بقلم:د. سعيد إسماعيل علي 120
مع إقرارنا بأن ما يجيء به اليوم قد يكون مغايرا لما كان به الأمس,
لكن لابد من الاقرار أيضا بأن هناك سننا كلية ومسارات أساسية تسير وفقا لها الأحداث والوقائع, ومن ثم يمكن أن تتبدل الحوادث والوقائع لكن وفق سنن لا تبديل لها ولا تحويل.
خذ عندك علي سبيل المثال, هذه القضية التعليمية بل المجتمعية المزمنة, قضية الثانوية العامة, تتغير فيها أعداد الطلاب وأحوالهم وربما يلحق بالمناهج والمقررات تغير إن لم يكن كل عام, فكل بضعة أعوام قليلة ويتغير القائمون بالأمر, واسئلة الامتحانات وهكذا, لكنك لو سألت سؤالا محوريا يتعلق بوظيفة المدرسة الثانوية وهل هي للإعداد للجامعة, أم للحياة, أم للأمرين معا؟ هنا لابد أن يكون لنا موقف ثابت وهذا الموقف الثابت هو ما نقصده بسياسة التعليم, وكأنها تعبر عن جملة التوجهات العامة والمبادئ الكلية التي تحكم حركة الواقع التعليمي, والمثير للدهشة حقا, وربما إن شئنا الصراحة الغيظ أننا عرفنا منذ عام1974 صرحا عظيما مثل المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا علي أساس أنه غير مرتبط بوزير ولا بوزارة, وإنما برئاسة الدولة ويقوم أعضاؤه بدراسة قضايا التعليم ومشكلاته, واقتراح الحلول اللازمة لها, وقضت قواعد المجلس أن تمثل بعض الشخصيات بحكم وظيفتها فيكون ـ مثلا ـ عميد تربية عين شمس ـ أيا كان اسمه ـ عضوا وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من رؤساء الجامعات, وهكذا, ويدعي وزيرا التربية والتعليم العالي إلي الجلسة العامة التي يناقش فيها تقرير يخص وزارته, كل هذا من أجل ضمان أن تتم الطبخة بالاشتراك بين رجال الفكر والعلم ورجال التنفيذ. لكن المشكلة أن التقارير التي كان المجلس القومي للتعليم ينتهي إليها استشارية وثقافتنا مع الأسف الشديد, تكاد ترادف بين الرأي الاستشاري, وبين عدم الالتزام بالتنفيذ, فإذا بكثير من الآراء والتقارير تجمد في ثلاجة المجالس القومية وهو وصف أعلناه منذ سنوات طويلة في مقال تم نشره.
وفضلا عن ذلك, فإن تقارير المجلس يغلب عليها الطابع المكتبي, حيث غير مطلوب ولا متاح أن نشهد دراسة فريق ينزل إلي الميدان ومن هنا جاء وقت علينا ـ في المجلس ـ نحتار في اختيار موضوعات للعام الجديد, لا لشيء إلا لأن كل أو معظم القضايا تمت دراستها لكن لأن الواقع لم يتحرك وفق ما تم اقتراحه فماذا سوف تقول غدا وبعد غد؟
وصحيح أنه يوجد بوزارة التربية ما يسمي مجلس التعليم قبل الجامعي, حيث يقوم بما يشبه رسم السياسة التعليمية, لكن تجربته عبر سنوات عديدة تشير إلي ضعف أثره, فهو تابع لوزير التربية, وهو الذي يختار أعضاءه وغالبا ما يؤدي هذا إلي أن يشعر المراقب وكأنه في مكتبة بها نسخ متعددة من كتاب واحد, وليس عددا متنوعا من كتب مختلفة, أو ما يصدق عليه وصف سعد زغلول بمحادثات عدلي يكن مع الانجليز عقب ثورة1919 جورج الخامس يفاوض جورج الخامس.
من هنا فإننا نلح علي ضرورة أن يتم إنشاء مجلس وطني يختص بتقرير سياسات التعليم, لا يكون خاصا بوزارة التربية وحدها, وإنما كذلك بوزارة التعليم العالي, بل التعليم الأزهري فقد تختلف المناطق والمجالات, لكن لابد أن يحكم الحركة الكلية للتعليم ما يشبه النوتة الموسيقية, حيث قد يختلف العازفون وتتنوع آلاتهم لكن تظل النوتة هي الحاكمة والموجهة للحركة الكلية ويكون هذا المجلس مسئولا عن رسم هذه النوتة.
وأبرز ما لابد من الحرص عليه, أن يكون المجلس المقترح مستقلا عن وزارتي التربية والتعليم العالي, وإن قضت الضرورة باشتراك وزيريهما مع الأزهر, أو من يمثلهما ويكون تابعا لرئاسة الجمهورية ويصدر قرار بتشكيله من رئيس الدولة بحيث تقتصير مدة العضوية علي عدد من محدود من السنوات يقل عن أصابع اليدين ولا يكون العضو قابلا للعزل, إلا إذا تعرض لحكم قضائي يخل بموقفه لا قدر الله.
ولما كان التعليم أخطر من أن يترك للتربويين وحدهم, فلابد لمثل هذا المجلس أن يشارك فيه أعضاء يمثلون مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين والثقافة, من الخبراء والمتخصصين والعلماء.
وكذلك فإن زبائن التعليم إذا صح هذا التعبير لابد لهم من المشاركة ويمثلهم هنا بعض أولياء الأمور, أو ممثلو الطلاب الذين يتولون أمر الاتحادات الخاصة به في المدارس والجامعات, التي نأمل في استواء تشكيلاتها في العام الدراسي المقبل. ومن المفضل أن تكون رئاسة المجلس بانتخاب الأعضاء ولا تزيد علي أربع سنوات أو أقل أو أكثر قليلا.
ولا ينبغي أن يكون عدد أعضاء المجلس كثيرا, حتي يتم التركيز في التفكير والحوار والدراسة, بحيث يكون عدد الأعضاء من عشرين إلي ثلاثين عضوا.
تلك بعض الأفكار نطرحها للنقاش حول كيفية التوصل إلي أفضل سبيل لرسم سياسة مستقرة (نوعا) للتعليم في مصر
ساحة النقاش