جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مُقَدِّمة ديوان (( 2020 )) للشاعر رمزي عقراوي
بقلم الناقد العراقي الأستاذ حميد العنبر الخويلدي
اول اللمسات في هذا المنوال ..ان اشير الى العنونة والتي نوليها اهتماما خاصا..في كل شيء..على اعتبار أن العنوان اسم جامع لما تحته.. نعم هي جداريات رمزي عقراوي.. حفرها وخط ابجدياتها على مداخل بوابات العراق الحبيب واسواره..فلعل الذي يطالعك في الشمال هو ذاته الذي يطالعك في الجنوب. وكذلك الذي هو في الغرب نفسه الذي يشبهه في الشرق.. اذن تلبّسَ رمزي عقراوي خريطة بلاده العراق وتلبّسَتْهُ.. موشوم بها جلده من الخارج ومن الداخل في قلبه على الشغاف.. ولطالما ذكرنا صفة الجداريات.. فان كل بناء لايتم الا بمعهود اربعة جدران شاخصة لابد قياسا وتصميما..ولعلنا وكالعادة الرياضية في الوجود تكوينا. ان لابد من دخولية لهذا البناء المنيف وخروجية..يعني ان فضل رمزي على هذا المشهد المرسوم والذي هو ..الجدران الأربعة...بات الباب ولولا الباب لسقطت قيمة كل بناء في الحياة.. عقراوي هذا الشاخص والظل..باب لجدارياته المنحوتة على جهات البلاد. هذا المفهوم قبل ان افترضه نقدا..فرض نفسه على احاسيسي عنوة ..فاصغت له مجسّات الخيال ومهاميز التصوّر. والفحوى ان نعلن هذا الترابط وبهذا الشكل المعماري.. جداريات واسوار ومداخل ..نعم ذلك مسحوب علينا من خلال.. عنصر خلق مركزي شمولي.. اختاره الشاعر إرادة وعشقا..ولعله الوطن.. فلو وقفت عند الجدارية الاولى واخذتك خطواتك سيرا استكشافيا تتبعيا إلى الجدارية الأخيرة..لوجدت اول سطوع للأعلى هو قمة حصاروست المفتخر بها شمالا على الجسد .. والسطوع الذي يقابله ضرورة هو عناق وجدل دجلة والفرات عند ثغر البصرة الباسم على الخليج هذا الرواء المثري ..مذخور في ذات المبدع.. وكأني به ولشدة تعلقه بحب العراق.. يجيد رياضة نيرفانا التحضير. طوعا ..اي امة اي جيل شاءه طلبا بمجرد أن يشير برأس الخيزرانة تعال هلمَّ ..نعم اريده. جيلا سومريا.. بابليا.. اشوريا .. اذ وجدتُهُ يُكْثر من مشاهدات طيقان قلعة اربيل..يغني بمزامير داوود والموصلي اسحاق وزرياب واكثر ما رأيت به عيانا يهوى عزف الرعاة بين السهول والروابي وسفوح الجبال الخضر حيث النماء والعطاء والحلم.. وقبل تلطيخنا وجه الجدارية البدء بالحناء والزعفران..لابد من إشارة سِبْقٍ.. سجلها الفنان في واجهة الوقت..انه قال مخطوطتي الشعرية المسمّاة..ب.2020 وان لفارقا اختزله من الوقت الذي في راهن حضوره إلى وقت بعده مخبوء..لم يدفع به التسلسل في الزمكان..وهذا تندر وطرافة او قل اِلْتِفاتة من الحدسي ألقى بها عقراوي في المخاضة.. ليكسب شخب الحليب الصافي اول بأول قبل الشكاكين والمتفيقهين..وقبل أن تصاب عيون الوقت بالجدري واللوثة. شاءها حرة بيضاء تسر النواظر وتجيب الخواطر وكالمتتبع الأثر ليصل إلى ضالته يركز النظر في الجادة..ويقلق لو هبّت ريح مخافة انمحاءالرسوم والتيه..