دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

" بحر الآلام " ؟؟ّ!!
قصة قصيرة 
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل ) .
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ... 
إهداء خاص :
إلى بطلة النص الحقيقية ..
وإلى كل من تعيش المعاناة في " بحر الآلام " .
( الكاتب )
---------------
" بحر الآلام " ؟؟!!
ها أنا أطلقها " زغرودة " مدوية مجلجلة .. نعم يا سيدي .. إنها " زغرودة " الفرح والسعادة .. فمالي أراك تنظر نحوي بغرابة وتعجب هكذا ؟؟!! .. ولِمَ العجب بالله عليك يا سيدي .. ؟؟!!
إن لم تكن قد أعجبتك هذه المقدمة " الزغرودة " أعني ؛ فلتتوقف عن متابعتي في حديثي إليك .. رغم أنني أدرك تمامًا مدى التشوق الذي يعتريك لسماع قصتي وحكايتي .. فهذا هو عهدك ودأبك وديدنك دومًا ... فأنت تحب الاستماع للآخرين كي تخرج في النهاية بصيد ثمين ... نص أدبي جديد تضيفه إلى سجل أدبياتك المتعاقبة المتتالية ... 
.. فاكتب يا سيدي .. لتكتب حكايتي يا هذا.. 
مالي أراك تضيق بي ذرعًا وقبل أن أبدأ بسرد حكايتي .. وقبل أن أبدأ بالحديث إليك ؟؟ .. وها أنا أطلب منك أن تكتب قصتي وحكايتي .. روايتي .. وكنت قد وافقت بدورك على ذلك من قبل عندما عرضت عليك الأمر في حينه..
ولكني ؛ ويا للعجب أراك الآن قد ضقت ذرعًا بي وبحديثي منذ أول " زغرودة " أطلقها كمقدمة .. وقبل أن أنطق بأي حرف ؟؟!! ..
يبدو بأنه قد ساورك الشك بأمر تصرفي هذا ؟؟!! .. ويبدو بأنه قد تبادر إلى ذهنك بأنني امرأة " مجنونة " ؟؟!! .. فهل المجنونات فقط هن من يطلقن " الزغاريد " ؟؟!!.. لو كان الأمر كذلك .. لكانت كل نسوة الكون بلا استثناء " مجنونات " ؟؟!!.
لقد وعدتني أن تستمع لي .. أن تصغي لحديثي .. فانتظر قيلًا يا سيدي ... وهيا ارتشف قهوتك المفضلة بتلذذ.. ودخن سيجارتك الأثيرة بنهم .. وسوف أبدأ الحديث إليك .. ومنذ البداية ... 
.. طفلة صغيرة أنا ... لا زلت ألهو مع الأطفال .. ألعب " الحجلة " .. و " الاستغماية " .. وأنط الحبل .. في أزقة الحيّ .. ألهو .. أمرح .. ألعب بمنتهى البراءة والبساطة والعفوية .. 
حقًا بأنني كنت طفلة كبيرة بعض الشيء .. ولكنني كنت طفلة بكل المقاييس .. 
.. عروس جميلة .. فائقة الحسن والجمال .. رائعة القد والقوام .. تجلس في " الكوشة " على منصة الفرح في صالة الأفراح الكبيرة .. تجلس إلى جانب عريسها .. تبتسم .. تضحك .. تقهقه .. تضاحك هذه .. وتمازح تلك .. وتلهو مع ثالثة .. وترقص مع رابعة .. تنهض من مكان جلوسها إلى جانب العريس .. عريسها تحاول أن تلعب " الحجلة " فوق مربعات البلاط الفخم المزخرف لمنصة الصالة ؟؟!! .. تحاول أن تلعب " نط الحبل " بعد أن تخلع الحزام الطويل لثوب الفرح الأبيض الذي كانت ترتديه ؟؟!!..
.. تلاحق " بالون " ملون سقط من بين بالونات الزينة وتلعب به " الكرة " .. تقع على الأرض بعد أن تتعثر بفستان الفرح الطويل الذي أصبح بدون " زنار " .. تنهض بمرح وسرور .. ألم أقل لك بأنها " طفلة " .. مجرد " طفلة " يا سيدي ... وهذه " الطفلة " هي أنا ؟؟!! .. نعم .. إنها أنا يا سيدي .؟؟!! .
