون عنوان القصيدة اسم امرأة "ماريا" فهي يعني أن هناك تناول لعلاقة ما معها، وأن النص/القصيدة سيكون فيها شيء من الهدوء والنعومة، ويعي أيضا أن الكاتب/الشاعر يحترمها، لهذا جعلها عنوان القصيدة، والجميل أكثر أننا نجده يخاطبها:
"ماريا! يا ساقية المشرب
الليلة عيد" فمثل هذه الفاتحة الشهية تقدم القارئ أكثر من القصيدة، وتجعله يتقدم بسرة أكثر منها، خاصة أذا علمنا أن اسمها "ماريا" وبعد أن ندخل التفاصيل، سنجد هناك نفس متعبة يرهقها الوجع والألم لهذا تريد من يخفف عنها ما تمر به، فكان من خلال "ماريا" ومن خلال المشروب:
"لكنا نخفي جمرات التنهيد!
صبي النشوة نخبا .. نخبا"
وهنا نشعر أن الشاعر يذهب إلى "ماريا" وحانتها لينسى/ليهرب من واقعه، فتحدثه بروح الإنسانة الناعمة والتي تنظر إلى الناس بصورة عادية وبسيطة:
"الناس هنا كالناس في اليونان
بسطاء العيشة، محبوبون"
وكأن الشاعر من خلال إسماعنا صوت "ماريا" أرادنا أن نعرفها أكثر، فطبيعتها بسيطة وخيرة، لهذا تنظر إلى الناس بهذا الشكل الإنساني الذي يتساوى فيه الكل، لكن الشاعر لا يراهم كما تراهم هي:
"لا يا ماريا
الناس هنا ـ في المدن الكبرى ـ ساعات
لا تتخلف
لا تتوقف
لا تتصرف
آلات، آلات، آلات
كفى يا مريا
نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان"
التباين من وجهتي النظر، تشيران إلى طبيعية كلا من "ماريا والشاعر" إلى الطريقة التفكير والنظر إلى الأشياء، فنجد الشاعر يحاول أن يبتعد عن الواقع من خلال "نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان" والتي يكررها مرتين في القصيدة.
انسجام الشاعر مع القصيدة وتوحده معها جاء من خلال التماثل بين فكرة "النسيان/الهروب" من والواقع عند الشاعر والألفاظ والطريقة تقديم الأفكار التي قُدمت فيها القصيدة، فالقارئ يتأكد أن الشاعر يعمل على أن لا يخوض في الحديث عن الواقع، لهذا هو يحاور امرأة "ماريا" وهي بطبيعتها تمنحه شيء من الهدوء والسكينة، وأيضا طبيعة ماريا" الساقية التي تميل إلى جذب الزبائن وجعلهم يحبون حانتها.
"العشاء"
من اشكال رفض الواقع تقديم المادة الأدبية/القصيدة بشكل فانتازيا، في هذه القصيدة نجد عالم غير عقلاني، عالم يتمرد على العقل والواقع:
"قصدتهم في موعد العشاء
تطالوا لي برهة،
ولم يرد واحد تحية المساء!
... وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء
... ... ...
نظرت في الوعاء:
هتفت: "ويحكم ... دمي
هذا دمي ... فانتبهوا"
.... لم ينتبهوا!
وظلت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة وظلت الشفاه تلعق الدماء!"
فالشاعر يقدم حدث شديد القسوة "ناس تشرب من دمه" لكنه خفف من حدة هذه القسوة من خلال الفانتازيا، وهذا يشير إلى أن الشاعر بطبيعته يميل إلى السلام، لكن وقع الأحداث عليه ـ كشاعر ـ يجعله يقوم بدوره في طرق جدار الخزان، فكان من خلال هذه الطريقة في تقديم فكرة الرفض للواقع.
وإذا ما توقفنا عند النقاط المتقطعة والتي تمنح القارئ مساحة جيدة ليفكر/يتوقف عند تفاصيل الأحداث، يتأكد لنا أن الشاعر يميل إلى استثارة العقل والتفكير وليس التعبئة العاطفية الانفعالية.
العينان الخضروان"
صيغة المثنى تعطي اشارة إلى ميل الكاتب/الشاعر إلى الطرف المرأة، فكأنه من خلال صيغة المثنى يطلبها لتشاركه حالته، ما يمر به من فرح أو حزن، فصيغة المثنى تعني/تشير إلى العلاقة الثنائية بين نظرين، و أن يكون العنوان "العينان الخضروان" فيعني أن هناك تغزل/تغني بجمالهما:
"العينان الخضروان
مروحتان
في أروقة الصيف الحران
أغنيتنان مسافرتان
أبحرتا من نايات الرعيان
بعبير حنان
بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان
سنتان"
نجد المثنى في كلا من "مروحتان، اغنيتان، مسافرتان، أبحرتا، سنتان" ونجد أثر المثنى في الفاظ أخرى "الحران، الرعيان، حنان، الأحزان" وكأن حرف النون الذي يشير إلى صيغة المثنى أنعكس على بقية الألفاظ، وهذا يشير إلى أن الشاعر ينحاز إليها.
إذن هناك ميل نحو علاقة ثنائية مع المرأة، وهذا ما وجدناه في:
و أنا أبني زورق حبّ"
يمتد عليه من الشوق شراعان
كي أبحر في العينين الصافيتين
إلى جزر المرجان
ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان
و أنا أبحث عن مجداف
عن إيمان" !
" نقلة واضحة نحو الحب، فنجدد اللغة الناعمة والهادئة من خلال "زروق، الحب، الشوق، شراعان، أبحر، العينيين، الصافيتين، المرجان، أحلى، الجفنان، إيمان" فكل هذه الألفاظ جاءت لتؤكد على انحياز الشاعر إليها، إلى تلك التي تنحه كل هذا البياض والجمال، فبدونها سيفتقد هذه اللغة وهذا الصفاء.
وإذا ما أخذنا صيغة المثنى التي جاءت في: "شراعان، العينين، الصافيتين، الجفنان" نكون أمام حالة توحد بين الشاعر والحبية.
القصائد منشورة على الموسوعة العالمية للشعر العربي على هذا الرابط
نشرت فى 29 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
حكايا النافذة"
فاطمة يوسف عبد الرحيم
عندما ينحاز الكاب إلى قضاياه بالتأكيد يُشعر المتلقي أنه صادق ومتماهي مع كتابته، فهو يكتب من خلال الوجع، لهذا تجدنا ننحاز إلى كتاباته، وهي الحميمة بين الكاتب وما يكتب تنعكس اجابا على القارئ، الذي سيجد صدق فيما يقرأه ـ في زمن فقدت فيه هذه الظاهرة النبيلة ـ.
بكل تجرد نحن أمام مجموعة قصصية مميزة، بلغتها وبالطريقة التي قدمت بها وبالمضمون الذي تحمله، غالبية القصص تحدث عن المرأة العربية وما تتعرض له من اضطهاد، كما تتحدث حن الفقر وأثره السلبي على المجتمع، فهناك العديد من النساء يعمل ليعن الأسرة بينما نجد الرجل مجرد سكير/مدخن/شهواني/مُصرف/شكلاني/سادي/متخلف/متعجرف/قاسي، بينما نجد المرأة على النقيض منه تماما، عاملة/مضحية/مخلصة/صابرة/ ثائرة/متمردة/نبيلة/منتمية، وهذه المفارقات بينهما هو الجدار الذي تقرعه القاصة "فاطمة عبد الرحيم"، وكأنها من خلال المفارقات بينهما تقول أن المشكلة في المنطقة العربية أن الطرف (الضعيف) هو من يعطي ويعمل وينتج ويصبر، بينما الطرف (القوي) هو المستهتر والخامل والهادم والمنهزم.
سنحاول أن نأخذ نماذج من هذه المجموعة لنقدم القارئ أكثر منها، في قصة "عندما يعشق دمية" تتحدث عن حاجة الرجل إلى المرأة لكن الفقر وضيق الحال، تعل الشاب الذي يعمل في متجر لبيع الملابس يعشق دمية العرض، ويقم معها علاقة حب: "يجلس معها ويكلمها: أجلسي، أتريدين قهوة وسيجارة، قهوتي لذيذة أصنعها بيدي" ص8، هذه العلاقة تتنامى لتصبح علاقة حقيقية، وعندما يطلب منه صاحب المتجر أن يلبسها ملابس داخلية فاضحة لتعرض على الزبائن يرفض: " رفض أن يلبسها ملابس النوم القصيرة جدا والفاضحة" ص10، لكن من خلال مشاهدته للزبونات يكتشف الهوة التي تفصل الخيال/الوهم عن الواقع فيقدم على: "حمل هراوته وبعصبية جنونية كسرها" ص11، الجميل في هذه القصة أنها تحمل الهم الطبقي من خلال طرح موضوع الزواج/الجنس، وكأن القاصة من خلاله تؤكد نظرية "ولهم رايش" الذي ربط بشكل موضوعي بين الصراع الطبقي والجنس، فهما يمثلان الهم الأكبر للإنسان، وإذا ما تم تأمينهما ستكون الحياة طبيعية وسوية، والعكس صحيح.
ونجد في قصة "سراب في اللقاء" حاجة المرأة إلى الرجل/الحب/الجنس، فتحدثنا عن مكامن المرأة من الداخل وما تعانيه من ألم/من جوع/من حاجة للرجل من خلال هذه الفقرة: "وشبابي الذي ارتشف رحيقه، أتتركني وحيدة في زمهرير نهايات العمر" ص12، فمثل هذا الكلام، يشير إلى الجوع الذي تعانيه المرأة في مجتمع ذكوري لا يرحم الضعفاء، ورغم الظلم الواقع عليها إلا أنه تجد في الرجل شيء لا يمكن أن يعوض، فهو بمثابة الهواء لها: "كلماته ما زالت تدفئ صقيع وحدتي تذكرني بما كان، أفتقد كثيرا، كم انتظرته بأشواق كل المحبين، كم تلسعني نفسي حين تجبرني على نسيانه" ص13، الجميل في هذا الكلام أننا نجد فيه الانسجام بين الكلمة والحالة، وهذا ما يجعله يدخل إلى القلب والعقل معا، وبعد أن تقيم علاقة مع احد الشباب من خلال النت ويتم تحديد موعد للقاء في المكان وزمان محددين، تكتشف هذه الحقيقة: "مرت من أمامه وتعمدت التعثر، ساعدني وأجلسني على المقعد:
استريحي يا خالة، أني أنتظر رفيقة دربي/ ابتهلي لله أن ألتقي بها" ص19، وبهذه النهاية تطرق القاصة مسألة المطلقات والعنوسة التي تعاني منها المرأة في سيدة مجتمع الذكور، الذي يهمشها ويهينها وينظر إليها نظرية دونية، وكأنها كائن حقير لا يستحق حتى أن يعامل باحترام.
