إعداد
أحمد السيد كردي
2014م
إهتمام الإسلام بالجدارة الإدارية.
1ـ دعوة الشريعة الإسلامية إلى إحسان العمل:
أولى الإسلام الجدارة الإدارية إهتماما كبيرا, وخص من يقوم بإدارة مال الغير على إختياره بناءا على مقاييس موضوعية, قال تعالى: { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }. (سورة النساء, الآية: 5), وقد أورد إبن كثير في تفسير هذه الآية: أن الله تعالى ينهى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما, أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها. (إبن كثير, ج1, ص: 389)
والله محسن يحب الإحسان في كل شيء وأدائه بأحسن كفاءة ممكنة, قال تعالى: الذي أحسن كل شيء خلقه. (سورة السجدة, الآية: 7), كما شجع الإسلام على إحسان العمل, وأن من يحسن عمله يحصل على الجزاء والأجر من الله في الدنيا والأخرة, قال تعالى: { إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا }. (سورة الكهف, الآية: 30)
كما وضع الإسلام المؤمن الذي يجيد عمله ويتقنه في مكانة سامية, فقد روي عن بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب المؤمن المحترف. (زكي الدين, ص: 524), وقد روي عن عبد الرازق في مصنفه عن شداد بن أوس قال: حفظت من رسول اللصلى الله عليه وسلمإثنين قال: إن الله محسن يحب الإحسان, فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليحد أحدكم شفرته ثم ليرح ذبيحته. (رواه الطبراني, صحيح الجامع الصغير, ص: 374), ولقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابه إلى بعض البلاد التي لا تدين بالإسلام لكي يتعلم المسلمون منهم صناعة بعض الإسلحة التي لم تكن موجودة عندهم أو موجودة ولكنها تحتاج إلى تحسين وصقل مهارات وتطوير. (طنطاوي, 1991, ص: 26)
كما يدعو الإسلام إلى إحسان العمل بجدارة من خلال كافة مراحل الإنتاج أو مراحل تقديم الخدمة, بحيث يكون المنتج النهائي في أحسن صورة ويحقق كافة رغبات المستفيد, قال تعالى: { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }. (سورة الكهف, الآية: 96- 97), وفي تعليق الشيخ الشعراوي على هذه الآية: أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن نتقن أعمالنا في الدنيا, بحيث نحقق الهدف المطلوب منها, بحيث يكون لكل عمل هدف ومطلوب تحقيق هذا الهدف, فمثلا صناعة الكرسي على إطلاقه وبجميع أنواعه له هدف هو أن يجلس عليه الناس ولذلك عند صناعته نلتفت إلى شيئين- أن يكون قويا ومتينا- وأن يكون مريحا للشخص الذي يجلس عليه, كما علمنا القرآن ذلك في صناعة سد يأجوج ومأجوج. (الشعراوي, 1990, ص: 96)
فالقوة هي المؤهل الأول لتولي المناصب والوظائف، وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمن القوي، فقال: (المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف) (رواه مسلم)
والقوة في الوظيفة تختلف من مجال لآخر، وهي في كل مجال بحسبها، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: القوة في كل ولايةٍ بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام.
والقوة بالنسبة للموظف نوعان: جسدية، ومعنوية؛ فالجسدية: هي قدرته على القيام بالعمل بأن لا يكون فيه عاهة أو مرض يمنعه من القيام بالعمل، والمعنوية: تعني القوة العلمية، والتي تشمل التمكن في التخصص، واستغلال القدرات والإمكانات، ومتابعة التطوير والتجديد، وهذا النوع من القوة مقدم على القوة المادية.