حين أصبحت " عروس " كنت لا أتعدى الرابعة عشرة من عمري .. " طفلة " .. مجرد " طفلة " .. ولكنها " طفلة كبيرة " بعض الشيء .. 
أيام .. بل ساعات الفرح .. اللهو والبراءة والسعادة .. انتهت بسرعة .. بسرعة غريبة ؟؟!! 
في اليوم التالي ؛ كان عليّ أن أخلع ثوب الزفاف .. فستان الفرح .. وأن أنهض من النوم مبكرًا .. بل مبكرًا جدًا ... لكي أبدأ العمل ؟؟!! العمل في البيت الكبير للأسرة الكبيرة ؟؟!! ..
كانت الأوامر الصارمة المشددة تصدر لي للقيام فورًا للقيام بأعباء العمل في البيت .. البيت كله .. وبخدمة الجميع .. الجميع كلهم وليس عريسي فحسب ؟! .
الأوامر تلك ؛ كانت تصدر عن القيادة المركزية للبيت " حماتي " .. يؤيد قراراتها رئيس أركان الحرب " زوجي " ؟؟!! .؟
لم تراعي " حماتي " أنني ما زلت " عروس " وفي يوم " الصبيحة " .. فراحت تصدر أوامرها المتلاحقة السريعة لي بالنهوض من فراش النوم .. والمبادرة بتنظيف المنزل وترتيب الأشياء وغسل الغسيل وإعداد الفطور وتجهيز المائدة وكنس البيت .. إلى آخر تلك التعليمات الصارمة .. وكأنني الخادمة وليست الزوجة .. ولست " العروس " الطفلة التي كان لها شرف كل تلك الخدمات في يوم " الصبحية " ؟؟!! .
.. لم يكن بوسعي سوى القيام بتنفيذ كل تلك الأوامر حرفيًا وبدون أي نقاش أو جدال .. فأنا " طفلة " مطيعة بطبيعي ..؟؟!! .. 
.. ألم أقل لك يا سيدي ومنذ البداية بأنني " طفلة " ؟؟!!
لم تقتصر الأمور على " حماتي " وسطوتها وجبروتها فحسب .. فقد انضم إليها " زوجي " الذي لم يتورع أن ينهال عليّ بالضرب المبرح وفظ الكلام وقذارته وقسوته ؟؟!! .
كان عليّ أن لا أشكو .. ولا أن أتألم .. البكاء فحسب – وبصمت - هو المسموح به ( بيني وبين نفسي ).
لم أدرِ سببًا لما يحدث ولم أدرك كنهه ولم أعرف سبب كل هذا الحقد الغريب والظلم والجور القاسي ..
لم تلبث أن انضمت إلى جوقة التعذيب والتنكيل أخوات زوجي ( الدميمات العوانس ) اللواتي كن يتدخلن بشكل سافر ويقمن بالانضمام إلى " حماتي " و " زوجي " في حملة التنكيل والتعذيب من أجل إهانتي وتقريظي وتقريعي بالألفاظ والسباب وكيل الشتائم .. وقد يتعداه في كثير من الأحيان إلى الضرب .. الضرب المبرح ؛ فأين أنا من كل هذا الجيش العرمرم ؟؟!! .. فأنا مجرد " طفلة " ... طفلة كبيرة بعض الشيء .
عندما شعرت ببوادر الحمل .. عجبت لأمر هذا الشيء الذي كان ينضم للمجموعة ؛ فيقوم بضربي من الداخل ؟؟!! .. لم أعرف سره أو كنهه .. كنت أحسب بأنه أحد أفراد الجوقة الذي انسل إلى داخل أحشائي كي يكمل سيمفونية الضرب والتعذيب ؟؟!! ..
ألم أقل لك بأنني " طفلة " ؟؟!! .