وقد يكون سراب الظهيرة يغشي الظمآن ويمني ما تحلم به روحه الى ان يصل إلى الشرعة الأمينة..ونعني به العراق وقد يفتح شهية الشعور ..في القاموسي..والمجازي المنوال منه..ليزج بالطاقة اللفظية عند رمزي ليختار لغته الشعرية الخاصة ..واللغة دليل خصوصية ذاءقية الذات..وهويتها المعلنة بوجه الوقت..حيث نذكر أن مبدعا يكتب قصيدة .نعم ان لغته ووعيها هي التي تكتب القصيدة ..هذا عند الموهوبين الحقيقيين.. فرمزي طوعيا تجده في دائرة من الحروف والتنقيطات والتوقيعات العربية..وتجده متفاعلا مع شكل وملمس الألفاظ وجِرْس المفردات التي الزم نفسه بالكتابة فيها .. واذا اردت ان اسميها باسم اقول انها اللغة الواضحة اللغة المفهومة البيضاء ليس اللغة الاخلاطية بالصبغات ولا قتومة الصفات.. انما هي لغة الشعب واللغة الدارجة التي لا غبار عليها ليتسنى له ان يعرض همَّه ويوضح اَلَمَه ..قد يكون المعروض في المقهى او الرواق او وراء المنصة..قاصدا من الاعتيادية ان يجرنا إلى الميسور اللفظي باعتباره لغة الاكثرية..شهادة منهم عليهم..فرمزي الأستاذ .قصد نوع من أنواع اللغات والذي تعود ان يكتب به بدون مواربة ولاشك ..ظانا من انه لابد ان يوصل اَلام الشعب بهذي القراءة المشخصة للعلل والخلل.. فقد يتراءى له لو اتانا بلغة غرابة معينة او لغة رومانسية حالمة بأشعة الشمس الارجوانية..يظن ان تتعكز المفاهيم وتتقعر وتصبح الرؤى التي يراها غير واصلة الغاية والذي يطيح بها اولا هو الشعب.. وقد تلصق برمزي التهم والتاشيرات السلبية في استخدامه للغات غير لغة الجداريات ذاتها..فمنهم من يقول استخدم لغة تقريرية وبأسلوب مباشر ونعرة خطابية ..هذي منهجية..نعم خاصة عقراوي ونفسر من خلالها..انه جمعها جمع الخبير العالم بمؤدياتها...لونا وصبغا وطاقة وتذكرني لغة الشاعر في ان اجتهد واقول.انه بمعدل لغته هذي ..كان ينوي وهو الصحيح ان ينجح بترجمة اشعاره إلى اللغات الأجنبية حيث لاتتاثر ويرتبك حاصل المعنى في نصوصه..انما تزداد جمالا..وهذا تفرضه صلاحية المفردة التي ينتقي ويصوغ... ويذكرني رمزي عقراوي لو اردت ان ابوب خانته..حيث يحلو للمتلقي هم وعمق الاطروحة ..وبهذا الطرح المتواضع ان اقول انه يشبه باشعاره او اغلبها الشاعر العالمي ..بابلو نيرودا.. حيث أخذ همه الى ان يرفع هم الشعب معه ويهجر الملذات وليس بعيدا عن لظاه
وليس بعيدا عن لطيف الخبرة التي تَمَيَّيز بها كبار الشعراء ..ومدى قدرتهم الإبداعية في صنع القصايد الخالدات.. وفيها ومن خلالها نالوا الشهرة العالمية والمحلية..ورغم ذلك وكمعدل لهذا الحاصل والنتيجة..فانهم لو أرادوا أن يسوقوا الاشياء في اتجاه مطاردة فعل السياسة وانعكاسات الفكر المنهجي وتأثيره على المواطن فإن الشاعر أمثالهم او كعقراوي في جدارياته.. ضرورة لابد.. ان ينزل ليس بمستوى الهبوط المتدني حاشا.. انما هي إرادة واختيار ومكاشفة لعرض المضمون الذي عليه ان يستدعي شكله.. والشكل هنا هو مزاجية اللغة ونوع جنسها ودلالتها.. فخذ.