وفي قصة "لم سفكت دمي!" تحدثنا عن جرائم (الشرف) التي يقترفها الذكور بحق النساء دون وجه حق، وطرق مثل هذا الجدار مهم جدا خاصة بعد أن اكتشف أن العديد من المغدورات كن ما زلنا ابكارا، لم يسمهن أحد، ولا ندري لماذا تقتل المرأة لا يقتل الرجل؟، وهل هذا استمرار الشكل من الجرائم يخدم المجتمع؟ أم أنه عبء يزيدنا تقهقرا وتخلفا؟.
تتحدث القاصة عن رجل يقتل ابنته على أساس "الشرف" ويقضي في السجن عقوبة خمسة عشر عاما، ولكنه يعلم أن ابنته بريئة وشريفة، وأن الشاب الذي أخبره بفسوقها كان كاذبا، وما قاله ما كان إلا انتقاما منها لأنها رفضت أن تعطيه جسدها، فقرر ان ينتقم منها بأن يكذب على أبيها، وهذا ما سمع حتى اقدم على جريمته، يخرج من السجن، يذهب إلى قبرها: "سامحيني يا ابنتي" ص29، لكنها ـ حتى من داخل القبر ـ تخالطبه قائلة:
"يدك ملوثة بدمائي، لا يمكن ملامستك، لن أنسى صورة الوحش الذي خرج من داخلك في تلك اللحظات الرهيبة حين قطعت أوصالي" ص30، وكأنها بهذا الكلام تحسم مسالة رفض الأبوة والمسامحة حين تتعلق بالقتل، أو بالتفكير غير الإنساني، غير الأبوي تجاه الابناء، وكأنها بهذا الكلام تقول حتى لو أن القانون عاقبك على جريمتك، أخذت عقابك قانونيا، إلا أنني أنا المغدورة لا اسامح ولا اغفر لك.
ونجد طرق آخر لجرائم (الشرف) في قصة "وتاه العقل منها" والتي تتحدث عن جريمة (شرف) ورغم براءة البنت من التهمة وما باحت به لخالها: "بريئة يا خالي، لم يلمسني خليل، ... لم يستمع لصوت براءتي، جرني من جديلتي الشقراء" ص89، وتحدثنا عن حالتها قبل الذبح فتقول:
"شحذ السكين، وضعها على رقبتي، عيونه تصب نيران حقدها في قلبي، حد السكين يلمع، خلت روحي زهقت قبل سفك دمي، دموعي لم تخدش جدار قسوته، رجوته:
أرحني، أسرع!!" ص90، وكأن التحضير للجريمة كان أقسى من الجريمة نفسها، لهذا ارادت أن ينهي جريمته بسرعة، لترتاح من التعذيب وليس العذاب، وكادت أن تحصل لولا هجوم اليهود على القرية، مما جعل الخال يتراجع عن قتل الفتاة، لكنها تبقى تعاني من هول المشهد وتصاب بمرض نفسي، وما يحسب لهذه القصة أنها جعلت خلاص الضحية بسبب اليهود، الذي من المفترض أن يكون وسيلة قتل وليس حياة، والقاصة من خلال الأحداث تشير إلى أن جريمة (الشرف) هي جريمة لا ينتهي أثرها بمعاقبة القاتل أو حتى لو لم تكتمل الجريمة، فأثرها حي وباق.
اضطهاد المرأة نجده في قصة "اليمين وحكايا النافذة" والتي تتحدث عن رجل يحلف الطلاق على زوجته إذا ما زارت أهلها، فتذهب إلى النافذ لتتحدث مع أمها، التي كانت تؤكد على عدم مخالفة الزوجة ليمين زوجها: " كلما حاولت الانعتاق من سجن الزوجية تتصدى لها أمها:
الصبر يا سعدية، لمن تتركين بناتك" ص33، رغم أنه كان يعاملها بهذا الشكل: "زوج توطن النكد فيه بكل أشكاله، البخل نهج حياته، سلاطة في اللسان، يد تهوى الصفعات" ص33، هذا حال المرأة العربية، لكننا نجدها تتمرد على واقعها ـ حتى لو كان متأخرا ـ إلا أنه يبقى تمرد، فبعد أن تتوفى أمها تتجاوز النافذة وتدخل بيت العزاء قائلة: "يكفيني ما عانيت من ألم، التي تحملت من أجل إرضائها غادرت الحياة، لم أعد قادرة على تحمل لؤم هذا الرجل" ص36، الجميل في هذه القصة أنها جعل "سعدية" تتحمل زوجها ليس لأنها ضعيفة، بل لأنها لا تريد أن تخالف أمها، لكنها بعد رحيها، لم تجد أي مبرر لتبقى تحت رحمة رجل متوحش.
ونجد نفاق الذكور في قصة "لن أكون كما تريد" والتي تتحدث عن زوج يعامل زوجته بوحشية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لكن الزوجة تعرفه على جارتها اللعوب، فيبدأ يميل إليها، ويخرج مع الأسرة إلى المطعم وإلى المتنزه، علما بأنه كان شعاره :شاورهن وخالفوهن، من يستمع إلى رأي امرأة فهو امرأة، ليس لك إلا أن تأكلي وتخدمي الأولاد" ص99، وليته توقف عند هذا الأمر بل كان: "يثور لأتفه الاسباب، وتمتد يده بالضرب لأدنى مقاومة أو اعتراض" ص99، وبعد أن يدخل في شباك الجارة اللعوب يتحول سلوكه مع الجارة بطريقة معكوسة: " يجلس أمامها مثل قط وديع" ص102، وبعد أن يقع تماما في حبالها، يطلب الزواج منها، لكن الزوجة تضع شروط لطلاقها وأن يكتب الشقة باسمها، وأن تستأجر شقة مقابل شقتها حتى يتمكن الأولاد من مشاهدته عندما يريد، يتم الزواج، حتى أن الزوجة تفرح برحا شديدا بهذا الزواج والذي عبرت عنه من خلال: "ورقصت في عرسه رقص الخلاص والكل مذهول مني" ص105، لكن بعد أن ينتهي شهر العسل، تتحول العلاقة مع زوجته الجديدة بطريقة صادمه له وتعامله وكأنه هي الذكر وهو الأنثى: " لاحظت بقعة منتفخة في جبينه، أدركت أن الحذاء يلعب دوره" ص105، وحتى بعد أن يكتشف الفرق بين زوجته أنم أولاده وبين هذه اللبوءة، وحتى بعد أن تطلب منها أمها ان ترجع إليه ترفض: بقولها "ظل راجل ولا ظل حيطة" ترد عليها:
"أنه بقايا إنسان حتى ظله لم يعد يصلح للاحتماء به" ص105.
العقل الباطن عند القاصة وتحاملها على الذكور نجده في قصة " محرقة كاتب" والتي تتحدث عن كاتب يؤلف ويقرأ لكن القاصة تقدمه لنا بهذا الشكل: "رفعت يدي وصفعته على وجهه: اخرس يا ولد" ص118، مثل هذا السلوك لا يشير إلى كاتب، بل إلى ذكر في مجتمع متخلف، لكن القاصة تتدارك هذا الأمر في القصة وتجعله يقدم على حرق كتبه وتوزيعها بطريقة القانط من الثقافة، بأن يمنح مكتبه لأحد أولاده ليتزوج فيها.
في نهاية المجموعة نجد مجموعة قصص تخرج عن خط المجموعة وتبدأ الحديث عن هموم اجتماعية عامة تبتعد عن موضوع الفقر والمرأة، واعتقد أن القاصة أضافتها ـ إقحاما ـ في " حكايا النافذة" وكان يمكن أن تكون في مجموعة مستقلة، لكن هذا ما كان.
المجموعة من منشورات امواج للطباعة والنشر والتوزيع، بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2007
نشرت فى 24 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
الأنثى عند
"سلوى الخزرجي"
البوح بحاجاتنا/بما نريده يريحنا، وفي ذات الوقت يقربنا من الآخر، لكن شكل وطريقة إظهار هذا البوح مهمة، كمهمة المضمون الذي يحمله البوح، غالبا ما يأتي فعل الأمر ثقيل الوقع على المتلقي/القارئ، لكن الشاعرة استطاعت أن تخفف من حدة هذا الوقع من خلال ما اتبعه من تفاصيل، فهي تريده قربها "قربي"، وهذه اشارة إلى المودة التي تكنها له، وثانيا "قالت سأغتسل"، وهنا تقدم لنا أكثر من معنى، منها: دخولها في حالة صفاء جديدة بعيدا عن الماضي، وأيضا اقامة علاقة حميمة مستقبلا، وفي كلتا الحالتين هناك إنسان جديد سيكون بعد الاغتسال.
الفراغ قبل "بمطرك" له دلالة جسدية، لكنها تم اخفائها أو التخفيف منها من خلال "سأغتسل" مما جعل فعل المطر ـ نسبيا ـ يأخذ صفة الماء النازل من المطر وليس ماءه هو.
وقبل الفراغ الذي يليه قالت "قد" والتي تهيء لفعل قادم مستقبلا/تاليا، وهذا ما وجدناه عندما قالت "فتحت أبوابي" لكنها لم تكتفي بهذه الاشارة التي يمكن أن نفهمها بمعنها الرمزي، فتوضح أكثر فتقول: "لنمتزج معا" وكأنها بهذا التوضيح تريده أن يقترب بسرعة، وأنها شغفة لهذا الاغتسال وهذا الامتزاج، بعدها تصف الحالة/الشكل الذي تريد أن يكون فيها المزج فتصفه "اشراقة" وهنا تأخذ القصيدة منحى جديد، بعيدا عن الاغتسال والمزج الجسدي إلى عالم جديد ناصع روحيا وجميل بعيدا عن العلاقة الجسدية، تقول:
"الحب ..
تهرب بي ..
بعيدا ..
يا حبيبي ..
لألتقيك
ولا اعود لشيء
غيرك ..
فالخلود
يناديني"
تتحول العلاقة من إيحاءات العلاقة جسدية إلى علاقة حب عذري، تكفي الشاعرة بكلمة "الحب" التي ستأخذها بعيدا وتخفيها معه، بحيث يتوحدا معا وإلى الأبد.
