يعد الاستثمار في المعرفة و إعداد العقول و صقلها من أفضل ما يمكن إعداده للمستقبل، و يمثل نقل المعرفة و تطويعها و استخدامها و توظيفها لتنمية الشعوب عنصرا أساسيا لتقدم الإنسانية و رقيها. فترى الدول تتسابق و تتنافس لتبني استراتيجيات و مخططات أفضل لتنمية الموارد البشرية و تحقيق الأهداف النوعية و الكمية لتنمية شعوبها و تحويلها إلى مجتمعات معرفة. و مع اقتحام الثورة المعلوماتية لمختلف المجالات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و غيرها، أصبحت سرعة الحصول على البيانات و المعلومات و تكوين المهارات العالية و اكتساب المعرفة تشكل السمات المميزة لتلك المجتمعات. و حتى تحصل الاستفادة الكاملة من مجتمعات المعلومات و المعرفة ينبغي أن تتوفر لكل فرد فيها، بغض النظر عن عمره أو جنسه أو وضعيته الاجتماعية أو انتمائه الجغرافي، قدر عال من المهارة و الذكاء في تطوير الموارد البشرية و تشجيع البحث العلمي بهدف تعزيز القدرة التنافسية و مواكبة التغيرات الحاصلة في مختلف القطاعات لما أصبحت تتطلبه أنشطتها من طرق حديثة أساسها تكنولوجيا المعلومات و شبكات الاتصال.
تنمية الموارد البشرية
لقد شكل العنصر البشري، على مر الأزمنة، محور الارتكاز في جهود التنمية الإنسانية، و لكن، مع اندلاع الثورة الرقمية، أصبح دوره أكثر أهمية من ذي قبل. وصار من الضروري أن تتوفر لكل فرد المهارة اللازمة للاستفادة الكاملة من مجتمع المعلومات و نشر المعرفة من خلال استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في التعليم و التدريب، و توفير ظروف أفضل في المنظومة التعليمية قبل التخرج و الدخول في الوسط العملي لتوظيف المهارات المكتسبة و تفعيلها.
استخدام تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في التعليم
إن ظاهرة التطورات التكنولوجية بشكل عام و تطور وسائل تكنولوجيا المعلومات و الاتصال بصفة خاصة قد ساهمت في ظهور طرق جديدة ناجعة تستخدم في التعليم بهدف تحسين مناهج التدريس و إعداد موارد بشرية تتميز بمهارات عالية. و قد حرصت الحكومات على تطوير سياسات و برامج تشجع على إدخال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و استخدامها في التعليم على جميع المستويات بما في ذلك تلك المناهج.
و يعتبر تدريب المدرسين على التعامل مع هذه البيئة التعليمية الجديدة عملا أساسيا و ضروريا، يساعدهم على حسن استغلال ما يمكن أن توفره تلك التكنولوجيات من إمكانات و طرق جديدة و ظروف أفضل تدعمهم في استخدام شبكات المعلومات بفاعلية و تحويل ما يكتسبونه من خبرات تسخر للممارسة العملية في الفصول التدريبية. و اعتبارا لما لهذه العملية من أهمية بالغة، يمكن جعل المهارة في تكنولوجيا المعلومات و الاتصال شرطا أساسيا في تخريج المدرسين. و يجب الحرص على تأسيس مخابر تتضمن شبكات حواسيب محلية في المدارس و تأمين النفاذ إلى شبكة الإنترنت من خلالها في ظروف حسنة، و فتح أبوابها في غالب الأوقات بما في ذلك بعد انتهاء الدروس و في العطل الأسبوعية و الرسمية. و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه لا يكفي تركيز البنية الأساسية من حواسيب و برمجيات و ربط بشبكة الإنترنت و استغلال بعض المنظومات المكتبية و برمجيات اللعب و التسلية. و فضلا عن ذلك ينبغي تصميم و تطوير منظومات و برمجيات تتلاءم مع محتوى المواد و الفروض التعليمية، تخزن في وسائط الكترونية و تشغل بوسائل سمعية بصرية من شأنها أن تمنح المدرس قدرات إضافية على تبليغ الدروس بصفة فعالة و تساعد التلميذ و الطالب على استنباطها بسرعة و بأقل جهد. فدولة سنغافورة مثلا، قامت في عام 1997 بخطة وصلت تكلفتها إلى مليار ومليوني دولار أميركي لتزويد كل مدرسة بما تحتاجه من برمجيات وأجهزة كمبيوتر لإرساء البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات بهدف إعداد المدرسين والطلبة الإعداد السليم للتعامل مع هذه التكنولوجيا. و قد تجلت فوائد هذه الخطة فبلغ بعد عامين ونصف تقريبا قسط المواد المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات ما بين 5 و15% من ساعات التدريس، وأصبح 95% من المدرسين مدربين على الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات واستعمال الحاسوب. كما توفرت لكل مدرسة توصيلات خاصة بشبكة الإنترنت، و صار بإمكان كل ستة تلاميذ أن يستخدموا جهاز حاسوب في جميع مدارس البلاد.
