جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كلب الشيخ قدور
كم مرة تغص الفكرة في خاطري:
لماذا أفني عمري في بث خزعبلات رخيصة عن كرامات الشيخ قدور-
ومع كل ذلك برقت ترهة في رأسي ،ترهة خبيثة ،نويت أن أتوجه فيها إليه.
- سيدي هل ترى مثلما أرى
تنحنح بخيلاء ومد يده إلى جيبه وأخرج لفافة تبغ ، مج مجتين ،وسعل بسعادة: .
-أنا على البغلة وأنت على الأرض فكيف ترى مثلما أرى ؟؟؟؟
يسمع مثل الإله لكنه لا يرد،يتصرف بلا ردة فعل جملة وتفصيلا ،ودون تصنع ، وكأن ما حدث شيء حتمي أن يحدث ،كان في موقع يسمح له أن يقول شيء ساخرا :
أنت خيلة من الخيلات يا فسفوس
ولما لم يكن متأكدا ماذا سأقول ، سألني بخنزيرية وهو يبصق على الأرض :
- ماذا رأيت ؟؟؟
أيا يكن هناك شيء لا بد من قوله،إعطاء إشارات أعبر فيها عن أنه ولي ، تجري البراهين على يديه ،بحيث يمكن أن يدركوا مقامه ، قلت :
- سيدي البغلة ...
-مابها
- إن حوافرها لا تلامس الأرض ، كأنها تطير في الهواء ؟؟؟؟؟؟
شد رسن البغلة قليلا ليوقفها ، حدق في السماء قليلا متصنعا الزهد :
- حمدا لله الذي أجرى قدرته على يدي أنا العبد الضعيف
ثم التفت نحوي سعيدا بكذبتي الطوعية :
- لا تقص رؤيتك لأحد إلا بعد أن أغيب عن هذه الأرض
توقفنا عند بئر فوقه شجرة سنديان ،أشعل الشيخ قدور سيجارته ،ولسبب ما خطرت بباله صورة المرأة الأرملة التي طلبت منه أن يشفيها من مرض الحزازة ،وقد أعيته الأفكار التي فقدت وضوحها ، والذي يحتمل أن تكون الآن راقدة في الفراش كما يجول بباله ، وقف هنا وراح يتأمل التقاطع وقد رفعت المظلة لأحميه من الحر.
كنت أثناء سيري وراء بغلته أتعجب من نفسي،فهو كان يغب العرق حتى الثمالة،وقد استطعت عن عمد تجاهل شتيمته لتلك المرأة:
- قحبة
شتيمة مطاطية ،فضفاضة.تضرم نار الشهوة التي تتمايل كالفراشة فوق نهر الرغبة في معانقة جسدها، أجل فعندما مسح إصبعه بريقه لم يقرأ شيء من التمتمات المقدسة ،بل داعب سرتها بلطف صدع مأوى إيمانه إلى اللانهاية.
وفجأة انتبه إلى مرافقتي له ، فقال لي مراوغا:
-لقد أصبح الوقت ظهرا هيا لنستريح عند مقام هذا الشيخ الجليل.
دخلنا المقام الضيق الفسحة ، جدرانه ممسوحة من الزخارف ،وفي زواياه احتوى على أشنيات وعناكب ، وقماش أخضر معفر بالغبار، وقد ألقي فوقه القرآن الكريم ،وجام فيه حبات بخور، وكان رجلان يدلكان ساقيهما بحجر اسطواني أملس لعلاج مرض الدوالي،ابتسم الشيخ واثقا أن المؤمنين لديهم قدرات خارقة
دار حول الضريح بعكس عقارب الساعة ،ثلاث دورات ،أما أنا فقلدت حركاته دون أن أدري ماذا يتمتم،الرجلان كانا يتلصصان علينا بالتناوب ،وقد انشرح صدرهما بأن كل العلاجات العلمية قد باءت بالفشل لمجرد لمس أجسادهم بحجر أصم .
عالمان غريبان متنافران ، يوحدهما الاحتقار لبعضهما البعض ،فكلاهما يجلس بالقذارة وكل يقدس قذارته،أنا والشيخ ، أنا أود أن أتحرر من نعتي " بكلب الشيخ " وهو يريد أن يتحرر من إيمانه ، والأسباب أما أن تكون سوء مزاج أو سخرية ، كلمة وراء كلمة ثم قصة ، قصة أم خليل ،هز بأكتافه احتقارا مذكرا بالرذائل المتفشية بين النساء المخادعات اللواتي يمارسن الرذيلة وضح النهار.
