عرس سمية وحلم الكتابة القصصية
عرس الغربة مجموعة قصصية لـ سمية عودة
عرس الغربة لـ سمية عودة..السرد لمعرفة الواقع
بين الغربة و الاغتراب في " عرس الغربة " للأديبة سمية عودة
كتب: محمود سلامة الهايشة – المنصورة:
نظم اتحاد كُتّاب مصر فرع الدقهلية ودمياط برئاسة الشاعرة/ فاطمة الزهراء فلا، أمسية أدبية لمناقشة المجموعة القصصية للكاتبة سمية عودة (عرس الغربة)، الصادرة مؤخراً عن سلسلة أدب الجماهير التي يشرف عليها الأديب والروائي الكبير فؤاد حجازي، وذلك مساء السبت الأول من شهر فبراير 2012. ناقش المجموعة الأديب والقاص/ محمد محمد خليل، وقد أدار النقاش الشاعر الكبير الأستاذ/ مصباح المهدي- رئيس نادي أدب قصر ثقافة المنصورة.
وقد جاءت دراسة أ.محمد خليل عن المجموعة بعنوان (عرس سمية وحلم الكتابة القصصية). طرح مجموعة من الأسئلة في بداية الدراسة: كـ هل تملك ملكة وقدرة القص؟، وهل يمكن أن تضيف جديداً؟، وكانت الإجابة بـ (نعم). ومن أجمل قصص المجموعة قصة (حلة محشي) حيث أحسنت الكاتبة اختيار الموقف والزمان والمكان.
فالقصة القصيرة هو ذلك الجنس الذي ليس له بداية أو نهاية، فهو يفجر الأسئلة، ومن أهم عناصر كتابته عنصري التركيب والتكثيف. والجمل الأولى في القصة هي التي تشد القارئ لمواصلة القراءة وأحيان يجد فيها ما يريده، ليس للقصة القصيرة مقدمة بل الدخول في الحدث مباشرة، بل يمكن كتابتها في السياق، تشكيل وتكوين الفنون متشابهه، فالفنون لا تتجزأ. والعنوان جزء رئيسي للقصة، فهو لا يتجزأ عن القصة، ويقول أ.محمد خليل متحدث عن نفسه: "كتبت أطول عنوان لقصة قصيرة في تاريخ القص العربي".
تتكون المجموعة من واقع الفهرس من (18) قصة قصيرة تقع في (80) صفحة من القطع الصغيرة، وعناوين قصص المجموعة كالتالي: سيمفونية القطار، الوشم لا يجدي، حلة محشي، بابا حسن، العربة والحلم، حب دلفري، أبناه خوفو؟!، سعدان البغل، صابرة، جميلة..الجمَأل، عرس..الغربة، عند الأريكة الخشبية، ولدي كمال!!، مشاهد الرعب ليومية، الأعمى..بصير، العائد؛ بينما القصة رقم (19) والتي سقطت سهوا ولم تدرج في فهرس المجموعة بعنوان (عناقيد الخوف) ص52.
جاءت مداخلة الكاتب والروائي الكبير فؤاد حجازي تعقيباً على دراسة أ.محمد خليل ممتعة حيث أكد على أن الكاتبة تمتلك خاصية مهمة لابد وأن يمتلكها الكُتَاب ألا وهي القدرة على الحكي، فهي حكائة جيدة، وساردة جيدة أيضاً. فقد أضافت الكاتبة في مجموعتها في الشكل والموضوع وعدم التقليد، فمثالاً قد تناولت شخصية (العبيط) بصورة غير نمطية كمن سابقها من الكُتَاب حيث جعلته يمتهن بمهنة الدفان، دفن الموتى. كذلك نظرتها للشعوب العربية الأخرى التي يغترب فيها المصريين، ثم يعودوا ويكتبوا تجاربهم المأساوية ونظرتهم السلبية تجاه تلك البلدان، ولكن عندما تجذرت الكاتبة مع الشعب الذي عاشت معه وفيه بحكم الغربة، فالشعوب كلها واحدة. ويستطرد فؤاد حجازي قائلاً: الكاتبة تتميز بالعديد من الميزات كالأصالة، والتمرد على العادات والتقاليد التي لا تتعارض مع تعاليم الدين، والحس الفكاهي حيث يتضح الحس الساخر الشعبي.
وبعد قراءة سريعة لثلثي قصص المجموعة أثناء حضوره المناقشة جاءت كلمات الروائي والناقد د.أشرف حسن عبد الرحمن: "أجادت الكاتبة اختيار اللحظة النفسية كلحظة إنسانية، والمجموعة ليست صيداً نقدياً سهلاً، ولكن هناك إشكالية في اختيار لحظة الحكي"، وواصل د.أشرف حسن حديثه "هناك لغة الكاتب وهناك لغة الشخصيات أبطال القصة، وليس كل من يقرأ كثيراً موهوب للدرجة التي تجعله كاتب جيد".
وفي رؤية عن المجموعة قال الأديب والروائي علي علي عوض عن سمية عودة: "لها شخصيتها المميزة، كاتبة تكتب بموهبتها بصدق فني جميل، برومانسية وواقعية، استخدمت الإيقاع والرمز بشكل جيد، الحدث غالبا مقبول ومسلسل ومنطقي، لذا فالكاتبة واعدة ولاشك في ذلك".
وجه الأديب والناقد/ فرج مجاهد الشكر والتقدير للأديب الكبير أ.فؤاد حجازي على تبنيه نشر هذه المجموعة القصصية ضمن سلسلة أدب الجماهير التي يشرف عليها، فهذا إن دل فإنما يدل على شهادة منه في حق الكاتبة التي لديها مخزون وموهبة فعلية.
قراءة في المجموعة القصصية (عرس الغربة) للأديبة الدكتورة (سمية عودة.).. بقلم الأديبة المصرية ميمي قدري:
أديبتنا الرائعة د. سمية عودة ... عندما كَتبت أو بالأحرى كَتب الوحي (عُرس الغربة) ألقتنا في دائرة الانبهار , لخصت أديبتنا المبدعة هم الوطن في عدة صفحات ... فكل قصة كانت رمز لسرب من أسراب مشاكل مجتمعنا المصري , فمثلاً (سيمفونية القطار) جمعت الأمل والحلم في الفتاة الفقيرة كأمل الشعب المطحون في الحياة الكريمة , وتستمر الفتاة في الأحلام بالرغم من واقعها المرير,
الذي جذب انتباهي وحرك مشاعري (جميلة... الجمال) بثوبها الأبيض الناصع هي مصر بكل شموخها وعِزها... هنا مصر بشرفها , والجمال هو رمز للتعدات والتفرقات الحزبية والأطماع التي تُلقي بوطننا في جُب الخطر, ولكن مصر هي مصر... تتمخض عن حريتها وقوتها, عندما اختفت الجميلة ولم يعرف طريقها أحد... رمزت أديبتنا هنا لحالة مصر أثناء المخاض العسير
ولكن وُلدت من جديد واحتفظت بجمالها وبهائها وظلت في عيون العالم هي الكنانة وملجأ وملاذ كل البشر
(عُرس الغربة)القصة التي جملنا المجموعة باسمها وهذه القصة التي تدل على أن الوطن بمساحته الشاسعة ومكانته في قلب كل إنسان متمثل في إنسان واحد ألا وهو الزوج , فعلاً فعندما تتزوج المرأة يتحول الوطن من حدود وفواصل ومساحات إلى قلب زوجها بكل ما تعنية الكلمة من معنى, فقلب الزوج هو وطن الزوجة .
قصة (صابرة)فكرة جديدة هي موجودة بكثرة في مجتمعنا ولكن لم يتطرق اليها أحد , طمع الأب وتحكمه الذكوري في مستقبل إبنته بحجة الدين والشرع
فالقصة جريئة وأثبتت أن الأدب النسائي يفرض نفسه , وأن الأديبات العرب لا ينقصهم الجراءة في الكلمة والفكرة.