توفير إمكانية التعليم عن يعد
مع تطور وسائل تكنولوجيا المعلومات و شبكات الاتصال ظهرت طرق جديدة للتعلم تتيح للدارس إمكانية الاستفادة من فرص التعليم بنفس القدر و لكن دون التقيد ببعض الحواجز الرئيسية كالزمان و المكان.
فمن حيث المبدأ، يقوم التعليم عن بعد على عدم اشتراط تزامن وجود المتعلم مع المعلم في الموقع نفسه، وبهذا يفقد كلاهما خبرة التعامل المباشر مع الطرف الآخر، و يصبح من الضروري قيام وساطة بين المعلم والمتعلم، وتنبني هذه الوساطة على جوانب فنية وبشرية وتنظيمية. و يمكن التعليم عن بعد المتعلم من اختيار وقت التعلم حسب ظروفه، دون التقيد سلفا بجداول منتظمة ومحددة. و هكذا يمكن القول إن المدرسة هي التي أصبحت تنتقل إلى المتعلم عوضا عن ذهابه إليها كما هو الشأن في التعليم التقليدي. كان التعليم عن بعد يتم في البداية بالمراسلة، أي أن الخدمة البريدية كانت تشكل الوسيط الذي ينقل مواد مطبوعة أو مكتوبة بين المتعلم والمعلم. ومع تقدم الصناعات الكهربائية والإلكترونية، ازداد دور الصوتيات في التعليم، بشكل عام، من خلال أجهزة التسجيل, ثم ظهر التلفزيون، وتلاه الفيديو. وازدادت أهمية أشكال البث التعليمي، سمعا ومشاهدة، مع شيوع استعمال الأقمار الصناعية التي تمكن من توصيل البث الإذاعي، صوتا وصورة، إلى مواقع نائية دون شبكات بنية أساسية أرضية مكلفة. وبانتشار الحواسيب الشخصية وشبكات الحواسيب، أصبحت التطبيقات المعلوماتية، خاصة تلك القائمة على التفاعل، من أهم وسائل التعليم عن بعد، وأكثرها فعالية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا منحت أولي تراخيص البث الإذاعي التعليمي في العشرينيات الأولي من القرن الماضي، و انطلق البث التلفزيوني التعليمي في عام 1950. وبدأ فيها استخدام شبكات الحواسيب ضمن التعليم والتعلم حين وفرت مؤسسة العلوم الأمريكية NSF(National Science Foundation) للجامعات الأمريكية، في منتصف الثمانينيات، فرصة استعمال شبكة الإنترنت. وتلا ذلك، في التسعينيات، بدء انتشار استعمال الوسائط الحاسوبية و الشبكية في التعليم قبل الجامعي وفي البيوت وفي أماكن العمل. و يشكل الحديث من طرق ووسائل التعليم عن بعد فرصة جديدة أتاحها التقدم التكنولوجي للتعلم و الدراسة من خلال الالتحاق بالمعاهد أو الكليات المرموقة بصرف النظر عن زمان تأمين الدروس و مكان تواجد الدارس و المتعلم. و قد أكدت التجارب التي تمت دوليا في هذا المجال أن التعلم عن بعد يعتبر من أهم محاور الاستثمار في تنمية الموارد البشرية و مواكبة التقدم التكنولوجي الذي يشهده هذا العصر. كما أن لاستخدام وسائل التعلم عن بعد عائدا اقتصاديا كبيرا توفره على سبيل المثال، الإفادة من الخبرات الفنية المتخصصة و نقلها عبر الدول إلكترونيا دون تحمل أعباء السفر بالنسبة إلى المعلمين أو المتعلمين على حد سواء. غير أن الفائدة لا تحصل إلا إذا تم الحرص على الاستخدام الفعال لتلك الوسائل و خاصة التدريب الناجع على الطرق و المناهج و الصيانة المستمرة للمعدات و الشبكات، لأن تكلفة التعليم عن بعد، و خاصة التفاعلي منه، مرتفعة إلى درجة يمكن أن تكون مانعة للانتشار حتى في بعض الدول الميسورة. و يزيد من التكلفة سرعة تقادم عديد أنواع المعدات و البرمجيات المستعملة في التعليم عن بعد التفاعلي. تفعيل التدريب و تعزيز الوعي المعلوماتي الرفع من أداء الخدمات الإدارية و لا ينبغي أن ينحصر هذا التحول في تكديس التجهيزات و إدخال تقنيات حديثة في بيئة تنظيمية لا تتلاءم معها، و إنما يـَتـسع ليشمل نموذجا جديدا يرتكز على إعادة تعريف العلاقة بين مصالح الإدارة و هياكلها من جهة و القطاع الخاص و المواطنين من جهة أخرى بهدف جعل الإدارة أكثر مرونة. ثم يأتي بعد ذلك تطوير أساليب العمل بما يناسب هذا الهدف و تدريب الأعوان على هذه التقنيات و رفع درجة استئناسهم بها، و تغيير ثقافة الإدارة و مختلف مؤسساتها من الثقافة الورقية إلى الثقافة الالكترونية.
