آفاق تطوير نظام الإدارة المحلية
طه محمد عبد المطلب - مجلة الديموقراطية
* عرفت مصر الفرعونية نظام الإدارة المحلية منذ آلاف السنين. ومرت بعدة أشكال من الإدارة والحكم كان من أبرزها ما حدث في منتصف القرن الثامن عشر في ظل النظام الذي وضعه المماليك في حكم مصر. وفي أواخر القرن الثامن عشر بمجئ الحملة الفرنسية علي مصر عام1798 أصدر نابليون أمرا بمقتضاه يكون لكل مديرية من المديريات الأربع والعشرين في ذلك الوقت مجلس مكون من سبعة أعضاء تنحصر واجباتهم في النظر في شئون الأمن وا
وفي إطار هذه الدراسة سوف نتناول وظائف نظام الإدارة المحلية والتطور التشريعي لنظام الإدارة المحلية , ثم نعرج إلي دراسة التحديات وإصلاح النظام المحلي , ثم نتناول التجارب الدولية في الإدارة والحكم , ثم نختتم هذه الدراسة بتبيان الاتجاهات المستقبلية لنظام الإدارة المحلية .
أولا - أهداف نظام الإدارة المحلية :
تقوم الإدارة المحلية بمجموعة من الوظائف السياسية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية . وتتمثل الأهداف السياسية للإدارة المحلية في تقريب الإدارة السياسية من الأهالي وأفراد الشعب , حيث يمكن في وجود الإدارة المحلية الاتصال المباشر بين المواطنين وممثلي الحكومة , هذا بالإضافة إلي إتاحة فرص التربية السياسية للمواطنين . ذلك أن المجالس المحلية القائمة علي أساس الانتخاب تعد ركيزة النظم المحلية في ظل ما تهدف إلي تحقيقه من وحدة المشاعر والأفكار بين أعضائها وبين المواطنين في إطار العلاقات الإنسانية . بينما تتمثل الأهداف الاجتماعية في التجارب بين الجهاز المركزي وباقي القطاعات الشعبية ودعم الروابط الروحية بين أفراد المجتمع المحلي بالإضافة إلي تخفيف آثار العزلة التي فرضتها المدينة الحديثة . وفضلا عن ذلك تهدف الإدارة المحلية إلي نسج خيوط المجتمع بمختلف مستوياته لقيام الديمقراطية بإتاحة فرص المشاركة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمواطنين .
وحول الأهداف الإدارية فإنها تتضمن تحقيق كفاءة الإدارة والتخفيف من أعباء الأجهزة المركزية والتغلب علي مشكلات البيروقراطية وتحقيق رشادة عملية صنع واتخاذ القرار .
وفيما يتعلق بالأهداف الاقتصادية فهي تتضمن مساهمة الوحدات المحلية في إعداد خطط التنمية والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية المحلية وتوجهها نحو المشروعات الإنتاجية والخدمية لخلق فرص عمل لمواطني الوحدات المحلية وتشجيع تجميع رؤوس الأموال المحلية وتوجيهها نحو المشروعات . وبالإضافة إلي ذلك , فإن هذه الأهداف تتضمن أيضا الارتقاء بالجوانب الاقتصادية لمواطني المحليات بزيادة الدخل الحقيقي للأفراد .
ثانيا - التطور التشريعي لقوانين الإدارة المحلية :
مر نظام الإدارة المحلية بعدة مراحل تاريخية منذ بداية التجربة في الستينيات وإلي الوقت الحالي , وذلك طبقا لتغيير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وقد انعكس التطور الذي شهده النظام السياسي من نظام الحزب الواحد إلي التعددية الحزبية علي نظام الإدارة المحلية . ففي الفترة من عام 1960 وحتي عام 1970 صدر القانون رقم 124 لسنة 1960 والذي يعتبر البداية الأساسية لنظام الإدارة المحلية , حيث حدد الوحدات المحلية في المحافظة والمدينة والقرية , وكان هناك مجلس لكل وحدة من هذه الوحدات . وألزمت المواد القانونية لذات القانون المشرع بالتشكيل المختلط بالنسبة إلي عضوية المجالس المحلية , فهي تتكون من ثلاثة عناصر : الأعضاء المنتخبون , والأعضاء المعينون بحكم وظائفهم , والأعضاء المختارون من ذوي الكفاءات . كما أخضع المشرع المجالس المحلية لوصاية شديدة من قبل الحكومة المركزية , وكذلك مجالس المدن والقري لوصاية مجلس المحافظة . ومما تجدر الإشارة إليه أن القانون رقم 124 لسنة 1960 وإن كان قد وضع اللبنة الأولي لنظام الإدارة المحلية , إلا أن الدستور المؤقت قد حال دون ترسيخ هذا النظام , حيث لم يتضمن الدستور في أحكامه المبادئ الأساسية للإدارة المحلية , مما ترتب عليه أن شكلت المجالس المحلية التي أنشأها هذا القانون في المحافظات والمدن والقري بعناصر ليست منتخبة انتخابا مباشرا من الشعب .
وفي ظل دستور 1971 والذي يعتبر الأساس الذي يقوم عليه النظام الحالي للإدارة المحلية , حيث نصت أحكام هذا الدستور في الفرع الثالث من الفصل الثالث المواد 163,162,161 علي مجموعة من المبادئ والتي صدرت تنفيذا لها القوانين المنظمة لعمل الإدارة المحلية .
وتتضمن هذه المبادئ الدستورية تقسيم جمهورية مصر العربية إلي وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وهي المحافظات والمدن والقري وتشكيل المجالس الشعبية تدريجيا علي مستوي الوحدات الإدارية عن طريق الانتخاب المباشر علي أن يكون نصف أعضاء المجلس الشعبي علي الأقل من العمال والفلاحين . وعلي ضوء ذلك صدر القانون رقم 57 لسنة 1971 في شأن الحكم المحلي , حيث نصت المواد القانونية منه علي إنشاء مجلسين علي مستوي كل محافظة مجلس شعبي ومجلس تنفيذي . كما أجاز القانون إنشاء مناطق تضم عدة محافظات متكاملة اقتصاديا بقرار من رئيس الجمهورية , وأجاز بقرار من رئيس الوزراء تقسيم المدن الكبري إلي أحياء , ونظم العلاقة بين مجلس الشعب والمجالس الشعبية للمحافظات .
ونتيجة للقصور الذي ساد القانون رقم 57 لسنة 71 فقد صدر القانون رقم 52 لسنة 1975 والذي تتخلص ملامحه في العناصر الآتية :
1- استحداث وحدتين من وحدات الحكم المحلي وهما : المركز والحي , لتكون وحدات الحكم المحلي خمس هي : المحافظة , المركز , المدينة , الحي , القرية .
2- تشكيل المجلس المحلي بالانتخاب المباشر لكل وحدة محلية برئاسة رئيس الوحدة وعضوية رؤساء الوحدات المحلية الأدني ورؤساء الأجهزة التنفيذية في نطاق الوحدة .
3- أناط المجلس في المستوي الأعلي سلطة الإشراف والرقابة علي أعمال المجالس .
4- تدعيم الموارد لوحدات الحكم المحلي عن طريق إنشاء حساب الخدمات والتنمية .
5- التنسيق بين وحدات الحكم المحلي والوحدات الاقتصادية عن طريق إنشاء لجان الخدمات بالمناطق الصناعية .
وفي ظل تطور النظام المحلي صدر القانون رقم 43 لسنة 1979 متضمنا بعض الاتجاهات الجديدة باستبدال تسمية المجالس المحلية بمسمي المجالس الشعبية المحلية , وأضيف إلي تشكيلها العنصر النسائي .
وقد نص المشرع علي إعطاء وحدات الحكم المحلي الاختصاصات الأصلية في إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها ومباشرة جميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات بمقتضي القوانين واللوائح . كما خول المشرع للمجالس الشعبية المحلية حق تقديم طلبات الإحاطة إلي المحافظ ورؤساء الأجهزة التنفيذية بالمحافظة , وبذلك حل هذا النظام مكان نظام الاستجواب واستبدل المشرع اللجان التنفيذية لوحدات الحكم المحلي بمجالس تنفيذية . غير أنه اتضح بعد تطبيق هذا القانون أن أحكامه لم تكن محققة بالقدر اللازم لتقوية نظام الإدارة المحلية فصدر القانون رقم 50 لسنة 81 متضمنا زيادة أعضاء المجالس الشعبية علي كافة المستويات , وأن يتم تشكيل المجالس المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخابات وتشكيل المجلس الأعلي للحكم المحلي . وأعقب ذلك صدور القانون رقم 145 لسنة 1981 والذي تضمن تشكيل المجالس الشعبية المحلية علي اختلاف مستوياتها بالجمع بين نظام القوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي . كما تضمن أيضا زيادة عدد أعضاء المجالس الشعبية المحلية علي كافة المستويات وتعديل مسمي الحكم المحلي إلي الإدارة المحلية وإلغاء التمثيل الموجود إلي العنصر النسائي في تشكيل المجالس .
وتحقيقا للاعتبارات الدستورية بعدم دستورية المادة 66 من قانون نظام الإدارة المحلية , فقد صدر القانون رقم 84 لسنة 1996 متضمنا إلغاء الانتخابات بالقائمة , وأن يكون الانتخاب عن طريق الانتخاب الحر المباشر .
وتضمن القانون زيادة الأعضاء علي مستوي القرية والمدينة , وأن يشكل المركز المحلي للمركز , بحيث يكون للمدينة عاصمة المركز اثنا عشر عضوا , وتمثل جميع الوحدات المحلية في نطاق المركز بعشرة أعضاء , وكذلك زيادة أعضاء المجالس الشعبية علي مستوي المحافظة إلي عشرة أعضاء عن كل مركز أو قسم إداري .
ثالثا - التحديات التي تواجه نظام الإدارة المحلية :
يواجه نظام الإدارة المحلية مجموعة من التحديات التي تحول دون تحقيق الأهداف التي من أجلها قد وجد , وتتمثل هذه التحديات في الآتي :
1- محدودية الموارد المالية الذاتية للوحدات المحلية والتي تشكل علي أقصي تقدير نسبة 20% من حجم الموازنة المحلية , بينما تحصل الوحدات المحلية علي النسبة الباقية كإعانة من الحكومة المركزية .
2- تعدد وتنوع الأجهزة الإدارية المحلية , فعلي سبيل المثال يتكون الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري للمحافظة من بعض المديريات مثل التعليم , الصحة , الزراعة وإدارات فرعية بداخل هذه المديريات , لكنها تسعي إلي الانفصال أو الاستقلال عن المديرية الأم بالمحافظة .
3- النمطية في وحدات الإدارة المحلية , فقانون الإدارة المحلية قانون موحد لا يسمح بإعمال مبدأ الفرز القانوني للمحليات علي أساس تنوع ظروفها واحتياجاتها التنموية المحلية .
4- ضعف مظاهر المشاركة السياسية في البيئة المحلية , حيث نجد انخفاضا في درجة الإقبال علي التصويت في الانتخابات المحلية , وانخفاض مساهمات قوي المجتمع المدني والتي تتمثل في الجمعيات الأهلية والمهنية .
5- تعدد الأجهزة الرقابية علي الوحدات المحلية , إذ نجد الرقابة التي يمارسها مجلس الشعب والجهاز المركزي للمحاسبات ومجلس الوزراء والمالية والرقابة الإدارية , وذلك علي الرغم من محدودية الاختصاصات الممنوحة للوحدات المحلية , الأمر الذي يجعل من هذه الأجهزة سيفا مسلطا علي ممارسة النشاط المحلي .
6- تضارب الاختصاصات بين الأجهزة التنفيذية والشعبية , مما يؤدي إلي محاولة سيطرة الجهاز التنفيذي علي الجهاز الشعبي تحت دعاوي أن المجالس الشعبية جزء من السلطة التنفيذية .