(عندالأريكة الخشبية) هي قصة مميزة ومن وجهة نظري ورؤيتي لحروف أديبتنا فهي قصة جوائز , فهي لوحة تشيكلية أبدعتها ريشة الأديبة ( سمية عودة) جعلتنا نتغلغل بين ثنايا ألم فتاة يعتبر ألم الكثيرات من فتيات الوطن العربي ألا وهو الخوف من مشكلة تأخر سن الزواج أو كما يقولون بلغتنا الدارجة (فاتها القطار) , وهنا تبدأ مشكلة البكاء عما ضاع من العمر ... وهنا تقع البطلة بين الرحى .. بين الواقع الذي تعيش فيه وذكرياتها , وهنا تكون الأريكة الخشبية هي مبكى حياتها وهي لا تعلم أن احتمال كبير يكون حالها الآن أفضل من حالها كزوجة... يكفي أنها تَملك القرار!!!
وهذه نعمة تفقدها الكثيرات من بنات جنسها, إذا تكلمتُ عن كل قصة على حده لن تكفيني مداخلة واحدة ولهذا أُنهي مداخلتي بقصة (الأعمي ... بصير) توقفت كثيرا أمام هذه القصة, وبما إنني قارئة نهمة هذه القصة نادرة الوجود , ممكن أن يكون تناولها البعض جزء من الكل وليس الكل
فمنهم من تناول تقمص الأعمى لدور البصير ولكن لم نجد من يضحي ويجرب ظُلمة الأعمى وهو بصير
هنا التفرد والكوميديا الساخرة الجارحة
فهنا تغلفت الابتسامة بالبكاء المرير ... لن أستطيع أن أقول أنها كوميديا ضاحكة مائة في المائة
فعندما قرأتها لم أشعر إلا بجذوة النار تشق صدري
ولكن عموما المجموعة القصصية تُلخص ألم أمة بكاملها وثقافة مجتمع علاه الغبار
أديبتنا الأروع وكاتبة الوحي صاحبة (عُرس الغربة)
غيرت مسار القصة القصيرة... ووضعتنا على الطريق الصحيح أن الكلمة أمانة وأن القلم سيد الموقف
شكراً يا وحي الكلمة والإبداع
مداخلة بقلم الأديبة المصرية ميمي قدري
كتب الشاعر والناقد/ عبد الناصر الجوهري عن هذه المجموعة تحت عنوان "عرس الغربة..السرد لمعرفة الواقع" قائلاً: "إذا حاول الكاتب معرفة الواقع..فإنه قبل أن يخبر واقع الحياة..عليه أن يدرك واقع الكتابة. إن رؤية الواقع يقابلها رؤية النص، وحقيقة الواقع .. تشكل حقيقة السرد. وإذا حاول الكشف عن واقع مجهول لابد أن تعاد صياغته بأشكال وطرائق غير اعتيادية. واللغة هي التي ترفع القصة بالواقع المحكي إلى مستوى الكتابة. والمجموعة القصصية (عرس الغربة) هي الإصدار الأول للكاتبة (سمية محمد عودة).. حاولت فيه الإشتباك مع الواقع.. بحثاً عن لحظات إنسانية .. عبر حاضر الماضي (العائد) أو عبر حاضر الحاضر (سعدان البغل) أو حاضر المستقبل (عرس الغربة). وإذا كان الباحث محمد خضير يتساءل ماذا قرأ (ماركيز) لكي يكتب (مئة عام من العزلة)؟.. فإني اعتقد أن قراءة الرواد نساوي رفع مستوى الكتابة.. دون محاكاه.. والجملة السردية هي الحاسمة في الحكي".
بين الغربة و الاغتراب في " عرس الغربة " للأديبة سمية عودة، دراسة بقلم الشاعر والناقد/ طارق عبد الفضيل:
ما يزال مفهوم الاغتراب حاضرا بقوة في أعمال كتاب هذا الجيل . ورغم كونه مفهوما فلسفيا وجوديا إلا أنه حظي بالكثير من التجسد في الأعمال الأدبية شعرا ونثرا . ويبدو أن الهم الإنساني بعمقه وتراميه يمثل قوة دافعة للإبداع .
وفي مجموعتها القصصية الأولى " عرس الغربة " لم تستطع سمية عودة الفكاك من اغتراب وجودي مفترس ملك عليها وجدانها فشرعت تنشئ له عالما قصصيا ؛ فالبوح كان دائما الملاذ الآمن وربما الوحيد الذي تستريح على فراشه الأرواح المعذبة .
ورغم أن المجموعة احتفت بالغربة وأقامت لها عرسا إلا أن ذلك لم يخدعنا عما هو أبشع من مجرد الغربة التي تعني عند الكثيرين الارتحال عن الوطن الأم ، والأبشع من الغربة بالطبع هو اغتراب الروح الذي لا يعترف بمكان ولا بزمان بل إن أقصى درجاته هو اغتراب الإنسان بين أهله و في وطنه الذي لم يبرحه .
فالبنت التي ... " كعادتها الدائمة تحول بأدواتها وجوه الناس إلى لوحة رائعة ... أخذت تتفحص في أمل وحب أوجه البشر حولها " .. تقف وحدها في مواجهة العالم بأسره ، تعيش فيما ترى وتتصور ، وتنكفئ على ذاتها لتصنع لنفسها عالما موازيا ، في
(سيمفونية القطار) وتجد في القطار المتحرك حاملا أنماطا بشرية تمثل عينة عشوائية من الجنس البشري ، وسيلة لحل المعادلة الصعبة وهي تقليل مسافة الاغتراب بخلق نوع من غربة افتراضية .
حتى البلطجي في "الوشم لا يجدي " يصبح في النهاية " نسيا منسيا ، جسدا هرما فوق السرير و أسفله ( أي أسفل السرير ) كلب هزيل غزاه الشيب ". و هي صورة إنسانية بشعة لكائن بشري يترك العالم و يتركه العالم بلا رحمة ككلب عجوز لا يجد من يطعمه.
و في " حلة محشي " يتقزم العالم حتى يصبح جل اهتمام الإنسان فيه هو توفير نوع من الطعام (حلة محشي) أيا كان اسمه أو كانت قيمته .
و في " بابا حسن " غربة فاغتراب ، ف" علا " سافرت للعمل بالخارج ، و لشدة تعلقها بزوجها لم تستطع أن تمكث أكثر من عام ... و لكنهما لم يرزقا بمولود ... و أكبر ما يفصل المصريّ عن واقعه و يفقده الأمل في مستقبله هو عدم الإنجاب و هو شكل آخر من أشكال اغتراب الإنسان عن عالمه . ثم غربة " و لم ينس حبيبته ، عندما يتنقل بين الدول .. يأخذها معه " غير أن بابا حسن يقاوم اغترابه و غربته " بأن يقرأ جزءا من القرآن ، كان يختلي في خلوته يوميا بعد أن يستحم ، يبدل ملابسه ، لا ينام إلا بعد صلاة الفجر فينام هادئا مستريحا راضيا " و هو الحل الأمثل للصراع الداخلي الرهيب الذي ينشأ عن الاغتراب و الذي تولده الغربة بما فيها من تفاوت حضاري بين ذات المغترب و موطن الغربة " قضى شطرا من حياته في أوروبا إلا انه ظل ماسكا على دينه " .
و لأن الحلم هو البيت الكبير الذي يسكنه المغتربون و المحرومون فإن " رامي " في " العربة و الحلم " لم يجد سواه سكنا في طريق بحثه عن حياة ، و لما وجد بابا يأخذه من الحلم إلى فضاء الواقع الواسع متمثلا في سيارة خطفها منه اللصوص فلم يسمحوا له بأن يبقى طويلا في الخارج ، و عليه أن يهرول عائدا إلى حلمه / اغترابه ، لأن " أولاد الحرام مخلوش لأولاد الحلال حاجة " .
حتى الحب الذي يربط الإنسان بالإنسان فيربطه بالعالم و يمنحه أرضا ثابتة يقف عليها ثم رؤية مطمئنة إلى المستقبل تحول في " حب دلفري " إلى وهم كبير يغترب بداخله إنسان يتواصل مع عالمه من غرفة نومه عبر جهاز الكمبيوتر . لقد ترامت المسافة بين الإنسان و عالمه حتى صار صعبا عليه أن يتصل به اتصالا طبيعيا ، و كل ما يستطيعه أن ينتقل من وهم إلى آخر " لكن سرعان ما أخذت أصابعه تطلب المارد ، أحضر له على البريد الإلكتروني .. حبا جديدا ".
و لأن العلم اتصال و حب ، فإن الجهل اغتراب و كراهية ، فالإنسان عدو ما جهل . و في " أ بناه خوفو ؟! " تضع سمية عودة الجهل ضمن مخالب الاغتراب التي تفترس الإنسان فتنفيه في نفس المكان .
و في "سعدان البغل " يموت كثيرون بالكوليرا، ربما كان من بينهم علماء و مفكرون و أدباء و مصلحون وفنانون ويبقى سعدان الجاهل المتخلف الذي يحمل الجثث الحاملة للوباء وهو لايدري . وفي القصة رمزية لاتنكرها القراءة الأولى تمثل تناميا كبيرا وقفزة هائلة في ترسيخ مفهوم الاغتراب الطاغي منذ القصة الأولى.
وفي " صابرة" مأساة فتاة تمثل طائفة كبيرة في دول كثيرة في عالمنا العربي
و بخاصة في السعودية ودول الخليج حيث يرفض الأب تزويج ابنته ليحتفظ براتبها فيحرمها بذلك حاجة فطرية لا يستغني عنها الإنسان الطبيعي صحيح النفس و الجسم لتعيش غريبة عن نفسها و عن طبيعتها الإنسانية وهي بعدُ في بيتها وبين أهلها .
وفي "جميلة الجمال " تؤكد سمية عودة على اغتراب الأرامل في مجتمعنا ، فالأرملة في مصر محرومة من كل شيء ، يفرض عليها سجن كبير في بيت زوجها المتوفى ولا تملك إلا أن تعيش على ذكراه أيا كان عمرها فماذا إذا حاصرها الفقر؟
وقمة سامقة أخرى للتماهي بين الغربة والاغتراب يجدها القارئ في"عرس الغربة" ووقوف الإنسان/ المرأة في وجه العالم " كيف تتركين وطنك أيتها العروس؟ "
حين تبدأ المسألة بغربة عن الوطن إلى اغتراب في الوطن " لكن زاد من وحشتها صعوبة التواصل مع الأخرين " هنا قضية سمية عودة الأولى ؛ الوحشة الناشئة عن صعوبة التواصل ثم حين يقل الإحساس بالغربة " ومع الوقت شعرت أن كل البيوت بيوتها " وذاك الوطن الجديد وطنها " و فارقها الإحساس بالغربة شيئا فشيئا" لكن هل فارقها الإحساس بالاغتراب ؟ !
