ينبغي على كل من يبحث عن السعادة الحقيقية والنجاح في الحياة الزوجية من الزوج والزوجة أن يعلم الحقوق الواجبة عليه ويؤديها إبتغاء مرضات الله في بناء أسرة مسلمة تقوم على روح الحب والمودة والرحمة, فكل منهما له حقوق وعليه واجبات وكلاهما راع في بيته وأسرته في الحياة الدنيا ليصل بهم لبر السلامة والأمان, ومسئول عن رعيته يوم القيامة كما بين ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وهذه المسئولية تحتاج إلى حضور الضمير الحي, لأن أي حقوق في الدنيا لا توهب ولكن تنتزع إنتزاعا إلا الحقوق الشرعية في الحياة الزوجية لا تحتاج إلا لضمير حي لأن غياب الضمير معناه سواد القلب عن الحق وتضييع الذرية, قال صلى الله عليه وسلم:« كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ", ولا تقوم المشاكل والخلافات الزوجية إلا بإهتمام كل فرد من الزوجين بحقوقة والإصرار عليها وإهمال واجباته والتغافل عنها والتقصير فيها.
الحياة الزوجية مسئولية مشتركة: فمن مشاكل الحياة الزوجية مشـكلة عدم تحمل المسؤولية سواء من الزوجة المتربية على العز والدلال والرفاهية، أو من الزوج المتربي في أحضان من يخدمه ويسهر على راحته, وتنشب النزاعات في بعض الأحيان بسبب إهمال المرأة بعض مسؤولياتها في الحياة الزوجية خاصة في الأيام الأولى.
والمشكلة الأساسية هي أن الكثير من الأزواج والزوجات يجهلون واجباتهم تجاه بعضهم البعض, مما قد يسبب في فشل الزوجية بينهما لمجرد أن ترفض الزوجة أداء حق من حقوق زوجها عليها أو تقصر في واجباتها تجاه زوجها, ولمجرد أن يقصر الزوج في حق من حقوق زوجته أوفي أداء إحدى واجباته الأسرية.
وحل هذه المشكلة في قوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع لأهله ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في ربيتها ومسئولة عن رعيتها ", فالحياة الزوجية حقوق وواجبات ومسئولية مشتركة بين الزوجين لكل منهما مسئوليات محددة, وبالنسبة لتربية الأبناء فالمسئولية مشتركة في الرعاية والتوجيه, وينبغي على الأزواج أن يبدوا قدراً من المسئولية والمرونة إزاء ذلك.
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها, من خلال تقرير مبدأ المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات, فأعطى لكل منهما حقوق وألزمه بواجبات تجاه الآخر بحسب طبيعة كل منهما, لتنظيم الحياة الزوجية المشتركة, كما قال تعالى:« ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة "، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب على الآخر يؤديه إليه، وبهذا يحصل التوازن بينهما من كافة النواحي مما يدعم إستقرار حياة الأسرة، وإستقامة أمورها، قال ابن زيد في الأية: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم، وقال القرطبي: الآية تعم جميع ذلك من الحقوق الزوجية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية, أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن أزواجهن "، وقال أيضا: إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين هي لي لأن الله عز وجل يقول:« وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ) وما أحب أن أستوفي جميع حق لي عليها لأن الله عز وجل يقول:« وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ). (رواه ابن أبي شيبة)
ومن الحقوق التي يجب على الزوجة القيام بها تجاه زوجها:
- حق الطـاعة: أوجب الإسلام على المرأة طاعة زوجها، ما لم يأمرها بمعصية الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أعدَّ الله تعالى لها الجنة إذا أحسنت طاعته، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) [رواه أحمد، والطبراني].
وقال أيضًا: (أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راضٍ؛ دخلت الجنة) [ابن ماجه]. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, أنا وافدة النساء إليك؛ هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن -معشر النساء- نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج، واعترافًا بحقه يعدل ذلك (أي: يساويه) وقليل منكن من يفعله) [رواه البزار والطبراني]. يقول الرازي: واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها .
- حق الإسـتئذان: ويجب على المرأة أن تستأذن زوجها في أمور كثيرة منها صيام التطوع، حيث يحرم عليها أن تصوم بغير إذنه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي: حاضر) إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (ومن حق الزوج على الزوجة ألا تصوم إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها) [رواه الطبراني]. ولا يجوز للمرأة أن تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه، ولا أن تخرج من بيتها لغير حاجة إلا بإذنه.
- حق الخـدمة: في البيت وللزوج, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فيجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليس كخدمة القروية، وخدمة القوية ليس كخدمة الضعيفة".
وهذا ما كان عليه العمل على عهد رسول الله, ففي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا ناضح غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربة, وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار...". فقد رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الحاله فأقرها، ولم يقل لها لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، كما أقر سائر أصحابه على إستخدام أزواجهم.