7- عدم تحديد العلاقة بين المحليات والمجتمعات العمرانية الجديدة , حيث أشارت المادة الثانية من القانون رقم 43 لسنة 1979 إلي أن وحدات الإدارة المحلية تتولي في حدود السياسة العامة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة , إلا أن المدن الجديدة أصبحت تتمتع بوضع خاص في ظل القانون رقم 59 لسنة 1979.
8- نقص السلطات والصلاحيات الخاصة بالمحافظين والقيادات المحلية , حيث يخرج من دائرة سيطرة المحافظ المرافق وكثير من الخدمات المحلية , الأمر الذي يؤدي إلي دعم تحقيق أهداف التنمية المحلية .
أوجه اصلاح الإدارة المحلية :
يتضمن اصلاح المحليات أربعة اقترابات أساسية هي الاصلاح الاداري , والاصلاح المالي , والاصلاح التشريعي , والاصلاح السياسي .
1- الاصلاح الاداري :
يعد الاصلاح الاداري أحد المداخل الرئيسية نحو اصلاح النظام المحلي والذي يتمثل في تجميع الوحدات المحلية الصغيرة وبصفة خاصة الوحدات الفردية في نطاق أوسع لتحقيق التوازن بين اعتبارات الديمقراطية المحلية والكفاءة الادراية وذلك من خلال تحديد الحجم الأمثل للسكان والحجم الأمثل للخدمات المحلية .
كما يتمثل أيضا في إزالة التشوهات في خريطة الوحدات المحلية بازالة التداخل بين مستوي المراكز والمدينة لتصبح وحدات الإدارة المحلية ( المحافظة , القرية , الحي , المدينة ). ويمكن أن تشير إلي تفعيل الهياكل التنظيمية للوحدات الإدارية التي تشكل بنيانها التنظيمي بحيث يتم إقامة الهياكل التنظيمية وفقا لطبيعة الأنشطة التي تمارسها هذه الوحدات مع دمج بعض الأنشطة وتحديد نوع الارتباطات بين الوزارات والمديريات من الناحية الفنية والإدارية وبصفة خاصة وزارة الإسكان . وبالاضافة إلي ذلك يمكن العمل علي تنمية مهارات العاملين في وحدات الإدارة المحلية وفي بعض المجالات الخدمية للاسكان والاستثمار والتي ترتبط بالتعاملات اليومية لمواطني الوحدات المحلية .
2- الاصلاح المالي :
في ظل العجز الذي يواجه الموازنة العامة للدولة والذي بلغ 65 مليار جنيه في موازنة عام 2007/2006 واستمرار تصاعده بانخفاض الايرادات السيادية للدولة تصبح مدي قدرة الوحدات المحلية علي تدعيم مواردها الذاتية وترشيد استخدام الاعانات المركزية التي تتيحها الحكومة بمثابة طوق النجاة اللازم لمواصلة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وتتمثل البدائل الأساسية نحو الاصلاح المالي للمحليات في دعم الموارد المالية للوحدات المحلية من خلال إنشاء أوعية جديدة تتضمن الحصول علي جزء من ضريبة المبيعات . وتبرز في هذا المجال أهمية تفعيل الاجراءات الإدارية والتشريعية لسرعة استخدام أموال المعونات الأجنبية في المشروعات الانتاجية والخدمية . كما يبرز أهمية ترشيد الانفاق علي المستوي المحلي للانتفاع بالأموال العامة الموجهة للانفاق العام والتي تتمثل في وسائل الطاقة والمياه والكهرباء والبنزين . وبالاضافة إلي ذلك تبدو الحاجة إلي أهمية استخدام أموال الصناديق والحسابات في الأغراض المنشأة لها بعيدا عن الانفاق البذخي علي المظاهر الاجتماعية .
3- الاصلاح التشريعي :
يتضمن الاصلاح التشريعي لقانون نظام الإدارة المحلية الجوانب القانونية الآتية :
1- تحديد مستويات الإدارة المحلية بثلاثة مستويات رئيسية هي : المحافظة , المدينة , القرية , وذلك لمنع التداخل بين المركز والمدينة .
2- اقامة بعض البني المؤسسية كاتحاد يضم المدن المصرية وذلك للنظر في المشاكل التي تواجه المدن المصرية واتحاد يضم القري لوضع استراتيجية للنهوض بالقري المصرية والوقوف علي المعوقات التي تواجه حركة أدائها .