نتوقف هنا عند البداية والنهاية، وهي باعتقادي كانت موفقة تماما، فبعد الاغتسال والذي يعني بطريقة أو بأخرى الانتقال/التحول إلى حالة جديد، كان لا بد من هذا التحول، فجاء من خلال الحب والعزلة عن الأخرين، وهنا تقربنا الشاعرة من الحالة الصوفية، للتوحد مع حبيبها وإلى الأبد، وهذا ما يغير/يبدل فكرة الاغتسال بماء الجسد إلى الاغتسال بماء المطر، فهي تحولت فكريا من خلال "الحب"، وسلوكيا فانعزلت، ومن ثم توحدت وإلى الأبد، وكل هذا الافعال تخدم الفكرة التماهي مع الحبيب التي تعبر عن ذروة التماهي مع الحبيب.
هذا جانب يمكن أن نأخذه، وهناك جانب آخر عكس ما جاء في الأول وهو يعتبر الاغتسال بماء الجسد هو العلاقة البارزة في هذا التحول، فبعد أن اغتسلت بماءه شعرت أو عرفت معنى "الحب" فانعزلت وتوحدت معه وإلى الأبد، وهذا المعنى هو الأقرب إلى ما جاء في النص.
وهنا نتوقف عند الطريقة والشكل الذي قدمت فيه "سلوى الخزرجي" نصها، فهو شكل متقن فرغم أنه جاء قصير، لكن التكثيف والاختزال وطريقة التقطيع وصف الكلمات اضفى على القصيدة هالة جمالية وتأملية، تجعل من كل لكلمة فيها وقفة خاصة واستثنائية، من هنا نقول أننا أمام نص مثير وسلس وشيق وجميل وممتع، وهذا ما يريده القارئ في أي نص أدبي.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعرة على الفيس.
الفراغ قبل "بمطرك" له دلالة جسدية، لكنها تم اخفائها أو التخفيف منها من خلال "سأغتسل" مما جعل فعل المطر ـ نسبيا ـ يأخذ صفة الماء النازل من المطر وليس ماءه هو.
وقبل الفراغ الذي يليه قالت "قد" والتي تهيء لفعل قادم مستقبلا/تاليا، وهذا ما وجدناه عندما قالت "فتحت أبوابي" لكنها لم تكتفي بهذه الاشارة التي يمكن أن نفهمها بمعنها الرمزي، فتوضح أكثر فتقول: "لنمتزج معا" وكأنها بهذا التوضيح تريده أن يقترب بسرعة، وأنها شغفة لهذا الاغتسال وهذا الامتزاج، بعدها تصف الحالة/الشكل الذي تريد أن يكون فيها المزج فتصفه "اشراقة" وهنا تأخذ القصيدة منحى جديد، بعيدا عن الاغتسال والمزج الجسدي إلى عالم جديد ناصع روحيا وجميل بعيدا عن العلاقة الجسدية، تقول:
"الحب ..
تهرب بي ..
بعيدا ..
يا حبيبي ..
لألتقيك
ولا اعود لشيء
غيرك ..
فالخلود
يناديني"
تتحول العلاقة من إيحاءات العلاقة جسدية إلى علاقة حب عذري، تكفي الشاعرة بكلمة "الحب" التي ستأخذها بعيدا وتخفيها معه، بحيث يتوحدا معا وإلى الأبد.
نتوقف هنا عند البداية والنهاية، وهي باعتقادي كانت موفقة تماما، فبعد الاغتسال والذي يعني بطريقة أو بأخرى الانتقال/التحول إلى حالة جديد، كان لا بد من هذا التحول، فجاء من خلال الحب والعزلة عن الأخرين، وهنا تقربنا الشاعرة من الحالة الصوفية، للتوحد مع حبيبها وإلى الأبد، وهذا ما يغير/يبدل فكرة الاغتسال بماء الجسد إلى الاغتسال بماء المطر، فهي تحولت فكريا من خلال "الحب"، وسلوكيا فانعزلت، ومن ثم توحدت وإلى الأبد، وكل هذا الافعال تخدم الفكرة التماهي مع الحبيب التي تعبر عن ذروة التماهي مع الحبيب.
هذا جانب يمكن أن نأخذه، وهناك جانب آخر عكس ما جاء في الأول وهو يعتبر الاغتسال بماء الجسد هو العلاقة البارزة في هذا التحول، فبعد أن اغتسلت بماءه شعرت أو عرفت معنى "الحب" فانعزلت وتوحدت معه وإلى الأبد، وهذا المعنى هو الأقرب إلى ما جاء في النص.
وهنا نتوقف عند الطريقة والشكل الذي قدمت فيه "سلوى الخزرجي" نصها، فهو شكل متقن فرغم أنه جاء قصير، لكن التكثيف والاختزال وطريقة التقطيع وصف الكلمات اضفى على القصيدة هالة جمالية وتأملية، تجعل من كل لكلمة فيها وقفة خاصة واستثنائية، من هنا نقول أننا أمام نص مثير وسلس وشيق وجميل وممتع، وهذا ما يريده القارئ في أي نص أدبي.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعرة على الفيس.
تعال .".
قربي
سأغتسل
بمطرك ..
قد ..
فتحت ابوابي ..
لنمتزج معا ..
اشراقة
الحب ..
تهرب بي ..
بعيدا ..
يا حبيبي ..
لألتقيك
ولا اعود لشيء
غيرك ..
فالخلود
يناديني ...
سلوى الخزرج"
نشرت فى 23 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
الفعل الماضي في قصيدة
"قد كنت"
عبد الكريم موسى
للأفعال اثرها في النص الأدبي، إن كان على الكاتب/الشاعر أم على القارئ ـ فهي في حالة الماضي غيرها في حالة المضارع، فالماضي يعني شيء منتهي ولا يمكننا التغيير فيه أو تبديله، على النقيض من فعل المضارع الذي لم يحدث بعد، والذي يمكننا أن نغير فيه ونبدل ونعدل حسب ارادتنا.
ونحن في المنطقة العربية غالبا ما نتناول الماضي بصورته الايجابية، لنعوض ما نحن في من بؤس وتقهقر، لكن "عبد الكريم موسى" يتعامل مع الماضي أيضا بتك الصورة، فهو يريد أن يعوض بؤسه الآن من خلال تذكير نفسه والحبيب بذلك العطاء النقي الذي قدمه، يفتتح قصيدته:
"قد كنتُ أحفظُ ذكراكِ ولم أزلِ
وكنتُ أضحكُ دون الهمّ والكَللِ
وكنتُ أشعُرُ أن العمرَ ذو ثمنٍ
وأنّ يومي مزيجُ الحبِّ بالأملِ
ألاطِفُ الحُلمَ مذ كانت أنامله
تسعى إليكِ بألحاظي وبالقُبَلِ
وكنتُ أرسمُ قلباً نابضاً أملاً
وكانَ حرفُكِ دوما أوّلَ الجُمَلِ"
الشاعر يكرر كلمة "كنت" أربع مرات، وإذا ما وزعناها على الأبيات نجد أنها متساوية، ونجد فعل جميل، أبيض يتبع كلمة كنت: "أحفظ، أضحك، أشعر، أرسم" ولا يكتفي الشاعر بهذا بل يستخدم الفاظ أخرى بيضاء كما هو الحال في "الحب بالأمل، ألاطف الحلم، انامله، تسعى، بألحاظي وبالقُبَلِ، قلبا نابضا، حرفك، أول الجمل" كل هذا يجعلنا نتأكد أن نتعامل مع الماضي بصورة الحسرة عليه.
بعد ذلك البياض الماضي يقدمنا الشاعر من الحاضر الذي يرى فيه:
"رسمتُ همّي إذا ما الهمُّ أثقلني
على المياهِ وإن قد غصتُ في العَمَلِ"
الهم والثقل والغصة الآن كلها تجعل الشاعر يتشبث بالماضي الجميل، فهو يرى فيه الخلاص مما يمر به الآن:
"لكنّ عينَكِ مهما تاهَ نازلُها
يلقى دليلاً ويلقى الدفءَ بالنّزُلِ"
وكأن الشاعر يرفض الاعتراف بالواقع، ويريد أن يبقي تفكيره معلقا بالماضي الجميل، لهذا يستخدم "الدفء" وهذا يعكس الهوة التي تفصل بين ماضه وحاضره، فالحاضر يسبب الكآبة والحزن له، وهذا ما أكده عندما قال:
"فذاكَ وقتٌ أودُّ العَيشَ يُرجعُهُ
فلا أراكِ تُريني الكُرهَ بالمُقَلِ
ولا إذا جَمَعت بالحظِّ صُدفتنا
نمشي كأنّ هوانا كانَ لم يصِلِ"
بعد ان يستنفذ الشاعر كل جمال الماضي يبدأ بالانزلاق نحو الحاضر البائس، فيبدو لنا وكأن هناك قصيدة جديدة غير تلك التي كانت، فلغة القسوة والألم هي السائدة والمهيمنة:
"وقد أصابَ فؤادي صخرُ مقلتها
كمَن رمى البئرَ أحجاراً مِن الجبَلِ
فأوصلَ الصخرُ دمعاً في مدامعه
حتى ابتُللتُ به في كبوةِ الشَّلَلِ"
ثلاثة ألفاظ تشير إلى حالة القسوة "صخر، أحجار، الصخر" وهذا ما انعكس على بقية الالفاظ "رمى، الجبل، دمعا، كبوة، الشلل" بحيث نجد أنفسنا أمام حالة سوداء قاتمة ومؤلمة، فلم يعد هناك شيئا من الماضي الابيض الذي يستمد منه اللغة الناعمة والهادئة.
يضعنا الشاعر أمام حالة غير مستقرة وغير واضحة من خلال هذا البيت:
"إذا مشيتُ فإن القلبَ مرتجعي
وإن أبت قدمي أكملتُ في السبُلِ"
فهو استنفذ الماضي، ولا أدري ما الداعي للتقدم منه من جديد، فرغم أن البيت فيه صورة شعرية جميلة إلا أن موضعه ينسف نسق الأحداث، فهل هذا يعني/يشير إلى حالة الارتباك التي يمر بها الشاعر، بحيث كان وقع الحاضر عليه قويا ولم يعد يسيطر على قصيدته؟.
"ونُنكِرُ العشقَ والأعماقُ تطلبُهُ
ونترُكُ الحبَّ للقيعان والوحلِ
ونجبرُ العينَ ألّا تنثني نظراً
إذا القلوبُ تريدُ القولَ لم تَقُلِ
والكفُّ ما تركَ الخدينِ مذ رحلت
والعينُ قد نظرت للناسِ في عَجَلِ"
اعتقد أن هذه الابيات تشير إل حالة الارباك التي يمر بها الشاعر، فهو لم يحسم موقفه من الحاضر رغم يقينه أن الماضي الجميل لن يعود، لهذا نجد حالة صراع وتصادم بين الماضي والحاضر، فهناك "العشق والقيعان والوحل، ونجبر العين والقلوب تريد، ورحلت ونظرت" فهذا التباين يشير إلى حالة الصراع عند الشاعر الذي لا يريد أن يعترف بحقيقة الواقع، بحقيقة أن الماضي ما هو إلا ماضي وانتهى دون رجعة.
