أهمية إدارة الحياة الزوجيـه .
بقلم :
د. أحـمد السـيد كردي
الحياة الزوجية هي شراكة بين زوجين قائمة على الرباط الوثيق بينهم يبدأ منذ عقد قرانهم وحتى ملاقاة ربهم وتخلد به ذكراهم بعد وفاتهم, وهذه الشركة تحتاج إلى إدارة رشيدة تقوم على أسس سليمة من تخطيط وتنظيم ورقابة وتوجية وتطبيق هذه الأسس بالطريقه الصحيحة والإستفادة منها.
وذلك لتجنب أي مشكلات وخلافات وصراعات لها عواقب وخيمة تؤدي إلى إنهيار كيان الأسرة, فينبغي أن تكون الحياة الزوجية منظمة بالفعل مثلها كأي منظمة فعلية ناجحة, وذلك حتى تسير بهم سفينة الحياة إلى بر الأمان والنجاة في الدنيا والأخرة.
وتنظيم الحياة الزوجية ليس كما يظنه البعض بالورقة والقلم والمسطرة أو بالساعة, فالحياة الزوجية ليست بالبيروقراطية المعقدة ولا بالروتين الممل ولكنها الحياة البسيطة الطبيعية المرنة والتي على أساسها يتم تحديد الأهداف من المهام والأدوار لكل فرد في الأسرة لتسير عجلة الحياة بشكلها الطبيعي وعلى أتم وجه ويضمن سلامتها وبقائها.
وحتى تكون العلاقة الزوجية ناجحة ينبغي على كل من الزوجين تحديد أهدافهم بدقة وعناية في توحيد الإتجاة حتى لا يحدث تضارب في الأهداف وإختلاف في الأراء والسير في الإتجاه المعاكس, وأن تكون الإدارة في الحياة الزوجية على المكشوف بعيد عن الغموض بأن تكون الصورة واضحة بحيث يكون كل من الطرفين كتاب مفتوح للأخر.
وبالنسبة لتحديد القيادة للأسرة فقد بينها الإسلام بمفهوم القوامة بقوله تعالى:« الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ", فينبغي على المرأة أن تعلم علم اليقين هذا الأمر حتى لا تغرق بهم سفينة الحياة, كما قيل في الأمثال الشعبية: المركب التي لها رئيسين تغرق, وأن قوامة الرجل وقيادته للأسرة ليس بتمييز له ولكنها مسئولية سيحاسب عليها, والذي من الممكن تفويض بعض سلطاته للمرأة في المسائل والأمور التي يتيقن أنها على كفائة بالقيام بها, والمرأة الذكية التي تسطيع أن تشعر زوجها بأنه ملكا متوجا على عرش بيتها وقلبها, وفي النهاية تنفذ ما تريد !.
ويمكن تحليل الأهداف والعلاقات الزوجية والتخطيط لها إستراتيجيا والإستفادة من المباديء الإدارية الحديثة من خلال تحديد مواقف ومواطن القوة والضعف فيها, ومن ثم العمل على تعزيز نقاط القوة وتنميتها وتطويرها وهي عبارة عن المميزات والإيجابيات الخاصة, وأيضا العمل على علاج نقاط الضعف وهي المشكلات والسلبيات الخاصة.
ويلزم أيضا التعرف على المؤثرات الخارجية على العلاقات الزوجية من فرص يمكن إقتناصها وتهديدات يمكن تفاديها, قال صلى الله عليه وسلم:« إغتنم خمس قبل خمس شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك وصحتك قبل مرضك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك, والأمثلة على ذلك كثير في العلاقات الزوجية فنقاط القوة الإيجابيات والمميزات عديدة, مثل: كون الزوجين في فترة الشباب وما يترتب عليه من توفر القوة والحيوية في هذه الفترة وتوفر الصحة والوضع المالي وتوفر أوقات الفراغ وما يترتب على ذلك من مميزات أخرى, ومواطن الضعف هي عكس تلك المميزات.