3- إعطاء وضع خاص لمدينة القاهرة والتي تتباين عن غيرها من المدن المصرية حيث أنها مركز الحكومة والأجهزة ومؤسسات التمويل وهو الأمر الذي يتطلب أن تكون لها إدارة متميزة بانشاء مجلس أعلي للمحافظة يضم رؤساء المصالح والأجهزة والهيئات العامة .
4- دعم الموارد المالية للوحدات المحلية بغرض تطوير الموازنات المحلية من خلال إنشاء أوعية جديدة للتمويل دون تحميل المواطنين أعباء مالية أضافية .
5- إعادة النظر في الصلاحيات والاختصاصات المقررة للمحافظين بما يحقق القدرة علي الولاية علي المرافق العامة ويؤكد المسئولية عن كافة الخدمات الفنية والإدارية التي تقدمها المرافق للمنتفعين .
4- الاصلاح السياسي :
يرتكز الاصلاح السياسي للمحليات علي زيادة الكفاءة والتي تتمثل في القدرة علي الاستخدام الأمثل للموارد خاصة وأن موارد الوحدات المحلية محدودة . كما ترتكز زيادة الكفاءة أيضا علي مدي القردة علي توظيف الموارد المحلية المحدودة في المشروعات التي تعود بالنفع علي مواطني الوحدات المحلية وخاصة ما يتعلق منها بالمشروعات الثقافية التي ترفع من الوعي السياسي .
وتتمثل الوسيلة الأساسية نحو تحقيق ذلك في مدي قدرة النظام علي التجنيد السياسي لقيادات الإدارة المحلية وفق أسس علمية موضوعية تعتمد في المقام الأول علي الخبرات والتأهيل العلمي والوظيفي والسمات الشخصية والقيادية لشغل الوظائف القيادية لوحدات الإدارة المحلية .
وفيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية لمواطني الوحدات المحلية فإنها ترتكز علي تعميق الديمقراطية من خلال تغيير القيم والأفكار والاتجاهات التي تدفع الأفراد إلي المشاركة السياسية سواء في مجال الانتخاب أو الترشيح أو المشاركة في عملية صنع القرار .
وتتمثل الوسيلة الأساسية نحو تحقيق ذلك في مدي قدرة الأحزاب السياسية علي تحقيق الوظائف التي من أجلها قد أقيمت وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالتجنيد السياسي للمواطنين لتعميق المشاركة السياسية .
خامسا - التجارب الدولية في الحكم والإدارة :
تعددت نظم المحلية في العالم الغربي فنجد النموذج الأمريكي الذي يقدم لنا الخبرة في مجال الحكم المحلي بنقل السلطات والصلاحيات بينما نجد النموذج الفرنسي يقدم لنا الخبرة في مجال الإدارة بالتفويض بالسلطة .
1- النموذج الأمريكي :
يتكون هيكل وحدات الحكم المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية من الولايات والمقاطعات والبلديات حيث تتمتع كل ولاية باعتبارها الوحدة المحلية الكبري بقدر من الاستقلال في تسيير شئونها الداخلية حيث نجد لكل ولاية دستورها الخاص وجهازها التشريعي وحاكمها .
ويمارس حاكم الولاية الصلاحيات التنفيذية لتسيير المهام وأداء الخدمات المحلية في الولاية ويعاون حاكم الولاية عدد من المعاونين ويتولي كل وزير اختصاصا معينا . ويقوم الجهاز التنفيذي للولاية بالاشراف علي توفير بعض الخدمات مثل التعليم , الصحة , الأمن الداخلي , الطرق , الانتخابات , جباية الضرائب المحلية .
ويمارس الجهاز التشريعي كافة الصلاحيات التشريعية في إصدار القوانين علي مستوي الولاية وتتضمن صلاحياته التشريعية إقرار الموازنة المالية للولاية وإصدار التشريعات الضريبية علي مستوي الولاية .