فالعاشق يبقى معلقا بالحبيب رغم التغيير السلبي والانحراف الكامل عن طريق الحب:
"من الفراقِ قلوبٌ لا تعي ألماً
فخصلةُ الوجدِ أقصتْ سالفَ الخُصَلِ
وحرّمَ القلبُ آياتِ الجمالِ على
عيونِ صاحبِهِ في العيشِ للأزلِ"
العاطفة حاضرة من خلال استخدام "القلوب، القلب" وكأنه يريد أن يبرر لنا عدم حسم موقفه من الحبية، فهناك القلب الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه، وهذا ما نجده في الخاتمة التي يريد أن ينهي بها مأساته، حقيقة واقعه:
"واعتدّت الروحُ أن الموتَ مُخلصها
فلا تُريدُ معاشاً سيمَ بالعِلَلِ"
القصيدة منشورة على صفحة الكاتب على الفيس
نشرت فى 16 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
تحليل التعدد الايقاعي في قصيدة "بلا أثر" للشاعر الفلسطيني: صالح أحمد كناعنة
بقلم الباحث والناقد العراقي عبد العزيز عسير الصافي
///
عبد العزيز عسير الصافي
( تعاقب البحور )
من نصوص الياسمين نقف عند نص ( بلا أثَر )
للشاعر صالح أحمد (كناعنه) القصيدة التي اكتملت بنيتها بمقاطع طويلة متماثلة... تعاقب في كل منها اكثر من بحر تلبية لحاجة ايقاعية سنحاول الكشف عنها :
يقول في المقطع الاول :
هم يكتبونَ الأمرْ
لا يَعبرونَ النّهـرْ
مَن يُهد روحي غِمرْ
مِن بارِقاتِ الصَّبرْ
أمنَحهُ سِرَّ السِّرْ
سِرًا وعُذرَ العُذرْ
.
لا صبرَ لا مَوّالْ
لن يعشَقَ الأطفالْ
يومًا سلالَ الجوعْ
في الشعر الحديث تداخلت البحور المتناغمة التي تشترك بتفعيلات ( ما قبل الضرب) ... ولم يعد رواد الحداثة يخضعون لما فرض عليهم العروضيون من قوالب مقننة صارمة تفارق بين البحر و الآخر ... وفي بعض نصوص السياب نجد تداخلا بين الرجز والسريع .. و لا نظن الامر يخفى عليه ... بل هو يعي الحالة تماما ... ذلك لان ثورة الرواد الايقاعية تخطت الكثير من القوانين الصارمة التي اقرها اتباع الخليل .... و بحس ايقاعي يستجيب لواقع العصر الذي اختلف فيه الكثير عن التراث دونما انسلاخ تام كما حصل في المرحلة الثانية للثورة الايقاعية وهي (قصيدة النثر ) .
اقول هذا لكي يعذرنا الاخوة بتحديد اسم البحر خاصة اذا كانت وجهات النظر مختلفة أحيانا باحتساب تشكيلات الاشطر ... وعلى اي بحر هي ؟
في نص صالح احمد تطالعنا اشطر قصيرة جدا من تفعيلتين يشترك بالاولى الرجز والسريع ...ولكن الثانية التي يسميها العروضيون ( الضرب ) هي التي تحدد كون النص من السريع لا الرجز .
الثانية هي ( فعْلانْ ) بسكون العين والنون الاخيرة :
هم يكتبون الأمر ْ
لا يعبرون النهر ْ
وهكذا بقية اشطر المقطع كلها على وزن ( مستفعلن فعلان )
وبها نجد ضربات ايقاعية صاعقة متماثلة مع طرقات المطرقة الحادة الصادمة للسمع .
هذه الحدة تاتي من خلال توالي حرفين ساكنين وهما حرفان صحيحان ..اي ...لم يكن احدهما حرف مد يرطب الايقاع ... حرفان مما يعرف بالانجليزية ب
( consonants voice )
لا ( Vowels voice )
والقارئ الكريم يدرك ان طراوة حرف المد ( حرف العلة) مختلفة عن صلابة ما يسمى بالعربية بالحرف الصحيح .
ومع ان العروضيين التقليديين يقابلون بالتفعيلة نفسها ( فعلان )لحالتين متفارقتين تماما فان الذي يتلقى الايقاع يحس بفارق كبير بين قولنا مثلا :
( بالوصْل ْ -- بالبال ْ )
لتصلب بالاولى و ليونة بالثانية ... مع ذلك فقوانين العروض تعبر عن الإثنتين ب ( فعلان ) .
وعليه فان من الصعوبة التعامل مع تشكيلات المقطع الاول ثم الثاني بقوانين العروض نفسها :
لا صبر لا موال ْ
لن يعشق الاطفال ْ
يوما سلاح الجوع ْ
المقطع الثاني مختلف ايقاعيا عن الاول تماما ... مع ان التشكيلة العروضية التراثية واحدة ...والبحر واحد ... بالقوانين الخليلية .
ما يهمنا هذا الالتفات الايقاعي ... و هل جاء اعتباطا ام استجابة لمغايرة املتها الضرورة لتفارق بين النغمتين صلابة... و ليونة ؟
المقطع الاول باشطرة الستة الموزعة على ستة اسطر جاء بصوت ما ... و الاشطر الثلاثة الاخرى جاءت بصوت اخر .
الاول (صوت الراصد ) ... راصد يوثق ما يحصل على الارض من مآس...ثم يفصح عن ردة الفعل باعماقه لهذه الماساة ... مع شيء ثالث ايضا ... انه يتطلع الى المواساة :
من يهد روحي غمر ْ
من بارقات الصبر ْ
امنحه سر السر
سرا وعذر العذر
هذا ما نتمثله في المقطع الاول :
( رصد ... اوجاع ... استغاثة )
المقطع الثاني القصير الممهد لما بعده ( الثالث) ياتي
ب ( صوت الانسان المخذول ) الرجل الوطني العائد خائبا بعد بارقة من امل لاستجابة لم تتحقق ... و صبر تأمله وعوّل عليه لكنه لم يحضر ..... و ترقب لموّال لم يُنشد :
( لا صبر لا موال
لن يعشق الاطفال
يوما سلال الجوع )
تطلع لثمرة لم تمنح ... ومرارة تحديقٍ بسلال فارغة ممتلئة بالجوع .
ثم تأتي (صرخة النقمة ) ( صوت الاحتجاج الثائر ) باعلى نبراته المواجهة للاضطهاد .. و غير المستسلمة .
هنا كان لا بد ان تتبدل النغمة ... يتبدل البحر ... يتدفق الايقاع موصولا بنمط ايقاعي مختلف.... انه شكل اخر من اشكال القصيدة الحديثة الذي عُرف ب ( القصيدة المدورة ) ... وعلى بحر يلائم حالة السرد .
يتدفق الايقاع موصولا على البحر الكامل و بتشكيلة طويلة جدا على تموجات القصيدة المدورة ... وبنفَس طويل.... انه نفَس الناقم المحتج على ما يجري من مآس :
(( وإذًا.. فإنّ اللّيلَةَ الشّمطاءَ لم تَرحَل، ولم تَحبَل غيومُ الصّمت بالمأمولِ مِن صَيفٍ يُشارِكُنا ظَمانا... فاكتَسَينا خِبرَةَ الأحوالِ، والتّجوالِ في صَمتِ السّرايا والقَرايا.. فالعيونُ السّودُ لم تُكرِم سِوانا حينَما كانَ الحَديثُ عنِ المَذابِحِ في القَمَر ...))
تشكيلة طويلة جدا نتلقى الايقاع فيها متدفقا وموصولا باثنتين وعشرين تفعلية ( متفاعلن ) مع جوازاتها الزحافية المالوفة في الكامل والتي لا يهمنا الخوض فيها او تحديدها باجمعها بقدر ما يشدنا اليها من امتداد ايقاعي استطال استجابة لنَفَس هذه الصرخة الطويلة التي يطلقها ( هدير الثورة ) المتماوج بموجات صوتية تملأ الاثير .
هذا التدوير الطويل كان التفاتا ايقاعيا من بحر الى اخر . .. ولم يأت اعتباطا ... بل افصاحا عن تعدد الاصوات في القصيدة الواحدة .
و معلوم ان( القصيدة المدورة) قد بدات بنهي للناقدة نازك الملائكة ... نهي عن تجاوز الحد الاقصى لبيت الشعر العربي التراثي والمحدد بثماني تفعيلات ... وكلنا يعرف ردة فعل الشعراء على هذا النهي ... و الانسان ؛ بل... الشاعر الانسان (حريص على ما منع ) كما يقول المثل السايكولوجي .
تستمر المقاطع الاخرى في قصيدة الشاعر صالح احمد بالبنية الايقاعية نفسها ... اذ تتشكل هذه البنية بثلاثة مقاطع للجزء الواحد ... و يباين الشاعر بين هذه المقاطع الثلاثة بالمفارقة البنائية نفسها ... وعلى النحو الذي بيناه :
( ستة اشطر قصيرة على السريع )
ثم ( ثلاثة اشطر قصيرة على البحر نفسه )
ثم (تشكيلة مدورة طويلة جدا على البحر الكامل ).
شيء واحد اختلف بالجزء الاوسط الممهد لتغيير البحر . ..وهو ان الشاعر ببعض المقاطع لم يلتزم بما نوهنا عنه من فارق مميز لحروف المد الطرية عن الحروف الصحيحة المتسمة بالصلابة بل اعتمد المد فقط في اللفظة الاخيرة من الشطر الثالث .
نعني انه قد اهمل المد في بعض الاشطر ... ولكنه بالمقابل لم يجمع بين صلابة ساكنين مما يسمى بالحروف الصحيحة ... بل اعتمد مغايرة اخرى هي تغيير الضرب من ( فعلان ) الى ( فعلن ) في الشطرين الاول والثاني مع الالتزام بالمد بالثالث .
نجد ذلك في قوله :
في سرنا الاعمق
انساننا يغرق
تقنا لصوت خشوع
نود ان نؤكد ثانية على ان تعاقب البحور في قصيدة( بلا اثر ) للشاعر صالح احمد الكناعنة قد جاء تلبية لحاجة فنية كون النص قد اعتمد تعدد الاصوات .
