ثورات الربيع وبنية مجتمع عالمي جديد؟
بقلم: د‏.‏ محمد رياض 112 

التحرير ـ ديزنجوف ـ سينتاجما‏..‏ ثلاثة ميادين كبري في القاهرة وتل أبيب وأثينا في شرق البحر المتوسط تتشابه فيها ثورة الشعوب في مطلب العدالة الاجتماعية والسياسية وإن اختلفت أسس وقوي الدفع في كل منها‏.

 

ففي التحرير سقط النظام الاستبدادي ومعه سقوط متتابع للرأسمالية الشرسة وبحث عن العدالة والديمقراطية. وفي ديزنجوف مل الشباب حكم الأوليجارشية الصهيونية بحثا عن عدالة اجتماعية بلا تعصب وبديل استخدامهم مخلب قط في سياسات الشرق الأوسط لمصلحة رأسمالية ملتحمة بالغرب.
وفي سينتاجما معارضة لسياسة التبعية الأوروبية وتردي الأحوال الاقتصادية كما أن مطالب التقشف ضحيته الأولي ارتفاع نسب البطالة وضبابية المستقبل نتيجة استشراء رأس المال ومثل ذلك في ايطاليا واسبانيا وبقية أوروبا الغربية حيث تتمحور الاتجاهات بصور تكوينية مختلفة لكن المطلب في كل الحالات هو التغيير المجتمعي لعدالة أكبر.
لماذا نربط ثورات الربيع العربي بما يحدث في تل ابيب وأثينا رغم فوارق بواعثها الأولية وايجابياتها علي مجتمعاتهما؟ لاشك أنها تعبير مبدئي عن رغبة تقليص الهوة بين الطبقات بخلق نوع من العدالة الاجتماعية ولو نجحت سوف يتنقل هذا التغيير إلي دول الجوار المحيطة بها.
بعبارة خري إنها تعبير فكري عن ضرورة البحث عن علاقات مجتمعية جديدة بعد أن بلغت تنظيمات المجتمع الرأسمالي قمة مغالاته وبدأت أزماته منحدر الطريق إلي السقوط. فلم يعد العالم يتحمل تقسيما لدول مليارات الأموال مقابل مليارات الجوعي وعشرات ملايين العاطلين. أليس ما حدث في لندن من مواجهة عنيفة ومايحدث في نيويورك من خيام منصوبة شعارها احتلال حي المال العالمي وول ستريت ضد جشع رأس المال وارتفاع قيم البطالة وتناقص آدمية الناس هو امتداد مواز لما حدث في شرق المتوسط! ألا نري امتداد الثورة الاجتماعية في واشنطن وأكثر من 90 مدينة في العالم هو ارهاصات تغيير لابد من حدوثه بتمهيدات تنظيرية تجريبية لخلق قيم مجتمع جديد؟
ففي مصر تنعكس تفعيلات المواقف المرتقبة علي محيطها العربي, وهي لهذا تواجه مصالح مختلفة عربية وغربية تلعب أدوارا علي الساحة المصرية بهدف إقامة دولة بشعار ديمقراطي يتحقق معها إبقاء النظم وموارد النفط وإسرائيل كضابط ايقاع الأحداث لحساب الغرب.
لكن هذه الضغوط علي مصر لاتحسب دورا لثقافة الحرية التي تحررت من خوف المواجهة ولا تخشي مواجهات أخري وصولا لتوازن تركيبة ديمقراطية لايشوبها ضغوط الأموال الخارجية وأماني عودة مصر إلي دور المشارك في تدعيم أنظمة مرتبطة بمصالح الغرب. لهذا فهناك بلبلة كثيرة لآراء وأفكار ودعاوي اختصام حول ترتيب العربة والحصان ـ الدستور والبرلمان, وانتظام محاكمة القرن علي جزئيات بدل محاكمة شاملة لمؤسسة الرئاسة التي أفسدت قيم شعب بأكمله.
وفي كل هذه الأجواء نتساءل هل يعني ذلك أن شرق البحر المتوسط الذي نمت فيه أولي الحضارات والأديان وقيم خلقية كثيرة (نعلنها ولانمارسها) وانتشرت منه الي بقية العالم قد عاد لممارسة دوره العالمي الحضاري المجتمعي بعد طول ركود وانصياع لقوة الشمال الاقتصادي والعلمي والعسكري؟؟
ثورات شعوب البحر المتوسط تأتي استجابة تلقائية لحقوق محظورة منسية وستأخذ وقتا لتثبيتها مع مايلحقها بالضرورة من ضحايا اشتباكات التغيير مع المخلوعين بينما كانت ثورات الشمال تتسم بالدموية وغل كثير أدي الي إعدام ملك انجلترا في ثورة كرومويل 1949ـ1660 لكن الثورة الملكية المضادة نجحت بتأييد لويس 14 حفاظا علي النظم الملكية الاستبدادية. وكثيرا من الدماء أريقت خلال الحروب الكاثوليكية والبروتستانتية (في القرنين 16ـ18) والثورة الفرنسية 1789ـ1794 كان ضحاياها الملوك والنبلاء ومن عامة الشعب ومن فصائل الثوار أنفسهم. ومثلها كانت الثورة الروسية بين البلشفية والمنشفية وحروب التدخل الأوروبية في روسيا كذلك كثر ضحايا ثورة التغيير ضد الملكية المستبدة في بلاد أوروبا الغربية 1848 وبالذات فرنسا والنمسا وبروسيا, وبرغم بقاء الملكية لكنها أصبحت مقصوصة الجناح حتي زالت أوائل ق.20 وبالمثل لاننسي الحرب الدموية المدمرة بين ولايات الشمال والجنوب الأمريكية 1861ـ.1865
ولنا أن نتساءل هل العنف المتزايد في شمال أوربا وأمريكا نتيجة نشأة ونمو الرأسمالية كنظام جديد وتوسعة الامبريالي بينما في البحر المتوسط وحدات اقليمية صغيرة متعددة تتفاعل معا بعلاقات التجارة والثقافة وتتجنب الحرب وكثرة إراقة الدماء؟ فاليونان وايطاليا واسبانيا ومصر وشمال افريقيا وشرق المتوسط كلها بلاد جبال وهضاب وصحاري وجزر تتخللها وديان وسهول صغيرة لاتقارن بالسهل الأوروبي, ولكل منطقة طابع خاص سكانا واقتصادا لكنها في مجمل حضارتها متقاربة بين الفلاحين وسكان المدن والتجار.
قد يكون الوادي والدلتا في مصر وسهل لومبارديا بشمال ايطاليا نوعا من الاستثناء في حوض المتوسط ولكن أقدارهما مختلفة. لومبارديا كانت جنة جذبت القبال الجرمانية لكنها بعد سقوط روما أصبحت شتات بين إمارات صغيرة. أما مصر فقد ظلت دولة أو ذات حكم مركزي حتي في فترات الاحتلال ومن ثم حافظت علي مقتنياتها الحضارية برغم تغير لغتها ودينها مرتين تغيرا جذريا لهذا كانت مصر منذ القدم قبلة الهجرة حيث الاستقرار والطعام الوفير ومركز الثبات الاستراتيجي في الشرق الأوسط عكس سهل العراق الذي كان دائم التعرض لكل الأحداث من جواره العربي والإيراني والكردي.
تعدد وصغر دول وشعوب البحر المتوسط لم تسمح بنشأة إمبراطوريات كبيرة باستثناء الرومانية والإسلامية, هذه التعددية سمحت بانتشار قوالب ثقافية مفتوحة لتقبل الغير بمنتجاته التقنية والتنظيمية وانصهاره داخل الثقافة. وسواء كان ربيع التغيير في شرق المتوسط قد فتح أمام الغرب حركة التغيير أم أن بدايات التغيير قد بدأت في الشرق بتأثير ديمقراطيات الغرب ثم ارتد إليها بعد نجاح تجربته في الشرق, سواء كان هذا أو ذاك فالمحقق أن العالم يرقب بدايات مجتمعات جديدة أكثر عدالة من مجتمع رأسمالي شاخ ويصعب بقاؤه.

 

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد رياض

<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915" mce_href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" mce_src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" mce_style="border: 0" /></a> <mce:script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915" mce_src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></mce:script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 132 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,647,236