نموذج القرار التدريجي Incremental Decision Model
من كتاب
نظرية التنظيم
والتصميم
Organization Theory
and Design
الطبعة العاشرة
ريتشارد إل. دافت
2010م
ترجمة
أحمد السيد كردي
2016م
هنري منسبيرج Henry Mintzberg ورفاقه Associates في جامعة ماكجيل McGill University في مونتريال Montreal اتخذوا منهجا للقرار التنظيمي من منظور مختلف. حيث قاموا بتحديد خمسة وعشرون قرارا تم اتخاذه في المنظمات وقاموا بتتبع الفعاليات المصاحبة events associated لهذه القرارات من البداية إلى النهاية. وحددت أبحاثهم كل خطوة في تسلسل القرار. هذا المنهج في عملية صنع القرار، يطلق عليه نموذج القرار التدريجي Incremental Decision Model، والذي يضع تركيز أقل على العوامل السياسية والاجتماعية الموضحة في نموذج كارنيجي Carnegie model، ولكن يبين المزيد عن التسلسل المنظم للأنشطة التي تؤخذ على عاتق اكتشاف وجود المشكلة إلى حلها.
وتضمنت قرارات العينة في دراسة منسبيرج Mintzberg اختيار أفضل أنواع الطائرات النفاثة jet aircraft يمكن الحصول عليها لشركة طيران إقليمية، وتطوير فريق متميز جديد، وتصميم محطة حاويات جديدة في الميناء، وتحديد أسواق جديدة لمزيل الروائح deodorant، وتركيب علاج طبي جديد مثير للاهتمام في المستشفى، واطلاق إذاعة راديو النجوم. وكشف نطاق وأهمية هذه القرارات في طول الوقت المستغرق لإنجازها. وأخذت معظم هذه القرارات أكثر من عام، واستغرق ثلث منهم أكثر من عامين. وكان معظم هذه القرارات غير مبرمجة Nonprogrammed وتتطلب حلولا مصممة خصيصا.
وأحد اكتشافات هذا البحث هو أن الخيارات التنظيمية الرئيسية عادة ما تكون سلسلة من الخيارات الصغيرة التي يتم تجميعها لإنتاج قرار كبير. وبالتالي، فإن العديد من القرارات التنظيمية هي سلسلة من القضمات nibbles الصغيرة بدلا من الوجبة الشهية bite الكبيرة.
والمنظمات تتحرك من خلال عدة مواطن للقرار وقد تضرب بالحواجز على طول الطريق. حيث أطلق منسبيرج Mintzberg على هذه الحواجز barriers بمقاطعات القرار decision interrupts. حيث أن المقاطعة interrupt تعني أن المنظمة قد تعود عن قرار سابق وتحاول في أمر جديد. وحلقات القرار Decision loops أو دورته هي أحدي الوسائل لتتعلم المنظمة أي من البدائل ستعمل عليه. وقد يكون الحل النهائي يختلف كثيرا عن ما كان متوقعا في البداية.
يظهر نموذج مراحل القرار الذي اكتشفه منسبيرج Mintzberg ورفاقه فيما يلي. ويشير كل مربع إلى خطوة محتملة في تسلسل القرار. والخطوات تتم على ثلاث مراحل رئيسية للقرار هي: التحديد والتطوير والاختيار.
1- مرحلة التحديد Identification Phase.
تبدأ مرحلة التحديد مع الاعتراف والإدراك. والاعتراف Recognition يعني أن واحدا أو أكثر من المديرين يدرك وجود مشكلة، وهناك الحاجة إلى اتخاذ القرار. وعادة ما يتم الحث Stimulated بالاعتراف بالمشكلة أو الفرصة opportunity. كما يوجد مشكلة في تغير العناصر في البيئة الخارجية والداخلية.
كما يمكن أن يعتبر الأداء أقل من المستوى المطلوب. على سبيل المثال, في حالة إطلاق إذاعة الراديو وتأتي بعض التعليقات حول المذيع Announcer من المستمعين، والمذيعين الآخرين، والمعلنين. هذا يعطي تفسير للمديرين أن يأخذوا تلميحا يظهر نمط يشير إلى أن هناك مشكلة يجب التعامل معها.
والخطوة الثانية هي التشخيص diagnosis، حيث يتم جمع المزيد من المعلومات إذا لزم الأمر لتحديد حالة المشكلة. قد يكون التشخيص منهجي أو غير رسمي، وهذا يتوقف على حدة المشكلة. والمشاكل الحادة Severe problems لا تسمح بالوقت للتشخيص على نطاق واسع. ويجب أن تكون الاستجابة فورية immediate. وعادة ما يتم تشخيص المشاكل المعتدلة Mild بطريقة أكثر منهجية.
2- مرحلة التطوير Development Phase.
في مرحلة التطوير، يتشكل حل المشكلة المحددة في مرحلة التحديد Identification. ووضع حل يأخذ أحد هاذين الاتجاهين:
أولا، يمكن استخدام إجراءات التفتيش للبحث عن بدائل ضمن تقارير المنظمة عن الحلول. على سبيل المثال، في حالة اطلاق إذاعة النجوم، تم سؤال مديري المحطة الإذاعية عن ما فعلوه في المرة الأخيرة مما جعلهم يتخلوا عن المذيع. لإجراء البحث، قد يتطلع المشاركين في تنظيم ذكرياتهم، والتحدث إلى المديرين الآخرين، أو النظر في الإجراءات الرسمية للمنظمة.
الاتجاه الثاني للتطوير هو تصميم حل مخصص. يحدث ذلك عندما تكون المشكلة غير مألوفة بحيث تكون الخبرة السابقة ليس لها أي قيمة. وجد منسبيرج Mintzberg أنه في هذه الحالات، صناع القرار الرئيسيين ليس لديهم سوى فكرة غامضة عن الحل الأمثل. وتدريجيا، من خلال عملية التجربة والخطأ، فإن البديل المصمم خصيصا من الممكن ظهوره. وتطوير الحل يمكن أن يتلمس طريقه، والإجراء التدريجي Incremental procedure، هو بناء طوبة على طوبة للوصول إلى الحل.
3- مرحلة الاختيار Selection Phase.
مرحلة الاختيار تكون عند اختيار الحل. وهذه المرحلة ليست دائما تتعلق بمسألة اتخاذ خيار واضح بين البدائل. ففي حالة الحلول حسب الطلب، تكون عملية الاختيار أكثر تقييما لبديل واحد يبدو ممكنا.
ويمكن تحقيق التقييم والاختيار في ثلاث طرق. يستخدم نموذج الاجتهاد judgment form للاختيار عندما يقع الاختيار النهائي على صانع القرار واحد، والاختيار ينطوي على الاجتهاد استنادا إلى الخبرة. وفي التحليل، يتم تقييم البدائل على أساس أكثر انتظاما، كما هو الحال مع تقنيات علوم الإدارة.
وجد منسبيرج Mintzberg أن معظم القرارات لم تشمل التحليل المنهجي وتقييم البدائل. كما تحدث المساومة Bargaining عندما تتضمن عملية الاختيار على مجموعة من صناع القرار. وقد يكون لدى كل صانع قرار حصة Stake مختلفة في النتيجة، لذلك يظهر الصراع. وتحدث المناقشة والتفاوض لحين تشكيل الائتلاف، كما في نموذج كارنيجي Carnegie الذي هو موضح سابقا.
وعند قبول القرار رسميا من قبل المنظمة، يكون في محل منح التفويض. ويمكن تمرير القرار من أعلى التسلسل الهرمي إلى المستوى الهرمي المسؤول. التفويض Authorization يكون في كثير من الأحيان روتيني routine لأن الخبرة والمعرفة متوفرة لدى صانعي القرار على المستوى السفلي الذي عرف المشكلة ووضع الحلول. وقد يتم رفض بعض القرارات بسبب التداعيات implications الغير متوقعة من قبل المديرين في المستوى الأدنى.
• العوامل الديناميكية Dynamic Factors.
الجزء السفلي من الرسم البياني في الشكل التوضيحي رقم 12-5 يظهر خطوط دائرية إلى الخلف نحو بداية عملية اتخاذ القرار. هذه الخطوط تمثل الحلقات أو الدورات التي تحدث في عملية اتخاذ القرار.
والقرارات التنظيمية لا تلتزم بالتدرج المنظم orderly progression في الاعتراف بعملية التفويض. والمشاكل الصغيرة التي تنشأ القوة في حلقة تعود إلى المرحلة السابقة. وهذه هي عوائق أو مقاطعات القرار decision interrupts. وإذا ما تم النظر إلى الحل المصمم خصيصا بأنه غير مرضي، قد تعود المنظمة إلى البداية وتنظر في ما إذا كانت المشكلة هي حقا تستحق الحل. ويمكن أن تسبب ردود الفعل للحلقات Feedback loops لمشاكل التوقيت والسياسة والخلاف بين المديرين، وعدم القدرة على تحديد الحل عمليا، والتراجع Turnover من المديرين، أو الظهور المفاجئ لبديل جديد.
على سبيل المثال، عندما قامت شركة الطيران الكندية Canadian airline الصغيرة قرار للحصول على طائرات نفاثة jet aircraft، قام مجلس الإدارة بتفويض القرار، ولكن بعد فترة وجيزة، انتقل رئيس تنفيذي جديد وقام بإلغاء العقد، وتم إعادة تدوير القرار للعودة إلى مرحلة التحديد. وبين انه يقبل تشخيص المشكلة ولكن أصر على البحث الجديد عن بدائل. ثم قامت شركة طيران أجنبية بتصفية الأعمال وأصبح هناك طائرتين مستعملتين متوفرين في الصفقة. وكان تقديم هذا الخيار غير متوقع، واستخدم الرئيس التنفيذي الاجتهاد الشخصي الخاص به في التفويض لشراء الطائرات.
ولأن معظم القرارات تتخذ على مدى فترة طويلة من الزمن، حيث تتغير الظروف Circumstances change. لذا فإن صنع القرار هو عملية ديناميكية قد تتطلب عددا من الحلقات قبل أن يتم حل المشكلة. ويوضح المثال التالي العملية التدريجية والحلقات التي يمكن أن تحدث في قرار شركة جيليت Gillette لصنع ماكينة الحلاقة الجديدة New razor.
شركة جيليت Gillette Company
في الممارسة العملية
تستخدم شركة جيليت Gillette Company صنع القرار التدريجي incremental لإتقان تصميم شفرات الحلاقة مثل ماتش ثري توربو Mach3 Turbo، وماكينة الحلاقة Vibrating M3Power، أو نظام الحلاقة فيوجن Fusion.
وبالنظر في تطوير ماتش ثريMach3 الأصلي. عندما بحثت الشركة عن فكرة جديدة لزيادة المبيعات في السوق لماكينة الحلاقة جيليت، حضر الباحثون من مختبر أبحاث بريطاني إلى الشركة مع فكرة لامعة لصنع ماكينة الحلاقة ذات الثلاث شفرات blades لإنتاج موثوق منه، وأكثر سلاسة، والحلاقة أكثر راحة (التعرف والتشخيص) .
وبعد مرور عشر سنوات، وصلت ماتش ثري Mach3 السوق، وبعد آلاف التجارب لماكينة الحلاقة، تم العديد من ادخال التعديلات على التصميم، والتطوير، والأدوات حيث وصلت التكلفة 750 مليون دولارا, تقريبا مقدار ما تستثمره شركة الأدوية pharmaceutical firm في تطوير الدواء الرائج blockbuster drug.
إن التقنية المطلوبة لإنشاء ماكينة الحلاقة ذات الثلاث شفرات التي ستتبع وجه الرجل، وكذلك تكون سهلة التنظيف زيارتها عدة محاور مبهرة blind alleys. حاول المهندسين أولا إيجاد تقنيات الإنشاء (البحث search، الحاجز Screen)، ولكن لم يجدوا شيئا مناسبا يمكن إدخاله. في نهاية المطاف تم بناء نموذج أولي prototype يسمى مانكس Manx (التصميم design)، وفي اختبارات الحلاقة "للتغلب على الشعر الصغير" جيليت سنسور إكسل Gillette’s Sensor Excel، كانت ماكينة الحلاقة في الشركة الأكثر مبيعا في ذلك الوقت.
ومع ذلك، أصر الرئيس التنفيذي لشركة جيليت Gillette على أن هناك ماكينة حلاقة بها حافة شفرة blade edge جديدة تماما لذلك يمكن أن تستخدم ماكينة الحلاقة شفرات أرق (المقاطعة الداخلية internal interrupt)، لذلك بدأ المهندسون في البحث عن التكنولوجيا الجديدة التي يمكن أن تنتج شفرة أقوى (البحث، الحاجز). في نهاية المطاف، على حافة الشفرة الجديدة، تعرف باسم DLC لطلاء الكربون مثل الماس diamond، سيتم تطبيق ذرة بذرة atom by atom مع تكنولوجيا صنع الرقاقة chip (التصميم).
المشكلة التالية كانت في عملية التصنيع (التشخيص)، والتي تتطلب عملية جديدة تماما للتعامل مع تعقيدات الشفرات الثلاثية الرقيقة (التصميم). على الرغم من أن مجلس الإدارة أعطى الضوء الأخضر لتطوير معدات التصنيع (الاجتهاد judgment، التفويض authorization)، وأصبح بعض الأعضاء مهتمون لأن الشفرات جديدة، والتي هي أقوى ثلاث مرات من الفولاذ المقاوم للصدأ Stainless steel، وسوف تستمر لفترة أطول وأدى ذلك إلى أن شركة جيليت Gillette باعت عددا أقل منها (المقاطعة الداخلية) . أصدر مجلس الإدارة في نهاية المطاف قرارا بالمواصلة مع الشفرات الجديدة، والتي بها شريط المؤشر الأزرق الذي يتلاشى إلى الأبيض والإشارات عندما يحين الوقت لشفرة جديدة.
أعطى مجلس الإدارة الموافقة النهائية لإنتاج ماتش ثري Mach3 أن تبدأ في خريف عام 1997م. وقدم ماكينة الحلاقة الجديدة في صيف عام 1998م، وبدأ ينزلق بسلاسة في التدرج. واستردت شركة جيليت Gillette استثماراتها الضخمة في وقت قياسي.
ثم بدأت شركة جيليت Gillette عملية البحث للتقدم المعرفي الفجائي في ماكينة الحلاقة التالية في كل مرة أخرى، وذلك باستخدام التكنولوجيا الجديدة التي يمكن من خلالها فحص شفرة الحلاقة على المستوى الذري والفيديو عالي السرعة الذي يمكن من خلاله التقاط الفعل من قطع الشعيرات الضئيلة للغاية. وانتقلت الشركة إلى الأمام في التقدم وقدمت منتجها التالي الرئيسي لماكينة الحلاقة، فيوجن بيلدد الخماسية five-bladed Fusion، في عام 2006م.
في شركة جيليت Gillette، وقعت مرحلة التحديد لأن المديرين التنفيذيين كانوا على علم بالحاجة إلى ماكينة الحلاقة الجديدة وأصبحوا في حالة التأهب alert لفكرة استخدام ماكينة الحلاقة التالية ذات الثلاث شفرات. وتميزت مرحلة التطوير من خلال التجربة والخطأ للتصميم الخاص المؤدي إلى ماتش ثري Mach3.
وخلال مرحلة الاختيار، تم العثور على بعض المناهج الغير مقبولة، مما تسبب لشركة جيليت Gillette من التراجع في دائرة المراحل وإعادة تصميم ماكينة الحلاقة، بما في ذلك استخدام الشفرات الأرق، والأقوى. وذلك جعل الشركة تقدم مرة أخرى مرحلة الاختيار، وتمت الموافقة على ماكينة ماتش ثري Mach3 باجتهاد كبار المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة، وميزانيات التصنيع والتسويق تمت الموافقة عليها بسرعة. واستغرق هذا القرار أكثر من عقد من الزمن، وأخيرا تم الوصول إليه والانتهاء منه في صيف عام 1998م.