مشـكلة تدخل الأهل بين الزوجين
وخروج أسرار المنزل الخاصة.
من كتاب: " يوميات زوج معاصر "
مشاكل واقعية - حلول عملية
2012م.
إعداد /
د. أحمد السيد كردي
خبير تنمية بشرية وتطوير إداري
mobil: 01148194020
أولا- مشـكلة: تدخل الأهل.
ومن المشكلات العائلية الهامة المشاكل الخاصة بتدخل الأهل في حياة الزوجين وشئون معيشتهم وقراراتهم الخاصة وإنقياد أحد الزوجين لهذا التدخل والذي غالبا ما يكون من أحد أقاربه أو أصدقائه مع ضجر وصخب الطرف الأخر, وكما قيل في الأمثال الشعبية: الحما عمى ولو كانت نجمة من السما ", وهي مشكلة أم الزوج وأم الزوجة التي لا تنتهي, ولأهمية هذه القضية أخذت حيزا وإهتماما ملحوظا لدى صناع السينما والدراما, فمن أشهر الأفلام: فيلم حماتي ملاك , وفيلم حماتي قنبلة ذرية. فمن الأسباب التي تؤدي إلى الضيق في العلاقة ميل الأزواج والزوجات إلى توجيه اللوم إلى الحماة وإعتبارها مسؤولة عن كل ما يحدث من متاعب بين الزوجين.
إن أخطر ما يهدد الحياة الزوجية، ويؤثر على استقرارها هو إنتقال مشكلات الزوجين خارج أسوار المنـزل، وخاصة إلى الأهل، فكل طرف سيتحيز لإبنه أو ابنته ويتحول الموضوع من خلاف بين الزوجين إلى صراع عائلي لا يمكن احتواؤه، أو السيطرة عليه.
وتعتبر كل من الحالات الاجتماعية التالية أكثر تأثراً وتفاعلاً مع تدخل الأهل في الحياة الزوجية: في حالة الإبن الوحيد, واعتماد الابن على والديه اقتصادياً (العمل مشترك – ينفق الأب على أسرة ابنه.. التبعية الاقتصادية), والسكن مع أهل الزوج أو أهل الزوجة في منزل واحد مشترك, وكذلك الشخصية الضعيفة لدى كل من الزوج أو الزوجة, وأن تكون الزوجة قريبة, أو يكون لديهم فهم خاطىء لبر الوالدين.
الحـــــل:
يجب أن يدرك الزوجان أنه لا يوجد هناك من يحل لهما خلافاتهما غيرهما, لذا ينبغي عدم تدخل الأهل والأقارب في أي مشكلة تحدث بين الزوجين إلاّ إذا اقتضت الضرورة ذلك, فليس للأهل التدخل إلا بعد أن يصعب على الزوجان من محاولة حل مشكلتهما, وفي حالة خوف الشقاق، تنفيذا لقوله تعالى: فإن خفتم شقاق بينمهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاح يوفق الله بينهما ", ولا يتدخل الأهل في حياة الزوجين المتفاهمين فيقلبانها جحيما، ويكون تدخلهم هو سبب الشقاق, وأن يكون في نية الأهل المتدخلين إصلاح المشكلة، وليس إحداث مشكلة غير موجودة .
الإرشادات الوقائية.
الاتفاق المسبق بين الزوجين على سياسة التعامل العامة مع الأهل, برسم حدود العلاقة بين كل من الزوجين وأهلهما من جهة، والإتفاق على الأمور أو المشاكل التي لا يجب على أحد أن يتدخل بها من الأسرار الزوجية وعدم إدخال الأهل في تفاصيل الحياة الزوجية اليومية, كما ينبغي الإتفاق على المشاكل التي يمكن أن يتدخل فيها الأهل في مرحلة معينة على أن يحددان من هو الطرف الذي يدخلانه من الأهل في مشاكلهم.
يتفق الزوجان أن يعاملا أهلهما بدوبلوماسية ويدعم كل واحد منهما الآخر, وتتضمن هذه السياسة أساليب التعامل مع الأهل أي فن التقرّب والتودد للأهل وتحديد الزيارات وافتعال المناسبات التي تؤلّف بين قلوب الأهل والأزواج وتعطي لهم الفرصة لمزيد من التواصل الإيجابي, ويتعيّن على الطرفين معرفة الحقوق والواجبات الأسرية والعمل على مرعاتها تفاديا لأي خلل في الحياة الأسرية.