إن المشكلات الزوجية تربى في الزوجين نفسية الروح الرياضية في التعامل معها، وذلك لأن كثيراً من الأزواج أو الزوجات يهربن من مواجهة المشاكل الزوجية، مما يدعو إلى تفاقمها وتعقدها، فتنتهي حياتهما بالفشل، أما إذا كان الزوجان يتمتعان بروح رياضية مرنة وتستوعب الخلافات، فإنهما سيكونان قادرين على مواجهة أي مشكلة مستقبلية، ويحسنان التفكير في علاجها وتخطيها بسلام وحكمة ، ومن دون أن يحدث أي خلل في علاقتهما الزوجية، بل وإن نفسيتهما تتروض على مواجهة المحن الزوجية والأزمات الأسرية.
كما يمكن اللجوء إلى حل المشكلة من بدايتها عن طريق المناقشة، أما إهمالها فيجعل الحل أكثر صعوبة، ولابد أن تخلو المناقشة من التجريح أو لمس كبرياء الآخر أو كرامته، وتجنب نبرة السخرية والاستهزاء، فمن السهل جداً جرح كرامة الآخر، ولكن من الصعب علاج هذا الجرح.
كما أن الخلافات والمشاكل تحتاج إلى إدارة رشيدة وواعية حتى تعالج هذه المشاكل بفاعلية, ومن المهم التحديد والتحليل الدقيق للمشكلات والخلافات والصراعات فى الحياة الزوجية للتعرف على الأسباب الحقيقية والدافع لها إذا كنا لا نرغب فى تكرارها, مع مراعاة الإهتمام بالحل السريع للمشكلات والخلافات حتى لا تتطور المشكلة وتتفاقم, ومن باب درء المفاسد مقدم على جلب المنافع, مع الإهتمام بسبب المشكلة الأساسي وليس الناتج عنها والظاهر منها.
فالطبيب الناجح هو الذي يشخص المرض بفاعلية ويحدد السبب الفعلي وليس العرض الظاهر حتى يكتب العلاج السريع والصحيح فإرتفاع درجة الحرارة هو عرض ظاهر لدى المريض يمكن أن يكون سببه هو نزلة برد أو إلتهاب في الحنجرة أو أي سبب أخر غير ظاهر, فإذا عالج الطبيب إرتفاع درجة الحرارة فقط, فهو لم يحل المشكلة لإن بعد إنتهاء مفعول خافض الحرارة سيشتكي المريض مرة أخرى من إرتفاع درجة الحرارة.
فعلى طرفي العلاقة الزوجية التفهم منذ البداية أن الحياة الزوجية هي عبارة عن شركة ينبغي أن يقدم فيها كلا الطرفين ما يجب عليه من واجبات شرعية, مع المرونه بتقديم التنازلات للطرف الآخر إذا لزم الأمر, وأن يكون لديه الإستعداد للتأقلم مع الطرف الآخر، وتقديم كل ما يمكن أن يسهل حياتهما معاً, فالحياة الزوجية هي مشروع يحتاج إلى تعاون مشترك وتضحيات من الطرفين لإنجاح هذا المشروع.
وينبغي على الزوجين تحديد المسئوليات واعتبار تربية الأبناء مسئولية مشتركة, فلا تستكمل الحياة الزوجية الناجحة بالتقصير في التربية, فينبغي وضعهم في الحسبان عند تخطيط الأهداف الخاصة بالحياة الزوجية, وتنظيم حياتهم المعيشية والدراسية والرياضية والترويحية وكذلك العبادات, وتحميلهم قدر من المسئولية حتى يكونوا أهلا لها في المستقبل وتدريبهم على كيفية حل المشكلات التي يمكن أن تواجههم, وحتى لا يكونوا عبئا ثقيلا على الأسرة وسببا في المشكلات العائلية.