الطاقة المهضومة في مواد العلف بين التقدير والتقرير
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
يبدو الموضوع علميًّا بشكلٍ عام، ويخص علم الإنتاج الحيواني بشكلٍ خاصٍّ، وفي تخصص كيمياء التغذية بشكلٍ دقيق، ولكنَّ البحثَ العلميَّ ثقافةُ حياةٍ، وليس مجردَ تجارِبَ مَعْمَلِيَّةٍ، وأبحاثٍ علمية، ومجلاتٍ بحثيةٍ فقط؛ ولأن أوقاتَنا وأعمارَنا قصيرةٌ، فلا بد لكلٍّ منا أن يُسَجِّلَ ما يكتشفُه أو يَلْفِتُ انتباهَه في صورة مقال.
نتحدث في السطور القليلة التالية عن موضوع الطاقة المهضومة في خامات المواد العلفية Digestible energy (DE)، فأثناء كتابتي لبحث في مجال تغذية الحيوان، وأثناء مناقشتي لنتائجِ جدولِ التحليل الكيماويِّ لمواد العَلَفِ المستخدمةِ في الدراسة كَنِسَبٍ مئويَّةٍ على أساس المادة الجافة Chemical analysis% (DM basis)، فالمادة الجافة: مجموع المادةِ العضويةِ والرمادِ (المادة غير العضوية / العناصر المعدنية)، والمادة العضوية: مجموع البروتينِ الخامِ والأليافِ الخامِ والمستخلصِ الإيثريّ (الدهن) والكربوهيدراتِ الذائبة المهضومة.
فَتُعَرَّفُ الطاقةُ المهضومةُ Digestible E. أنها الطاقةُ الكُلِّيَّةُ للغذاء مطروحٌ منها (-) الطاقة المفقودة في الرَّوْث Feces E.، وتعتبر الطاقة المهضومة مقياسًا لجُملةِ المركبات الغذائية المهضومة TDN.
قاعدةٌ في كتابة الأبحاث والرسائل العلمية أو حتى الكتب، بأَنْ يُكْتَبَ عُنوانُ الجداولِ أعلى كلِّ جدولٍ، بينما يُكْتَبُ أسفلَ الجدول تفسيراتٌ وشرحٌ للاختصارات التي قد تكون قد وَرَدَتْ به، لتوضيح كيف تم حساب هذا الرقم أو ذاك، وفي العادة يتم الإشارة برقم أو رمز كالنجمة أو عدة نجوم بجوار الرقم أو الاختصار داخل الجدول، ثم يكتب بالتفصيل أسفل الجدول، كالتالي:
Table 1: Chemical analysis of feed stuffs of tested diets.
وأسفلَ الجدول يُكْتَبُ كما شرحنا كالمعادلة التالية التي توضح كيفيةَ حسابِ الطاقة المهضومة بالكيلوكالوري لكل كيلو جرام ماد جافة من المادة العلفية:
DE*(kcal/kg DM) = 4253 - 32.6 (CF%) - 144.4 (Ash%), according to Fekete and Gippert (1986).
ويظهر النجمة (*) التي كتبت بجوار الحرفين (DE) ثم برأس العمود داخلَ الجدول أو بجوارِ المعادلة أسفلَ الجدول، وهما اختصار للطاقة المهضومة، وفي نهاية المعادلة يكتب بالإنجليزية طبقًا للعالم Fekete و العالم Gippertوالمنشور عام 1986، وهذا هو المرجع بشكل كامل كما يكتب في المراجع:
Fekete, S. and T.Gippert (1986). Digestibility and nutritive value of nineteen feedstuffs. J. Appl. Rabbit Res., 9: 103 – 108.
حيث يتم احتساب قيمة الطاقة المهضومة من خلال التعويض بالمعادلة السابقة بمعرفة قيمتي الألياف الخام (CF) والرماد (Ash) على اعتبار أنهما لا يحتويان على طاقة مهضومة، وما دونهما يُمِدُّ جسمَ الكائنِ الحيِّ بالطاقة المهضومة، فعلى سبيل المثال: إذا كانت المادة الغذائية تحتوي على ألياف (4.80%)، ورماد (5.20%)، فتكون الطاقة المهضومة (3345 كيلوكالوري/كجم منها)، أو مادة ثانية تحتوي على ألياف (4.24%)، ورماد (7.80%)، فتكون الطاقة المهضومة (2988 كيلوكالوري/كجم منها)، وذلك بعد التعويض في المعادلة السابقة.
وبتطبيق قاعدة ألَّا نُصَدِّقَ جميعَ ما نقرؤُهُ ولا نُسَلِّمَ عقولَنا له، وباستخدام القراءة التحليلية والناقدة، وخلال فحصي لبحثين متخصصين يدوران حول النقطة البحثية الدقيقة التي أكتب فيها بحثي، اكتشفتُ التالي:
<!-- البحثان لباحثَيْنِ مصريَّيْنِ، ولكن من مركزَيْن بحثِيَّيْنِ مختلِفَيْن.
<!-- بحث منشورٌ بمجلة دولية، وفيه الآتي: "تم حساب الطاقة المهضومة وفقًا للمعادلة المذكورة بالأعلى بشكل صحيح، وذلك بعد أن قُمْتُ بمراجعة التعويض بالمعادلة"، ولكنْ عندما ذهبت أبحث عن المرجع الخاص بالمعادلة في قائمة مراجع البحث لم أجده؛ فقد سقط سهوًا من الباحثين ومِن لجنةِ تحكيم المجلة ومِن محرر المجلة.
<!--بينما البحث الثاني منشور بمجلة محلية، ووجدت فيه التالي: "جاءت حسابات الطاقة المهضومة بالتعويض بذات المعادلة، فكانت النتائجُ الواردةُ بالجدول والمنشورةُ بالبحث غيرَ صحيحةٍ، حيث قمنا بإعادةِ حسابِها للتأكد من أن الباحثِينَ أجرَوا العمليةَ الحسابيةَ بصورةٍ صحيحةٍ، ولكنْ جاءت النتيجةُ على عكس المتوقع، ولكنَّ ما يميز هذا البحثَ عن سابقِه أن المَرْجِعَ كان موجودًا بقائمة المراجع.
نستنتج مما سبق أن هناك أخطاءً تَرِدُ في الأبحاث المنشورة، لا يَضْبِطُهَا أصحابُ البحثِ من باحثين، ولا يَرْصُدُهَا مُحَكِّمُو البحث، وبالتالي تمر إلى طباعة البحث في المجلة بشكل نهائي وبه أخطاء، وبالتالي على القراء - سواء أكانوا باحثين متخصصين أم مهتمين - أن يتمهلوا في النقل من أي بحث، ولا يتعاملوا مع ما ورد فيه على أنه حقائق ومسلَّمات، ويتم النقل من هذا البحث أو ذاك البحث دون تروٍّ أو تفكير، مما يعمل على استمرار الخطأ، الذي يتم جمعه إلى خطأ آخر فتصبح أخطاء، ويُصْبِحُ الخطأُ البسيطُ الذي لا يضر في البداية ككُرَةِ الثلج الصغيرة التي تسقط من أعلى قمة جبال العالم ارتفاعًا، حتى تصلَ إلى قاعِهِ مُكَوِّنَةً جبلًا آخَرَ صغيرًا بجواره، ولكنه جبلٌ من النفايات العلمية، التي تجعلنا في ذيل الأمم علميًّا وفِكْرِيًّا!
ساحة النقاش