نشرت فى 7 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
قراءة، نقد ... وتحليل
لقصيدة : أشرِعَةُ العَراء للشاعر: صالح أحمد (كناعنة)
بقلم: الأديب الناقد : محمد الدمشقي..
///
نص القصيدة
أشرِعَةُ العَراء
شعر: صالح أحمد (كناعنة)
///
فتّشتُ عن يَومي فقادَتني المرايا للعيونِ الساهِراتِ على الوجَع
لا شَيءَ يُشبِهُني هُنا!
لا شَيءَ يُقنِعُني هُناك!
كيفَ انزَلَقتُ إلى السّرابِ أنا الذي ما زلتُ أبحَثُ عَن حُروفٍ
أستَطيعُ بأن أصوغَ بِها أناشيدَ انطِلاقي كَي أرى...
شمسًا بحجم يدي، وأمنِيَةً بحَجمِ بَراءَتي...
والريحُ تجمَعُني، وأتبَعُها، وتَسحَبُني إلى...
أفُقٍ على عَطَشٍ تَغَرَّبَ عن ملامِحِهِ ليبحَثَ عَن غَدٍ؟!
ويَصُدُّها عنّي اختلاطُ الواقِفينَ على نَواصي المَوجِ...
ثمَّ يرُدُّني لجُنونِها عطَشٌ، وما في الموجِ مِن نَجوى الزّبَد.
..
كيفَ انزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ أيُّها الحبُّ الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ...
ليكونَ لي صَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّ المَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ لي لُغَةٌ
وأكونُ أغنِيَةً
وأحسُّ لي شَفَةً
تقتاتُ مِن شَغَفي
لتَصيرَ لي صِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُ عَن يَدي في لُجَةٍ...
أعتى مِنَ الحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني...
فغَدَوتُ حَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُ بلا جَسَد!
..
يا مَهبِطَ الأحلامِ مِن وَجَعِ الصّدى
هل في المدى جِهَةٌ بلونِ ملامِحي؟
وجهي الغُروبُ ومعصَمي شفَقٌ أوى
وَجَعَ النَّشيدِ على جُنونِ جَوارِحي
عينايَ سارِيَةٌ تخافُ مِنَ الهَوى
حتى مَ والأهواءُ كُنَّ مَسارِحي
بحثًا عَن الأبعادِ أهذي والرُّؤى
ريحٌ... سأوقِدُ شُعلَةً لجَوانِحي
وأعودُ أبحَثُ عن مَفاتيحي التي غَرِقَت...
بِمَوجٍ ما اهتَدَيتُ لسِرِّهِ..
ويجيئُني غضَبًا على غَضَبٍ وأشرِعَتي العَراءُ..
وَمَوطِئي زِبَدٌ... وقَد وَزَّعتُ أعضائي على
جُدُرِ التَّنائي، والتّجافي، والتَّشَرذُمِ، واللَّهَب...
..
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
لا حَرفَ لي آوي إليهِ لأتّقي
شرَّ انفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِ تَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟
أم تُراني أتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
///
النقد والتحليل : بقلم الأستاذ محمد الدمشقي
///
الملاحظ هنا درس مهم في مسألة تكلمت عنها سابقا ... و هي أن التكثيف الشعري ليس معناه قتل الاستغراق و التفاصيل و لكن المهم سلاسة التنقل بين الصور .... كما انه لا يعني قصر الجملة بالضرورة فشاعرنا هنا أطال النفس باسلوب موسيقي رقراق .... فنرى الجمل في المقطع الأول متصلة و لكن الايقاع التفعيلي منحها تناغما و حركة مع بقاء الحالة الشاعرية في كل جملة و هذا أيضا تكلمت عنه ... فالقصيدة هي أن تكون كل الجمل شعرا ... دون جمل توصيلية او إنشائية و هذا يتطلب قدرة تأملية و خيالا ممتدا
في كل سطر صورة و انزياح مع الموسيقا التفعيلية و هذه خلطة سحرية لا يجيدها الا الكبار ... كذلك وجود هدف قريب و بعيد ... الهدف القريب في كل جملة و الهدف البعيد في الوعاء الذي جمع تلك الجمل
لا شيءيشبهني هنا
لا شيء يقنعني هناك
دلالة على حالة الضياع العربي حيث تمزق الانسان العربي بين واقع لا يشبهه و هروب لا يقنعه
فكانت النتيجة هي الانزلاق الى السراب ... و صرنا نبحث عن حروف تمنحنا انطلاقا و هذه دلالة على هروبنا نحو البوح لأننا مكبلون عن الأفعال و لكن من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه و ان لم يستطع فبقلبه و ذلك اضعف الايمان ... و بما ان اليد مكتفة فنحن في اوسط الاحتمالات نحاول ان نفرض وجودنا بالكلمة فهل تكفي و تصنع انطلاقة يا ترى ؟ و قد زاحمنا أصحاب النفوذ حتى على اقلامنا و الكل يدعي اليوم بانه شاعر و يسرق الاعلام و الاضواء بماله و علاقاته
فكيف تستطيع أمنية بريئة ان تجد لها طريقا بين غربان الزيف
و كأننا في مهب ريح تحملنا من عطش الى عطش ... و نبقى متغربين على شواطي الوهم بانتظار الغد و لا يجيء و لا نسعى لجلبه ...
كيفَ انزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ أيُّها الحبُّ الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ...
ليكونَ لي صَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّ المَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي...
ما زِلتُ أبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ لي لُغَةٌ
وأكونُ أغنِيَةً
وأحسُّ لي شَفَةً
تقتاتُ مِن شَغَفي
لتَصيرَ لي صِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُ عَن يَدي في لُجَةٍ...
أعتى مِنَ الحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني...
فغَدَوتُ حَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُ بلا جَسَد!
..
و هنا يتجه الخطاب الى الحب و الحب بكل قدسيته كحل اخير ... يبدو انه أيضا انزلق الى نهايات غريبة ... حتى الحب تاه بين فوضى المشاعر فاما ان يموت بسبب مشاغل الحياة و همومها او ان يتحول الى شهوة رخيصة او نزوة عابرة ... و كلها نهايات غريبة حقا فرغم بساطة التعبير نهايات غريبة لكنه ناسب الفكرة و أحاط بكل جوانب التأويل
مع ان الحب كان المرفأ و الأمل و اللغة التي تصلنا بالغد ... و بالشروق .. و يعيدنا الى انسانيتنا و فطرتنا النظيفة ...
و ما اجمل القفلة هنا ... فغدوت حرفا حنطوه ... هذا صداه بلا جسد
فما اصعب ان نتحول الى حروف محنطة على رفوف الانتظار و الضجر و الغربة
و هنا اود ان اشير الى أمر يغفل عنه الكثيرون في النثر و الكتابة المقطعية و هو وجود قفلات لكل مقطع مهمة هذه القفلات أولا صنع دهشات تحفز القارئ و ثانيا هي محطات استراحة قبل الانتقال الى المقطع اللاحق و هذا يمنح النص انسيابية و مرونة مهما كان طويلا ...
يا مَهبِطَ الأحلامِ مِن وَجَعِ الصّدى
هل في المدى جِهَةٌ بلونِ ملامِحي؟
وجهي الغُروبُ ومعصَمي شفَقٌ أوى
وَجَعَ النَّشيدِ على جُنونِ جَوارِحي
عينايَ سارِيَةٌ تخافُ مِنَ الهَوى
حتى مَ والأهواءُ كُنَّ مَسارِحي
بحثًا عَن الأبعادِ أهذي والرُّؤى
ريحٌ... سأوقِدُ شُعلَةً لجَوانِحي
هذا المقطع العمودي يشبه استراحة موسيقية بين مقاطع مسرحية ... و يشبه تلخيصا لكل ما سبق ... هو وقفة جميلة بين مقاطع العمل
وأعودُ أبحَثُ عن مَفاتيحي التي غَرِقَت...
بِمَوجٍ ما اهتَدَيتُ لسِرِّهِ..
ويجيئُني غضَبًا على غَضَبٍ وأشرِعَتي العَراءُ..
وَمَوطِئي زِبَدٌ... وقَد وَزَّعتُ أعضائي على
جُدُرِ التَّنائي، والتّجافي، والتَّشَرذُمِ، واللَّهَب...
..
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
لا حَرفَ لي آوي إليهِ لأتّقي
شرَّ انفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِ تَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟
أم تُراني أتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
هنا عاد شاعرنا الى التساؤلات العبثية التي تحيط بالانسان الفلسطيني و العربي بشكل عام ... البحث عن مفاتيح ضيعناها ... ما هي تلك المفاتيح ... هل هي اخلاقياتنا التي غيرناها فالاخلاقيات عماد الامم و انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا كما قال شوقي ... أم انها ربما تكون اسس بناء الحياة مثل العلم و العمل و اليقين و الايمان و الامل ... المهم اننا ضيعنا الكثير من المفاتيح فغرقنا ... و ما عرفنا سر الحياة و الانطلاق ... و صار موطننا زبدا لم يعد انتماؤنا متجذرا و عميقا و حبنا له صار هشا و ربما من طرف واحد .... و ليت الشاعر قال وزعت اعضائي على جزر بدلا من جدر لأنها متناسبة جدا مع الحالة البحرية للنص ...
القفلة كانت يائسة لكن واقعية و مؤلمة ...و عادت بنا الى الحديث الشريف ... فعندما تكون اليد عاجزة .. يجعلنا هذا نفكر ... هل نكتب هروبا من عجزنا ؟ ام نكتب لغاية سامية ... سؤال يتخبط على امواج الشطآن الضائعة ... فنحن بلاد كل شيء فيها يذهب الى الحريق
كانت هذه وقفة شعورية مع نص رائع
باحترام:
محمد الدمشقي / سوريا
نشرت فى 6 أكتوبر 2018
بواسطة magaltastar
الكلمة وأثرها في قصيدة
"حقا قامت"
سيلمان أحمد العوجي
عندما يستخدم الشاعر كلمات معينة، ثم يتبعها بأخرى تعكس الأثر الذي تركته فيه الكلمة الأولى فإن هذا يشير إلى أن الشاعر لا يكتب القصيدة، بل هي التي تُكتبه، ومن ناحية أخرى تعكس مشاعره تجاه تلك الكلمات، وما يحمله في العقل الباطن، وهذا ما يجعلنا نلتقط الثمار من بين الأشواك، فرغم القتامة سنجد هنا بياض يشع من بين الأنقاض، وهذا ما يجعل القصيدة متألقة، فنجد فيها حالة الصراع بين الموت والحياة، بين السواد والبياض، وكأن الشاعر يعيدنا إلى ملحمة "البعل" وصراعه مع الموت، وهذه الثانية بحد ذاتها تحسب للقصيدة وللشاعر.
تفتتح القصيدة ب:
"على غموضِ البلادِ
أقم صلاةَ الخوف
احتمِ بصخرةِ انكساركَ
حانقاتُ الغيمِ ستهمي
بودقِ آخر الغضب..
لا ماءَ في كربلاء
يبلُ ريقَ محياكَ الذابل
طنينُ النهاياتِ يؤرقُ
كهولةَ الصمت..."
الحال في سورية مؤلم، لهذا نجد الشاعر يتبع كلمة "البلاد" أقم صلاة الخوف" ففعل الصلاة ناتج عن خوف الشار على "البلاد" وبعد أن يتقرب من الله، ويصبح بالقرب منه، ويأخذ طاقة إيمانه، يتجه إلى الفعل، إلى العمل، "احتم بصخرة انكسارك" وهذا الصورة بعيدة الواقع، لكنها تعطينا فكرة الألم بصورة أدبية، يخفف عنا من قتامة المشهد، ونجد الماء أيضا تتواعد الشخص السوري الافتراضي/المخاطب، بحيث تكون الأرض والسماء متحالفة ضده، وهنا نطرح سؤال: هل لهذا الأمر رمز أرضي يمكن أن نطبقه على الناس/الجماعات والأفراد، وعلى الماء الدين الذي استخدم ليكون وسيلة فكرية تسهم في الخراب القتل الذي حل في سورية؟.
ويستوقفنا خطاب الشاعر للشخص المفترض، فلماذا لم يخاطب نفسه مثلا، ولماذا جعل المخاطب مفترض وليس شخص محدد؟ أعتقد ان الشاعر اراد أن يحرر ذاته قليلا من الالم، فوجد ـ في العقل الباطن ـ الذي يفرض عليه الواقع كشاعر مرهف المشاعر والاحساس أن يبتعد قليلا عن مكان الألم لكي يحصل على شيء من الراحة/الهدوء الذي يمكنه من كتابة واتمام القصيدة.
وكما يركز الشاعر على المكان/البلاد ويقرنها "بكربلاء" إنه أنه لم يهمل الإنسان لهذا نجده يقدمه لنا بصورة تثيرنا إنسانيا وعاطفيا: "يبلُ ريقَ محياكَ الذابل" فالمسألة السورية لا تتعلق بالمكان فحسب بل بالإنسان أيضا، وهذا يعطي صورة التكامل بين المكان والإنسان، اللذان يشكلان وحدة احدة منسجمة وموحدة.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ التي يستخدمها الشاعر سنجدها قاتمة ما هو الحال في: "غموض، الخوف، بصخرة، انكسارك، حانقات، ستهمي، الغضب، لا، كربلاء، الذابل، طنين، النهايات، كهولة، الصمت" كل هذه الألفاظ تعطي مدلول القسوة والألم، وهذا ما يجعل المشهد العالم للقصيدة صعب ومؤلم.
لكن الشاعر الذي يمثل روح الأمة لا يمكنه أن يكون من القانطين، لهذا سيجد لنا مخرج يبقينا في حالة من التوازن النفسي لكي نستطيع العبور من هذا النفق، وهذا ما كان عندما قال:
"افتح كفَ موالكَ وانقدني
درهمين من شجن...
كم استطيبُ من راحتيكَ"
نجد التلازم بين كلمة "افتح" وبين الموال وانقذني ودرهمين واستطيب وراحتيك" وكلها لها مدلولات بيضاء هادئة، على النقيض مما سبقها، وهذا يؤكد على ان الشاعر يتبع الكلمة وأثرها، بحيث تنعكس عليه وعلى لغته والألفاظه، فخلق لنا عالم جيد بهي، غير الذي يخاطب الأول.
الواقع يتقدم من جديد فيعطينا مشاهد متصارع بين الأسود والأبيض:
"حزنَ نبي خذلته عباءةُ
مريديه في شتاء جاهلي
لتطفئَ جوفَ القصيدةِ
بمفردةٍ هادئةٍ
لمَ تبحثُ في قاموس النار
يضيعُ النشيدُ
في جوقةِ العواء
كلُ تقاويم الخرابِ
تبدأُ بك...!!"
يتحرر الشاعر من المكان ويتقدم من الإنسان، كما يأخذ في الحديث العام مبتعدا عن مخاطبة الشخص المفترض، لكن صورة الإنسان هنا ليست الصورة المثلى، بل الإنسان الذي يصارع الآخرين، فنجد "النبي والجاهلي، ونجد لتطفي مقابل يضيع" وإذا ما توقفنا عند لفظ "القصيدة" وما بعدها سنجد هناك: "بمفرد، هادئة، قاموس، النشيد" وكلها جاءت بعد الأثر الذي تركه كلمة "القصيدة" وكأن العقل الباطن عند الشاعر هو من يتحدث وليس الشاعر الواعي، لهذا يستحضر كل المفردات المتعلقة بالقصيدة وما تمنحه للشاعر وللمتلقي معا.
بعد هذه الجرعة من الهدوء النسبي نجد الواقع يأخذ الشاعر من جديد:
"بلادي صليبٌ يتقيأُ ساكنيه
وعرشُ( يهوذا) في
مهبِ كذبة...
على أرضِ الزلزال
معبداً للريحِ أقمنا
ولرغيفنا العاري
محراباً للضراعة"
صورة في غالبيتها قاتمة: "صليب، يتقيأ، يهوذا، مهب، كذبة، الزلزال، الريح، العاري" إذا ما قارنا الفاتحة التي جاءت بلفظ "بلاد" وهذا المقطع الذي جاء بلفظ "بلادي" نجد الهوة بينهما، فعندما استخدم "بلاد" لم يكن الالم والاسواد بالحجم الذي جاء عندما استخدم "بلادي" فهناك كان المخاطب شخص مجهول، شخص آخر، وهذا ما أعطا الشاعر فسحة من الهدوء والسكينة، بينما عندما استخدم "بلادي" شعر بأنه يتحدث عما يخصه، عما ينتمي أله، لهذا جاء الوجع والألم والسواد اشد وقعا، وهذا ما يؤكد أن الشاعر يتبع الكلمة التي يستخدمها، وهي من تُكتبه الكلمات وتجعله أسيرها، مما يجعل القصيدة والشاعر كيانا واحد يكمل أحداهما الآخر.
الصورة النقيض لهذا السواد عندما تحدث عن "دمشق":
"دمشقُ تؤطرُ الجرحَ
بالقصائدِ المالحة
تولمُ للعنقاءِ رمادنا
على أسوارِ البلوى
تترعُ بزيتِ الصبرِ
قناديلَ الأنبياء...
يتبرمُ الزمانُ بزخرفِ التاريخ"
"دمشق" هنا المدينة الأهم، البهية، التي تعطي الأمل لأهلها ومن ضمنهم الشاعر، لهذا نجده يتحرر من ألم "بلادي" ويتقدم من أمل "دمشق" من خلال: "تؤطر، القصائد، المالحة، تؤلم، للعنقاء، تترع، بزيت، قناديل، الأنبياء، بزخرف، التاريخ" كل هذه السلاسة والهدوء جاءت بفضل حضور "دمشق" وإذا ما أخذنا الواقع في سورية، سنجد "دمشق" بقيت الأكثر أمننا من بقية المدن السورية، فهي الرأس الذي يجب أن يبقى سليما ليكي يستطيع أن يحرر الجسد مما علق به.
العودة إلى السواد جاء بعد ان قدم الشهداء وما يتبع حضورهم من:
" وتجهشُ الحقيقةُ
بدمِ الشهداء...
نشيجُ الحقيقةِ عرسٌ لصحوتنا...
للشتاء القادم:"
يقدم الشاعر فعل "وتجهش" على الشهداء، وكأنه بهذا التقديم يريدنا أن نشعر بهول الفاجعة التي يسببها رحيلهم عنا، فنجد "تجهش، دم، الشهداء، نشيج" لكها تعطينا صورة الألم الذي يتبع حضور الشهداء، لكن للشهداء أثر آخر فينا، فرغم أننا نحبهم ونقدر ونعي حجم التضحية التي أعطونا، إلا أننا لا نقبل ولا نستطيع أن نجعل ذكراهم مجرد ندب ونشيج، فلا بد ان نمنحهم ونمنح انفسنا شيء من الهدور والسكينة، لكي يشعروا ونشعر بأنهم لم يستشهدوا سدى، بل وضعوا لنا مكان للأمل يجب ان نعبرهن فنجد هناك الفاظ: "الحقيقة، عرس، صحوتنا، شتاء، قادم" ولكها تحمل معنى الأمل والتفاؤل بالمستقبل.
صورة أخرى للصراع نجدها في:
"للشتاء القادم:
حطبُ الكذبة
مناديلٌ للأمهات
قفصٌ رحبٌ لعصفورةِ البشارات...
وقبورٌ كثيرةٌ للصمت"
صورة الأمهات نجدها من خلال: "مناديل، البشارات" وهذا متعلق بالنواحي الايجابية، أما ما يفعله الأمهات في سورية اللواتي فقدن أبنائهن، فتجده من خلال صورة " القبور، الصمت". وهذا ما يؤكد على فكرة الثنائية التي جاءت في القصيدة.
"وقبورٌ كثيرةٌ للصمت
لصيف اللهب:
أقنعةٌ ( مؤدلجة)
وجوهُ الشمع
مياتمَ للقطاءِ الدين
سلالاً لماء الأمنيات
مصحاتٌ لمن تدبروا
بعقولهم حتى صدأت
للشهداءِ قبابٌ
يدبُ منها الهديلُ إلى السماء
تمطرُ الآياتُ من أصواتهم
في قيامةٍ مسيجةٍ
بنفيرِ الكرامات..."
فهنا السواد أكثر وقعا مما جاء في المقطع السابق، وذلك يعود إلى حضور الأمهات اللواتي خففا من حدة المشهد، لكن هنا نجد السواد يأخذ مساحة أوسع، "أقنعة، وجوه الشمع، مياتم، صدأت، يدب، قيامة".
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس بوك.
