تشير التجارب الدولية إلى اختلاف درجة تبني الشركات لبرامج المسئولية الاجتماعية من حيث المفهوم وعدد المبادرات المنفذة والقضايا التي تتبناها هذه المبادرات. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتفاوت تطبيق مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات بين الشركات بدرجة كبيرة. فهناك شركات تطبق برامج المسئولية الاجتماعية لسنوات طويلة لدرجة الوصول إلى مرحلة ابتكار برامج جديدة، بينما لا تزال بعض الشركات في المراحل الأولى من تبني هذا المفهوم. فالشركات الكبرى مثل شركة فورد أو جنرال موتورز أصبحت تضع معايير خاصة بها لقياس مدى نجاحها في تطبيق برامج المسئولية الاجتماعية. كما نجحت هذه الشركات في تبني برامج ناجحة للمسئولية الاجتماعية ليس فقط على المستوى المحلي ولكن عالميا من خلال سلاسل القيمة التي تعمل هذه الشركات من خلالها.
ويشجع الاتحاد الأوروبي قيام نوع من الشراكة بين قطاع الأعمال من ناحية والحكومات وأصحاب المصالح من ناحية أخرى. وينبع اهتمام بلدان الاتحاد الأوروبي بمفهوم المسئولية الاجتماعية من سعيها نحو تحقيق نمو مستدام وزيادة فرص العمل اللائق ومواجهة التحديات الناجمة عن تزايد المنافسة العالمية.كما يسعى الاتحاد أيضا نحو إقامة مجتمع قائم على تكافؤ الفرص وتوفير مستوى معيشي مرتفع وبيئة أفضل.وتعتقد بلدان الاتحاد الأوروبي أن قطاع الأعمال يستطيع المساهمة بفعالية في تحقيق هذه الأهداف من خلال تبني مفهوم المسئولية الاجتماعية ووضعه على رأس أجندة أولويات الشركات الأوروبية سواء العالمية أوالمحلية وبغض النظر عن حجمها. إلا أن الاتحاد لا يؤيد أن يتم ذلك من خلال فرض مزيد من القواعد والإجراءات أو سن القوانين حتى لا تزيد من أعباء الشركات وترفع تكلفة تطبيق برامج المسئولية الاجتماعية.
كما أكدت هذه التجارب على أهمية مساندة الحكومات للشركات ومساعدتها على تبنى برامج فعالة للمسئولية الاجتماعية للشركات وتقديم المشورة الفنية لبناء قدرات هذه الشركات في هذا المجال.ففى سنغافورة على سبيل المثال قامت الحكومة بسن القوانين واللوائح اللازمة لتنظيم وتشجيع مشاركة الشركات في برامج المسئولية الاجتماعية. كما قامت بتبني برنامجا للعقد الاجتماعي بين الشركات وأصحاب المصالح. ومن ثم يغلب الطابع الإجباري وليس التطوعي على تجربة المسئولية الاجتماعية للشركات في سنغافورة، خاصة في ضوء القيود الصارمة التي تفرضها الحكومة على التزام الشركات بالمعايير الدولية وبأفضل الممارسات في مجال الحوكمة.وفي عام ٢٠٠٤ أطلقت الحكومة المبادرة الوطنية الثلاثية وذلك من أجل رسم إستراتيجية للمسئولية بين الشركات.
وعلى الرغم من غياب إحصاءات دقيقة ودورية عن برامج المسئولية الاجتماعية وأثرها على تنمية المجتمع، إلا أن المؤشرات والدراسات تؤكد على الأثر الإيجابي لبرامج المسئولية الاجتماعية على تنمية المجتمع والتنمية البشرية والبيئة ومكافحة الفساد وعلى أداء الشركات ونشاطها ومؤشراتها المالية والعاملين بها وغيرهم من أصحاب المصالح. وقد أشارت التجارب الدولية أيضا إلى أن الترويج لمفهوم "فكر المشاركة" يعد من أهم العوامل التي تساعد على نجاح المشاركة الاجتماعية لرأس المال، حيث إن اعتماد خطط الإنتاج والتسويق على فكر المشاركة سوف ينعكس على أسلوب إدارة الشركات وعلى مستوى الخدمات التي تقوم بتقديمها وعلى حقوق العاملين بها.
وعند صياغة الشركات للرسالة التي تسعى لتحقيقها وعند رسم خططها التسويقية لابد وأن تتضمن بشكل واضح الأهداف الاجتماعية التي تسعى الشركة للمساهمة في تحقيقها وتحديد الفئات التي تستهدفها من خلال برامج المسئولية الاجتماعية.
