التحرش والانتماء الوطني!!
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التحرش الجنسي في مصر (The phenomenon of sexual harassment in Egypt)، ونشرت صحيفة "الإندبندنت The Independent" البريطانية مؤخراً تقريرا تحت عنوان "ماذا يحدث عندما تسير طالبة ترتدي ملابس ضيقة في الحرم الجامعي؟". وأشارت الصحيفة إلى الفيديو الصادم الذي نشرته بعض المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي لتحرش بفتاة داخل الحرم الجامعي من قبل زملائها، واصطحاب رجال الأمن للفتاة بعد اختبائها لفترة لرغبة الشباب الذين طاردوها بنزع ملابسها. وانتقدت الصحيفة تعليقات د.جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، لوصفه أن الفتاة كانت ترتدي ملابس لافتة وكانت ترتدي العباءة عند دخولها الحرم الجماعي، وأنها خلعتها عندما دخلت كلية حقوق. وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من أن الفتيات المصريات لا يرتدين ملابس مثيرة تعرض مفاتنهن، إلا أن الدراسة الاستطلاعية للأمم المتحدة أكدت أن 99% من النساء تعرضن للتحرش بجميع أشكاله، والمشكلة تكمن في القانون المصري لعدم معاقبة مرتكبي التحرش لعدم اعتباره جريمة يجب العقاب عليها.
# التحرش في مصر العام 2013:
تفشي الظاهرة دفعت وكالة "رويترز" لرصدها دوليا بشكل عام وعربيا بشكل خاص، وأكدت دراسة لمؤسسة "تومسون رويترز" أن مصر هي أسوأ مكان تعيش فيه المرأة مقارنة بالدول العربية الأخرى، وأشارت الدراسة إلى انتشار التحرش وختان البنات.
وقالت منظمة" هيومن رايتس ووتش" أن نحو مائة حالة اعتداء جنسي ارتكبت في ميدان التحرير وذلك على هامش التظاهرات التي كانت تطالب، بتنحي الرئيس محمد مرسي. فيما رصدت مبادرة "شفت تحرش" 65 حالة تحرش خلال الاحتفال بموسم الأعياد وتحديدًا عيد الفطر والأضحى.
وقد نشرت صحيفة "الدستور" المصرية تحقيقاً صحفياً عن ظاهرة التحرش يوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2013، أي آخر يوم في عام 2013، وعنونته "من فتاة التحرير إلى الطفلة زينة..طاعون التحرش الجنسي يصيب مصر في 2013"، حيث شبهت انتشار تلك الظاهرة بالطاعون، مما يعني أنه قد وصلت لمرحلة الوباء القاتل!
# انتماء:
كنت أطالع المجموعة القصصية "رائحة الشوام" الصادرة عن إبداع للنشر والتوزيع والترجمة"، القاهرة 2013، للقاص والروائي الدكتور/ إسماعيل حامد، وفي صفحتي 25-26 ، كانت قصة "انتماء" وهي القصة السادسة في ترتيب قصص المجموعة، وتدور أحداث القصة على لسان فتاة مصرية مُسلمة مُتدينة ومحجبة، وذلك بميدان التحرير إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011. إذا استهل الكاتب القصة بعبارة (كُنا نقف مُتلاصقين في الميدان).
وقد قام المؤلف بربط هذا المشهد السياسي بالميدان المليء بالرجال والنساء والفتيات والأطفال وكبار السن، ولم يمنع انتماء تلك الفتاة إلى بيت محافظ يصون القيم والمبادئ واحترام الآخر وتقبل ثقافته، من النزول للميدان في طلب الحرية والهتاف بأعلى صوتها الشعب يريد...، وقد وصفت هذا المشهد: "رأيت شباباً لا يتحرشون، لا يتشاحنون، لا ينظرون إلى الدنيا الهالكة..رأيتهم يحمون فتيات هُنّ إخوتهن..انصرفت الشهوة الفانية وسادت العفة والمروءة".
فماذا حدث بعد يناير 2011 وما الذي تغير داخل المجتمع حتى تتحول ظاهرة التحرش من صورتها الفردية إلى حالة جماعية مرضية؟!، بل وظهر في نفس الميدان وانتشر أفقياً ووصل إلى داخل حرم أعرق جامعة مصرية وعربية وأفريقية.
المشكلة أن نصف المجتمع المصري – المرأة (السيدات والبنات)- تتعرض للتحرش من النصف الآخر، الذي هو في الأساس مسئول وراعي للنصف الأول، فقد قص خطيب الجمعة في المسجد الذي أصلى به منذ عدة أسابيع، قصة سيدة منقبة ولباسها فضفاض حكت له أنها قد تعرضت لنوع من أنواع التحرش وهي تسير بالشارع، فهمت تجري من هذا الرجل، وكان تلك الواقعة أول مرة يحدث لها ذلك، فتعجبت جداً لهذا الأمر، ولم حققت في المسألة اكتشفت من خلال اعتراف زوجها لها انه وفي ذات التوقيت كان يتحرش بسيدة أخرى، فكلكم راعً وكلكم مسئولاً عن رعيته. وهذه القصة تذكرنا بالحكاية التي كانت في الأثر وانتهت بقول الزوج لزوجته التي كانت تشتكي من السقا الذي قبلها: "دقة بدقة، ولو زدنا لزاد السقا!!".
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
ساحة النقاش