عدم شعور الأهل أن الابن قد استحوذت عليه الزوجة أو العكس, فإن توازن الإبن في التعبير عن مشاعره من خلال تصرفاته وسلوكياته وطريقة تعامله مع أهله يحمي العلاقة الزوجية من تدخل أهل الزوج وكذلك بالنسبة للزوجة، وذلك من خلال قاعدة أن أحسس أمي أنها رقم واحد وزوجتي رقم واحد ، هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشعر كل واحد من أصحابه أنه أحب الناس إليه .
محاربة الأفكار السلبية الشائعة في المجتمع "كراهية الحماة" وأصبحت عادة مكتسبة لذلك يستحسن على الزوجة أن تحارب هذه الأفكار وأن تبادر إلى كسب ودّ الحماة من خلال الإحترام والتقدير المتبادل، التهادي بالمناسبات وغير المناسبات، المدح والشكر لكل ما تقدمه، الكلمة الطيبة، مقابلة الإساءة بالإحسان، عدم توجيه الانتقادات أو الأوامر والملاحظات المباشرة... وباختصار أن يشعر الأهل أن الزوج أو الزوجة أي الطرف الجديد في كل من العائلتين إنما هو مثل الابن الحقيقي في العائلة الواحدة.
وفي حالة إذا جاءت هذه الإرشادات متأخرة والمشكلة الزوجية تضخمت بسبب تدخل الأهل السلبي في الحياة الزوجية فإليكم بعض النصائح العلاجية لهذه المشكلة.
الإرشادات العلاجية.
تختلف معالجة تدخل الأهل في الحياة الزوجية من حالة زوجية إلى أخرى وفقاً لعدّة اعتبارات منها: المدة الزمنية لهذا التدخل، نوعية المشاكل التي يتدخلون فيها، آثار هذا التدخل على العلاقة الزوجية، ومن الطرف المتدخل.
الاتفاق بين الزوجين على اعتماد سياسة جديدة للتعامل مع الأهل وذلك بعد مراجعة السلوكيات الخاطئة التي وقع فيها كل من الزوجين والتي دفعت الأهل للتدخل, وأن يعمل الزوجين على حلّ مشاكلهما الحالية التي استدعت تدخل الأهل.
تخصيص وقت معيّن للحوار مع الأهل وترضية خواطرهم بالكلمة الطيبة واللمسة الحنونة وأخذ الرضا منهم .. بهدف تحقيق رغبة الأهل في إسداء النصح لأولادهم ورعايتهم حتى بعد الزواج دون التسبب بضرر التدخل في شؤون الحياة الزوجية الخاصة على أن يتم التغاضي عن تدخلهم الحالي الغير مؤذي ومعالجته تدريجيا.
كما ينبغي أن يعمل كل طرف على تحسين صورة الطرف الآخر عند أهله، وتحسين علاقة كل من الزوجين مع الأهل من خلال المصالحة والتسامح والتغاضي عن الأخطاء والمعاملة الحسنة وغيرها من فن العلاقات الإنسانية الأسرية.
دبلوماسية العائلة: وأكثر من يحتاجها الإبن الذي يسكن مع أهله في منزل واحد, فالإبن يحتاج هنا إلى الموازنة في تعامله بين الزوجة وأهله من جهة، وأن تشعر الزوجة بالخصوصية والإستقلالية في هذا المنزل المشترك من جهة أخرى, فيستحسن أن يقتني الزوج غرفة مستقلة وأن يخصص للزوجة أغراض خاصة أو أشياء يمكنها التصرف بها لكي تشعر ببعض الخصوصية.
كما أن التفاهم والاتفاق بين الزوجين في هذه الحالة مهم جدا وخاصة عند بداية الحياة الزوجية، فيتفقان مثلا على مناقشة أمورهم الخاصة في الغرفة المخصصة لهم، وأن يتفقان على المواضيع التي يمكن المناقشة بها أمام الأهل, إضافة إلى توطيد العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج وتوزيع الأدوار بينهم .. ويقع على الزوج، في هذه الحالة، العبء الكبير للحد من تدخل الأهل وفي المحافظة على الخصوصية في العلاقة الزوجية.
ومما يستدل به على أهمية التفاهم والإتفاق بين الزوجين في بداية الحياة الزوجية على حدود التعامل مع الأهل, قال شريح القاضي: "خطبت امرأة من بني تميم فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي، فقلت: إنه من السنة إذا دخلت المراة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأت، فإذا هي بوضوئي، وصليت فإذا هي بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناحيتها فقالت: على رسلك يا أبا أمية.
ثم قالت: الحمد لله أحمده أستعينه وأستغفره، وأصلي على محمد وآله، أما بعد: فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبيّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به {إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيه، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن له، ومن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة ومكثت معي حولاً لا أرى منها إلا ما أحب.