مما سبق يمكن القول بأن المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص لا تعنى مجرد المشاركة في الأعمال الخيرية و عمل حملات تطوعية و إنما تتسع لتشمل مسئوليتهم تجاه أفراد المجتمع المتعاملين معهم و العمل على فتح باب رزق للشباب فخلقهم لمشاريع الشباب لاستيعاب البطالة مثلاً يعد من أسمى ما يمكن أن يقوموا به من عطاء ، فيجب أن يكون للقطاع الخاص العربى دورا تنمويا أساسيا و أن يصبح العطاء من أجل التنمية جزء لا يتجزأ من أنشطة هذا القطاع ، وكي تصبح المسئولية الاجتماعية مؤثرة فهي في حاجة لأن تأخذ شكل تنظيمي و مؤسسي له خطة و أهداف محددة بدلا من أن تكون جهودا عشوائية مبعثرة و خيرية قد تؤدى إلى الإتكالية و هذا يستدعى وضع خطة تغيير مجتمعي لنهضة المجتمع العربى. ويمكن أن تساهم المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص فى ذلك من خلال عدة محاور كما يلى:-
• يعتبر المحور التعليمي من أهم المحاور التي تتناولها إدارة المسئولية الاجتماعية،و من خلاله تقوم الشركات بتبني من البرامج والمنح للتعليم والتدريب بما يمكن من تطوير المهارات وتحسين فرص الشباب في إيجاد وظائف مناسبة و ذات دخل معقول. و هنا تأتي مساهمة تندرج تحت مظلة المسئولية الاجتماعية ،فمن جهة هي توفر فرص وظيفية لعدد من الشباب في مختلف المجالات أو مساعدتهم في إنشاء مشاريع صغيرة تعود بالفائدة على مجتمعهم .ومن جهة أخرى تعمل على ترقية الأجيال العربية ورفع كفاءتها.
• ومن المحاور المهمة التي يتناولها برنامج المسئولية الاجتماعية، المحور الصحي حيث يتوجب على الشركات العربية المساهمة في نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع بمختف طبقاته و شرائحه و ذلك من خلال تنظيم الحملات الموجهة من جهة وتوفير الموال اللازمة لذلك.
• برنامج المسئولية الاجتماعية الخاص بالمتقاعدين الذين ما زالت لديهم قدرة على العطاء و ذلك بابتكار مشاريع تتناسب مع أعمارهم و اهتماماتهم و توفر لهم دخل مناسب.
• يمكن أيضا أن تقوم هذه الشركات العربية الكبيرة بتشجيع التعاقد من الباطن مع عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتنفيذ عمليات معينة واستغلال الطاقات المتاحة بها واستقطاب عدد آخر منها للانخراط بسلسلة التوريد العالمي لهذه الشركات بما يتيح فرصا تصديرية لهذه المشروعات.
باختصار تنبع مشاريع المسئولية الاجتماعية من رغبة صادقة و إحساسا بالمسئولية تجاه المتجمع و تصب في كل الجهات التي من شأنها رفع المستوى العام للمجتمع في مختلف المجالات و ذلك بتوظيف كل مواردها و إمكانياتها في سبيل تنظيم آلية موحدة تخدم المشاريع والحملات الموجهة لخدمة المجتمع و أبناء الوطن من الجنسين. ولاشك في أن هناك حاجة إلى مجهودات كبيرة لنشر ثقافة المسئولية الاجتماعية و ثقافة العطاء التنموي بين المؤسسات و الشركات الكبرى في الدول العربية. و هذه الثقافة يجب أن تنتشر من خلال إبراز الواجب الأخلاقي و الوطني الذي يحتم على المؤسسات أن يقوموا به و أيضا من خلال وضع القوانين المحفزة للمؤسسات و التي تجعل من عطائهم حافزا لإنجاح و ترويج أنشطتهم التجارية. ومن الضروري التأكيد على أن نشر الوعي بالمسؤولية الاجتماعية بين الشركات والأفراد يحتاج إلى سنوات، وأن الشركات وخاصة التي تريد التوسع فى الخارج ستضطر إلى تبني برامج مسئولية اجتماعية أسوة بالشركات في الدول المتقدمة. ولذلك يجب على الشركات تبني برامج عمل علمية محددة في مجال المسؤولية يمكن تقييمها وقياس مردودها.