إن التحولات المتسارعة على المستوى العالمي و استخدام تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في مختلف المبادلات التجارية و الخدماتية واعتماد الاقتصاد الرقمي جعلت الحكومات تفكر في تأهيل إداراتها لتصبح قادرة على استخدام تلك التكنولوجيات الحديثة و توظيفها في الرفع من خدماتها لفائدة مواطنيها و شركاتها، بهدف تقليص النفقات و زيادة الفرص التنافسية بالأسواق العالمية و كسب أكبر عدد من الحرفاء و الشركاء. كما أن تنمية الموارد البشرية لا تقتصر فقط على تكوين و تدريب الأشخاص و إنما تشمل كذلك المؤسسات، فالأشخاص الذين تلقوا تدريبا عالي المستوى، قد لا تتوفر لديهم إمكانية توظيف ما اكتسبوه من مهارات جديدة بشكل جيد نتيجة عدم استعداد المؤسسات لتطبيق مثل تلك المهارات.
محو الأمية
لقد بينت إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) لسنة 2003 أن عدد الأميين من الراشدين في العالم بلغ حوالي 862 مليون نسمة، أي ما يمثل نسبة حوالي 14% من عدد السكان الجملي في العالم. و قد أشار المدير العام لهذه المنظمة إلى أن الفترة القادمة سوف تكون حاسمة لتكثيف العمل من أجل خفض مستويات الأمية في أوساط الكبار بنسبة 50% بحلول سنة 2015، في إطار برنامج عمل شعاره "التعليم للجميع".
أما بالنسبة إلى العالم العربي فإن منظمة اليونسكو قد أصدرت في سنة 2004 بياناً بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية بينت من خلاله أن 68 مليون من بين سكان العالم العربي، البالغ عددهم حوالي 270 مليون نسمة، قد دخلوا القرن الحادي والعشرين وهم غير قادرين على الكتابة والقراءة. وأشار البيان المذكور إلى أن العدد الأكبر للأميين هو في مصر والسودان والجزائر والمغرب واليمن حيث يوجد 49 مليون أمي من جملة الأميين المشار إليهم في جميع الدول العربية الاثنتين والعشرين. و قد سبق أن صرح وكيل وزارة الثقافة في دولة من تلك الدول لإحدى الصحف اليومية ما يلي : إننا لا نخشى العولمة لأن ثلاثة أرباع شعبنا أمي! و يتمثل الجانب الآخر من محو الأمية العالمية في تعامل الشخص مع تكنولوجيا المعلومات. فالأمر لا ينحصر في تخريج الجامعات لدفعات من حاملي شهادات عليا، وإنما يتمثل في حسن استغلال وسائل تكنولوجيا المعلومات الحديثة و كيفية استخدام الشخص لتكنولوجيا الوسائط المتعددة و أنظمة الحواسيب و شبكات الاتصال و التدريب، أو فيما ما يعبر عنه بمحو الأمية الالكترونية. هكذا أصبحت بهذا الشأن خطط و برامج الحكومات تشمل أساسا محو أمية الكتابة و القراءة في أوساط مجتمعاتها، و تدريبها كذلك على استخدام تكنولوجيا المعلومات و الاتصال و محو الأمية الالكترونية التي لا تزال منتشرة بنسبة كبيرة في شتى أنحاء العالم. فإذا ناهزت نسبة أمية الكتابة و القراءة في العالم 14 بالمائة كما سبق ذكره فإن الأمية الالكترونية تناهز 85 بالمائة بناء على مؤشر عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في العالم لسنة 2004، المقدر بحوالي 930 ألف نسمة أي بنسبة تصل إلى حوالي 15% من مجمل عدد سكان العالم.