فلما كان رأس الحول، جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز تأمر وتنهى، فقلت: من هذه؟، قالوا: أم فلانة حليلتك, قلت: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوفق قرينة، لقد أدّبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يرى منها أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ماشاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيئا ً".
ثانيا- مشكلة: خروج أسرار المنزل الخاصة.
قد يلجأ الكثير من الأزواج للحديث عن حياتهما الزوجية، والبوح بأسرار بيوتهم وكشف الغطاء عن خصوصياتهم للأقارب أو الأصدقاء بحجة الفضفضة والتنفيس عن النفس تارة، وطلب النصيحة والإستشارة تارة أخرى، حتى تحولت الأسرار إلى نشرة أخبار، وتم إنتهاك خصوصية العلاقة الزوجية على يد أحد طرفيها سواء من الزوج أو الزوجة، الأمر الذي قد يهدد كيان الأسرة وينذر بهدمها، في حالة إكتشاف أحد الزوجين ما فعله الطرف الآخر، وحينها لن يجني من أفشاء الأسرار إلا الحسرة والندم، ولكن بعد فوات الأوان، وقد ورد عن إحصاءات الطلاق بين الزوجين بسبب نشر الأسرار الخاصة، وقد بلغ ذلك بنسبة 80 %– 90% تقريبا في إحدى الدراسات.
الحـــــل:
الأسرار الخاصة والمشاكل الزوجية لابد أن تكون بين الزوجين في طي الكتمان، وإذا أشيعت فاللوم لا يقع إلا على الزوجين، وإن كان ولابد من طرف ثالث ليحتوي المشكلة بين الزوجين ويحلها، فلابد أن يكون شخصا كتوما، مشهودا له بالتقوى والصلاح، حتى لا تتعقد الأمور وتتطور المشكلة, والمصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " إستعينوا على قضاء حوائجكم في السر والكتمان ".
ولايصح أن يتحدث الزوج عن صفات زوجته لمن ليس له تأثير على زوجته في إصلاحها, فيصبح الحديث عنها فاكهة يتسلى بها, فيُحدث أخاه مثلا عن صفات زوجته السيئة, لكنّه إن كان صادقاً في نقدها فليتحدث مع من له تأثير عليها ليغيرها لا لينتقم منها, ولا يصح أن يتحدّث عن علاقته الجنسيّة مع زوجته أمام أحد وخاصّة أهل زوجته, لأنّ ذلك يحرجهم.
والإسلام نهى عن إفشاء الأسرار الزوجية، فنبينا الكريم شبه الزوجين اللذين يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ما، فجامعها بمرأى من الناس، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها"، فأرم القوم- يعني سكتوا ولم يجيبوا- فقلت: أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن, قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون" (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها ", وكما قيل في الأمثال الشعبية: " الراجل وزوجته مثل القبر وصاحبه " كناية عن السرية التامة, وأنه لا يوجد أحد منا يعلم ما يحدث لسكان القبور حتى أقرب الأقربين, ولا يعلم حالهم إلا الله وكذلك ينبغي أن يكون الحال بالنسبة للحياة الزوجية فالبيوت أسرار.
وعندما زار سيدنا إبراهيم بيت ابنه إسماعيل عليهما السلام لم يجده، ووجد امرأته، فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا أو يصيد لنا، ثم سألها عن عيشهم فقالت: نحن في ضيق وشدة، وشكت إليه... وهكذا أساءت لنفسها قبل أن تسيء لزوجها، فقد كشفت سر بيته، ولم تحفظه في غيبته، ثم إنها لم ترض بقدر الله عز وجل لها فالمشتكي معترضٌ على قدر الله... فما كان من إبراهيم عليه السلام إلاّ أن قال لها: أقرئي زوجك السلام وأبلغيه أن يغير عتبة داره, وبالفعل عندما عاد إسماعيل عليه السلام روت له ما جرى، فأدرك أن هذا الشيخ الزائر هو أبوه، وقد رأى أن يفارق زوجته، فقال لها: الحقي بأهلك.
وما لبث إبراهيم عليه السلام، وعاد لزيارة بيت ابنه مرة ثانية حيث وجد إمرأة غير الأولى، فسألها عن زوجها, فقالت: خرج يبتغي لنا، فقال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله تعالى، فدعا لهما، وقال لها: أقرئي زوجك السلام، وأبلغيه أن يثبت عتبة داره, وفعلاً عندما عاد إسماعيل عليه السلام روت له ما كان من هذا الشيخ, فقال لها: هذا أبي أمرني أن أمسكك.