وفى هذا الخصوص نوصى بما يلى:-
1- دور الحكومات:
• توفير مناخ ملائم لقيام الشركات بنشاطها ومواجهة تحديات المنافسة المحلية والعالمية.
• إعطاء القدوة الحسنة للشركات من خلال الإفصاح والإعلان بشفافية عن سياسات الحكومة المختلفة وتوفير المعلومات وإتاحتها وتحسين نظم الحوكمة في الهيئات والإدارات الحكومية المختلفة وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
• تشجيع الشركات على التزامها بمسئوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح من خلال الحوافز الضريبية والامتيازات الخاصة بالمناقصات الحكومية، لفترة محددة وربطها بتحقيق أهداف اجتماعية بعينها.
• منح بعض الجوائز المالية والمعنوية لتشجيع الشركات على المساهمة الفعالة في برامج المسئولية الاجتماعية لرأس المال.
2- دور منظمات الأعمال:
• تحديد مفهوم مسئولية الاجتماعية لرأس المال، على نحو يعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع العربي.
• تنظيم حملات واسعة النطاق للترويج لمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات وزيادة الوعي لدى هذه الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، بأهمية هذه البرامج وأثرها على أرباح الشركات في المدى المتوسط والطويل وعلى اندماجها في سلاسل التوريد العالمية.
• ترتيب أولويات التنمية الاجتماعية التي يتعين على قطاع الأعمال استهدافها وتحديد أكفأ الطرق للتعامل معها.
• رسم إستراتيجية متكاملة للمسئولية الاجتماعية لرأس المال يتم بناء عليها تحديد الأولويات التي سيتم التعامل معها وأيضا المبادئ العامة التي يجب أن تلتزم بها الشركات عند تنفيذ برامج المسئولية الاجتماعية.
• تحديد إطار زمني لتنفيذ هذه الإستراتيجية واختيار بعض المؤشرات التي تقيس مدى نجاح برامج الإستراتيجية في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
• تشجيع الشركات على الإفصاح والشفافية وعلى تبني معايير محددة بخصوص الإفصاح عن البيانات غير المالية الخاصة ببرامج المسئولية الاجتماعية.
3- دور القطاع الخاص
• يتعين على كل شركة أن تُضمِن الرسالة الخاصة بها سياستها في تحمل مسئوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح، على النحو الذي يؤكد على حماية أصول الشرك، واحترام حقوق أصحاب المصالح.
• تبني الشركات سياسة واضحة للتنمية البشرية، بحيث تنص على مشاركة العاملين بالشركات في إدارتها من خلال مراجعة الميزانيات السنوية وتحديد الأجور ومستوى الرعاية الصحية التي يتمتعون بها وأيضا التدريب الذي يحتاجون إليه.
• تلتزم الشركات بمجموعة من القواعد الأخلاقية التي تحددها مجالس إدارات هذه الشركات ويقرها حملة الأسهم ويتم إعلانها بكل شفافية وتلتزم الشركات بتطبيقها.
• يتعين على الشركات أن تهتم بتلبية التزاماتها تجاه عملائها وأن تسعى جاهدة لتلبية رغباتهم وحماية حقوقهم.
• ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية أثناء ممارسة الشركات لنشاطها الاقتصادي.
• إعداد توجيهات استرشادية للمسئولية الاجتماعية.
4- دور الإعلام
تفعيل أهمية دور الإعلام في نشر المسؤولية الاجتماعية، برغم من أهمية دور الإعلام في نشر المسؤولية الاجتماعية لكنه لا يزال يفتقر لمفردات الوعي بالمسؤولية الاجتماعية إلى حد عدم التفريق بينها وبين ممارسات أخرى لذا من الجيد الإعلان عن الجهود الاجتماعية المبذولة حتى نكون قدوة للآخرين، ومن ثم يتسابق الجميع في هذا المضمار لتحقيق قدر أكبر من المنفعة للمجتمع.
5- دور الشركات عابرة القارات
• تقديم خبراتها المتراكمة من العمل في مجال المسئولية الاجتماعية لرأس المال في البلدان المختلفة،خاصة ما يتعلق بالبرامج الفعالة والمؤثرة وكيفية تنفيذها وتمويلها وأيضا أسلوب ومنهجية المتابعة والتقييم والإفصاح وإعداد التقارير.
• تقديم الدعم للشركات المحلية خاصة في مجال تدريب المدربين وتأهيلهم في مجال رسم وتنفيذ برامج المسئولية الاجتماعية لرأس المال.