إن الإنسان وهو كائن اجتماعي بطبعه وفطرته يحتاج من يشاركه حياته فيثبت قدميه على أرض الواقع ، حين " تحركت بعض أسراب الطيور آذنة بالرحيل إلى أكناف أعشاشها ، لتستكين بأزواجها في حميمية الود والعشق الجميل " فالإنسان يحتاج كهذه الطيور إلى تلك الحميمية التي تعتبر نقيضا لاغترابه . أما أن تنتظر امرأة " عند الأريكة الخشبية " التي تمثل قوقعة الحلم /الكابوس و مرفأ انتظار للرحيل إلى العالم / الواقع ، ولا يأتي من تنتظره ، حتى إذا جاء اتضح بعد وقت قصير أنه ليس لها و أنه عابر سبيل مر ليزيد عمق الهوة التي اتسعت في أعماقها. امرأة كهذه لا يمكن أن تحظى بنصيب من التواصل و الحميمية مع عالم لا يمكنها فيه إلا أن تنتظر . والمرأة التي وجدت الزوج ، بل أجبرت على الزواج منه " سرعان ما تكتشف أنه يتعاطى المخدرات وتأكدت أنها خرجت من دائرة الفقر بمنزل أسرتها لتدخل دائرة أخرى رسمها الفقر لها "
ولأن الأم في " عناقيد الخوف " تعيسة جدا كانت السخرية المريرة في تسمية أبنائها سعيد وسعد ومسعود . ثم هي تلقي بزوجها في السجن حفاظا على أبنائها حتى " عادت بأبنائها لدائرة الفقر "
ثم الأم الثكلى في" ولدي كمال " ومرارة الفقد التي تذهل الإنسان فيعيش في أوهامه منفصلا عما حوله حتى يرى الأشياء بغير طبيعتها .
و في " مشاهد الرعب اليومية " يهرب الإنسان من نفسه وحياته وواقعه الاجتماعي و السياسي والثقافي إلى أفلام الرعب التي تستحوذ على تفكيره وتنهش وقته .
وفي " تالا.. لاتدرك المصيف " يبيع الآ باء أبناءهم مقابل المال " هنعترف يا بيه احنا خلفنا علشان نبيعه ونفك ضيقتنا " إن الأزمة الحقيقية هي الخروج من الضائقة ، الخروج من المتاهه و الوصول إلى نهاية واضحة و الوقوف على أرض ثابتة .
و العروس في " غرام...لا تطويه الأيام " تجد " عينيها تصبوان نحو نفس الوجه... دون سبب محدد "
وفي اليوم التالي للعرس " تأكدت من أهل زوجها أن من كان يجلس في القاعة منفردا على الطاولة المجاورة هو فارسها فتى غرامها الأول .
وفي سجن العمى اغتراب من نوع آخر يتغلب عليه المصري بالفكاهة و الاتكاء على البصيرة في محاولة لملء الفراغ الداخلي . هذا ما عبرت عنه سمية عودة ببراعة في واحدة من أجمل قصص المجموعة و هي " الأعمى بصير " .
و لا أدري هل تعمدت سمية عودة أن تكون "العائد" هي آخر قصص المجموعة في ترتيب الطباعة أم لا ؟ فقد جاءت في موضع لا يخلو من دلالة . فالغريب - و هو هنا في أشد حالات الغربة /الاغتراب - يعود في محاولة نهائية للتواصل مع العالم الذي اغترب /انفصل عنه كثيرا
إلى هنا قد انتهت دراسة الشاعر/ طارق عبد الفضيل في قراءة نقدية للمجموعة القصصية الأولى للكاتبة سمية عودة (عرس الغربة).
والكاتبة "سمية محمد عبد الرؤوف عودة" حاصلة على بكالوريوس العلوم الزراعية عام 1986 وعلى الماجستير في الإنتاجي الداجني عام 1990 من جامعة المنصورة، وقد حصلت على المركز الأول للنشاط الثقافي للجامعة عام 1982، وكذلك على دورات في علوم تجويد القرآن، وعضو مؤسس لصالون المرأة الأدبي بالمنصورة. ويجب أن نذكر هنا أن (عُرس الغربة) هي المجموعة القصصية الأولى للباحثة والقاصة سمية عودة، ولها مجموعة أخرى تحت الطبع.
وقد حضر الندوة كوكبة من الأدباء والشعراء والمثقفين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر مع حفظ الألقاب: فؤاد حجازي، السعيد نجم، فرج مجاهد عبد لوهاب، عبده الريس، علي علي عوض، د.أشرف حسن عبد الرحمن، علي عبد العزيز، طارق عبد الفضيل، ميمي قدري، محمود سلامة الهايشة، أميرة قشوع، نجوى خطاب، هالة طلعت العكرمي، د.مروه خطاب، أحمد الحديدي، إيهاب رضوان، محمد بيومي، وآخرون.
ساحة النقاش