ارث المسيح
العنوان "حقا قامت" يحمل شيء من الارث الديني المسيحي والذي يتحدث عن قيامة طاليثا من بين الأموات، وأيضا متعلق بالآية التي نقول: "من آمن بي وأنت مات فسيحيى" إذن العنوان له علاقة بالقيامة من الموت/الخراب، وهذا ما يجعلنا نقول أن ثناية الخراب والخصب حاضرة في القصيدة وهي تشكل العمود الفقري فيها، وسنجد الأثر المسيحي أيضا من خلال قول الشاعر:
"بلادي صليبٌ يتقيأُ ساكنيه
وعرشُ( يهوذا) في
مهبِ كذبة... "
وإذا ما ربطنا المكان "بلاد الشام" الذي بدأ منه المسيح دعوته، بما جاء في القصيدة، سنجد هناك تماثل وتكامل وتواصل في دور التضحية بالنفس في سبيل الآخرين/المجموع، وهذا ما أطلق عليه "الإثم الكنعاني" والذي أكده "سعادة" عندما آثر الموت على التراجع عندما قال: "أما أنا فأموت، أما أمتي/حزبي فباقي" من هنا جاء استخدام "بلادي صليب" فهي ليست للعذاب فحسب، بل للتضحية ايضا، وللنهوض من جديد، فحالة الصلب هنا لا تعطينا مفهوم السواد المطلق، بل السواد الطبيعي، كما هو سواد الليل الذي لا بد أن يتبعه ضياء النهار.
وهذا ما وجدناه في خاتمة القصيدة والتي جاءت:
"يدبُ منها الهديلُ إلى السماء
تمطرُ الآياتُ من أصواتهم
في قيامةٍ مسيجةٍ
بنفيرِ الكرامات...
إذا ما استدارت المجدلية
تصعدُ البلادُ إلى أبيها
الذي في السماء."
فهنا الخلاص الأبدي والنهائي من "الصلب" والتقدم إلى الفردوس الذي يخلو من أية آلام، وكأن الشاعر بهذه الخاتمة يمحو العذاب والقسوة التي رأيناها في فاتحة القصيدة، وهذا ينسجم تماما مع الفكرة الخلاص والقيامة من العذاب/الموت إلى عالم الفرح والهناء.
نشرت فى 24 سبتمبر 2018
بواسطة magaltastar
- إستعراضٌ لقصَّةٍ للأطفالِ بعنوان : ( أصدقاءٌ بعدَ عداءٍ ) للكاتبةِ والشَّاعرةِ " ليلى ذياب " -
( بقلم : حاتم جوعيه - المغار – الجليل - فلسطين )
مقدمة : الكاتبةُ والشَّاعرةُ ( ليلى مصطفى ذياب ) من سكانِ مدينة طمرة - قضاء عكا ، أنهت دراستهَا الثانويَّة وبعدها درست موضوع التربية في كليَّة عكا .. عملت مربية أطفال لفترة 25 سنة حتى خروحها للتقاعد . وهي شاعرة وأديبة مبدعة تكتبُ الشعرَ والمقالات المتنوِّعة وقصص الأطفال منذ أكثر من ثلاثين سنة وصدرَ لها العديدُ من الكتبِ الأدبية، ونشرت قسما من نتاجها ، وخاصة قصائدها الشعريَّة في مختلف وسائل الإعلام المحليَّة ... وسأتناولُ في هذه المقالة كتابا من إصداراتها ، وهو قصة للأطفال بعنوان : ( أصدقاء بعد عداء ) كإستعراض وتحليل .
مدخل : يقعُ هذا الكتابُ في 22 صفحة من الحجم الكبير- من إصدار ( دارالهدى م ض.ع .زحالقة -كفر قرع،راجعهُ ودققهُ لغويًّا البريفيسور لطفي منصور - مدير كلية بيت بيرل سابقا . ووضعَ رسومات الكتاب المعبرة والمُواكبة لأحداثِ القصَّةِ الفنانةُ التشكيليَّة ( رباب زحالقة مسلماني ) .
تتحدَّثُ القصَّةُ عن فتاةٍ صغيرة اسمها ( زينه ) تعيشُ مع والديها في بيت صغير وجميل يوجدُ خلفهُ ساحةٌ تحيط بها أشجارُ التين والزيتون من كلِّ جانب، وكان أهلُ البيتِ يستظلُّون تحت هذه الأشجار في فصلِ الصيف الحار ويتمتّعون بثمارها ( التين والزيتون ). وقد بنى والدُ زينة خلفَ الدار
كوخا من جذوع الأشجار وبقايا الحطب وجعلهُ مأوى وبيتا لحمل زينه ( الخروف الصغير ) الوديع والأليف ، وقد فرحت زينة كثيرا بما قام به والدُهَا ( ببنائه هذا الكوخ ) .. وكان هذا الحملُ يشغلُ ويحتلُّ كلَّ تفكيرِها ووقتها ، وكانت تقومُ بإطعامهِ والإعتناءِ به ، فتضعُ لهُ الشَّعيرَ والماءَ كلَّ صباح،وبعد رجوعِها من المدرسة كانت تقضي وقتا لا بأس به تحت شجرة الزيتون مع الحمل تلاعبهُ وتلاطفهُ . وحدثَ في أحدِ الأيام أنَّ ولدأ شقيًّا ومشاغبًا جاءَ مع كلبهِ الشّرير وهاجما الكوخ ، وقد تفاجأت وصدمت زينةُ بهذا المشهد العنيف والمفاجىء وقامت،بدورها، برجم الولدِ والكلب بالحجارة ، وكانت تصرخُ بأعلى صوتها تطلبُ المساعدة ، وقد تمكّنَ الولدُ مع كلبهِ من هدم كوخ زينه الذي كان مأوًى للحمل الوديع، وقد أعادت زينة بناءَ الكوخ من جديد بعد أن ذهبا وغادرا المكان ( الولد الشقي وكلبه).. وحزنت زينةُ بسبب الأذى والخراب الذي لحقَ بالحمل البريىء والمسكين .. وفي اليوم التالي أعادَ الولدُ الشقيُّ مع كلبهِ الشرس الكرَّةَ ونجحَا في هدمِ الكوخ مرةً أخرى،وقد أخرج الولدُ الحَملَ من الكوخ، والكلب كشِّرَ عن أنيابهِ وأخذ يلاحقُ زينة،وبالرغم من شجاعتها وقوةِ شخصيَّتِها خافت في نهايةِ المطاف ولم تتمكنْ من طردِ الكلب والطفلِ الشقيّ .. وركضَ الكلبُ نحوَ زينة ولم يُجْدِهَا وينفعْهَا صراخُهَا المتواصل فهربت بخوف وفزع دون أن تدري إلى أيَّة جهة تتَّجهُ وتلجأ . وعندما كانت تركضُ والكلبُ يجري خلفها بسرعة رآها رجلٌ كان قريبا من المكان فخلصهَا من ملاحقةِ الكلب الشرس، وبعد أن استرجعت قواها وتبدَّدَ خوفها عَرَّفت الرجلَ بنفسها وحدثتهُ قصتها بكاملها وما حدث لها .. فأخذ الرجلُ بيدِ زينة وأوصلهَا إلى بيتها وروى لوالديها ما حدث بالتفصيل ثم ذهبوا جميعا إلى مكان الكوخ المهدّم ولم يروا الحملَ هناك، وَدُهشوا جميعا ..ومما زادَ دهشتهم واستغرابهم هو أنهم رأوا الكلبَ الشرسَ مربوطا بجذع الشجرة .. ورغم حزن زينة الشديد لضياع حملها الوديع واختفائه فقد حَنَّت وتأثَّرت لوضع الكلب الذي كان ينبحُ نباحا متقطعا من شدة الجوع والخوف .. فقامت بدورها بتقديمِ الطعام والماء له ، وأصبحت فيما بعد تقدِّمُ لهُ الطعامَ والماء كل صباح بحذر وانتباه شديد ، وبشكل تدريجي ويومي بدأ الكلبُ يعتادُ عليها ويألفها أكثرَ وأكثر.. ومع مرورالزمن أصبحت زينةُ تقتربُ من الكلبِ وتداعبُهُ وتلاطفهُ حتى اعتادت عليه واعتادَ عليها ..وخرجت زينةُ مع هذا الكلب - الصديق الجديد - ذات يوم يلعبان ويركضان .. هو يركضُ وهي تعدو وراءَهُ ، وكلما كان الكلبُ يدخلُ مكانا كانت زينةُ تدخلُ وراءَهُ إلى أن وصلَ بيتا ودخلت زينةُ خلفهُ فذهلت كثيرا لأنها رأت الحملَ الضائعَ والمختفي موجودا هناك ، فأسرعت زينةُ إلى بيتها وحملت البشرى السَّارَّة لوالديها .. وقالت لهما : عاد الحملُ والفضلُ يعودُ للكلب..وكانت الفرحةُ كبيرة لا توصف في البيت،وبدأت الأمُّ بتنظيفِ الساحة.. والأبُ قام ببناء الكوخ من جديد .. ولأجل ألاَّ يتكرَّر ذلك المسلسلُ والسيناريو الذي حدث مع الحمل سابقا وخراب الكوخ أقام ورفعَ الأبُ جدارا عاليا حولَ البيتِ والساحة..وألقت زينةُ نظرَها نحو الباب فرأت الكلب ـ وركضت نحوه بلهفةٍ وشوقٍ واحتضنتهُ وأدخلتهُ إلى الساحةِ ، وجعلت له مكانا بجانبِ الحمل ، ومن يومها أصبحَ هذا الكلبُ هو والحمل صديقين حميمين ، والكلب يحرس البيت وزينةُ والحملُ يشعران بالامان والإطمئنان .. وتنتهي القصَّةُ هذه النهاية الجميلة والسعيدة والبريئة التي تدخلُ الفرحة والبهجة والإطمئنان إلى قلب كل طفل يقرأها .
تحليلُ القصَّة : تُعتبرُ هذه القصَّةُ ناجحةً للأطفال من جميع المقاييس والأسس النقديَّة ، وتمتازُ بلغتِها الجميلةِ والسَّلسةِ والسهلةِ وغير المعقدة والمفهومة للصغار وسيتذوَّقُها الطفل ويفهمُهَا ويتجاوبُ مع أحداثها بتلقاية وبشكل بديهي ..ولقد كُتِبَتِ القصةُ وَنُسِجَتْ بطابع وأسلوب شائق وَمُخَصَّص للطفل - في جميع مراحل وأدوار الطفولة - حيث تجذبهُ وتشدُّهُ لقراءتِها أو للإستماع إليها ، ولهذه القصَّة أهداف وأبعاد هامَّة ، وهي :
1 - العنصر الترفيهي وطابع التشويق :
إنَّ كلَّ شخص يقرأ هذه القصَّة أو يستمعُ إليها سيكون هذا بشغفٍ وحبٍّ
وتمتّع وانسجام سواء كان كبيرا أو صغيرا، وهذا الجانب أساسيٌّ وهامٌّ في قصص الأطفال، وبدونه تفقدُ قصصُ الأطفال جوهرَهَا ورسالتهَا الأساسيَّة وهو تسلية الطفل وترفيهه،ويأتي الجانبُ الترفيهي في المكان الأول للطفل ويفضَّلُ قبل التثقيف والتهذيب والتعليم،لأنَّ الطفلَ تكونُ شخصيتهُ ومفاهيمُهُ وعقليَّته غير متطوِّرة ومتبلورة بعد ،وعوالمُهُ وخيالهُ وأجواؤهُ هي الوداعة والبساطة والبراءة ُ، وهو بحاجة إلى جوٍّ ترفيهيٍّ وإلى كلِّ فكر أو عمل أو لعب يدخلُ إلى نفسه وقلبهِ البهجة والغبطة والسرور . والكاتبةُ تُدخلُ الحيوانات الأليفة في القصَّة ( الحمل والكلب ) التي يحبُّها الطفلُ بتلقائيَّة ، ويتمنى كلُّ طفل صغير أن يكونَ عنده كلب أو قط أليف وحمل صغير وديع يلاعبهُ .
