دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

الحروف في قصيدة
"البيان قبل الأخير"
سميح القاسم
من الجميل أن يتم تناول قصائد الآباء العظماء الذي قدموا ويقدموا الكثير لنا، والأجمل أن نحاول أن نقدمهم بشكل جديد، سأحاول في هذه المداخلة أن أبين الألم الذي يحمله الشاعر في قصيدته، وأيضا أثر الحروف عليه، كلنا يعلم أن حرف "الهاء والتاء المربوطة" يعطي فكرة الألم، لأنهما يخرجان بصورة قريبة من لفظ "أه"، فنجد في القصيدة أكثر من خمس وثلاثين كلمة تنتهي "بالتاء المربوطة" "وهي : "العشرة، المبعثرة، مجزرة، المبعثرة، دبابة، مجنزرة، غيمة، غيمة، شجرة، قاذفة، مدمرة، المدبرة، المظفرة، فراشة، مزهرية، المكسرة، المفكرة، مكررة، مزورة، الضغينة، الحزينة، القرية، المدينة، الأهزوجة، الشعبية، القضية، العتمة، الكآبة، السحابة، الشرارة، الحجارة، المحررة" وهذا ما يشير إلى حالة القهر الذي يحمله الشاعر رغم النبرة العالية التي جاءت في القصيدة، فهذا الكم من التاءات لم يأتي من فراغ، بل هو يشير إلى أن الشاعر متألم ومتوجع، لهذا جاء هذا الكم الكبير من استخدام التاء، وإذا ما عرفنا أن هناك كلمات مكررة، كما هو الحال في "عشرة، مجزرة، مزورة" يتأكد لنا أن هناك حال من الألم تلازم الشاعر وتنعكس في هذه القصيدة.
ونجده أيضا يركز على واو الجماعة في القصيدة، وكأنه من خلالها يستنجد بنا نحن المخاطبين بالقصيدة، "تعدوا، انطلقوا، تدفقوا، تدفقوا، تزوجوا، أنجبوا، حاولوا، عللوا، قاتلوا، قتلوا، عدوا، خذوا، دبجوا، سمعوا، هدموا، اطلقوا، تعدوا، تسألوا، تقبلوا، تعبأوا، اقتحموا، التحموا، أخطئوا، اتهموا" ورغم أن هذه الأفعال جاءت لنا نحن الفلسطينيين وللمحتلين، إلا أنها تمثل طلب العون والنجدة من الشاعر ـ بطريقة غير مباشرة ـ فهو عندما خاطبنا بلغة الجمع وخاطب المحتل بعين اللغة أرادنا أن نكون جميعا معه في وجه المحتلين الذين يعيثون فساد في الأرض، ويوقعون به وبشعبه أشد أنواع التنكيل. 
وهناك استخدام مكثف لحرفي "الشين والسين" وهما يشيران إلى حالة الصراع والاضطراب التي يمر بها الشاعر، والملاحظ أن هناك تقنين في استخدام هاذين الحرفين في بداية القصيدة، لكنه في منتصفها يستخدم الحرفين بصورة ملفتة للنظر، "الورشات، للشوارع، النسكة، السياج، الشرائع، الأشياء، الأسماء" وهو هنا في ذروة الصراع لأنه قدم مقاطع سريعة ومربوطة بواو العطف، ولتبيان هذا الأمر نقدم المقاطع كما جاءت في القصيدة:
"
إذَنْ، فَلْيَخْرُجِ الْقَتْلَى إِلَى الشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ.. لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَقْلاَمُ وَالدَّفَاتِرُ الْبَيْضَاءُ
وَالأَصَابِعْوَلْتَخْرُجِ الْمَكَاحِلْ
وَخُصَلُ النَّعْنَاعِ وَالْجَدَائِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَفْكَارُ وَالأَشْعَارُ وَالآرَاءُ
وَالْفَصَائِلْ
وَلْيَخْرُجِ الْمُنَظِّرُ الْمُبَشِّرُ الْمُقَاتِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَحْلاَمُ مِنْ كَابُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الأَلْفَاظُ مِنْ قَامُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الْبُيُوتُ وَالْوَرْشَاتُ والْمَزَارعْ
وَلْتَخْرُجِ الْمِحْنَةُ وَاللَّعْنَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ النَّكْبَةُ وَالنَّكْسَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الدَّجَاجُ وَالسِّيَاجُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الْبُطُونُ وَالأَفْخَاذُ وَالأَحْلاَفُ
وَالأَحْزَابْ
وَلْتَخْرُجِ الأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَشْيَاءُ وَالأَسْمَاءُ وَالأَلْقَابْ

قد يبدوا أن هذا الشاهد بحاجة إلى ما يدعمه، وهذا ما كان من الشاعر عندما استخدم الألوان بطريقة استثنائية:
"
وَلْيَخْرُجِ الْحُبُّ عَلَى أَجْنِحَةِ الضَّغِينَهْ
أَبْيَضَ فِي أَزِقَّةِ الْمُخَيَّمْ
أَسْوَدَ فِي كُوفِيَّةِ الْمُلَثَّمْ
أَخْضَرَ فِي حَارَاتِنَا الْحَزِينَهْ
أَحْمَرَ فِي انْتِفَاضَةِ الْقَرْيَةِ
وَالْمَدِينَهْ
نلاحظ لفظ الحب يتبعه الضغينة، واللون الأبيض مقرن بأزقة المخيم، والأسود بكوفية الملثم، والأخضر بحارتنا الحزينة، والأحمر بانتفاضة القرية والمدينة، لكل هذا يشير إلى حالة الاضطراب والتوتر التي يمر بها الشاعر، فهو يقرن ويجمع المتناقضات معا، وكأنه من خلالها يقول لنا أن ثقل الواقع عليه جعله بهذا الوضع المؤلم وغير العادي.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,637