عليك بالشعر العراقي ونمطية نزول الاختيار لتهيئة لغة والفاظ تحمل النص بمؤدياته التي في ظن الشاعر تخدم الغرض والاطروحة جراء منهجية اللحظة الراهنة. فالشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي تجده مضطرا وضمن البنية ونشاطاتها الموضوعية ان يُنَزّل مقاصدها في نوع لغوي اختاره ورضى به ..معتبرا اياه هو الصحيح ولا غيره.. فمهنة التمسيح في زماننا يبرع فيها العُوُر والاذناب.. ومهنة التمسيح اصطلاح شعبي يشار به لمن يمسح أكتاف غيره طمعا في نوالهم.. وأخرى له وبهذي البساطة المعبرة عن الغاية.. مررت باستانبول لا اقول نزلتها لأنني عجول.. هذي صورتان من ديوانه.. ولأن الشاعر العراقي ليس بعيدا عن السياسة..وانما هو فيها.فقد انتقلت لغة السياسة والشعارات السياسية إلى قصيدته.. وأخرى مباشرة ينزل بها على الواقع المزري.... يا يسقط المستعمرون ومنظمات دفاعهم يا يسقطون يا يسقط الاوغاد اعداء الحياة السارقون ربيعنا يا يسقطون.. هذا منقول من ديوانه ومن ..كتاب دير الملاك ..للناقد الدكتور محسن اطيمش.. وهذي الشاعره الرائدة نازك الملائكة..وعن نفس المصدر تقول وبذات النقلة والطفرة في انتهاج السياسي كَسِلّم للصعود في زبر وزجر الضيم والمعاناة عن الشعب والمواطن...وهذا بُعْد عقائدي عند السيد.. رمزي ..تجاه تاريخه وتاريخ شعبه.. وتقول نازك في قصيدتها...تحية الى الجمهورية العراقية..1958 السوق صحا يا ورد حذار من نغمته الصهيونية ومخالبه الأمريكية جمهوريتنا عشت سلمت من الطغيان... وهكذا كلهم وحتى السياب وشاذل طاقة والجميع قد تناول الاستشفافي في المنهج السياسي لما له.. اقصد السياسي ..ربط مع حياة وآفاق تطور الفرد والإنسان.. فرمزي حين المقارنة والمقاربة وأخذ نموذجات من جدارياته وخلطها مع قريناتها سالفة الذكر من دواوين الشعراء..فلا اختلاف ابدا ولاتثريب.. طبيعة الذات والموضوع فرضتا حتما بمعادلة حاصل حركة الزمكان فانظر بعين المتأمل للعقراوي ذلك الصوفي المجذوب بحب العراق وشعبه..اسمع تداعياته وهذيانه الحر ..المباشر والهادف.. في جدارية 19 من مخطوطته إذ يقول... ما أطيب الشباب انه لذة الحياة ينظر إلى نفسه بفرح وسرور واناة .ا. وهكذا يسافر عبر هجرة المحلي الى اعتبارات القيمي الناصع والراجح عند الأفق العام المقبول.. ان الشباب زهرة الربيع ريانة الانداء والنسمات تغني له الدنيا اغاني الحب... هذا التصاعد عند عقراوي المستفيض أفقيا وعموديا لصناعة المُثل والعرافات..والتي يجمع بها حسن الماَل وزين الحال ليؤسس الى مسلة مع الوقت حيوية المعاني مفتوحة الحلقات..تَطّرد اطراد الشمس والظل في الوجود.. ...... وهنا يقف عقراوي بشخصانية المتفرد على صخرة او ظهر جدار ليصيح بأعلى صوت.. اني ارى شعبي له جماهير عريضة لكنها تعيش بلا الباب ا.ا. حيث يحصرها الفقر والحرمان نعم انه الشاهد والمدعي والزعيم والمناضل الثوري.. وذي شهودية ذات سامية فيه لم يكن يوما استقرضها من أحد او من جهة..انما هو طبع معلن ومستتر..