وحول المقاطعات فإنها تعد وحدات محلية تلي مستوي الولاية مباشرة حيث تتكون كل ولاية من عدد من المقاطعات . ويتكون جهاز الإدارة في المقاطعة عادة من لجنة أو مجلس وقاض ثم مجموعة من المسئولين التنفيذيين ويتم اختيار اللجنة والقاضي والمسئولين التنفيذيين بالانتخاب من قبل مواطني المقاطعة .
وتتفاوت مهام المقاطعة وأهميتها من ولاية لأخري لكن يمكن القول بصفة عامة أن المقاطعة لا تباشر مهاما حيوية في النظام الأمريكي للحكم المحلي حيث تقتصر وظائفها في كثير من الحالات علي الإشراف علي الطرق والأشغال العامة وبرامج الرعاية والمعونات الاجتماعية والأمن الداخلي .
وتعتبر البلديات ( الحضرية والريفية ) هي الوحدات الصغري في هيكل الوحدات المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي تلعب دورا أكبر نسبيا في المجالات الخدمية عن الدور الذي تلعبه المقاطعة . ولا يوجد شكل تنظيمي واحد تأخذه البلديات . ففي أحد الأشكال يوجد علي رأس الجهاز المحلي للبلدية عمدة منتخب مع مجلس منتخب وفي هذا التنظيم يمثل العمدة السلطة التنفيذية ويمثل المجلس السلطة التشريعية وفي أحد الأشكال الأخري يوجد علي رأس الجهاز المحلي للبلدية عمدة يمثل مديرا محترفا ومجلسا منتخبا وفي هذا النظام يعين المجلس العمدة ليقوم بالإشراف علي النواحي التنفيذية لجهاز البلدية .
وتتولي البلديات مهام تنفيذية ذات طابع خدمي مثل الأمن الداخلي , التعليم , الصحة العامة , إطفاء الحرائق , صيانة الطرق وفي البلديات الحضرية ( المدن ) قد يضاف إلي هذه المهام أعباء أخري تتناسب مع طبيعة الاحتياجات المرفقية للمدينة مثل توفير مياه الشرب والصرف الصحي .
2- نظام الإدارة المحلية في فرنسا :
يوجد أربع وحدات للإدارة المحلية في فرنسا وهي علي التوالي المحافظات والمناطق والمقاطعات والكميونات وتتمتع المحافظات والكميونات بالشخصية الاعتبارية المستقلة أما المناطق والمقاطعات فهي تقسيمات لأغراض إدارية . ولا تتمتع الوحدات المحلية الرئيسية وهي المحافظات والكميونات بحقوق أو سلطات واسعة فيما تمارسه من سلطات تخضع لإشراف ورقابة من قبل الحكومة المركزية ولا توجد ضمانات دستورية تحمي استقلال الوحدات الإدارية المحلية ضد تدخل الحكومة المركزية .
أ - المحافظات :
تنقسم فرنسا من الوجهة الإدارية إلي 90 محافظة يرأس كل منها محافظ يعين بقرار جمهوري بناء علي ترشيح وزير الداخلية وتضم كل محافظة في المتوسط عددا من الكميونات .
ويعتبر المحافظ موظفا تابعا للحكومة المركزية وبحكم أن تعيينه يكون من الحكومة المركزية فهو يعتبر مسئولا مباشرا أمام وزير الداخلية , وتتكون مسئوليات المحافظين من شقين تمثيل الحكومة المركزية في محافظاتهم وقيادة الجهاز التنفيذي للمحافظات ويقوم المحافظ بممارسة صلاحياته كممثل للحكومة المركزية . ويشرف المحافظ علي الخدمات والمرافق التي تدخل ضمن نطاق اختصاص المحافظة مثل التعليم والصحة والأمن وصيانة الطرق وهو يقوم بتبليغ الوحدات المحلية التابعة للمحافظة مثل الكميونات بالتعليمات والتوجيهات التي ترد إليه من السلطات المركزية .
ويقوم بمعاونة المحافظ اثنان أو ثلاثة من النواب أو المساعدين بالاضافة إلي رؤساء الأجهزة الحكومية التابعة للمحافظة مثل المالية , التعليم , الصحة , النقل ولا يملك المحافظ حق تعيين هذه القيادات العليا فهؤلاء الرؤساء يعينون من قبل السلطات المركزية في العاصمة .
ب - الكميونات :
تعتبر الكميونات من أكثر وحدات الحكم المحلي سيطرة علي الشئون المحلية حيث تقوم بصيانة الطرق والحدائق العامة ومرافق المياه وإطفاء الحرائق . وتنظم الكميونات وفق قانون البلديات الذي يحدد الجهاز الإداري للكميون في العمدة وجهازه المساعد والمجلس المحلي .
ويمارس العمدة صلاحياته باعتباره رئيس الجهاز التنفيذي للكميون فهو يعين الموظفين الإداريين وفقا للتعليمات الصادرة للكميون في هذا الشأن ويباشر الإشراف علي العمل التنفيذي . ولكل كميون مجلس محلي يتم انتخاب أعضائه لمدة ست سنوات كما يتم تجديد عضوية ثلث الأعضاء كل سنتين ويقوم مجلس الكميون بإقرار ميزانية الكميون ويشرف ويراقب الشئون التنفيذية ذات الصبغة المحلية . ويملك رئيس الجمهورية أن يحل مجالس الكميونات في بعض الحالات الاستثنائية عندما تخل بواجباتها أو تتقاعس عن أداء مسئولياتها .
ويتضح مما سبق أن نظام الإدارة المحلية في فرنسا يعمل بطريقة تعطي الحكومة المركزية سلطات كبيرة تصل إلي حد الوصاية علي عمل الأجهزة المحلية وهذه الوصاية تغرق الحكومة المركزية في تفاصيل المشكلات الخاصة بالمحافظات والكميونات وتشغلها عن الاهتمام بالمسائل والمشكلات القومية العامة .
سادسا - الاتجاهات المستقبلية لنظام الإدارة المحلية :
يتوقف الدور المستقبلي للإدارة المحلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية علي جملة من العناصر الآتية :
1- تعديل الخريطة الإدارية والتنظيمية للوحدات المحلية لإزالة التناقض بين المستويات التنظيمية المختلفة والتي يمكن أن تسمح باتساع الكيانات الإدارية لتحقيق معادلة التوازن بين اعتبارات الكفاءة والفاعلية في إدارة الوحدات المحلية .
2- إزالة التضارب في الاختصاصات بين الأجهزة التنفيذية والأجهزة الشعبية .
3- تحديد الالتزامات والمسئوليات والاجراءات بين كافة الأجهزة المحلية ( مديريات الشئون الصحية , والتضامن الاجتماعي ) وكذلك أجهزة الحريق والدفاع المدني .
4- دعم وزيادة حجم الاختصاصات الممنوحة للمحافظين حتي يتسني لهم إدارة التنمية في المحافظات وكذلك زيادة حجم التفويض من الوزراء إلي المحافظين ومن المحافظين إلي القيادات المحلية .
5- تحديد نوع العلاقة سواء من الناحية الفنية أو الإدارية بين مديريات الاسكان بالمحافظات والإدارات الهندسية بالوحدات المحلية وذلك بغرض تحديد المسئولية في عمليات اقامة المباني .
6- تحديد العلاقة بين الجهة التي تدير بعض المرافق كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والمنشآت التعليمية وبين المحافظ بحيث يشرف المحافظ إشرافا كاملا عليها لأن هذه المرافق تعمل في نطاق المحليات .
7- زيادة الاهتمام بالقيادات المحلية من خلال رفع المهارة الإدارية والفنية بواسطة البرامج التدريبية المختلفة والتي يجب أن تركز علي فهم المتغيرات الدولية والمحلية والإقليمية .
8- تفعيل دور الاقاليم الاقتصادية لايجاد كيانات اقتصادية تحقق الأهداف التي من أجلها قد انشئت وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالاستقرار الاقليمي والتوظيف .
9- دعم الموارد الذاتية للوحدات المحلية وذلك بالحصول علي رسوم معينة للمساهمة في تدبير بعض الموارد التي تستخدم في تعزيز الميزانيات المحلية .