2 - عنصرُ التعليم والتثقيف والأرشاد
تُعَلّمُ هذه القصةُ الكثيرَ من الأشياءِ، فمثلا : تعطي فكرةً للطفلِ عن عالم ونهج حياةِ بعض الحيوانات ، كالحمل والكلب .. فالحملُ دائما وديعٌ ومسالمٌ وأليفٌ، وأما الكلاب فمنها الأليف ومنها الشرس والعدواني، ولكن بالإمكان ترويض وتدجين الكلاب الشرسة والعنيفة لتُصبحَ أليفة ووديعة وصديقة للإنسان . وتعطي القصَّةُ فكرةً للطفل عن كيفيَّةِ بناء الكوخ الصغير من جذوع الأشجار وبقايا للحطب .
3- الجانبُ الأنساني والإجتماعي والسلوكي :
هذا الجانب يظهر بوضوح في نهايةِ القصة وجو الإلفة والإنسجام الذي يهيمنُ على الجميع ، ومفادُ القصَّة وفحواها هو المحبَّة والسلام والوئام والتعايش المشترك مع كافة شرائح المجتمع ..
4 - عنصرُ المفاجأة
يظهرُ هذا العنصرُ بشكل واضح عندما ترجع الطفلةُ زينة مع الرجل الذي حمَاها من الكلب الشرس الذي كان يطاردُهَا وتروي لأهلها قصتها وما جرى لها، ويتفاجأ الجميعُ عندما يذهبون لمكان الكوخ المهدم ويجدون الكلبَ الشرس مربوطا هناك .. شيىء لا يتوقعُهُ القارىءُ ، وخاصة الطفل الصغير الذي سَيُدهشُ ويستغربُ لهذا المشهد والحدث الذي سَيُحَفّزُ ويُثيرُ تفكيرَهُ وخياله عن سببهِ ومن الذي جاء بالكلب الشرس إلى مكان الكوخ المهدم ومسرح الصراع وقام بربطه وتقييده .
5- المواعظ والحكم :
تركِّزُ الكاتبةُ على موضوع المحبَّةِ والألفة، وأنَّ المحبَّة هي التي
ستنتصرُ في النهايةِ وتتغلبُ على الشرِّ والقوّةِ والبطش، ويسودُ التفاهم في نهايةِ المطاف بين الأطراف المتنازعة إذا وجدت المحبة ُوالتعاونُ المشترك وروح المساعدة .. والقصَّةُ تعلمُ الطفلَ أنَّ هنالك حيوانات ممكن ترويضها وتدجينها لتصبحَ صديقة للإنسان ولباقي الحيوانات الأليفة والوديعة كالكلب الشَّرس مثلا ..فبإمكان الحيوانات - كما أكّدت القصَّةُ للطفل - أن تتصادقَ وتتعاضدَ وتعيش مع بعض بعد خلاف وشقاق مسبق...وهذا الأمر ينطبقُ على الإنسان أيضا.. فهنالك أشخاصٌ أشرار ومخالفون للقانون ، ولكن بالمعاملة الحسنة وبالإنسانيّة سيلينون ويصبحون ودعاء وبسطاء ويتركون طابعَ العنف والقسوة وغلاضة القلب والفكر العدواني. والجديرُ بالذكر أنَّ الكاتبة قد ذكرت في القصَّةِ شجرَ الزيتون والتين ولم تذكرْ أسماءَ أشجار أخرى . والتينُ والزيتونُ وردَ ذكرهُمَا في القرآن الكريم ، وهنالك سورة كاملة عن التين والزيتون (( والتِّين والزيتون وطور سنين )) .
إنَّ هذه القصَّة ( أصدقاء بعد عداء ) ليست طويلة بمساحتها الجغرافية وغير متعبة ومملة للطفل، بيْدَ أنها عريضة وواسعة في مواضيعها وأهدافها وأبعادها الإنسانيّة والإجتماعيّة والأخلاقية والإرشاديَّة .. ومفادُها وفحواها وخلاصتها : المحبّة والتّسامح والتعايش المشترك بين جميع الأطراف والجهات، وترمُز وتهدفُ من خلالِ مجرى أحداثها ومشاهدها الدراميَّة إلى التعايش السلمي بين جميع العائلات والطوائف وشرائح المجتمع ( فالكلبُ الشرس والولد الشقي والحمل الصغير والبنت الصغير زينة ) كل فرد منهم من صنف وجنس معين - وهذا رمز للأجناس والعروق والطوائف المختلفة والعائلات وللآيديلوجيَّات والعقائد على مختلف أنواعها وتعدُّدِها ، وأنه بالتفاهم والمحبَّة والإلفة يتحققُ كلُّ شيىء ويتألّقُ مفهومُ السلام الحقيقي والشامل وتكون الحياة هانئة وسعيدة ومتكاملة ومتناغمة ومنسجمة بين الجميع. وترمز الكاتبةُ بالكوخ في هذه القصّة إلى الوطن (( يعيش فيه الكلب والحمل )) ..وتأتي الطفلة زينة وتكونُ معظمَ الوقتِ بجوارهما وتقدم لهما الطعامَ والماء وتقضى معهما وقتا طويلا وتقومُ بملاعبتهما وملاطفتهما ..ويكتملُ الوطنُ هنا بكلِّ أقطابه وشرائحِهِ كالفسيفساء،وهذا الوطنُ (الكوخ) يتسعُ للجميع ويحتضنُ الجميعَ تحت جوِّ المحبةِ والتفاهم والتعاون والإخاء .. وتعلمُ القصَّةُ الطفلَ الصغيرَ أيضا أنَّ الكلبَ هو صديق مخلص للإنسان وللحيوانات الأليفة، وبالإمكان أن يُروَّضَ الكلب وَيُدَجَّنَ ويصبحَ أليفا مهما كان شرسا وجلفا وشريرا وعدوانيًّا في البداية .
نحن نلمسُ بعضَ الأشياءِ والعناصر الناقصة في مجرى أحداث القصَّة في فصولها الأخيرة ، مثلا : لا يوجدُ ذكرٌ للولدِ الشقيِّ إطلاقا الذي جاءَ مع كلبهِ الشرس أكثرَ من مرة وقاما بتخريب الكوخ الذي يسكنُ فيه حَمَلُ الطفلة زينة الوديع .. وإنما ترجعُ الطفلةُ زينة مع الرجل الذي حمَاها من الكلب وتروي قصتها لوالديها ويذهبان إلى مكانِ الكوخ المُهَدَّم ويتفاجأ الجميعُ من وجودِ الكلب الشرس مربوطا .. ولم تذكر الكاتبةُ كيف وصلَ الكلبُ إلى هذا المكان مرة أخرى ومن الذي قام بربطه وتقييدهِ..(هنا يوجد عنصر المفاجأة للقارىء)،ولكن بالإمكان أن تضيفَ وتردفَ الكاتبةُ إلى هذا المشهد الدرامي الغريب والمستهجن السَّببَ الذي جعلَ الكلب مربوطا في حيِز الكوخ المهدم .. ومن الذي أتى به إلى هذا المكان وقام بربطهِ .وكان بإمكان الكاتبةِ أيضا أن تدخلَ شخصية الولد الشقي في نهايةِ القصةِ كتكاملٍ وتتمَّةٍ لمجرى الأحداث، وأن ترسمَ له مصيرًا ونهايةً جميلة كمصير الكلب الشرس الذي أصبح في النهاية صديقا حميما لزينة وللحمل، ولكي تدخلَ القصَّةُ الإطمئنانَ والراحة النفسيَّة الكاملة والبهجة والإستقرارَ للطفل...وكما أنها لم تذكر أيَّ شيء عن أهل الولد الشقي وكيف قام بهذا العمل التخريبي والعدواني مع كلبهِ الشَّرس ( هدم الكوخ ) وما هو الدافع والحافز الذي جعلهُ يقومُ بمثل هذا التصرف، وهل أهله كان يعلمون بهذا أم لا في البداية ، وبعد أن هدمَ الكوخ مرَّتين وتمَّ ربط وتقييد الكلب في نهاية المطاف كعقاب له ماذا كان موقفهم وردة فعلهم لتَصَرُّفِ ابنهم الشقي هذا...ولماذا حُذفَ واختفى كليًّا من مجرى أحداث القصَّة .. وبديهيًّا ستكونُ ردةُ فعلِهم استكارا وتوبيخا لولدهم ، ومن المفروض أن يأخذ الطفلُ الشقيُّ جزاءَهُ العادلَ من أهله أو غيرهم حتى لو كان عقابا بسيطا أو توبيخا ..ولكي تُدخِلَ القصةُ الإطمئنان الكبير والراحة النفسية والبهجة والحُبورَ للطفل .
وتنتهي القصَّةُ رغم بعض الأشياء والعناصر الناقصة والمبتورة (حسب رأي) - في نسيجهَا وَمجرى احداثِهَا - نهايةً سعيدةً وجميلة تدخلُ البهجة والغبطة والمتعة والسُّرورَ والإطمئنانَ إلى قلب الطفل .
( بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل )
( الكاتبة والشاعرة ليلى ذياب مع الشاعر والإعلامي حاتم جوعيه )
(يظهر في الصورة من اليمين الكاتبة ليلى ذياب مع الشاعر والإعلامي حاتم جوعيه والكاتب الأستاذ محمد علي سعيد وزوج الكاتبة ليلى ذياب )
( الكاتبة ليلى ذياب مع الشاعر والإعلامي حاتم جوعيه من اليمين وبجانبه والأديب والناقد الأستاذ محمد علي سعيد ثم زوج الكاتبة ليلى ذياب )
نشرت فى 13 سبتمبر 2018
بواسطة magaltastar
مجلة عشتار الإلكترونية
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
577,589