والذي يشعر أن فيه ضعفاً - بسببٍ صحيّ ، أو نفسيّ ، أو قلةٍ في الخبرة - عليه أن ينصح لإدارته ولا يطلب أكثر من حقه، لأنه في الغالب لا يقوم بالعمل بشكل كامل، بل على الإدارة أن لا توليه هذا العمل الذي لا يستطيعه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ: ( يا أبا ذرّ، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمَّرنّ على اثنين، ولا توَلينّ مال يتيم) (رواه مسلم)
نماذج الجدارة في الإسلام:
لقد إهتم الإسلام بمحتوى الجدارة ذات التأثير على مستوى أداء كل وظيفة, وهناك العديد من النماذج التي تسوقها الشريعة الإسلامية والتي تبين أهمية التباين بين هذه الجدارات حسب نوع الوظيفة, في إشارة إلى أهمية تحديد الجدارات الملائمة للوظيفة, حتى يستطيع من يقوم بشغلها أن يؤديها على أكمل وجه. (ربيعي, 2007, ص: 278)
1ـ نموذج الأجـير:
وهذا النموذج يبين أهمية إختيار الفرد بناء على الجدارات التي يتمتع بها لأداء العمل المنوط به, قال تعالى: { قالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}. (سورة القصص, الآية: 26), فقد طلبت إبنة شعيب من أبيها إسستئجار موسى عليه السلام ليعمل عندهم أجيرا, وقد حددت من الجدارات التي يتمتع بها موسى لأداء هذه الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة, والتي تشمل (القوة- الأمانة), وقد ورد في التفسير: أن موسى عليه السلام أولى بهذا العمل, فإنه جمع القوة والأمانة وخير أجير إستأجر من جمعهما أي القوة والقدرة على ما استؤجر عليه, والأمانه فيه بعدم الخيانة, وهذان الوصفان ينبغي إعتبارهما في كل من يتولى هذا العمل, فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد أحدهما, وأما إجتماعهما فإن العمل يتم ويكمل. (السعدي, 2002, ص: 674)
ومما تقدم يمكن إستنباط معيارين من أهم معايير إختيار القائد التربوي وهما القوة والأمانة, كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيهما: والقوة في كل ولاية بحسبها والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا، وترك خشية الناس. (ابن تيمية, 1990, ص: 13)
وعليه فمن الأمانة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والرجل المناسب هو المؤهل لشغل وظيفة ما, وكان من نتيجة هذا الإختيار هو تنفيذ موسى عليه السلام للإتفاق مع شعيب عليه السلام ووفائة بالأجل بالعمل عنده عشرة أعوام, قال تعالى: { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ}.
2ـ نموذج الملك المقاتل:
وهذا النموذج يبين لنا أهمية تحديد الجدارات المناسبة والملائمة واللازمة لتأدية واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة. فقد طلب الملأ من بني إسرائيل من نبيهم يوشع بن نون قتال هؤلاء الأعداء الذين قاتلوهم, وأخرجوهم من ديارهم, وسبيت أولادهم, ويعين عليهم قائدا حربيا لتحقيق هذه الغاية, فقال لهم نبيهم يوشع بن نون إن الله إختار لكم طالوت ليكون ملكا حربيا عليكم فاعترضوا على ذلك الإختيار. (إبن كثير, ج1, ص: 260), قال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.(سورة البقرة, الآية: 247)
وكان من المفترض على أولئك النفر من بني إسرائيل عدم الإعتراض على نبيهم والتسليم لإختيار الله تعالى, إلا أنهم إعترضوا على هذا الإختيار حيث لم يتمتع طالوت بأي من معايير الجدارة التي أرادوا توافرها في الملك المقاتل, والتي تشمل:
♠ أن يكون من بيت الملك: سبط يهوذا فيهم, وأما طالوت فهو لم يكن من هذا السبط ولكن كان رجلا من أجنادهم.
♠ أن يكون غنيا: وأما طالوت فهو فقير لا مال له. (إبن كثير, ج1, ص: 260)
أما معايير الجدارة التي حددها لهم نبيهم يوشع بن نون لإختيار القائد المقاتل والتي ترتضيها الفطرة السليمة والملائمة هي تلك المعايير الملائمة لأداء العمل والتي يجب أن يكون:
♠ إختيارره وفق شرع الله: { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ }.
♠ العـلم: علم بطرق القتال وعلم بأنواع السلاح وعلم بكيفية إختيار الجند وتمحيصهم, وعلم بالنواحي النفسية للجند, وعلم بمواقع الأعداء والظروف الطبيعية والشورى في إتخاذ القرار...... إلخ.
♠ القـوة: قوة بدنية, قوة عقلية, وعدم التردد والحزم, وقوة في العزم والتصميم على بلوغ الهدف..... إلخ.
♠ أشكال في الجسم والهيبة: سلامة الأعضاء, وسلامة الحواس, وضخامة البنيان.
وقد ورد في التفسير توضيح لصفات الجدارة التي يتمتع بها طالوت: أنه أعلم منكم وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا في الحرب ومعرفة بها. (إبن كثير, ج1, ص: 261)
{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }: أي عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحق, في إشارة للإهتمام بالجدارات الملائمة لأداء الوظيفة. (إبن كثير, ج1, ص: 260)
إن المتتبع لهذه القصة يلاحظ أيضا من الجدارات المطلوبة في القائد الحربي, والتي تميز بها طالوت, بعد الجدارات الأساسية من العلم والقوة في البنيان, مثل: الصبر, والثقة في الله بالنصر, والقدرة على التوجيه والإشراف, والقدرة على تحديد مهارات الجند اللازمة لأداء المهام الصعبة وذلك بإختياره لداود لقتل جالوت. (ربيعي, 2007, ص: 281)
ونلاحظ أن الشريعة الإسلامية أسقطت تماما المهارات أو الجدارات التي ليس لها تأثير على الوصول إلى الهدف أو آداء العمل كأن يكون القائد ذا مال أو من طائفة بعينها, فالأجدر للوظيفة هو من تتوافر فيه الصفات التي يتطلبها العمل, حتى يستطيع أداء واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة.
وكان من نتيجة هذا الإختيار بناء على هذه الجدارات هو تحقيق الهدف بأقل الإمكانات المادية والبشرية, قال تعالى: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ }.(سورة البقرة, الآية: 251)
3ـ نموذج الولاية على خزائن الأرض:
طلب يوسف عليه السلام عندما حاوره ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض (وزيرا للتموين في ذلك الوقت), وقد حدد الجدارات التي يتمتع بها والتي تؤهلة لهذا العمل, قال تعالى: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }. (سورة يوسف, الآية: 55), وقد ذكر ابن كثير, حفيظ: أي خازن أمين, عليم: أي ذو علم وبصيرة بما يتولاه, وقد سأل هذا العمل لعلمه بقدرته عليه ولما فيه من المصالح للناس فيتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد فأجيب إلى ذلك. (إبن كثير, ج2, ص: 261)
فيوسف عليه السلام عندما رشح نفسه ليكون وزيرا على خزائن الغلال في مصر, قدم من مسوغات التعيين أي الجدارات الملائمة لهذه الوظيفة, والتي تشمل: الأمانة والعلم. وهما من أهم الجدارات التي يجب أن يتحلى بها شاغل هذا المنصب, والتي يتضمن كل منها العديد من الجدارات الفرعية وقد وضحتها الآيات والتي حصرها كالتالي: (ربيعي, 2007, ص: 282)
♠ القدرة على التنبؤ بالمشكلة: مواجهة سبع سنين عجاف.
♠ القدرة على التخطيط طويل الأمد: ووضع الإستراتيجيات المناسبة, وحشد الموارد والإمكانيات لتحقيق الهدف.
♠ علم بطرق التخزين: قال: { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ }.
♠ القدرة على التنظيم والرقابة: حيث فوضه الملك في كل المهام الوظيفية لمواجهة المشكلة.
♠ القدرة على التعامل مع المشكلات وحلها بالطرق الإبتكارية.
♠ القدرة على جدولة وقت حل المشكلة: تحديده لسنوات المشكلة وكيفية مواجهتها.
♠ القدرة على التأثير الإجتماعي وتعزيز النفوذ السياسي: كان لا يأكل هو الجند إلا وجبة واحدة, كما أنه حصل على أخوه بنيامين, وباع للدول المجاورة بأموالهم ومتاعهم وأنفسهم ثم عفا عنهم.
♠ القدرة على التوجيه والإشراف: وقال لفتيانه.
♠ المرونة في معاملة الأفراد والعمل في فريق.
♠ حسن إستغلال الموارد المتاحة وتوزيعها: توزيع فائض نواتج السنين الخصبة على سنين الجدب, ووضع معيار صواع سنوي للأفراد (حمل بعير) خلال سنين الجدب.
وقيل أن الملك قبل إختيارة وزيرا كلمه بالعربية فأجابه, وكلمه بالفارسية فأجابه, وكلمه بالعبرية فأجابه, وكلمه بلغة أهل مصر فأجابه. (النشرتي, 1989م, ص: 228)
مما كان مدعاة إستقابلة للوفود من البلد المجاورة في سنوات الجدب والقيام بوظيفته بأعلى كفاءة ممكنه.
وكان من نتيجه إختيار الملك ليوسف عليه السلام لهذه الوظيفة أنه أنقذ مصر والبلدان المجاورة من أزمة طاحنة إستمرت عدة سنوات: حيث كان رحمة من الله على أهل مصر والبلدان المجاورة, وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال, وفي الثانية بالمتاع, وفي الثالثة بكدا, حتى باعهم أنفسهم ثم أعتقهم. (إبن كثير, ج2, ص: 417)
4ـ نموذج إحضار عرش ملكة سبأ:
ويوضح هذا النموذج أهمية مراعاة درجات الجدارة المتباينة للأفراد أثناء الإختيار لأداء الوظيفة المطلوبة فقد تقدم لمهمة إحضار عرش ملكة سبأ إثنان من جنود سليمان كل منهما يستطيع أداء المهمة وكا منهم يمتلك جدارات خارقة ولكن كان شرف إحضار عرش الملكة لمن يمتلك درجات الجدارة الأعلى.
قال تعالى: { قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}. (سورة النمل, الآية: 38- 40)
فكل من العفريت من الجن والذي عنده علم من الكتاب عرض الجدارات الملائمة فقط لآداء المهمة المطلوبة, وكان تركيز سليمان عليه السلام على عامل السرعة (قبل أن يأتوني مسلمين).
♠ جدارات العفريت من الجن: القوة والأمانة والسرعة (إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس).
♠ جدارات الذي عنده علم من الكتاب: القوة والأمانة والسرعة (إحضار العرش في الحال).
ومن المفترض أن يفم القاريء مباشرة من قام بهذ الممة بإعتبار أن الذي عند علم من الكتاب عرض إحضار العرش في ذات اللحظة, وقد وجده سليمان عليه السلام أمامه, وفي ذلك إشارة أن الذي يتم إختيار لأداء العمل في حالة وجود بدائل ليس فقط من يستطيع القيام به ولكن أيضا من يمتلك الجدارات الأعلى لأداء العمل بأحسن كفاءة ممكنة.
5ـ نموذج داود عليه السلام في صناعة الدروع والقضاء.
أـ في صناعة الدروع:
فالجدارات التي تمتع بها داود عليه السلام في صناعة الدروع هي بإلهام ووحي من الله تعالى, وهي في إشارة لنا أن نهتم بهذه المعايير أثناء العمل, قال تعالى مخاطبا داود عليه السلام : { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (سورة سبأ, الآية: 11)
وفي تفسير هذه الآية يمكن تحديد مجموعة من الجدارات المطلوبة في هذا العمل وتشمل هذه الجدارات:
♠ معرفة العامل لنوعية العمل جيدا: أن اعمل سابغات: أي الدروع.
♠ الرغبة في الإبتكار والتجديد: فقد علمه الله صناعة الدروع من حلقات الحديد, وقد كانت قبل ذلك تصنع من الصفائح.
♠ إهتمام العامل بالجودة في جميع مراحل الإنتاج: (وقدر في السرد): وقد ورد في التفسير أي لا تدق المسمار فيقلقل في الحلقة ولا تغلظة فيقصمها واجعلها بقدر, في أمر لداود عليه السلام بأن يتقن مهنته ويحكمها ويحسن عمله وصنعته. (إبن كثير, ج3, ص: 528)
قدرة عالية على التحكم في المدخلات, قال تعالى: { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}. (سورة سبأ, الآية: 10), وقد ورد في التفسير: أي صناعة داود للدروع من الحديد كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقه, بل كان يفلته بيده مثل الخيوط. (إبن كثير, ج3, ص: 528)
وفي هذه إشارة لأهمية تحكم العامل في مدخلات العملية الإنتاجية وقدرة عالية على التحكم فيها أو العمل على توفير وسائل الإنتاج والمعدات التي تساعده في التحكم في مدخلات العمليه الإنتاجيه حتى يتمكن من تطويعهما كيف شاء.
♠ العـلم: قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا }. (سورة سبأ, الآية: 10), قيل أن الفضل هنا هو العلم. (النشرتي, 1989, ص: 275), وقال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}. (سورة النمل, الآية: 15)
ب ـ في القضاء:
فقد أثنى الله على أحكام القضاء الصادرة عن داود وسليمان عليهما السلام, قال تعالى: { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}. (سورة الأنبياء, الآية: 78)
حيث يمكن إستخلاص الجدارات التي تميز بها داود وسليمان عليهما السلام حتى إستحقا شهادة الله لهما: (ربيعي, 2007, ص: 286)
♠ العـلم: قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}. (سورة النمل, الآية: 15), وذلك في إشارة لما يتمتع به سليمان وداود عليهما السلام من العلم اللازم لإدارة ممتلكاتهم, وللإهتمام بالتخصصات العلمية وبأصحاب الخبرة عند إختيار الكفاءات المطلوبة لأداء العمل.