كما أنها القسمة العدل فالزوج يكدح ويعمل خارج البيت ليكسب القوت لنفسه وأطفاله، وزوجته تعمل في بيتها لنفسها وأطفالها وزوجها, ومع هذا فلا مانع من أن يتعاون الزوجان في عمل البيت إذا كانا جميعاً يعملان خارجه لقلة دخل الزوج أوغيره, ولكن ليس للزوجة العمل إلا بإذن الزوج وموافقته، كما أنه ليس للزوج إجبار زوجته على العمل خارجاً، لأن النفقة عليه لا عليها، وواجبها هو العمل داخل بيتها فقط.
حكـمة بالغة: وهذا درسا في مهارات الزوجة الناجحة وعلاقتها بزوجها, من قول السيدة الحكيمة التى تنصح إبنتها العروس قائله: يا بنية، إنك خرجت من العش الذي فيه درجت، فصرت الى فراش لا تعرفينه، وقرين لا تألفينه، فكوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهادً يكن لك عمادً، وكوني له امة يكن لك عبداً، لا تلحفي به فيقلاك (يبغضك)، ولا تباعدي عنه فينساك، إن دنا منك فاقربي منه، وإن نأى (ابتعد) فابعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا ريحاً طيباً، ولا يسمع إلا حسناً، ولا ينظر إلا جميلاً ).
ولعظم حق الزوج, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحه أو انتثر منخراه صديداً أو دماً ثم بلعته ما أدت حقه ), (رواه ابن حبان والحاكم وغيرهم).
وقد سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: (زوجها)، فقالت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: (أمـه) [رواه الحاكم والبزار].
ومن الحقوق التي يجب على الزوج القيام بها تجاه زوجته:
- النـفقة: أوجب الإسلام على الرجل أن ينفق على زوجته من ماله وإن كانت ميسورة الحال، فيوفر لها الطعام والشراب والمسكن والملبس المناسب على قدر المسطاع بلا تقصير ولا إسراف، قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها} [الطلاق:7].
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة على الزوجة والأبناء، فقال صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك) [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها (أي: يبتغى بها وجه الله ورضاه) كانت له صدقة) [متفق عليه].
وإذا أنفقت المرأة من مال زوجها في سبيل الله من غير إفساد ولا إسراف، كان ذلك حسنة في ميزان زوجها، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقتْ، ولزوجها أجره بما كسب [رواه مسلم].
وللزوجة أن تأخذ من مال زوجها -من غير إذنه- ما يكفيها، إذا قصر في الإنفاق عليها وعلى أبنائها، ولا تزيد عن حد الكفاية. فقد سألتْ السيدة هند بنت عتبة -رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان (زوجها) رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) [متفق عليه] .
ومن واجبات الزوجة على زوجها الصبر والرضاء على الحياة المعيشية التي يعيشها زوجها سواء كان فقيراً أو متوسط الحال وأن تتقبل المسكن أو النفقة أو الكسوة وغير ذلك من وسائل الحياة بقدر حالته المالية, فلا تحمله ما لايطيق ولا تطلب منه ما لا يقدر عليه.
- حق الزوجة في السكن المناسب, قال تعالى:« أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.
- حسـن العشرة: يجب على الرجل أن يدخل السرور على أهله، وأن يسعد زوجته ويلاطفها، لتدوم المودة، ويستمر الوفاق. قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا عمليّا لحسن معاشرة النساء، فكان يداعب أزواجه، ويلاطفهن، وسابق عائشة -رضي الله عنها- فسبقتْه، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: (هذه بتلك) [ابن ماجه] وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [ابن ماجه] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله) (رواه الترمذي)، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله (أي: يساعدهن في إنجاز بعض الأعمال الخاصة بهن)، فإذا سمع الأذان خرج. [البخاري، وأبوداود].
وينبغي على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفاتها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزايها إلى جوار عيوبها.
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه بيانا لبعض حقوق الزوجة على الزوج وأهمها المطعم والملبس وحسن المعاملة كل حسب مقدرته المادية, حيث قال: قلت: يارسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا ؟ قال:« أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب ", أي: لا تضرب الوجه. (رواه أبوداود)
- تعليم الزوجـة: من الحقوق المهمة جدا للزوجة على الزوج تعليمها فرائض دينها من غسل ووضوء وصلاة وصوم غيرهما كالكفارات حين الحاجة إلى معرفة أحكامها، وهذا الواجب كثيرا ما يغفل الناس عنه فيقصرون حقوق الزوجة على الماديات فقط دون المعنويات والدينيات مع أن هذه الأخيرة أهم.
وهنا تكمن مشكلة أخرى وهي أن بعض الأزواج لا يدرك ولا يعلم هو بنفسه أحكام الدين الواجبة عليه ففي هذه الحالة يجب عليه التعلم ليعلم نفسه أولا ولكي يستطيع تعليم زوجته، كما يجب عليه أن يسأل العلماء ويستفتي لزوجته إذا أشكل عليهما شيء، وإن لم يقم بواجب التعليم والسؤال فلا يجوز له بحال أن يمنع زوجته أن تتعلم فرائض دينها بسؤال العلماء أو حضور دروس العلم وبتطور وسائل التعليم اليوم أصبح التعلم وسؤال أهل الذكر أسهل بكثير من ذي قبل.