كأنه يرى أم خليل في المرآة ،مستلقية أمامه ، كاشفة فستانها إلى ما فوق الصرة ، التنعم بدفء امرأ ة يمزق جسده إربا إربا ،يا لها من امرأة ملعونة ،جميلة ونيرة ،ولو كان الرجل على حق لتخلى عن الفردوس المتوحش من أجلها ،تكفي وحدها أن تسلقي قربها على الفراش لتمتلك كل وسائل السعادة .
فوجئ بأن الإيمان الذي بنا عليه حياته ما هو إلا حماقة ، وأن المرأة المستلقية أمامه فرصة يجب اقتناصها ، أعجب بالخجل الرخيص الذي ارتسم على محياها،بينما شعرت بمكانتها وهي تراقب ولع الشيخ في حمرة وجنتيها، وعيناه اللتان تتسلقان جسدها للوصول إلى الشيء الذي لا يستطيع الرجل أن يراه إلا في المرأة ،كانا مثل شخصين يلعبان لعبة الكلب والإنسان احدهما يصرخ كلب ،والثاني يهرب.
والآن هاهي أم خليل تبتسم، وتلاشت رغوة الخجل عن سطح الرغبة الدافئة،وكانت تساعده أن يمد يده ويلمس نعومة الأنثى ،وحيث شعر نفسه مفتونا ،مد يده بطريقة عفوية وطبيعية كما يفعل الأزواج ،وانحنى بجسده الضخم فوقها ،أما أم خليل فكان وقع جسده عليها هي الرقة بذاتها .
دائما عندما يبدأ الذنب ، أو الأصح عندما تنسحب السماء من فوقك يتبعثر الطهر بين يديك ،كما يحصل عندما تسرف في شرب الخمر ،تناول الشيخ قدور لفافة ودخنها بتلاحق ،وأخذ يشرح لي أن الإيمان يرقد هنا في الضريح ،وعندما استدار قال لي :
-سنذهب إلى قرية جرود العنز
طقطقت الحصى تحت حوافر البغلة ،وراحت تشق الطريق الترابية ،طوى الشيخ عباءته ووضعها أمامه ،لم يكن هناك صوت، لكن كان بالإمكان سماع نباح كلب بين الحين والآخر ،كان الوادي يتدلى على نحو خطير من حافة الطريق ،فتح يديه وقال لي :
- عد للعشرة وسنصل
تعالت صيحات الصغار وهم يجرون فرحين أمام البغلة :
- أتى الشيخ قدور
خرجت أسراب الرجال من البيوت الترابية ، وبمجرد توقف البغلة قفز الشيخ عنها ،وسار بينهم ،وهم يقبلون يده بكل تذلل ،وكان أحيانا يسحبها خوفا من تلطخ يده بالشفاه الوسخة ،دخلنا أحد البيوت ،كان المدخل منخفضا ، مما اضطر الشيح أن يحني رأسه ، ذبح صاحب البيت ديكا بلديا وأشار إلى زوجته أن تعد الطعام .
جلس في صدر الغرفة ،وأمر بإبريق ماء وطست كي يتوضأ وليقيم بهم صلاة الظهر ،بدأ بغسل حبات التراب عن يديه ووجهه وأذنيه ،تم بدأ بالصلاة .
• بعد أن انهي صلاته ، قدموا له طبقا من القش ،كان الحم مقمرا شهيا يسيل منه الدهن ، جلست قرب عتبة الباب ،أراقب يصمت كيف مسك الشيخ فخد الدجاجة ، وغرس أنيابه في طراوة اللحم وكان قد قال لي مرتين على لتوالي وهو يمسح الدهن عن شفتيه :
- قل لهم ماذا رأيت في الطريق
أتبعت تجاهلي له بالصمت ،مرة أخرى همهم بدهشة :
-تكلم يا فسفوس قل لهم ماذا رأيت
كان بالإمكان لو أعطاني جناح الدجاجة،لقلت على رؤوس الأشهاد مالا يخطر ببال،وحلفت ألف يمينا أن البغلة عرجت بالشيخ إلى السماء .
مرت فترة أجبت بعدها بصوت خافت ولكن بتصميم .
- كانت تمشي مثل باقي البغال.
فؤاد حسن محمد- جبلة - سوريا
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية