جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مناقشة رواية "سكوربيو" في دار الفاروق
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تمت مناقشة رواية "سكوربيو" للروائي المصري عادل فودة، وهي الرواية التي فازت في المركز الأول في مسابقة عزت الغزاوي للرواية التي أقامتها دار الفاروق وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" الذي نوه إلى أن هذه الرواية قد حصلت على المتربة الأولى في مسابقة "عزت الغزاوي" للرواية، وهي رواية ذات حبكة متينة ولغة قوية، مما جعلها رواية مميزة، فالألفاظ الجزلة التي استخدمها الكاتب نمت عن عمق معرفته بأسرار اللغة العربية ورغم ذلك فإنه يمكن للقارئ أن يستدل على معاني بعض الكلمات التي تبدو له مغلقة من خلال سياق النص ,وهذه ميزة إضافية تحسب للرواية، كما أن أحدث "الجنس" التي تصاحب شخصية "عبد الله" لم تكن فجة كما نجده في كثير من الأعمال الأدبية وإنما هي فريدة ومميزة على صعيد الرواية العربية، فقليلة جدا الأعمال الروائية التي تعاملت مع موضوع الجنس بهذا الشكل.
ثم فتح باب النقاش فتحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" فقالت: العنوان "سكوربيو/العقرب" وهو رمز للشر يثير الفزع في المتلقي، وهنا العقرب لم يكن متمثلا بشخصية "عبد الله" فحسب، بل أن الكاتب قد أورد بعضا من المعلومات العلمية عن العقرب كما هو الحال في الصفحة 260، إذ تحدث عن العقرب بتفاصيل علمية حقيقية، مما يعطي دلالة إلى أن الراوي متمكن من معلوماته عن العقرب والتي أسقطها على الرواية وعلى أحداثها وشخصياتها، فنجد أن شخصية البطل "عبد الله" يبدو وحيدا، يعتمد على نفسه في كل شيء، وكان يتخطى جميع الصعاب ليصل إلى هدفه، لكن الناحية الجنسية عنده كانت المهيمنة والمسيطرة عليه، من هنا يبدأ بث سمومه ولدغ الآخرين، فشخصية "عبد الله" تتماثل مع العقرب، من هنا نجده يستغل مرض أهل القرية يرفع رصيده ومركزه دون أن يراعي الناحية الإنسانية التي من المفترض عليه كطبيب أن يكون ملتزما أخلاقيا تجاه الناس.
أما بخصوص اللغة فهي لغة قوية وجزلة، وهي الأجمل والأمتع في الرواية، حتى أنني وجدت الراوي يميز لنا بين الأنف والمنخار، وهذا يشير إلى الثراء اللغوي عند الراوي، أما المكان فقد كان في الصعيد المصري، ثم انتقل إلى المدينة، وهذا يخدم فكرة سعة المكان في الرواية وتشعبه، وقد كان رائعا وهو يصف لنا حالة القرية عند الصباح وشروق الشمس وفي المساء وقت الغروب، كما أنه أشار إلى العديد من الشعراء والكتاب المصريين في الرواية، وهذا يعطي حافزا للقارئ ليتعرف على تلك الشخصيات.
وبعد ذلك تحدث الأستاذ "سامي مروح" قائلا: أن الرواية مصرية بامتياز، المكان يتناول الصعيد المصري، والزمان يبدو قريبا جدا من عصرنا/زماننا الآن، فنجد الراوي يتناول المكان بتفاصيل دقيقة جدا، مما يعرف القارئ على طبيعة القرية المصرية، ليس على صعيد الجغرافيا فحسب، بل أيضا على صعيد الحياة الاجتماعية والعلاقة بين الناس فيها، فالبساطة واستغلالها من قبل الانتهازيين والوصوليين أمثال "عبد الله" ظاهرة تتكرر في الحياة المصرية، ونجد الراوي ينوع في شخصياته خاصة الشخصيات النسائية التي جاءت بصورة ايجابية وسلبية "أم فؤاد وأم فرج" وهذا ما جعل الرواية لا تخرج عن طبيعة المجتمع المصري، فالرواية مصرية، ومصريتها واضحة ومعلم من معالم الرواية.