والاجدر ان عقراوي ..رمزي.. له من الصفات الشخصانية ما يجعله متميّزا وذا رجاحة متفوقة في قراءة الأشياء وبشكل ثاقب ومتندر..فلعله الذي ما اغراه المنشور الطيفي للالوان او اغرته تنقيطات جنح الفراشة وفسيفساء مشهد الطاووس..ابى الا ان يلوّن بالأبيض والأسود...وهذا تركيز ذكي منه ..ليحفظ الدعوى والشكوى والألم والفجيعة كما هي ويمثل ما مست جسد الفرد وكارزما المجتمع .. ينقل كيف ينزل العذاب ومس الجوع وصليل الضيم على احاسيس وغرايز الناس....كان قد اختزل اللونيات والتزويقات والتنقيطات التي يغلف بها المبدعون المترفون وباسم الشعرية والرمزية والتجريبية والتكعيبية و.و.الخ من المدراس والمباحث .. ابى الا ان يشيعها كما هي حتى لا تكون هناك حجة او تعتيم او تعمية على روح الحقيقة التي يريد..وكما قال شاعرنا الكبير الجواهري... اريد الحقيقة في ذاتها ........بغير الطبيعة لم تطبع وكما حاول أن يبتعد عن المجازات والتوالديات اللفظية التي يستتر بها الشاعر في احايين كثيرة.. وكما هو السبب والمقصد الذي ذكرنا أعلاه.. قارب عقراوي خيار اللغة العربية انتقى وسطيتها من الفاظها البيّنة اخذ منها فاعلاتها ومفاعيلها وافعالها وصفاتها الشاخصة معنى ومبنى..وكانه يعترف لنا ان العربية بمفرداتها واشتقاقاتها دوائر..كالعواءل والأُسر ..فلي منها افرادها الوقار ذو السطوة والنفوذ والمنعة.. ليجمل غاياته الفكرية والتعبيرية يلا رتوش وستاير.. وما لهذا الحال عند رمزي وقد يكون عفويا ..لولا أحسبه عليه من باب الوعي... انه قاصد هذه المِزية والتي تفرض علي ان احيله إلى اي المنهجيات..واقول انه ينتمي إلى الواقعية البيضاء..او الواقعية الواضحة.. وهذي ترمي بسهمه إلى ناصية نجاح باهر في العالميات وأعني اللغات الأجنبية حين الترجمة.. فالمترجم يرتبك أمام اي لغة في طور قاموسها ومجازها وتوالدها التنظيري عند المحدثين والمجددين..ناهيك عن انه الشعر.. وكما قالوا عن الشعر العربي في طور الترجمة..كالقلادة الذهبية لو تُرْجِمَ ..حتما تقطيعها.. ممايفقدها جمال الصورة والنظرة...وهذا لابد من سبب يوعز إلى المجاز العالي التوالدي خارج حدود الطيفي... ولكن عند رمزي عقراوي بات رصيدا عاليا..يناله عند المترجمين فاللغة هي ذاتها الخيار الوسطية الوقار على جنسها ونوعها وفصيلتها...بلا تكلف وتعكز..انما باسلوبية تلقائية كما هي..وهذا من إشارات الذكاء الباطن عند شاعرنا..النجاح في الترجمة وهذا يفي بعرض المعروض كما اراده لخدمة الغرض غير منقوص.ودخول عقراوي دايرة الشهرة والفهم والتلقي في العالم عند الأمم أكثر ما يكون عندنا.. هذا ظننا ومانعتقده صحيحا.. ثم من اولويات الذوق التي تمتع بها الشاعر انه متوازن في مركبه الذاتي الشخصي كفرد وانسان الى مستوى أمير مبدع.. بضرورة ان كل خصم او ضد او متصد لابد من ان يقذف خصمه بلكمة هجومية او بكلمة هجاءية.. انظر جداريات ومتون رمزي كم خصم له قد اقول كلها خصوم واُحَيّد فقط الشمس والماء والهواء والوطن ليس بالضد من عقراوي..ولكن هل ترى منه سُبّةً لاحد او تهزير بالكلام او تشنيع اي خُلْقٍ عامر يعتمل في ذات هذا الامير ..الذي اوصل كل متطلبات قضاياه وبالم شديد ومكر سديد ولم يغلط او يشت.. يالها من خصال ويالها من محاسن ونفس ملوكية... نعم هو المبدع نعم هو الإبداع..
((( بقلم الناقد العراقي الأستاذ حميد العنبر الخويلدي)))
=============================
يوم الجمعة الموافق 31=8=2018
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية