آبار الخير بين الواقع والمجهول!!
بقلم
محمود سلامه الهايشه
كاتب وباحث مصري
تعقيباً عن مقال الكاتبة السعودية "أريج الجهني" المعنون بـ "البئر المجهولة" والمنشور في صحيفة عكاظ، يوم الخميس 7 شوال 1439هـ- الموافق 21 يونيو 2018م. بدأت مقالها بالفلسفة الوضعية والتي أرسى قواعدها فلاسفة الغرب وركزت على منظومة القيم ، وخاصة قيمة الخير ، وأهمية العطاء والتبرع بالمال ، وأنهت المقال بالفلسفة النبوية التي كان ينطق بها الصادق الأمين ، وتصف أن من يقرأ الكلمات المكثفة للرسول الكريم كافية شافية.
تناولت بالشرح والتحليل عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تعمل على جمع الأموال من المواطنين السعوديين بدعوى ارسلها لدول ما في شتى بقاع العالم ، تحت أي شعار أو أسباب، فالجميع يريد الخير لنفسه ولأهله ، فيسعى للتبرع بالمال لكسب ثواب الدنيا والآخرة ، دون أن يعلم أو يتأكد من مدى مصداقية تلك الجهة الجامعة للمال ، وبدون الرجوع للمؤسسة الأمنية المنوط بها تأكيد أو عدم تأكيد صحة وحقيقة تلك الجهات التي تجمع التبرعات وإلى أين تذهب ، طبعا يقدم المواطن السعودي كل ما يستطيع من ماله بنوايا حسنة وطيبة ، ولكل النوايا الطيبة لا تصنع دائما أفعال خيرية.
كل ما سبق عبارة عن قرائه مني للمقال، ولكن المدهش في هذا المقال أن الكاتبة "أريج الجهني" كتبت وجهت نظرها دون أن تذكر كلمة "جمعية/مؤسسة خيرية"، بل وقد ربطت بذكاء شديد بين جمع المال السعودي بنوايا الخير وبين اتهام المملكة السعودية بدعم الإرهاب في العديد من البور بمنطقة الشرق الأوسط أو العالم وخاصة الاتهامات التي توجهها لها الولايات المتحدة، دون أن تذكر لفظة "الإرهاب" أو "دعم الإرهاب" .. هذا طبعا شيء جيد جداً في كاتب الماهر الذي يريد أن يكتب افكاره بالتلميح دون التصريح، وبطريقة فلسفية عميقة، فهي كما بدأت مقاله بفلسفة الخير والقيم الخيرية الإنسانية، كتبت فكرتها بطريقة فلسفية في إيجاد علاقة بين المال التطوعي بدعوة المساعدة الإنسانية بشكل شعوري، والمال الملوث بالدم البشري القاتل، وكأنها تريد أن تقول "في التبرعات الخيرية سمً قاتل.. فعليك عزيزي المتبرع أن يصل الدعم المستحقيه .. وليس المساعدة كلها مال بل هناك الوقت والجهد أيضا".
كذلك تدعو الكاتبة لتطبيق قول الرسول الكريم "خيركم – خيركم لأهله" أي التبرعات تبدأ أولا بفقراء بلدك ، وعندما نغنيهم ، نتجه لأهل البلدان المجاورة بشكل مباشر ، ثم الأبعد فالأبعد . والنوايا الطيبة ليست كافية في عالم اليوم الذي انهارت فيه منظومة القيم الأخلاقية للكثير من المجتمعات وحتى لا نعمم للكثير من البشر في تلك المجتمعات في ظل تضاعف عدد سُكان العالم الآن 7 أضعاف مقارنة بعددهم في بداية القرن العشرين ، النوايا في الصدور وبين العبد وربه ، ولكن من يقع في أيديهم أموال الناس يجب الرجوع إلى الأجهزة الأمنية والشرطية للتأكد من نوايهم فيما يفعله بهذا المال وإلى أين يتجهون به.. فأين قبلتهم ؟!
ساحة النقاش