ازداد بي الوجع والألم.. ولم أكن أدرِ سر هذا وذاك .. فلقد هاجمني الألم الشديد من داخلي .. من داخل بطني المنتفخ .. ورحت أتلوى من الألم مما اضطر من حولي إلى نقلي إلى المشفى .. وأنا لا أدرك سر هذا الألم وكنه هذا الوجع .
بعد ساعات قليلة ؛ كنت أدرك السر ؟؟!! فلقد كان يرقد إلى جانبي على سرير المشفى ثمة زائر ؟؟!! لم أدركه سوى بعد عناء شديد وقد تمثل حقيقة واقعة .. على شكل طفل وليد .. بل طفلة وليدة جميلة على وجه التحديد .. كانت كأجمل ما يكون الجمال .
في البداية ؛ حسبتها لعبة .. دمية بلاستيكية جميلة .. رحت أقبلها ببراءة ...
ألم أقل لك بأنني طفلة .. طفلة كبيرة ؟؟! .
حتى وقد أصبحت أمًا - هكذا عرفت في النهاية بعد أن أفهمني الجميع ذلك – لم يكف الجميع عن ضربي وإهانتي وتقريعي وتقريظي .. وكان عليّ أن أتحمل كل ذلك علاوة على القيام بكل أعباء البيت الكبير وخدمة كل من فيه كبير وصغير دون أن أبدي أية معارضة .. دون أن أشكو أو أتذمر .
بكل الوسائل ؛ بكل الطرق ؛ حاولت أن أتودد إليهم .. أن أكسب عطفهم .. أن أستميل قلوبهم .. أن أجعلهم يشفقوا عليّ على الأقل بعد أن عجزت بأن أجعلهم يحبونني ؛ ولكن " لا حياة لمن تنادي " ؟؟!! .
لم تشفع لي عندهم دموعي .. آهاتي .. طفولتي ... ولا حتى كوني قد أصبحت أمًا لطفلة ..
لعل ما بهم هو ما يطلقون عليه " السادية " .. والذي يعني التلذذ بتعذيب الآخرين .. فهم يتلذذون بتعذيبي وإهانتي وإيذائي .
ولعل السبب في كل هذا يرجع إلى تلك الدمامة والقبح في الزوج والحماة وأخوات الزوج جميعًا بلا استثناء ... وكأني بهم يحسدونني على هذا الجمال الذي كنت أتمتع به .. بينما هم في منتهى القبح والدمامة ؟؟؟!! .
كان " زوجي " يثور لأتفه الأسباب .. يعربد .. يزمجر .. يصخب .. يزأر .. يرغي ويزبد بالسباب والشتائم لأقل الأسباب وأتفه الأمور .. ولم يكن هذا يؤلمني بقدر ما كان يؤلمني تعديه على الذات الإلهية بالسباب والشتم ؟؟!! - استغفر الله العظيم - .
سنوات طوال من الظلم والاستعباد والاستبداد .. الضرب والإهانة .. ولم يشفع لي إنجابي للأطفال .. الطفل تلو الطفل .. فأصبح لديّ خمسة أطفال ؛ اثنان منهم من الذكور .. والباقي من الإناث .
لقد قمت بالشكوى للأهل أكثر من مرة ولكنهم كانوا وفي كل مرة يجبرونني على تحمل الأمر والعودة لمنزل الزوجية ..
فكنت أعيش وبحق في بحر مضطرب صاخب .. " بحر الآلام " .
وها أنا الآن أطلقها " زغرودة " مدوية مجلجلة ..
نعم يا سيدي .. إنها " زغرودة " الفرح والسعادة ..
مالي أراك تنظر نحوي هكذا بغرابة وتعجب ؟؟!! .. ولِمَ العجب يا سيدي بالله عليك ؟؟!! .
فها أنا أخيرًا أشعر بالسعادة .. النشوة .. الفرحة .. لأول مرة في حياتي الزوجية الطويلة .
وها أنا أعود من جديد لكي أكون طفلة .. طفلة كبيرة بعض الشيء .. ولم لا أكون كذلك ؟؟!! .. وقد تم إطلاق سراحي ؛ وقد نلت حريتي أخيراً ..
فقد طلقني زوجي " .. وللمرة الثالثة ؟؟!! .....

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 136 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

579,005