♠ تطبيق حكم الله في أحكامهم: فمعايير الحكم المشهود بها من الله تعالى هي التي تكون وفق شرعه, قال تعالى: : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (سورة المائدة, الآية: 45)
♠ القدرة على عمل العقل للوصول إلى الحكم السليم: فبالرغم من ثناء الله تعالى على أحكام داود وسليمان, إلا أنه إختص سليمان عليه السلام بقوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}. (سورة الأنبياء, الآية: 79), فلا يكفي وجود البيان لإتخاذ القرار, بل السعي للحصول على المعلومة, ولا تكفي المعلومة لإتخاذ القرار الرشيد ما لم تمزج بالحكمة البشرية والخبرة الشخصية للوصول إلى المعرفة, فإن عمل العقل في كل أمر والعصف الذهني هو أرقى ما يميز الإنسان عن غيره.
♠ تجاهل العاطفة: وعدم التسرع في إصدار الحكم قبل الإستماع لكافة الأطراف.
♠ وجود مجلس شورى: فالأحكام التي يصدرها داود وسليمان كانت في وجود مجلس شورى من أصحاب العلم والحكمة.
♠ الرغبة والحرص في الوصول إلى الأحكام العادلة.
6ـ نموذج صناعة سفينة نوح عليه السلام :
ويظهر هذا النموذج أيضا كيف إهتم الإسلام بالمنتج النهائي الذي يقوم به الفرد وتقديمه في أحسن صورة ممكنة, فقد أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام بصناعة السفينة, وأن يحمل فيها الذين آمنوا ومن كل زوجين اثنين, وكان من الممكن أن يصنع أي سفينة حيث أن الأمر تحت رعاية الله تعالى, ولكن نوح عليه السلام إمتثل للأمر وصنع سفينة ذات جودة عالية, ومن الدلائل على جودة صناعة نوح للسفينة:
♠ قال تعالى: { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}. (سورة المؤمنون, الآية: 27), وفي تفسير هذه الآية: أن الله أمره بصنع السفينة وإحكامها بإتقان. (إبن كثير, ج3, ص: 245), وهو القادر على أن يقول للشيء كن فيكون, في إشارة لإتقان العمل الذي يقوم به الفرد ودليل على جدارته.
♠ قال تعالى: { وَاصْنَعْ الْفُلْك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْينَا }. (سورة هود, الآية: 37), وفي تفسير هذه الآية: أي اصنع السفينة بمرأى منا ووحينا أي تعليمنا لك ما تصنعه, فقد أمره الله أن يفرز الخشب, وأن يصنعها من خشب الساج, وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار, وأن يجعل لها جؤجؤا يشق الماء, وجعلها على ثلاث طبقات, السفلى للدواب والوحوش, والوسطى للإنس, والعليا للطيور, وكان بابها في عرضها ولها غطاء مطبق عليها, وكان طولها ألف ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع. (إبن كثير, ج2, ص: 383)
♠ قال تعالى: { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}. (سورة هود, الآية: 42), مما يدل على جودة صناعة السفينة وقدرتها على مواجهة الظروف القاسية.
♠ قال تعالى: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون}. (سورة الشعراء, الآية: 119), والمشحون: أي المملوء بالأمتعة والأزواج من الحيوانات. (السعدي, 2000م, ص: 595), في دلالة أخرى على إتقان عمل السفينة حيث تزداد مخاطر الغرق كلما زادت حمولة السفينة.
♠ قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ}. (سورة القمر, الآية: 11), حيث كانت تسير هذه السفينة في ظروف صعبة جدا, حيث يزيد إحتمال غرق السفينة في حالة وجود أمطار لإحتمال إمتلائها بالماء وغرقها, وكان من دلائل جودة صناعة السفينة أيضا وجود غطاء لها يمنع دخول مياة الأمطار إليها وصرفه أولا بأول حولها.
♠ قال تعالى: { وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. (سورة القمر, الآية: 15), وقد ذكر في التفسير أنه: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة. (إبن كثير, ج4, ص: 232)
مما يدل على جودة صناعة السفينة وقدرتها على مواجهة عوامل التعرية, وفي إشارة للإهتمام الجم بالسلع الرأسمالية أو المعمرة أو ما يتعلق بحياة البشر.