أما على صعيد اللغة فهي لغة قوية جدا، لكن وحدة اللغة التي جاءت بصورة واحدة في الرواية لم تعطينا صورة التميز والتنوع والتعدد في فصول الرواية، والراوي عندما طرح قضية الجنس جعل منه ما يشبه الإله الذي يسيطر على الأفراد بحيث يلغي أي حرية لها، والملفت للنظر أن الراوي قدم الأم/أمه بصورة سلبية وهذا نادر في الرواية العربية، حيث تأتي بشكل دائم بصورة ايجابية.
أما الأستاذ "نضال دروزة" فقال:إن المجتمع المصري من زمن الفراعنة فيه أسياد وعبيد، الفئة التي تملك المال والسلطة هي من ينشر الأفكار والقيم، الراوي أبدع في رسم صورة المجتمع المصري، وقدمه لنا كما هو على حقيقته، لكن بشكل أدبي روائي، وهذا ما يميز الرواية، فكانت المفاهيم ـ ظاهريا ـ تبدو جميلة وطيبة، لكن في حقيقتها كانت سوداء وقاسية ومتوحشة، فالطبيب "عبد الله" يمثل هذا التناقض بين الشكل والمضمون، بين الظاهر والباطن، بين الحقيقة والوهم، من هنا كانت الرواية تعري واقعنا، الواقع المصرين احد نماذج المجتمع العربي الذي ينزلق في مستنقع (الواقع/العصر)
أما الأستاذ رائد الحواري فتحدث عن العلاقة بين قسوة الأحداث وجمال اللغة، مبينا أن هذا الاستخدام الرائع للغة خفف من قسوة وسواد الأحداث الدامية، وهذا ما يجعل الرواية استثنائية، تقدم أحداثا وشخصيات سوداء بلغة وأسلوب جميل وسلس.
ثم تحدث الأستاذ عمار دويكات فقال:المتعة حاضرة في الرواية من خلال اللغة الفخمة التي يستخدمها الراوي، ونجد شخصية "عبد الله" شخصية مركبة وهي تهيمن على الأحداث الروائية بشكل مطلق، فالجنس هو السيد والمحرك الرئيس للأحداث وللشخصيات، أما البناء الروائي فهو قوي ومتين، كم نجد البحث العلمي، حاضرا فيما يتعلق بالنواحي الطبيعة في الرواية، لكن تقديم "أم عبد الله" التي خانت زوجها وقتلها أبنها يعد طرحا صعبا وقاسيا. وبالعودة إلى الغلاف فقد كان يمكن أن يضاف إليه وجه إنسان ليعطي إشارة إلى أن الأحداث متعلقة بالبشر وليس بالحشرات/الزواحف.
ثم قدم الأستاذ عمار دويكات ورقة نقدية كالملة تتناول الرواية بشكل تفصيلي وقد جاء فيها :
استطاع الكاتب وبكل جدارة في مقدمة الرواية أن يذهل القارئ ويستحثه على مواصلة القراءة ، لما فيها من متعة وجمالية ، فالمزج في هذه الرواية ما بين الواقع واللاواقع أضاف لها كاريزما خاصة بها ، وسريالية عميقة تبحث عن الذات في اللاوعي . بلا شك أن كل من يقرأ هذه الرواية ستذهله اللغة الرصينة والمتينة وسيقرأ كثيرا من الكلمات والتي قد يحسبُ أنها كتب خطئً ، لكنها هي من الكلمات الأصيلة في لغتنا العربية، وهذا يُحسب للكاتب . بطل الرواية شخصية مركبة، تسيطر على جميع أحداث الرواية، وتتطور منسجمة مع الأحداث المتتالية، فلم يحتاج الراوي لخلق شخصية موازية كي يسيطر على تتطور الأحداث وتغيرها في الرواية، فهذه الشخصية قامت بكل الأدوار الرئيسة في الرواية وكان لها نقطة السيادة . استطاع الكاتب وضع القضية الأخلاقية والمرتبطة بالجنس في أولويات الرواية ، موضحا السبب الرئيس لهذه الآفة المجتمعية ، ويكمن في التشرد والفقر والظلم الاجتماعي وعدم القدرة على احتضان هذه الفئة من الناس، نعم تموت الحرة ولا تأكل بثدييها ولكن هناك ظروف وعوامل تساعد على الضياع ، وهذا ما أراده الكاتب بروايته . البناء في الرواية كان منسجما ومتينا ، فالحبكة و الزمان والمكان والشخوص ، والحوار واللغة والتي كان بنقصها الزيادة في اللغة المحكية . وقد كان للبحث العلمي نصيبا في هذه الرواية ، وأشار إلى ذلك المرض الفتاك الذي يعصف بالمجتمع والذي لا يقل خطورة عن المرض الأخلاقي ، ولعل الكاتب أراد في اللاشعور أن يقول لنا أن البحث العلمي والاختراع يحتاجان إلى أناس صادقون يتمتعون بالمهنية والانتماء ، ولا يكون البحث من اجل المال والشهرة . لقد جعل الكاتب لكل شخصية سلبية في الرواية دافعها ، فمثلا بطل الرواية عبد الله ، كانت أمه خائنة لأبيه ، وكانت سندس أرملة تبحث عن حضن بعد حضن زوجها ، وأم عبد الله كان التشرد دافعها الكبير ، وسلمى كانت على أبواب السقوط إعجابا بجمالها، وحتى أم فرج كان الانتقام دافعها للإجرام ، وكذلك توفيق . فهل أراد الكاتب خلق المبرر لهؤلاء حتى لا نقسُوا عليهم، أم أراد فضح الواقع الذي نعيشه . فرسم لنا هالة سوداء تلتف حول المهنة الأكثر قداسة في الوجود وهي الطب ، فاغلب الشخوص الذي مارسوا هذه المهنة المقدسة في الرواية كانوا سلبيين ابتداءً من عبد الله مرورا بطبيب المستشفى مرورا بسلمى ومرورا بالموظف الذي اخذ الرشوة ، وهذا للأسف واقع مر نعانيه في بلادنا العربية . امتلكت الرواية لمحات تاريخية وعلمية أضافت لها القوة والاستمتاع للمتلقي والخروج من الرتابة المملة . أما بخصوص الغلاف ، لو أضيف إليه وجه رجل ووجه أمراه أو جسديهما بصورة تجريدية لكان أكثر إيحاء لمحتوى الرواية . في تقديري لقد وضع الكاتب نفسه وربما بغير قصد في دائرة الاتهام والمشاركة في الأحداث السلبية في الرواية وذلك في صفحة11 أثناء حواره مع سندس : إذن أنت من حملني على الرذيلة وجعلني اقتل أمي لا لست أنا انه عبد الله من فعل ذلك ...إلى هنا كان دفاع الكاتب في اللاوعي منطقيا .. ولكن حينما أضاف (وهي ليست أمك على أية حال) هنا شارك الكاتب عبد الله في أفعاله . فكأن الكاتب يبرر قتلها لأنها ليست أمها .. وهذه كبوة الحصان في الرواية . في عموم النص ، نحن أمام عمل روائي رائع ، يستحق كل التقدير ، ويجعلنا ننتظر من هذا الكاتب المزيد من الإبداع والتميز
وبعد ذلك تقرر أن تكون الجلسة القادمة يوم 7/7/2018 لمناقشة ديوان "جبل الريحان" للشاعر عبد الله صالح، علما بأن الديوان متوفر في دار الفاروق بفروعها في مدينة نابلس.
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية