جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
د. طه النعمة |
|
يُعتقد أن البشر، بسبب قدراتهم التفكيرية المتقدمة وحياتهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية المركبة والمتشابكة، يعانون من علل ومشكلات جسمية ونفسية ذات علاقة بما يمكن تسميته بالضغوط المحتومة لحياتهم المرتبطة بالأسرة والعمل والحياة الاجتماعية والصحية وحتى بالمستقبل، أكثر من سواهم من الكائنات، مع ذلك فإن بحوثاً نوقشت حديثاً في المؤتمر السنوي لرابطة تقدم العلوم الأميركية وجدت أن سعادين البابون تعاني هي الأخرى من الضغوط وتأثيراتها وذلك لان هذه الرئيسيات، كما يقول الباحثون، تعيش في مجتمعات تراتبية كبيرة كما هو حال البشر. ولكن ما هي حكاية هذه الضغوط؟ وكيف يمكن أن يكون لها مثل ذلك الوقع الذي يتناوله الباحثون ويحذرون منه؟ وكيف بالمستطاع التعايش معها بما يخفف من آثارها الصحية والنفسية؟ يمكن القول إن البداية كانت في العام 1926 عندما صكّ طالب الطب الشاب الكندي، النمساوي الأصل، هانز سيليه مصطلح stress وذلك في إطار صياغته لما أسماه "متلازمة التكيّف العام" والتي تتضمن ثلاث استجابات فسلجية لاحظ حدوثها تجريبياً عند حقن الكائن الحي بمادة لها تأثير سمّي. وعلى الرغم من أنه أقر، بعد مرور سنوات كثيرة، بأنه لم يكن موفقاً في اختيار المصطلح المناسب في حينها بسبب ضعف إنكليزيته، إلا أن ذلك لم يحل دون تواصل استخدامه وثباته لأن الوقت كان قد فات على تغييره. ونتيجة لذلك أصبح هذا المصطلح موضع جدال، وأحياناً، مصدر ارتباك لغوي ومفهوماتي، لذا ليس من المستغرب أن نجد له حوالي (300) تعريف في مختلف فروع الطب وعلوم الإنسان. ولم تكن الأدبيات العربية استثناءً، إذ استخدم بعضها مصطلح "ضغوط" معادلاً لمصطلح سيليه الشهير، بينما استخدم بعضها الآخر مصطلح "توتر"، قبل أن يقع اختيار المعجم الطبي العربي الموحد أخيراً على مصطلح "كرْب". ولكننا فضلنا العودة، في هذه المقالة، إلى استخدام مصطلح ضغوط ليس بسبب دقته، إذ إن نصيبه من الدقة لا يزيد عن نصيب مصطلح سيليه منها، ولكن لأنه أكثر شيوعاً وقابلية للصرف اللغوي، فضلاً عن ترجيحنا بأنه سوف يلقى قبولاً أكثر من لدن القارئ. وإذا ما استعرنا التعريف المستخدم في العلوم الفيزيائية فإن الضغوط هي نتاج القوة المسلطة على موضوع أو جسم. وعند تسليطنا قوة ضاغطة شديدة فإن الجسم سوف ينحني أو ينبعج ابتداءً ثم ينكسر في نهاية المطاف مع استمرار زيادة القوة المسلطة. وقد استخدمت التعريفات المعاصرة للضغوط المفهوم الوارد في تلك الاستعارة بتنويعات شتى. ويعد التعريف الذي اقترحه ريشارد لازاروس للضغوط النفسية هو الأكثر شيوعاً والذي يقرر فيه أن "خبرة الضغوط تقع عندما يعي الشخص أن متطلبات الموقف تتجاوز الموارد الشخصية والاجتماعية المتاحة له أو التي بمقدوره حشدها"، على الرغم من أن بعض الباحثين لا يوافقونه عليه. وفي كل الأحوال فإن العبرة لا تكمن في العثور على مصطلح أو تعريف مناسبين أو وافيين وإنما المهم، كما نعتقد، فهم مغزى أو محتوى المصطلح أو التعريف، وما نمنحهما نحن من معانٍ وفي أية سياقات نستخدمهما وماهية الجدوى المتحصلة من ذلك الاستخدام. وفي ضوء ما تقدم، لعله بمقدورنا القول إن ظروف الحياة دائمة التغيير، وان هذا التغيير يستثير ويتضمّن متطلبات ضاغطة نحو التكيّف للظروف المتغيرة والمستجدة. لذا فإن الفرد في حالة نشاط تفاعلي مستدامة من الضغوط والتكيفات. والضغوط يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية. وتشمل الاستجابة للضغوط على المستوى الجسمي أجهزة الجسم كافة، بغض النظر عن كونها ايجابية أو سلبية، لإعداد الجسم كيما يكون مهيئاً لمواجهة ظرف يتطلب زيادة في مستوى أداء تلك الأجهزة. ولما كانت الاستجابة، بهذا المعنى، هي استجابة لمتطلبات التكيف، لذا يمكن عدّها صحية، وأحياناً ضرورية لاستمرار الحياة. والاختلاف الأساس بين الضغوط الإيجابية والسلبية يتمثل في طبيعة الانفعالات والمشاعر المرافقة وما تتركه من أثر آني أو طويل الأمد في نفوسنا، ولنتأمل معاً هذه الواقعة ؛ كان نبيل واحداً من مجموعة تلاميذ تضمني، وكنّا نجتمع في مدرستنا المتوسطة مرتين أو ثلاث في الأسبوع قبل ساعة من بداية الدوام لكي نلعب الكرة في باحة المدرسة الواسعة مستبقين حضور باقي التلاميذ. وكان نبيل يأتي من البيت راكباً دراجته وقاطعاً بها حوالي ثلاثة كيلومترات بسرعة تمكنه من الالتحاق بنا في الوقت المناسب للمشاركة في اللعب، ولم يكن طول تلك الرحلة ومشقتها يثنيانه عن المشاركة المفعمة بالنشاط والمرح. في ذات صباح لم يحضر نبيل في موعده وبدأنا اللعب بدونه، وقبل انتهاء حصة اللعب أقبل نبيل شاحب الوجه متقطع الأنفاس مما جعلنا نتحلق حوله متسائلين فأخبرنا بصوت متهدج بأنه بُعيد خروجه المبكر من البيت مع دراجته بقليل شاهد رجلاً يطعن رجلاً آخر بسكين طويلة قرب نهاية الزقاق التي كان متوجهاً نحوها ثم شاهد القاتل يستدير فجأة ويتجه نحوه راكضاً فما كان من نبيل إلا الاستدارة وإطلاق دراجته بأقصى سرعة هارباً باتجاه النهاية الأخرى للزقاق، ولم ينظر خلفه إلا بعد وصوله إلى الشارع العام، ليجد أن الرجل قد اختفى ولكنه لم يجرؤ على العودة إلى البيت على الرغم من رغبته بذلك. هذه الواقعة ربما بمقدورها أن توضح لنا الفارق بين الضغوط الإيجابية والسلبية، إذ إن الضغوط المسلطة على أجهزة جسم نبيل وأعضائه في رحلته اليومية على دراجته نحو المدرسة لا تختلف كثيراً عن الضغوط التي سلطت عليها في يوم الهروب ذاك، ولكن الفارق كان في الخبرة الذهنية الانفعالية المرافقة للرحلة ذلك اليوم والتي حولت الضغوط stress الحميدة إلى محنة distress، وفي ظننا أن الكلمة الأخيرة هي التي كان يبحث عنها سيليه. والمثير الضاغط، بهذا المعنى يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً تبعاً للاستجابة العاطفية التي يثيرها: إيجابي مثل الترقية إلى منصب أعلى، وسلبي مثل فقدان ربِّ الأسرة. ويرى الكثير من الباحثين الآن أن الاستجابة للضغوط، في جوهرها، تتوخى استعادة وترصين توازن الجسم. إذ ليس الضاغط، واستطراداً المحنة الخارجية، سوى تحد لتوازن الكائن العضوي أو "الهميوستيسز" الذي يعني النزعة إلى إدامة الاتزان بين عناصر الكائن الحي المختلفة؛ مثل درجة حرارة الجسم المثالية ومستوى حموضة الدم المثالي وخلافهما، وبالإجمال التوازن المثالي في كل شيء. وبذا يمكن النظر إلى الضاغط على إنه أي شيء في العالم الخارجي يعمل على إلقائنا خارج ذلك التوازن المثالي، لذا فإن الاستجابة للضغوط ما هي إلا وسيلة لاستعادة التوازن، وهذا، في واقع الحال، ما تفعله وما نشأت لأدائه. الآن، إن كانت الأمور هكذا، ما الذي جعل منها إذن مشكلة بالحجم الذي نشهده في حياتنا الراهنة؟ ولماذا يجري ربطها بما يبدو وكأنه وباء كوني من العلل والاضطرابات؟ وللإجابة، علينا ابتداء إيضاح مسألة هامة تتمثل في وجوب عدم الخلط بين الضغوط الحادة والضغوط المزمنة، فنحن متكيفون بصورة جيدة للضغوط الحادة. إذ عندما يواجهنا نمر في الشارع العام فإننا نرحب بوجود منظومة من الاستجابات العضلية والهرمونية الجيدة والكفؤة كيما تساعدنا على الهرب. ولكننا في حياتنا الحضرية الراهنة لا نواجه نموراً ولا نُهدّد بالافتراس بالمعنى الحرفي للكلمة. ولكن هذه الحياة فرضت علينا أنواعاً مختلفة من الضغوط؛ ضغوط من داخل الأسرة وبسببها وضغوط في أماكن العمل وضغوط في البيئة الاجتماعية عموماً، فنحن غير مهيئين للضغوط الناجمة عن التعامل مع أمّ متسلطة أو أب مزاجي أو زميل عمل منافق متسلق على أكتاف الغير، ولسنا مهيئين للتعامل مع تأخر الترقية أو الحرمان منها لأسباب غير مفهومة. ولا لاحتمال النقل أو التعرض للعقوبة وفقاً لأمزجة الآخرين. وهذه هي بعض من الضغوط المزمنة التي يمكن أن تأخذ بخناق المرء على مدى أيام وشهور، وأحياناً، سنوات. وهي ضغوط تأصلت في حياتنا على الرغم من أن الجنس البشري غير معدّ إحيائياً لمواجهتها بصورة تلقائية. إذ إن الضغوط الناشئة عن الخوف من أشياء عيانية غالباً ما تكون ضغوطاً قصيرة الأجل، ولكن ما لدينا هو تلك المخاوف والهموم المزمنة الطويلة الأجل، وهنا تكمن المشكلة التي تتسبب فيما نلمسه من تزايد حالات الاضطرابات النفسية والاعتلالات البدنية ذات المنشأ النفسي. ولأسباب تتعلق بأسلوب تشبيك الدماغ فإن أول من يستشعر الأخطار أو الضغوط هو نسق بدائي يقع في جذع الدماغ، الذي يوصل كتلة الدماغ الرئيسة بالحبل الشوكي، ويتحكم هذا النسق بدرجة اليقظة التي يتعين أن تكون عليها باقي الأنساق وحركيتها عند أداء وظائفها، وتكمن أهميته من الناحية البقائية في أدائه دور الناطور الذي يقرع جرس الإنذار في لحظة الخطر لتأمين رد فعل سريع عن طريق إعلان حالة الإنذار داخل الكائن الحي وتهيئته كيما يكون قادراً على تقديم أفضل ما يمكنه من أداء. والإنذار الذي يطلقه ذلك الناطور يؤدي إلى أولاً، استثارة الجزء الودّي من الجهاز العصبي المستقل وهذا يقوم على الفور باتخاذ عدة إجراءات متزامنة أهمها تحفيز قسم من الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلى على إفراز مادة الأدرينالين. وثانياً، استثارة النسق الانفعالي في الدماغ الذي يقوم بإصدار أوامر إلى الغدة الدرقية لكي تحفز بدورها جزءاً آخر من الغدة الكظرية لإفراز مادة الكورتيزول. ويمثل الأدرينال والكورتيزول ما نسسبته 80% -90% من القوة الحصانية المحركة، إن جاز التعبير، لما يفعله جسمنا أثناء التعرض للأخطار والضغوط، إذ يقومان، فضلاً عن أمور أخرى كثيرة، برفع مستوى ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب ورفع طاقة الرئتين وإطلاق كميات إضافية من السكر في مجرى الدم وبذا يوضع المزيد من الأوكسجين والوقود تحت تصرف الجهاز الحركي وهذا أمر مركزي لا غنى عنه في استجابة الهرب أو القتال (استجابة الكرّ والفرّ) التي هي ضرورة من ضرورات البقاء عند التعرض للأخطار والضغوط العيانية الداهمة. وهي استجابة يجب، بعد أداء غرضها اللحظي، أن تُفكك ويعود الجسم بأسرع ما يمكن إلى حالة "الهيميوستيز"، ولكون هذا النسق بدائياً من الناحية النشوئية، فهو لا يستطيع التمييز بين الأخطار الواقعية الداهمة والأخطار المتصورة أو المتخيلة أو حتى تلك اللاشعورية (غير الموعى بها). ومع أنه أسهم بدون شك، في بقاء الإنسان كنوع، إلا أن الضرورة البقائية لبعض جوانب نشاطه في حياة الإنسان المعاصر لم تعد بالأهمية ذاتها التي كانت عليها عندما كان الإنسان يعيش في بيئته النشوئية الأصلية أي البرية. بل يمكن القول إنها تؤدي غالباً إلى إعاقة تكيّف الإنسان مع نمط حياته الراهن. إذ مع استمرار خبرة التعرض للضغوط، الواقعية منها والمتصورة، يأخذ الإجهاد ومن ثم الاستنزاف مأخذه من أجهزة الجسم وأعضائه نتيجة وقوعها تحت عبء تلك الطاقة المتراكمة والتي لا تجد لها تفريغاً. وفي الغالب تكون البداية أعراضاً جسمية مختلفة تشمل تلك الأجهزة والأعضاء، ثم تتحول مع ديمومة تلك التأثيرات إلى أضرار عضوية لا يمكن عكسها ويصعب إصلاحها. خصوصاً إذا ما علمنا أن تواصل إفراز الكورتيزول على الخصوص يؤدي إلى إعاقة عمل الجهاز المناعي مما يجعل الجسم واهناً أمام غزو الميكروبات والطفيليات المرضية من داخله وخارجه. وقد حفز ذلك الطبيبين النفسيين ثوماس هولمز وريتشارد راهه في العام 1967 على تفحص سجلات طبية عائدة لأكثر من خمسة آلاف شخص من الذين لديهم أمراض جسمية في محاولة لتعرف ما إذا كان التعرض لأحداث حياتية ضاغطة قد ساهم في إحداث تلك الأمراض لديهم. وفي ضوء الملاحظات التي تجمعت لديهما قاما بإعداد لائحة على شكل استبانه تتضمن 43 حدثاً حياتياً خبرها المريض في السنة المنتهية قبل ظهور المرض، وقد أعطي كل حدث، استناداً إلى إجراءات واستفتاءات معقدة، علامته النسبية الخاصة به في مفتاح احتساب النتائج ؛ إذ كانت العلامة المعطاة لوفاة الزوج / الزوجة، في سبيل المثال، هي 100 علامة بينما يحصل الزواج على 50 علامة ووجود مشاكل مع الرئيس في العمل أعطيت 23 علامة وهكذا، وعلى وفق ذلك فإن من يجمع 300 علامة فأكثر يعدّ معرضاً بشدة للإصابة بأحد الأمراض الجسمية، بينما من يحصل على 150- 299 علامة معرض بصورة متوسطة للإصابة، ومن يحصل على أقل من 150 علامة يكون في مأمن من الإصابة بمرض بسبب أحداث حياته. وقد وجدا علاقة موجبة بين الأحداث الحياتية الخاصة بالمريض ومرضه، كما أيدت دراسات لاحقة ما توصل إليه الباحثان في دراستهما الرائدة. وتعرف تلك اللائحة الآن باسم "مقياس الضغوط لهولمز وراهه". وقد وجدت دراسات أخرى أن وقع الضغوط ومدى تأثيرها رهينان بالشخص كذلك، إذ لو افترضنا، في سبيل المثال، أن نعمان وحميد فُصلا من عملهما، فإن نعمان، من ناحيته، يمكن أن يرى في ذلك كارثة قد حلّت به، وبأنه سيكون في وضع لن يمكنه من تلبية حاجات أسرته والإيفاء بالتزاماته الأخرى وسوف يكون عرضة لضغوط شديدة طويلة الأمد بكل ما لها من تأثيرات سلبية على صحته الجسمية والنفسية. ولكن، من الناحية الأخرى، قد يرى حميد في ذلك فرصة متجددة للعثور على عمل أفضل يلبي طموحه، وفسحة تسمح له بقضاء وقت مفيد مع الأسرة والأصدقاء وربما التوجه لتعلم مهارة جديدة. وبذا فإن الفصل من العمل يثير ضغوطاً أشد ويرجح أن يحدث استجابة الكرّ والفرّ أكثر لدى نعمان بالمقارنة مع حميد. وفي ضوء هذا التباين في استجابة الأشخاص للضغوط، هناك أدلة متكاثرة تشير إلى أن أوتار حساسيتنا للضغوط تجري دوزنتها، إن صح التعبير، في فترة الطفولة المبكرة بواسطة اثنين من العوامل النوعية؛ الأول، توفر أو عدم توفر التماس البدني الكافي والمرضي، مثل الاحتضان والتربيت، بين الرضيع، ولاحقاً الطفل، وأمه أو من يقوم مقامها؛ إذ إن الملامسات والتربيتات كما بيّنت بحوث متأخرة تنمي دارةً عصبونية ذات علاقة بالوظائف الاستثارية والانفعالية في الدماغ، والتي تحدثنا عنها آنفاً، تجعله أكثر مقاومة للظروف الضاغطة وأقل انفعالاً بها. والثاني، مستوى الضغوط الفعلية التي يتعرض لها الطفل في بيئته المباشرة، إذ إن التعرض إلى مستويات مرتفعة من الضغوط في تلك البيئة يمكن أن تتسبب في حساسية عالية للضغوط في حياته عندما يصبح راشداً. وخلافاً لكل ما تقدم نجد في المقابل أن هناك أشخاصاً لديهم قدرة استثنائية على تحمل خبرات التعرض للأخطار والضغوط المتكررة والتكيّف معها بصورة جيدة، بل إنهم في واقع الأمر يسعون إلى تلك الخبرات ويقبلون عليها بشغف. ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن فرانك هربرت، كاتب روايات الخيال العلمي الأبرز في القرن المنصرم، ربما كان أول من نبّه، في ثلاثيته الكلاسيكية Dune (كثبان) والتي صدرت تباعاً في الأعوام 1965 و1969 و1976، إلى وجود أشخاص يدمنون الأدرينالين، إذ إن تدفق الأدرينالين في عروقهم يثير فيهم إحساساً استثنائياً بالعافية وصفاء الذهن وشعوراً ممتعاً بهيجاً يصل حد الانتشاء أحياناً. لذا ليس غريباً أن نجد أشخاصاً يندفعون بحماسة نحو القيام بأعمال "بهلوانية" ومجازفات غاية في الخطورة يومياً، وآخرين لا يملّون ركوب الأفعوانية أو ممارسة القفز الحر بالمظلات. وبما أنه قد تمت الإشارة على نحو عام إلى تأثيرات الضغوط طويلة الأمد أو المزمنة على الجسم والذهن، لذا قد يكون من المفيد الآن أن نكون أكثر تحديداً وتفصيلاً في تعرفها، لأن تعرفها المبكر مهم في الحيلولة دون تحول الأعراض التي بالإمكان تدبرها إلى تخريبات عضوية غير قابلة للإصلاح بمرور الوقت، ولتكن البداية مع أعراض الجسم، وكما يأتي: - تغيّر في الشهية يجعلنا نأكل أقلّ أو أكثر من المعتاد. - تغيّر في عادات النوم يجعلنا ننام أقل أو أكثر من المعتاد. - بروز بعض المظاهر السلوكية مثل قضم الأظافر والتململ و"الصّك" على الأسنان والتحدث بصوت مرتفع. - تكرار الإصابة بالزكام والتعرض لنوبات الصداع ومختلف الصعوبات التنفسية والهضمية والجلدية والجنسية وخلاف ذلك من الأوجاع والآلام خصوصاً في العضلات والمفاصل والتي لا يمكن تفسيرها عضوياً. - شعور متواصل بالتعب والإنهاك. أما بالنسبة للذهن، فإن أهم التأثيرات التي يمكن أن تطوله هي: - شعور بالهمّ والتطيّر وأحياناً القلق الصريح. - تبدل في الكيْف مثل الشعور بالانقباض والإحباط وسرعة الاستثارة وتفجيرات الغضب ونفاذ الصبر. - زيادة في اللجوء إلى الطعام والسجائر وربما الكحول والحبوب. - إهمال أمور مهمة مثل العمل والدراسة والمظهر الشخصي. - نشوء مخاوف غير منطقية من أمور مثل التلوث والعدوى والمرتفعات والأماكن المكشوفة. وبينما يمكن عدّ وجود واحدة أو اثنتين من الأعراض أعلاه أمراً لا يدعو إلى القلق لأن كل واحد فينا لديه هذا الانشغال المبالغ به أو ذاك، فإن وجود عدد منها يعني أن الشخص واقع حقاً تحت وطأة ضغوط شديدة. ولكي نكون قادرين على تعرفها ومن ثم التعامل معها بصورة منهجية ندوّن كل عبارة من العبارات الواردة أدناه على ورقة مع ترك فراغ مناسب بين واحدة وأخرى يكفي لكتابة 4 - 5 نقاط (من 1 إلى 5) وحسب مقتضى العبارة، وكما يأتي: - الأمور والأحداث والسلوكيات الآتية هي أكثر ما يجعلني أقع تحت وطأة الضغوط: - عندما أعاني جسمياً من الأمور الآتية أستطيع القول بأني واقع تحت وطأة الضغوط: - وجدت أن الأمور الآتية تعينني على الاسترخاء عندما أشعر بأني واقع تحت وطأة الضغوط: وبعد الانتهاء من تدوين نقاط الاستجابة لكل عبارة نعيد قراءة كل ما كتبناه بما يعيننا على اتخاذ واحد أو أكثر من القرارات والإجراءات الآتية: - سوف أحاول تجنّب الأمور التي تجعلني مضغوطاً كلما أمكنني ذلك. - سوف أصغي إلى جسمي وعندما أشعر بأنه واقع تحت الضغوط سأحاول تعرف السبب. - سوف أحاول أن أمارس بعض النشاطات والفعاليات التي وجدت بالتجربة إنها تخفف عني وتمنحني بعض الاسترخاء. - سوف أضع في حسباني أن أكون مرناً وقادراً على تجريب مختلف الأمور التي من شأنها تقليل تأثير الضغوط علي. - سوف أحاول التحدث مع شخص يمكن الوثوق بقدرته على الإنصات لي بذهن متفتح ومتفهم ومتعاطف. - سوف أحاول تحويل بؤرة انتباهي عن الأحاديث والأخبار والشائعات التي من شأنها إيقاعي تحت طائلة الضغوط كل ما كان ذلك ممكناً.
المصدر : الباحثون العدد 49 تموز 2011 |
|
|
خدمات البحث العلمي 01009848570