باحثون هولنديون يولدون «الطاقة الزرقاء» لتوفير المياه النظيفة

    روناء المصري    ٢٠/ ٦/ ٢٠١٣

تابع ملايين المصريين بقلق بالغ أنباء إقدام إثيوبيا على بناء سد على نهر النيل، والمعروف إعلامياً باسم «سد النهضة»، وعلى الفور بدأ حديث السياسة، والبحث عن ردود الأفعال على الموقف الإثيوبى، وبعيداً عن أقوال السياسيين، واقتراحاتهم، خفت صوت العلم فى التعامل مع الأزمة، وهو ما نحاول تقديمه فى السطور التالية.

إن للمياه دورة طبيعية، تبدأ من أسطح المحيطات والبحار والمسطحات المائية حيث يحدث «البخر»، وفيه تتحول المياه من الصورة السائلة إلى صورة غازية، وتصعد إلى الغلاف الجوى على هيئة بخار ماء، فتحمله الرياح إلى منطقة تتوافر فيها شروط خاصة، لتسقط المياه على هيئة قطرات مرة أخرى من الماء العذب، أو من البرد والثلوج فى الحالة الصلبة للمادة. ويظل حسن التصرف فى المياه العذبة أحد الأبواب التى يتطرق إليها العلماء فى ظل الظروف الراهنة، وفى ظل سيناريوهات تغير المناخ، ليبدأ التفكير فى «الطاقة الزرقاء».

إحدى الشركات الهولندية قدمت أبحاثاً عديدة فى هذا الشأن، ويقول الباحث سيمون جايسون، أحد الباحثين الرئيسيين لمشروع توليد الطاقة الزرقاء فى هولندا: «حيثما يلتقى الماء العذب مع الماء المالح، تولد دائما طاقة من المياه». وبنى «جايسون» مقولته بالاعتماد على الحقيقة العلمية القائلة بأن عملية تحول المياه إلى بخار ماء عذب مع تخليصها من الأملاح عملية تسمى علمياً «البخر».

و«البخر» عملية كيميائية فيزيائية تحتاج إلى طاقة كى تتم، وهذه الطاقة تستمدها جزيئات الماء من الشمس، وطبقا لقوانين الكيمياء فى إجراء التفاعلات الكيمائية الفيزيائية، فإن عكس عملية البخر يؤدى بالضرورة إلى نتائج عكسية، أى عندما تحدث عملية «التخفيف»، وذلك عندما تمتزج المياه العذبة ثانية بالبحر المالح، فهى تخفف تركيز محتواه الملحى، وتنطلق طاقة مساوية تماماً فى المقدار لكمية الطاقة المستخدمة لفصل الأملاح عن المياه العذبة عند بداية عملية «البخر»، وهنا تركز تفكير الفريق البحثى.

توصل الباحثون إلى أنه إذا ما تم وضع مصائد لتلك الطاقة على عتبات المصبات، يمكن استخلاص تلك الطاقة التى تتحرر فى الطبيعة بشكل مهدر تماماً. يقول «جايسون»: «يمكن النظر إلى الغيوم، على أنها طاقة متحركة فى السماء، تنتظر من يستخلصها».

على مدار الأعوام بدءاً من عام ١٩٠٠، استمرت المحاولات لاستخلاص هذه الطاقة، وهو ما تبنته شركة «رد ستاك» الهولندية، التى تستخدم تقنية الأغشية من أجل عمل ما يسمى «الغسيل الكهربى المعكوس»، وتوجهت الشركة إلى إحدى شركات الوساطة العلمية، التى تقوم بالتنسيق بين الشركات والجامعات والمراكز البحثية، فى مجالى الطاقة والمياه، وتم الترتيب لمشروع بحثى وعلمى يختص بـ«الطاقة الزرقاء»، يضم نخبة من التخصصات العلمية المختلفة، التى يكمل بعضها البعض.

وفى اتجاه موازٍ بدأ باحثون آخرون البحث فى إمكانية استخلاص المياه من الرياح المحملة ببخار الماء، وتبنتها مجموعة من الشركات الهولندية العاملة فى مجال المياه، والمهتمة بإيجاد حلول لمشكلة المياه النظيفة فى البلدان المحرومة، ذات البيئة الجافة أو ذات مصادر المياه المالحة، مع عدم توافر إمكانيات تحليتها بالتقنيات التقليدية الباهظة، أو فى البلدان التى تعانى من التصحر والجفاف مع محتوى مائى جوفى.

ومن خلال طاقة الرياح، يرى باحثون أن جزيئات الهواء تحمل من جراء حركتها داخل الغلاف الجوى للأرض طاقة حركية، وبما أن الطاقة يمكنها أن تنتقل من صورة لأخرى، فإن حركة الهواء المحمل ببخار الماء تؤدى إلى اكتساب الطاحونة الهوائية طاقة حركية، تتناسب مع قوة وشدة واتجاه الرياح التى تهب عليها، وبدورها تنقل طاقتها المكتسبة إلى صورة أخرى من الطاقة، وهى الطاقة الكهربية من خلال مولد كهربى موجود داخلها، وتبدأ بعد ذلك سلسلة من حالات انتقال الطاقات، وتغير صورها حتى نحصل فى النهاية على كوب ماء نظيف.

وهو الأمر الذى تستخدمه شركة «هاتنبوير للخدمات المائية» فى تحويل المياه المالحة أو الجوفية المالحة أو حتى المياه الراكدة، إلى مياه نظيفه، وتقوم باستخلاصها عن طريق استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ثم تخضع تلك المياه إلى عدة عمليات للتنقية حتى تصبح صالحة للشرب. بينما تعمل شركة «استحثاث المطر» الهولندية بالاعتماد الكامل على الرطوبة النسبية الموجودة فى الجو، بحيث تستخلص بخار المياه منها ثم تعمل على تنقيتها بصورة أفضل حتى تصبح صالحة للشرب، وهى لا تعتمد بشكل كبير على طاقة الشمس لكنها فى المقابل تعتمد على الأرصاد الجوية فى زيادة عائدها من المياه النظيفة.

يقول أحد الباحثين فى هذا المجال: نستخدم «مضخات الحرارة» اعتمادا على غاز الأمونيا كمبرد، داخل وحدة مثبتة فى الطاحونة الهوائية، حيث تحتاج عملية استخلاص المياه من الرطوبة الجوية؛ أى من بخار الماء فى الجو، إلى توفر درجات حرارة معينة نهاراً، تكون هذه الدرجات حوالى ٥٠ درجة مئوية أو ما يزيد، بينما لا تقل درجة الحرارة ليلاً عن ١٠ درجات مئوية، وتنتج هذه التقنية يومياً حوالى ٧.٥ متر مكعب من المياه، وفى دول حوض المتوسط قد تصبح الكمية من ٤٠ إلى ٥٠ لترا يومياً، مما قد يخدم قرية يصل سكانها إلى ١٠٠ أو ١٥٠ نسمة.

وبالفعل تم تطبيق المشروع فى الأردن بإنتاجية تصل إلى ١٥٠٠ لتر يومياً، وكانت الطاحونة الأولية المستخدمة ذات قدرة ٦ كيلو وات، ثم تدرج الأمر إلى استخدام طاحونة ذات قدرة تشغيلية تصل إلى ١٠٠ كيلو وات، وكانت الفكرة تعتمد على مضخات الحرارة، التى يمكنها العمل بشكل عكسى للتبريد أيضاً، ويتم ذلك عن طريق استخدام مادة تعمل كمبرد مثل الأمونيا، بحيث تعمل المضخة على تبخيرها، ثم تكثيفها مرة أخرى للحصول على التبريد المطلوب. ويتم ضغط الأمونيا «المبرد» بواسطة «كومبريسور» – ضاغط ؛ إلى درجات حرارة عالية، فيتحول إلى الحالة الغازية، ويتم ضخها عبر حركة دائرية إلى الطرف الآخر حيث المكثف الذى يسحب درجات الحرارة والضغط العالى من المادة المبردة وبالتالى تتحول إلى الحالة السائلة مرة أخرى، وهكذا تعود الدائرة من جديد دون الحاجة إلى إضافة المزيد من المواد، أو حتى إلى تحمل المزيد من النفقات.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,747,798