جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
" حزام العفة "
( الجزء الثالث ) "الأخـــــــــــير "
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===============
" حزام العفة "
( الجزء الثالث ) "الأخـــــــــــير "
... في العادة .. كان الأب يخرج في الصباح لعمله في محله التجاري الخاص وسط المدينة .. كان يفعل ذلك بعد أن تذهب ابنته ورفيقتها إلى الجامعة وبعد أن يكون قد جهز لهن طعام الإفطار وبنفسه .
وفي أحيان كثيرة .. لم يكن ليشأ أن يضايقهن بتواجده أثناء تناولهن الطعام .. فيؤثر الانسحاب إلى حجرته ليتناول فطوره .. ويتركهن لإتمام فطورهن ومن ثم الذهاب إلى الجامعة .. فيغلق باب المنزل ويدس المفتاح الوحيد في جيبه الداخلي الأمين .
الرجل .. كان لا يعود إلى المنزل إلا عند العصر .. فالعمل كان يستغرق منه جل وقته وكل همه .
في ذلك اليوم .. وفي الصباح .. وكالعادة .. خرج الرجل من منزله بعد أن تناول الجميع طعام الإفطار .. وبعد أن ودع ابنته ورفيقتها المتجهتين إلى الجامعة .. أقفل باب المنزل .. ووضع المفتاح في جيبه الداخلي الأمين .
من عادته .. أنه يحتفظ بالمفتاح الوحيد للمنزل في جيبه الداخلي الأمين .. وكان يحاول دوماً أن يكون آخر من يخرج من المنزل وأول من يعود إليه .. كان يحفظ مواعيد حضور ابنته للمنزل بعد يوم دراسي جامعي طويل .. فيعمل كل ما في وسعه أن يكون متواجداً في المنزل قبل وصولها ولو بدقائق .
في ذلك اليوم .. أحس بشيء من الإرهاق والتعب .. وشعر بأن صحته ليست على ما يرام .. فآثر المغادرة مبكراً .. قبيل الظهر بقليل .. مغادراً محله التجاري متجهاً إلى المنزل بقصد الراحة .
أخرج المفتاح من جيبه الداخلي الأمين .. فتح الباب .. دخل المنزل .
ألقى بجسده المنهك إلى أقرب أريكة في صالون المنزل .. أغمض عينيه قليلاً .. أحس بأن الأحلام قد بدأت تطارده .. أو لعله بعض الهذيان .
ثمة أصوات غريبة تتناهى إلى مسامعه ؟؟!! .. ثمة صوت أجش خشن لرجل .. وآخر رقيق ناعم لامرأة .. حاول تمييز الأصوات .. وتمييز مصدرها .. ميز صوت المرأة الناعم بأنه لابنته .. ولم يستطع أن يميز الصوت الخشن الأجش .. ميز مصدر الأصوات ؛ فكان الحمّام ؟؟!! .. فتح عينيه ليطرد الكابوس المخيف .. فرك عينيه بقوة ليطرد الهذيان .. الأصوات ما زالت تطارده .. همسات .. وضحكات متداخلة ...
الأصوات تدق بقوة وعنف في رأسه كطبول الحرب في مجاهل أفريقيا .
حانت منه التفاتة إلى الأريكة المجاورة .. فغر فاه الدهشة .. جحظت عيناه ..أحس بالكابوس المخيف يطبق على صدره بقوة ووحشية .. وطبول مجاهل أفريقيا تزداد قرعاً وضجيجاً.
لم يصدق ما رأت عيناه .. فثمة ملابس نسائية غريبة .. وثمة " باروكة " من الشعر الأشقر الطويل الجميل ؟؟!! .. وثمة مفتاح إلى جانبها .. يشبه تماماً ذلك المفتاح المخبأ في الجيب الداخلي الأمين ؟؟!! .
الأصوات الهامسة ( المدوية ) ما زالت تطارده بقوة وعنف .. تنقل ببصره ما بين الحمّام المغلق .. والأشياء الملقاة على الأريكة .. هيئ له بأن لـ " الباروكة " وجه .. عينان .. فم .. ولسان .. هيئ له أن العينين تغمزان له .. وأن اللسان يخرج من الفم طويلاً طويلاً .. يهزأ به .. يسخر منه .
حركة اللسان الساخرة تتناغم مع كل همسة .. مع كل كلمة .. مع كل ضحكة تأتي من داخل الحمّام .. تناوشته الأفكار السوداء بشراسة .
لم يطق أكثر .. لم يعد ليتحمل أكثر .. جن جنون الرجل .. نهض من مكانه متطوحاً .. استل الخنجر المخيف من الحزام .. اندفع نحو باب الحمّام .. حانت منه التفاتة نحو " الباروكة " .. شاهد اللسان يمتد ويمتد .. يهزأ ويهزأ .. يسخر ويسخر .. يطارده حتى باب الحمّام .
ركل باب الحمام بقدمه بقوة .. تحطم الباب .. سقط على الأرض .. وقع بصره عليهما .. كانا عاريين تماماً .. يتضاحكان .. يتهامسان .. يتناجيان .. يتعانقان ..
جن جنون الرجل .. ذهب ما تبقى به من فكر .. من لب .. اندفع بقوة ناحية الشاب العاري شاهراً الخنجر المخيف .. حاول الشاب الفرار من المكان .. لحق به الرجل .. تعثر الشاب بأحد المقاعد .. وقع أرضاً .. راح الرجل يكيل له الطعنات المتتالية .. إلى الوجه .. إلى القلب .. إلى أسفل البطن .. لم يتركه إلا بعد أن أصبح جثة هامدة غارقة في الدماء .
الفتاة العارية .. كانت تقف جامدة .. كتمثال فرعوني قديم .. ليس بها أي حراك ..
تقدم نحوها والخنجر ما زال بيده يقطر دماً ..
جحظت الفتاة .. أصابها الصمم والخرس والجمود .. عيناها كانتا مركزة على الخنجر الذي كان يقطر دماً .. لم تتفوه بحرف .. لم تنبس ببنت شفة .. الخنجر الرهيب كان ينغرس فجأة في صدرها .. صدرت عنها أنة ألم ميتة .. انغرس الخنجر في وجهها .. في بطنها .. في ..
.. بينما كانت الطعنات القاتلة تنهال عليها بقوة ووحشية .. وبينما كانت الدماء تنزف من جسدها بغزارة .. وبينما كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة .. كانت تتمتم بكلمات مبتورة .. وتهمس بحروف متقطعة :
- .. أبي .. إنه .. إنه ... زوجي !!!
( انتهى النص .. ولكن المأساة والملحمة لم تنتهي )
المصدر: رئيسة مجلس الادارة