بعد 58 عاماً على إعدام خميس والبقري شقيق خميس يبحث عن براءته
لماذا لم يصدق عبد الناصر ومحيي الدين وصديق على حكم الإعدام ؟!!
لماذا لم يصدق عبد الناصر ومحيي الدين وصديق على حكم الإعدام ؟!!
كتب : هاني مهني طه ذهب وفد إلى مجلس قيادة الثورة لطلب العفو أو تخفيف الحكم الصادر من المحكمة العسكرية بإعدام مصطفى خميس والبقري في أحداث كفر الدوار عام 1952 ولم يحدث شيء0 وأنا اجلس إلى شقيق مصطفى خميس قرأت في عينيه تأثره بإعدام شقيقه وكأنه يعدم الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن على أحداث كفر الدوار ، وتركته يسترسل في ذكر الأحداث ليترك شهادته للتاريخ وليضيف بعداً جديداً إلى القضية التي نشر عنها الكثير بحديث أحد أفراد مصطفى خميس0 محمد محمد خميس 75 سنة الشقيق الأصغر لمصطفى خميس ، لم ينس أبداً يوم الثلاثاء 12 أغسطس 1952 أي بعد قيام الثورة بعشرين يوماً ، ففي الوقت الذي عم فيه الفرح بقيام الثورة وتطلع الشعب المصري إلى مستقبل مشرق وأيام سعيدة على يد قادة الثورة ، قبض على شقيقه مصطفى وهو يهتف تأييداً للثورة وأعدم بقرار من هؤلاء القادة 0 يقول الحاج محمد : التحق مصطفى بالعمل بإدارة مخازن الأقمشة بشركة كفر الدوار للغزل والنسيج عام 1947 وكان شاباً مثالاً للأخلاق والأدب حتى أن جميع زملائه ورؤسائه في العمل كانوا يحبونه0 وقد بدأت الأحداث مساء يوم الثلاثاء بمظاهرات قام بها العمال تأييداً للثورة وقائدها واستمرت إلى صباح يوم الأربعاء واشتعلت تلك المظاهرات في شوارع مدينة كفر الدوار وداخل الشركة وكان مصطفى يهتف مع العمال بحياة الثورة وتأييداً لها0 في نفس الوقت الذي كان العمال يهتفون بسقوط محمد حسين الجمال مدير عام الشركة وابن عمه عزيز الجمال مدير عام النسيج وبسقوط السكرتير العام للشركة حسين فهمي ـ التركي الجنسية ـ الموالين لاتحاد الموظفين دون عمال ، وكان محمد حسين الجمال من أنصار الملك السابق الذي منحه البكوية، وقد استغل أعوان الملك السابق المظاهرات العمالية المطالبة بزيادة أجورهم وإجراء انتخابات نقابية حرة فاندسوا من خارج الشركة بين صفوف العمال وأشعلوا النيران في مكتب الأمن وبعض مكاتب الإدارة في الوقت الذي قام العمال أنفسهم بالحفاظ على المصانع وإطفاء النيران ، بينما كانت هناك اشتباكات بين الأهالي والعساكر خارج الشركة ، مما ترتب عليه مقتل بعض العساكر ، وأثناء هتاف شقيقي مصطفى بحياة الثورة وقائدها أطلق عليه عزيز الجمال النار منى شرفة فيلته فأصيب مصطفى في جبهته وتصادف سقوطه على احد الجنود والذي كسرت بندقيته ، فتم القبض على مصطفى ، وقد أسفرت تلك المظاهرات والاضطرابات عن مصرع الجندي سيد الجمل وإصابة 50 من رجال الشرطة والعمال 0 وعندما وصلت تلك الأنباء إلى مجلس قيادة الثورة قرر اللواء / محمد نجيب تشكيل مجلس عسكري لمحاكمة المتهمين الذين وصل عددهم 29 متهماً ، وبدأت إجراءات المحاكمة يوم السبت 16 أغسطس بمقر الشركة ويدلل الحاج محمد خميس على براءة شقيقه مصطفى مما جرى من خلال رؤيته ومعايشته الشخصية للقضية وما نشر بعدها على لسان البعض ممن عايشوا أحداث القضية0 وقد شكلت المحكمة العسكرية برئاسة البكباشي عبد المنعم أمين وعضوية كل من البكباشي عبد العظيم شحاتة وحسن إبراهيم ، وكانت المفاجأة حينما سأل عبد المنعم أمين رئيس المحكمة المتهم الأول مصطفى خميس هل وكلت محامياً عنك؟ فأجاب : كيف أوكل محامياً وأنا مقبوض علي ، كما أن أهلي لم يستطيعوا الحضور لأن الشركة محاصرة ، فسأل رئيس المحكمة هل يوجد بين الحضور محامياً؟ وهنا وقف موسى صبري .. الكاتب الصحفي الراحل والذي كان مكلفاً من قبل جريدة أخبار اليوم بتغطية تفاصيل المحاكمة ، والذي تطوع للدفاع عن مصطفى خميس حيث انه كان حاصلاً على ليسانس الحقوق 0 قال موسى صبري في دفاعه أن هناك يد دنسة تحاول الوقيعة بين الحركة العمالية وحركة الجيش ، وأوضح أن مصطفى كان يهتف بحياة قائد الثورة محمد نجيب وذلك بشهادة الشهود وجريمة القتل وقعت في مظاهرة أخرى غير التي كان يشارك فيها مصطفى خميس إلا أن حظه السيئ ساقه إلى هذا المصير0 وكان تركيز موسى صبري في استجوابه للشهود ينصب على سؤال واحد هل تم القبض على مصطفى خميس قبل واقعة إطلاق الرصاص أم بعده؟ أجاب الشهود بإجابة واحدة قبل إطلاق الرصاص وكانت هذه الشهادة كفيلة ببراءة مصطفى خميس مع العلم أن جميع الشهود كانوا من رجال الامن0وفوجيء موسى صبري في اليوم التالي للمحاكمة بأن المحكمة استدعت شهود آخرين ، وعندما سألهم نفس السؤال السابق أجابوا إجابة واحدة وقرروا جميعاً أن القبض على مصطفى خميس تم بعد سماع إطلاق النار مخالفين بذلك الشهادة الأولى ، وقد طعن موسى صبري في الشهادة الجديدة وقال: أن العمال ليس لهم مصلحة في حرق المصنع أو تخريبه شهادة محمد نجيب ومن الأدلة التي ظهرت بعد إعدام مصطفى خميس شهادة اللواء / محمد نجيب حيث يقول في كتابه {كلمتي للتاريخ} وردت الأنباء بأن تظاهرات وقعت في كفر الدوار وأن العمال اعتدوا على رجال البوليس وسقط بعض القتلى من العساكر خلال محاولة لمنع انتشار الاضطرابات أو إشعال الحرائق ، وصل الخبر مجسماً كما لو أن عملاً مضاداً بدأ يدبر ضد حركتنا وأخذت الأخبار على حذر في البداية ، فكل تصريحاتي حتى هذه اللحظة كانت عن العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد ومساعدة الفلاحين والعمال مما لا يشكل سبباً لهذه التظاهرات ، ووافقت على تشكيل مجلس عسكري ينعقد في مكان الحادث برئاسة البكباشي عبد المنعم أمين لتظهر الحقيقة سافرة وأنا في دوامة من الحيرة0 وصدر حكم المجلس بإعدام مصطفى خميس ومحمد البقري ، وجاء الحكم لي للتصديق ، وتوقفت ، لن أصدق على حكم بالإعدام وحركتنا لم يمضي عليها عشرات الأيام ، وطلبت مقابلة المتهمين بعد أن أفصحت عن رأيي بصراحة، وأحاطتني تقارير مخيفة بأن أي تهاون في مواجهة العمال سوف يؤدي إلى انتشار الاضطرابات والتظاهرات في مناطق التجمعات العمالية في شبرا الخيمة والمحلة الكبرى وغيرهما ، وكنت أعرف أن هذه التقارير قد كتبت بأقلام رجال الأمن السابقين في عهد الملك ، وحضر مصطفى خميس إلى مكتبي بالقيادة ، دخل ثابتاً وعندما رجوته أن يذكر لي عما إذا كان قد حرضه احد لأجد مبرراً لتخفيف الحكم عليه ، أجاب في شجاعة بأنه لا هيئة ولا إنساناً من ورائه وانه لم يرتكب ما يبرر الإعدام ، وامتد الحوار بيننا نصف ساعة طلبت له فيها فنجان شاي ، وكنت ألح عليه كما لو كان قريباً أو أخاً عزيزاً .. ولكن دون فائدة فقد كان صاحب مبدأ لم يخنه حتى في الفرصة الأخيرة لنجاته وخرج مصطفى خميس من مكتبي وقد أثقل الحزن قلبي بعد أن صدقت على الحكم وفي ذهني عدة اعتبارات أهمها أرواح العساكر الأبرياء الذين قتلوا واحتمالات انتشار هذه الاضطرابات ورفض مصطفى أن يصرح بشيء يكون مبرراً لتخفيف الحكم عليه0 رئيس المحكمةيقول عبد المنعم أمين في كتاب شهود ثورة يوليو لأحمد حمروش : عندما قامت مظاهرات كفر الدوار وقتل ثمانية عساكر وخمسة عمال تطوعت لرئاسة المجلس العسكري الذي تقرر تشكيله واقترحت عقده في موقع الحادث وكان من أعضائه حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة وكذلك عبد العظيم شحاتة وفتح الله رفعت من ضباط المدفعية ، تمت المحاكمة حسب قانون الأحكام العرفية الذي تنص مواده على انه إذا حدث تظاهر أو شغب ونتج عنه قتل فإن رؤساء المظاهرة يحكم عليهم بالإعدام ، وقد دافع مصطفى خميس عن نفسه دفاعاً عظيماً لمدة نصف ساعة ولما لم يكن هناك محام للدفاع عنه فقد انتدبت له الصحفي موسى صبري مندوب الأخبار باعتباره متخرجاً من الحقوق ، وحكم الإعدام لم يصدر بالإجماع من أعضاء المجلس وكذلك فإن مجلس القيادة لم يصدق عليه بالإجماع 0 وفي حوار مع جريدة الوفد في 31/7/1988 قال عبد المنعم أمين : لم اندم على قرار الإعدام ولكن أنا بعدما قررت الحكم ظللت بعدها 15 يوماً لا أنام .. أصحو من النوم مفزوعاً .. لماذا؟ لا أعرف .. لا أستطيع أن أقول لكم هذا كان شعوراً طبيعياً ، وأذكر أنني لم أقرأ حكم الإعدام رغم أنني كنت رئيس المحكمة ، كلفت عاطف نصار بأن يقرأ حكم الإعدام نيابة عني ، إنني كنت أرتعش وهو يقرأ الحكم0 وعندما جاء الحكم للتصديق عليه انقسم مجلس قيادة الثورة على نفسه فقد اعترض ثلاثة أعضاء هم جمال عبد الناصر ويوسف صديق وخالد محيي الدين0 الإعـــــداموأمام 1500 عاملاً من مصانع البيضا والحرير الصناعي وكفر الدوار وقف احد الضباط يتلو الحكم بإعدام مصطفى خميس شنقاً وفي هذه اللحظة خيم الصمت الرهيب على الحاضرين أما مصطفى خميس فقد ظل شجاعاً شامخاً ولم ينهار وأخذ ينظر بتعجب إلى الضابط الذي كان يتلو الحكم0 وفي يوم 7/9/1952 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في مصطفى خميس بسجن الحضرة بالإسكندرية0 والآن وبعد مرور 58 عاماً على إعدام شقيقي مصطفى مازلت أبحث عن براءته ، ولا يتبقى إلا أن يتدخل الرئيس محمد حسني مبارك ويأمر بإعادة التحقيق في تلك القضية لإظهار براءة شقيقي مصطفى 0على هامش الحوار كان خالد محيي الدين احد الضباط الثلاثة الذين رفضوا التصديق على الحكم بإعدام مصطفى خميس ومعه جمال عبد الناصر ويوسف صديق، ولازال خالد محيي الدين على قيد الحياة وأطلب منه أن يبريء ذمته فلو كان قد رأى أن شقيقي بريئاً فليعلنها حتى يريح قلوبنا بعد تلك السنوات الطويلة0 هناك شهود طلبهم مصطفى بالاسم أثناء محاكمته لكن هيئة المحكمة رفضت حضورهم منهم محمود عبد العزيز هندي وعلي البنداري ومحمد عبد السلام خليل ، كما أن المهندس/ احمد قاقا مدير النسيج أكد حينما استدعي للشهادة كمسئول بالمصنع أن العمال حافظوا على المصانع والآلات خوفاً من تدخل العملاء المندسين إلى المصنع0 في سنة 1977 تقدم محمد شوكت التوني المحامي بطلب إعادة محاكمة مصطفى إلى المحامي العام بالإسكندرية بناءاً على توكيل من والدي وطلب الرئيس السابق محمد نجيب للشهادة في القضية بناءاً على ما ذكره في كتابه وحصل على مستندات كثيرة تخص القضية لكنه توفي سنة 1980 وفقد ملف القضية ، كما قام نبيل الهلالي سنة 1990 بمحاولات أخرى لإثبات براءة مصطفى لكنه لم يصل إلى شيء من ملفات القضية 0 أحيي كل من حاول البحث عن الحقيقة وإظهار براءة شقيقي مصطفى وعلى رأسهم الأديب الراحل نجيب محفوظ والأستاذ/ مصطفى أمين والدكتور / عبد العظيم رمضان والأستاذ / لمعي المطيعي
ساحة النقاش