جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الصور في قصيدة
"عبق الروح"
هادي زاهر
من المحفزات على التقدم من النص الأدبي الصور الشعرية التي تجذب المتلقي وتمتعه، وكما أن الألفاظ البياض لها مكانتها في القصيدة، وإذا ما كان الموضوع متعلق بالمرأة التي تعد أهم عنصر من عناصر الفرح، يمكننا القول أننا أمام نص كامل ومتكامل، إن كان على مستوى الشكل أو المضمون.
العنوان بحد ذاته يشكل حالة من التألق، فهو متعلق بالروح وجمالها ويعطي مدلول عاطفي طيب، وإذا ما دخلنا إلى فاتحة القصيدة سنجدها تبدأ ب:
"تعالي اقاسمك وردة الحب
فإن عبيره فوق احتمالي،"
رغم أن فعل الأمر دائما يشير إلى شيء من السيادية والتي يكون وقعها على المتلقي صعب، إلا أن تكملة الفعل تلغي تلك القسوة وتجعله فعل محبب وشيق، فهناك وردة وذات عبير طيب، سيتقاسمها الحبيب مع المحبوبة.
كما أننا نجد حاجة الحبيب للعون، فهو لا يستطيع أن يقوم بحمل عبء هذا العبير لوحده، وهذا ما يلغي فعل الأمر ويحول طالبه من حالة القوة إلى حالة الضعف، بمعنى أن من يطلب هو بحاجة للمساعدة، ويطلب من موضع ضعف وليس من موقع قوة.
بعدها يأخذنا الشاعر إلى عالم الصور:
"أصوب نبضي على غصنه المتعالي
لأكون مثل هذا العنق المتعالي"
التصويب هنا يعطي معنى الهدف/الغاية، البوصلة/الوسيلة التي يسترشد بها الشاعر للوصول إلى مبتغاه، فهذا الجمع بين الغاية والوسيلة ما كان ليكون لولا أن هناك حالة توحد بين الشاعر والغصن، فقد تعلق نبض قلبه بذلك الغصن العالي ليرفع مكانة الشاعر، وهنا نأخذ فكرة أن الشاعر لا يجد ذاته إلا من خلال الغصن/الحبيبة، وهذا ما يشير إلى حالة التكامل بينهما.
"يا قطن كل هذه الجروح
ولا شيء ينقصني سوى أنت
ونقصي فيه اكتمال"
هنا تكتمل لنا الصور، صورة حقيقة الحاجة/النقص، فالشاعر بدونها يبقى مجروح، متألم، وفي حضورها/وجودها يكون معافى سليما وكاملا. وعندما استخدم صيغة النداء "يا" أراد به أن ينبه المحبوبة وأيضا المتلقي ويشعرهما بحالة الأزمة التي يمر بها.
الصورة الأجمل جاءت من خلال:
"كم أنت بعيدة
وأقرب من القصيدة
إذا همست بها يفيض بروحي نيل
مكتمل الجمال" فهناك حاجة عند الشاعر لكتابة القصيدة، لكن بعد الحبيبة تجعل الكتابة تحمل شيء من الألم، ورغم أن هناك متعة ستأتي من الكتابة إلا أن البعد عن الحبيبة يحول دون اكتمل الشاعر، كشاعر أو كحبيب.
بعد هذه المشاعر كان لا بد من تقديم وصف لهذه الحبيبة التي هام بها الشاعر:
"عيناك مؤنثة بقدسية إله
يفيض علي من كل تجاه"
الشاعر يصر على تقديم محبوبته بهيئة كاملة الأنوثة، وعندما ربط بين عينها والإله اراد بذلك أن يشير إلى وجود شيء من القدسية لهذا المحبوبة، لهذا نجد مباشر يقول:
"هنا سأقيم الصلاة
لأعيش لذة الوصال"
فربط الدافع للقيام بالصلاة بالمحبوبة يعطيها شيء من قدسية، وعبادة/صلاة الشاعر ليست صلاة عادية، بل صلاة خاصة، لهذا نجده يستخدم "لذة الوصال" فهو هنا يقوم بالعبادة ويشعر بلذة/بمتعة هذا العبادة، وهناك فقط تكون العبادة ناتجة عن الحب، وليس عن الخوف من النار أو طمع في الجنة، فالعبادة بحد ذاتها تمنح الشاعر المتعة، وهناك يكون قد وصل إلى ذروة الحب، التوحد، حب الله وحب الحبيبة التي جعلته بهذا الوضح/الحال.
"تعالي خذيني من نبض لهفتي
من نشيد الأناشيد في شفتي
من قفص الغيم ربما نمطر
وترتعش كروم الدوالي"
الخاتمة جاءت بشكل مذهل، فهناك ايحاء باكتمال التلاحم بينهما "ترتعش كروم الدوالي" والتي تعطي مدلول إلى العلاقة الروحية والجسدية، وإذا ما أخذنا ما سبقها "نشيد الأناشيد في شفتي" والتي تعطي معنى التغني بالحبيب من خلال قصائد الغزل والحب، يمكننا القول أن الشاعر قدم صورة رومنسية كاملة، قبل وأثناء قيام العلاقة الجسدية بينهما، كل هذا يجعلنا نقول ان القصيدة كانت مميزة وممتعة ورائعة، إن كان من خلال الصور أو المعاني التي تحملها، أو من خلال الألفاظ التي استخدمها الشاعر والتي خدمة الصور والفكرة التي أراد تقديمها.
القصيدة منشورة في مجلة "شذى الكرمل" السنة السادسة، العدد الثاني
حزيران 2018
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية