جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
"عامل بطالة " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ولم يسبق نشر النص من قبل ) .
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء خاص :
إلى بطلة النص الحقيقية .
( الكاتب )
----------------
" عامل بطالة " ؟؟!!
لا تعجبوا سادتي من أحداث هذا النص ... حقًا بأنها كانت أحداثًا عادية ... بل لعلها تكون عادية جدًا ... ولكنها حدثت على أرض الواقع .. وكم كان لها من التأثير النفسي العظيم على نفسيتي وأحاسيسي ومشاعري ... لا لشيء إلا لأنني كنت الشاهد على الأحداث ... الراوي ... والقاص .. وبطل النص أيضًا ؟؟!! .
كغيري من آلاف .. عشرات الآلاف .. بل مئات الآلاف من العاطلين عن العمل ... كنت قد تقدمت بطلب العمل " بطالة " للمركز الرئيس لهيئة الأم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين .. بطالة لمدة ثلاثة شهور فحسب ؛ كما هو الحال بالنسبة لغيري ..
كان عليّ الانتظار لوقت طويل .. بل طويل جدًا .. حتى يحين دوري للحصول على فرصة عمل في أحد مرافق مؤسسات الأمم المتحدة .. في أي مكان يجده المسئولين مناسبًا .. ( مناسبًا بالنسبة لهم بالطبع وليس لي ) ...
بعد عدة سنوات .. كان الاتصال يتم بي للتواجد في مركز الرئاسة للوكالة لاستلام فرصتي بالعمل ...
يبدو بأن فرصة العمل تلك بالنسبة لي كانت جيدة بشكل نسبي ... فلم يكن مجال العمل المتاح لي كـ ( آذن ) في عيادة أو ( بواب ) في مدرسة أو ما شابه ... وهذه هي فرص العمل التي كانت متاحة في العادة لعمال البطالة .. فلقد كان حظي – كما يبدو – جيدًا بشكل نسبي .
فقد كانت فرصة العمل عبارة عن عمل مكتبي .. إداري .. في قسم لا بأس به في المركز الرئيس للوكالة ذاته .. وهذا ما أراحني نفسيًا بعض الشيء وشجعني بالتالي على قبول فرصة العمل خاصة وأنني كنت متهيبًا كثيرًا في قبول العمل.
التقيت ببعض الأصدقاء والمعارف في نفس القسم الذين رحبوا بي كل الترحيب وأولوني اهتماما كبيرًا واحترامًا أكبر ..
العمل في حد ذاته كان رائعًا وممتعًا وبحق بصحبة الأصدقاء والزملاء المحيطين بي وخاصة رئيس القسم الذي أنزلني منزلة كبيرة من المكانة في القسم والاحترام ...
... واستمر العمل على وتيرته ... حتى كان ذلك اليوم ... فقبيل مغادرتي القسم الذي كنت أعمل فيه بعد انتهاء الدوام الرسمي للعمل ... وعند اقترابي من الباب الخارجي للمبني الكبير لمركز الوكالة ؛ كان يتناهى لمسامعي صوتًا أشبه بالصراخ .. العويل ... البكاء ... أغلب الظن بأنه كان صوتًا نسائيًا ...
بعد أن اقتربت كثيرًا من الباب الخارجي للمبني للمغادرة .. كنت أتحقق وبشكل جيد من مصدر الصوت .. وبالفعل .. كان صوتًا نسائيًا .. ممزوجًا بالصراخ والعويل والبكاء .
المرأة تلك ؛ كانت تحمل علامات جمال - ذابل - كان ذات يوم رائعًا ولكنه زال واندثر .. غاب واندحر .. منكوشة الشعر .. حافية القدمين .. ترتدي ملابس يبدو بأنها كانت على أحدث الموديلات ذات يوم غابر..
ما إن اقتربت من ناحية الباب الخارجي بقصد المغادرة بشكل نهائي حتى كانت المرأة تقف حائلًا بيني وبين الوصول للباب وهي ما زالت تصرخ وتبكي وتولول .. وراحت تشد ملابسي بقوة وهي تود أن تمنعني من المغادرة .. كأنها كانت تطلب مني مساعدتها ... نجدتها .. أو مد يد العون لها ...
كانت تتمتم بحروف مبهمة .. وتدمدم بكلمات غامضة لم أتبين منها شيئًا ..
لم يلبث أحد رجال حراس المبني أن اقترب مني ومنها .. راح يحاول أن يخلصني من بين قبضتها الفولاذية التي أطبقت على ملابسي .. ويحاول أن يبعدها عني .. وهو يقول لي :
- دعها وشأنها يا سيدي ... إنها امرأة " مجنونة " ؟؟!!
.. ما كاد الحارس يتم عبارته تلك حتى كانت المرأة تندفع نحوه وتطبق على رقبته بقوة وهي ترفع عقيرتها بالسب والشتم نافية تهمة " الجنون " عن نفسها .. ولم يلبث أن اندفع نحوهما مجموعة من رجال الحرس والبوابين لكي يخلصوا زميلهم من بين يديها وينقذوه ... فاستطاعوا ذلك بعد حين ...
راح الجميع يدفعون المرأة بالقوة لطردها من أمام البوابة وهي ما زالت تصرخ وتصرخ وتولول .. وتبكي بحرقة ..
إزاء هذا المشهد الغريب .. وجدتني أقف حائرًا .. لا أدري كيف أتصرف إزاء هذا الأمر ...
اقترب مني أحد رجال الحراسة وحدثني على عجالة بأمر تلك السيدة ..
أفهمني وبشكل سريع بأن تلك السيدة كانت تشغل مركزًا مرموقًا في نفس هذا المبنى ... مبنى مركز الرئاسة للوكالة وبوظيفة حساسة جدًا ... وكانت سيدة " ارستقراطية " معروفة بالأناقة والجمال والجاذبية والرقة ... إلى أن وصلت سن التقاعد ...
أصابها الهم واستولى عليها الغم بعد أن وصلت لسن التقاعد وكأنها كانت قد راهنت بينها وبين نفسها بأنها لن تصل لهذه المرحلة ولن تصل لمثل هذا السن ( سن التقاعد ) أبدًا .. فأصيبت بالمرض الذي أقعدها عن النطق والسير والحركة بشكل نسبي .
من خلال أنظمة العمل المعمول بها في رئاسة الوكالة ؛ كان عليها أن ترشح بعض الشخصيات التي تنوب عنها باستلام مستحقاتها الوظيفية الشهرية أولاً بأول ... واستلام المستحقات النهائية لها عند وفاتها .
المرأة ؛ كانت قد رشحت بعض الشخصيات من الأقارب ( من الدرجة الأولى ) لها لكي تتولى تلك الأمور على اعتبارهم أقاربها المقربين وبأنهم سيتولون رعايتها والاهتمام بشئونها بشكل جيد ... والوقوف إلى جانبها في محنتها ومرضها ...
ولكن ؛ وكما يبدو بأن أولئك الأشخاص المقربين لها والذين قامت بالتوقيع على جميع الأوراق اللازمة لتفويضهم وتوكيلهم وتخويلهم بالقيام بتولي كافة الأمور المالية نيابة عنها .. يبدو بأنهم – جميعاً - قد أهملوا أمر المرأة ولم يقوموا بأدنى واجب تجاهها ..؟؟!! واكتفوا باستلام المستحقات المالية الشهرية والتصرف فيها على هواهم وكما سول لهم شيطانهم دون الإنفاق على المرأة المريضة بالمطلق ...
المرأة المريضة أحست بما يدور في الخفاء ... وعلى الواقع .. فشعرت بالألم الشديد والامتعاض الرهيب لما فعله الأقارب .. فهبت مسرعة من فراش المرض لتندفع ناحية مبنى الوكالة لكي تطلب من المسئولين تغيير التوكيلات والأوراق التي قامت بالتوقيع عليها ؛ وحرمانهم من التمتع بأموالها وعدم الاهتمام بها ..
كانت تريد أن تقوم بتغير التوكيلات والتفويضات لأمر شخص آخر كان يرافقها في محنتها ويقوم بالعناية بها والاهتمام بشئونها ورعايتها بشكل جيد ويقف لجانبها طوال الوقت ويساعدها في كل أمورها ...
كان الرجل يقف إلى جانبها وهي ما زالت تصرخ وتولول وتبكي .. لا حول له ولا قوة .. لا يدري ماذا عليه إن يفعل إزاء هذا الموقف المؤلم ..
الرجل ... لم يكن سوى ( خادمها ) ... الذي كان يقوم بخدمتها بإخلاص ووفاء منقطع النظير طوال سنوات حياتها وطوال شهور مرضها .. دون أن يتقاضى أي أجر على الإطلاق .. ويكتفي منها بالإيواء والطعام والكساء المتواضع ...
في قرارة نفسها وجدت بأن هذا الخادم الأمين ... وهو الرجل الغريب عنها والذي لا يمت لها بأي صلة قرابة أو نسب .. أحق بكثير من أولئك الأقرباء الذين أعطتهم كل شيء ..
كانت تصرخ وتولول وتبكي .. تطلب من الحراس والبوابين أن يقوموا بإدخالها إلى داخل المركز الرئيس لمقابلة المدير وكبار المسؤولين لكي تقوم بإلغاء التوكيلات السابقة التي قامت بإعطائها لأقاربها .. والقيام بتوقيع توكيل جديد باسم ( الخادم الأمين ) .
الحرس والبوابين كانوا يمنعونها من تحقيق ذلك .. ويمنعونها من مجرد الدخول إلى مبني الوكالة .. على اعتبار بأنها " مجنونة " ؟؟؟!! وقد فقدت الشرعية القانونية للتصرفات المالية والإدارية والعملية .
طأطأت رأسي .. وألقيت ببصري ناحية الأرض .. وثمة دمعة حائرة تترقرق في عينيّ وأنا أغادر المكان ...
لم تلبث المرأة أن اندفعت ناحيتي من جديد ... وهي ما زالت تصرخ وتبكي وتولول ... تحاول أن تستنجد بي لمساعدتها والوقوف لجانبها ... وقد حسبتني أحد كبار الموظفين بالوكالة ... ولم تكن تدري بأنني لم أكن سوى .. مجرد ...
" عامل بطالة " ؟؟؟!!!
(( انتهى النص ... وما زال صراخ وبكاء وعويل تلك المرأة يدوي في ذهني وفكري .. ويسيطر على أحاسيسي ومشاعري وخواطري ... )) ...
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية