ترجمة وإعداد: هبة الله الغلاييني

كيف تقول لا وتحظى في الوقت عينه بقبول الآخرين
بقلم: وليام أوري

 إن "لا" هي الكلمة التي نستخدمها لحماية أنفسنا والدفاع عن أي شخص أو شيء يهمنا، لكن قول "لا" بشكل خاطئ قد يدّمر هو الآخر علاقاتنا بالآخرين وينفّرهم منا. وهذا ما يجعل قول " لا " بالطريقة الصحيحة أمراً حيوياً. سواء كان قي العمل، أو البيت، أو في محافلنا المختلفة.
 والسّر في كلمة " لا " دون تدمير العلاقات يكمن في فن استخدام الرفض الإيجابي، وهي آلية مجربة يمكن للجميع تعلمها.
 يقول مؤلف الكتاب: إنني من ناحية تدريبي - متخصص في علم الإنسانيات حيث أدرس الطبيعة، والسلوك البشري، ومن ناحية المهنة فإنني متخصص في التفاوض- مدرّساً ومستشاراً ووسيطاً، أما من ناحية العاطفة، فإنني باحث عن السلام.
 إنني منذ طفولتي أشاهد المشاجرات العائلية على مائدة العشاء، وكنت أتساءل عن إمكانية إيجاد طرق أفضل للتعامل مع خلافاتنا من تلك الصراعات المدمرة. وخلال العقود الثلاثة الماضية كنت أعمل كطرف ثالث لحل النزاعات التي تبدأ من النزاعات الأسرية وحتى خلافات مناجم الفحم، والصراعات التجارية، والحروب العرقية في الشرق الأوسط وأوربا وآسيا وإفريقيا. وقد سنحت لي الفرصة كي أستمع وأقدم المشورة لآلاف الأشخاص، ومئات المؤسسات والهيئات الحكومية في كيفية التفاوض بشأن التوصل إلى اتفاق حتى في أصعب الظروف. وخلال فترة عملي هذه شاهدت كماً هائلاً من الصراعات المدمرة التي لا طائل من ورائها والتي تخلّف أسراً وصداقات محطمة ودعاوى قضائية، وصراعات مدمرة، ومؤسسات منهارة، لقد كنت في قلب المعارك ورأيت كم الرعب الذي يولّده العنف في قلوب الأبرياء. ومن العجيب، إنني رأيت أيضاً مواقف تمنيت لو أن الصراع والمقاومة كانا فيها لغايات سامية. لقد أدركتُ أن قول " نعم " لا يمثل أكثر من نصف الصورة - بل إنه النصف الأيسر منها، ولقد ذكر لي رئيس شركة - وهو أحد عملائي - أن موظفيه لا يجدون صعوبة في الوصول إلى الوفاق بينهم، إلاّ أن كلمة "لا" هي ما يمثل صعوبة بالنسبة لهم. وفي هذا الصدد يقول  أحد المشاهير البريطانيين " إن فن القيادة ليس في قول "نعم" وإنما في قول "لا" بأسلوب مناسب.
 ولقد أدركت أيضاً أن المشكلة الكبرى لا تكون في عدم الوصول إلى التوافق، بل في العجز أولاً عن قول "لا". فنحن في الأغلب لا نقدم على قول " لا " حين نريد قولها، أو حين يجب قولها. أو نقولها بطريقة تعطّل اتفاقاً أو تدّمر علاقة. فإما نسلم بمطالب غير عادلة، أو بالظلم، أو الاستغلال وإما نشتبك في صراعات مدمرة يخسر فيها الجميع.
الأهمية الكبرى لكلمة " لا "
(إن كلمة " لا " التي تقال إثر اقتناع عميق، لها أثر أفضل وأعظم من كلمة " نعم " التي تقال للإرضاء، أو تفادي المشاكل).
المهاتما غاندي

 "لا" على المائدة و..
إن كلمة " لا " هي أكثر الكلمات قوة في اللغة التي نحتاج إليها اليوم. وقد تكون أيضاً أكثر الكلمات تدميراً، بالنسبة لكثير من الناس قد تكون أصعب كلمة تقال على الإطلاق، لكننا حين نتعلم استخدام تلك الكلمة على نحو صائب، يكون من شأنها تحويل المواقف بشكل جذري نحو الأفضل. فعلى مائدة الإفطار، طلبت منك ابنتك الصغرى راجية أن تشتري لها لعبة جديدة، فرددت أنت قائلاً: "لا، فلديك ما يكفي من اللعب". فبالغت في الترجي قائلة: "من فضلك يا أبي فكل أصدقائي لديهم واحدة". فكيف يمكنك أن ترفض دون أن تشعر بأنك أب سيء؟ لقد رفضت ابنتك أن تتم إفطارها، ومن الضروري أن تتناول إفطارها. لكن عليك أيضاً أن تذهب إلى عملك. ويصيبك الغضب منها، لكنها تنهار باكية وتصر على عدم تناول الإفطار، فكيف لك أن تجعل من رفضك فعّالاً وإيجابياً حيال رفضها الطعام.
 وحين تصل للعمل، تدعوك رئيسة عملك إلى مكتبها، وتطلب منك العمل أثناء عطلة نهاية الأسبوع القادم لإتمام مشروع مهم. ومع أن هذه العطلة قد خططت أنت وزوجتك للخروج فيها، وهو ما تحتاجان إليه بشدة. لكن رئيسة عملك هي من تطلب ذلك. فكيف لك أن تقول " لا " ردّاً على طلبها دون تهديد علاقتك برئيسة العمل، أو تهديد موقفك من الترقية المقبلة؟
 وأثناء عملك يتصل بك أحد العملاء طالباً منك تسليم منتج خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، وأنت تعرف من خلال خبرتك الماضية مدى الضغط الذي سيتولد داخلياً جراء هذا الموعد، وفي النهاية قد لا يرضي العميل عن جودة المنتج، لكن هذا العميل مهم بالنسبة لك، ولن يرضى بكلمة " لا " رداً على طلبه، فكيف لك أن تقولها دون إفساد العلاقة؟
 وعلى العشاء، تلك الليلة تثير زوجتك مشكلة أمك المسّنة التي وصلت لسن لا يؤمن عليها فيها العيش وحدها، ويتطلب ذلك أن تعيش معك، وزوجتك تعارض ذلك بشدة، وتلّح عليك في أن تتصل بها وتقول لها " لا "، ولكن كيف يمكنك قول " لا " لأمك؟ !! إن كل هذه المواقف يجمع بينها أمر واحد: وهو أنه لكي ترضي حاجاتك وحاجات الآخرين فعليك أن تقول " لا " للمطالب غير المرغوب فيها، أو للسلوك غير الملائم أو غير اللائق، أو الموقف غير المجدي أو غير العادل.

لماذا " لا " ولماذا " الآن"؟
إن قول " لا " كان أمراً مهماً على الدوام. لكنه ينطوي على مهارة لم تكن قط ضرورية ومهمة مثلما هي الآن.
 أثناء مدة عملي، توفرت لي فرصة الترحال بشكل مكثف، وزيارة المئات من مواقع العمل، وعائلات من عشرات المجتمعات، والتحدث مع الآلاف من الأشخاص، وأينما ذهبت كنت أجد الناس تحت ضغوط متزايدة، فلقد قابلت مديرين ومهنيين يستنفدهم الإفراط في العمل، ورأيت أناساً يصارعون من أجل أسرهم وأعمالهم، وخصوصاً النساء اللائي يعملن خارج البيت، قابلت آباء لا يجدون وقتاً مناسباً يقضونه مع أطفالهم، ووجدت أطفالاً مثقلين بواجباتهم المدرسية ودروسهم. وتناقص الوقت المخصص لهم للهو واللعب، ففي كل مكان أجد الناس مثقلين ومنهكين، وإنني أعدّ نفسي أحدهم.
 ولقد أصبح لدينا بفضل ثورة المعلومات، معلومات أكثر، واختيارات أكثر من ذي قبل، لكن أصبح لدينا أيضاً قرارات أكثر ينبغي اتخاذها. ووقت أقل لذلك في ظل تسارع وتيرة الحياة نظراً للتقدم التكنولوجي، لقد تآكلت الحواجز بين البيت والعمل حين أصبح العمل يصل إلى الناس عن طريق الهواتف الخلوية، والبريد الإلكتروني في أي وقت وأي مكان. وقد انهارت القواعد أيضاً، وأصبحت الإغراءات بتحطيم القواعد الأخلاقية أكثر حدة، وأصبح من الصعب على الجميع وضع الحدود فضلاً عن التمسك بها.
 أن كلمة " لا " أصبحت هي التحدي الأكبر في عالم اليوم. إن الصعوبة في الرفض تنجم عن التناقض بين ممارستك لقوتك وميلك لتغليب حسن العلاقة. فممارستك لقوتك بقول " لا " قد تحدث شرخاً في العلاقة، بينما يكون انتصارك لحسن العلاقة إضعافاً لقوتك.
 وهناك ثلاثة توجيهات فيما يتعلق بالتعامل مع معضلة التضارب بين السلطة والعلاقة.

1 - الرضوخ: نحن نقول "نعم" حين نريد في الواقع قول " لا " وهذا الاتجاه يميل إلى تفضيل العلاقة حتى ولو كان ذلك على حساب المنفعة الشخصية، وهو ما نسميه الرضوخ، أو قول "نعم" حين ينبغي قول " لا "
 وهذا يعني عادة أن تقول " نعم " لتشتري بها سلاماً مؤقتاً وزائفاً. فتستجيب مثلاً لطلب ابنتك لشراء لعبة جديدة لتتحاشى شعورك بالذنب من رفضك لشيء تريده. وقد تجد أن ذلك يفضي إلى المزيد من الطلبات ـ وهكذا ينزلق كلاكما إلى سلسلة غير متناهية من العواطف غير السعيدة. وحين يطلب منك رئيس العمل مواصلة العمل أثناء العطلة التي خططت للخروج منها أنت وعائلتك، فإنك تضغط على أسنانك، ثم تشير بالإيجاب، خوفاً من فقدان الترقية المنتظرة مضحياً في سبيل ذلك بسعادة أسرتك.
 إننا في الأغلب نقبل بالأمر من أجل الهروب من مواجهته، حتى لو كنا ندرك أنه ليس القرار الصائب. إن ردّنا بالإيجاب بهذا الشكل يكون إيجاباً مدمراً لأنه ينطوي على التضحية باهتماماتنا الأساسية.
 ويبدو من هذا أن أغلب مشاكلنا اليوم تنبع من قولنا " نعم " في أمور ينبغي فيها قول " لا " وليس هناك أفدح من الثمن الذي يدفعه المرء نتيجة قوله " نعم " حين يجب أن يقول " لا ".
 
2 – الهجوم: إننا نقول " لا " على نحو سيء:
 إن عكس الرضوخ هو الرفض والهجوم، فنحن في هذه الحالة نستخدم سلطاتنا دون اعتبار لطبيعة العلاقة، وإذا اعتبرنا أن الرضوخ نابع من الخوف فإن الهجوم نابع من الغضب. وقد تشعر بالغضب تجاه الآخرين بفعل سلوكهم المؤذي، أو بسبب مطلب غير منطقي منهم، أو الإحباط جراء موقف معين. ومن ثم فإننا نهاجم الآخرين بقول " لا " بطريقة تهين الطرف الآخر، وتدمر العلاقة معه. ودعني هنا أسّطر إحدى أفضل المقولات عندي وهي لـ " أمبروز بيبرس".
" تحدّث أثناء غضبك. وستجد أنك ألقيت كلاماً ستندم عليه للأبد".
 إذا كان الكثير من مشاكلنا ينشأ من قول " نعم " حين ينبغي قول " لا " فإن الكثير منها أيضاً ينشأ من الرفض بشكل مباغت وهجومي. إننا نعيش في عالم يموج بالخلافات في المنزل، وفي العمل وفي المجتمع كله. انظر مثلاً للخلافات العائلية والصراعات الحادة. ومشاحنات غرفة الاجتماعات، والحروب الدموية، وفي كل مرة يهاجم فيها طرف طرفاً آخر، ما هي الرسالة التي قد يتلقاها أيهما؟ إن الرفض هو ما يقوم عليه أي صراع صغر أم كبر، فما هو الإرهاب، وهو أكبر تهديد للعالم اليوم؟ إنه ليس إلا طريقة بشعة لقول " لا ".

3 – التجاهل: ألاّ تقول أي شيء
هذا المسلك أو الطريق الثالث، وفيه نتجنب الردّ بنعم أو لا. ولا نقول شيئاً على الإطلاق. وهذا التفادي هو رد الفعل الشائع في أغلب الخلافات هذه الأيام، خصوصاً داخل العائلات والمؤسسات، لأننا نخشى من إيذاء الآخرين، ودفعهم للغضب والرفض، فإننا نركن إلى الصمت آملين أن تزول المشكلة من تلقاء ذاتها حتى لو كنا على يقين أنها لن تنتهي، فيجلس الأزواج مثلاً على مائدة العشاء صامتين في برود أو ندعي أنه ليس ثمة ما يزعجنا في العمل رغم أننا نموج بالغضب من سلوك أحد الزملاء، ونتجاهل أيضاً، الظلم والعنف الذي ينزل بالآخرين من حولنا.
 إن ذلك التجاهل لا يؤذي صحتنا فحسب مسببّاً الارتفاع في ضغط الدم والقرحات المختلفة، لكنه يؤثر على الحالة المؤسسية أيضاً، حيث تتراكم المشكلات على نحو لا يسمكن تفاديه.
 إن التجاهل ـ في أي من نواحي الحياة ـ أمر مهلك، وكما قال " مارتن لوثر كينغ " " ذات مرة ": " تبدأ حياتنا في الانتهاء حين نغض الطرف عن عظائم الأمور ".

الرفض الايجابي عبارة عن " نعم " ! " لا "، " نعم " ؟
إن " لا " الإيجابية على نقيض " لا " التي تبدأ بالرفض وتنتهي بالرفض، حيث نجد أن " لا " الإيجابية تبدأ بنعم، وتنتهي بنعم.
 إن قولك " لا " يعني قولك " نعم " لنفسك ولحماية ما يهمك إن " لا " الإيجابية عبارة عن " نعم ! لا، نعم؟ " و" نعم " الأولى تعبّر عن اهتماماتك، ثم تأتي " لا " لتؤكد على قولك ثم تقّوي " نعم " الثانية من علاقتك مع الطرف الآخر، والرفض الإيجابي يحقق التوازن بين القوة والعلاقة في تحقيقك لأهدافك. ولكَ أن تلاحظ الاختلافات بين " نعم " الأولى والثانية، فالأولى تركّز على ما يخصك ـ فهي تأكيد على اهتماماتك، وما ترغبه وتريده، أما الثانية فهي تركّز على الآخر ـ فهي دعوة له للتوصل معك لاتفاق.
 إن السر في الرفض الإيجابي هو الاحترام، فالفرق بين الرفض الإيجابي والرضوخ هو احترامك لذاتك، وما هو مهم بالنسبة لك، والفرق فيها وبين الهجوم هو احترامك الطرف الآخر حين ترفض طلباً أو سلوكاًَ ما.
 واستخدام " لا " الإيجابية مثمر لأنك تقف على قدميك أنت، وليس على أصابع أقدام الآخرين. إننا حين نقف للدفاع على أنفسنا، يمكننا أن نتعلم الكثير من الأشجار، فهي تعرف كيف تقف بمفردها شامخة، وتعرف كيف تثبت جذورها في الأرض بينما تناطح السماء.
 والرفض الإيجابي يشبه الشجرة إلى حد كبير، فجذعها يشبه قولك " لا " حيث تأتي قوية ومباشرة. لكن كما أن جذع الشجرة هو الجزء الأوسط فيها فإن قولك " لا " هو الجزء الأوسط من الرفض الإيجابي أن الأساس التي ينبثق منها الجذع هي " نعم " الأولى ـ تلك التي تشير إلى أمورك الأساسية التي تحقق لك الرضا. أما الفروع والأوراق التي تخرج من الجذع فإنها " نعم " الثانية، وهي تلك التي تقترب بك من إيجاد نقطة التقاء مع الطرف الآخر أو علاقة مستقرة. وثمرة الشجرة هي النتائج الإيجابية التي تطمح إليها، بينما يتعلق الأمر بمواجهة أنفسنا والتصدي لها، فبإمكاننا أن نتعلم الكثير من الشجرة، فالشجرة تستطيع أن تضرب بجذورها العميقة في الأرض. بينما يبلغ طولها عنان السماء. ولقد وصف الشاعر " ويليام بتلر ييتس " شجرة اللوز بقوله: " عظيمة الجذور والثمار" وذلك هو الرفض الإيجابي ـ فهو عبارة عن " لا " تشبه الجذع القوي، و" نعم " عميقة تشبه الجذور، تنبثق منها " نعم " كثيفة الأغصان مزدهرة.

الفوائد الثلاث الكبرى في " لا " الإيجابية
يقول حكماء الهند القدامى: إن هناك ثلاث عمليات أساسية في هذا العالم وهي: الخلق، والحماية، والتحول. والرفض هو أمر أساسي في هذه العمليات الثلاث، فلو تعلمت كيف تقول " لا " بحنكة ومهارة فيمكنك أن تحصل على ما تريده، وحماية ما تقدره، وتغيير ما لا يجدي وهذه الفوائد الثلاث العظمى تتمخض من قول " لا " الإيجابية.

كيف تحصل على ما تريده؟
في كل يوم يواجه كل منا خيارات متعددة، صغيرة كانت أم كبيرة، وقبولك لإحداها يعني رفضك للخيارات الأخرى، ونستطيع فقط من خلال قول " لا " إيجاد مساحة لما يستحق القبول في حياتك من الناس والأنشطة التي تهتم بها بحق، وهنا يكمن السر المعقد: وهو أنه لا يمكن قبول شيء ما حتى ترفض شيئاً آخر في المقابل رفضاً إيجابياً.
 لقد تعلمت هذا الدرس مبكراً في حياتي العملية من المستثمر الشهير والناجح " دارين باغيت " الذي أفضى إليّ بسر تحقيقه لثروته على مائدة إفطار في أحد الأيام، وهو قدرته على الرفض، حيث قال: " لقد جلست طيلة يوم أنظر في عروض استثمار فأرفضها – لا- لا - لا، حتى وجدت ما أتطلع إليه بالضبط، وحينها قلت " نعم ". لقد كان علي أن أقول " نعم " مرات قليلة لكي أصنع ثروتي. إن كل " نعم " هامة تتطلب قول الكثير من اللاءات.
 إن " لا " هي الكلمة المحورية في تحديد هدفك الأساسي. خذ مثلاً لذلك شركة " ساوث ويست إيرلاينز ". وهي أكثر الخطوط الجوية نجاحاً في الولايات المتحدة، والنموذج الأول للخطوط الجوية قليلة التكلفة في كل أنحاء العالم. والسر في ذلك، حين تتفكر في الأمر، هو قول " لا " الإيجابية لعملائها. كي تقول الشركة " نعم " للنجاح، وتحقيق الأرباح (وهي " نعم " الأولى) فإن إستراتيجيتها تتمثل في قول " لا " لحجز المقاعد، وللوجبات الساخنة، ولنقل الأمتعة بين الخطوط الجوية. وحين رفضت الشركة هذه الخدمات الثلاث التي كانت تعد مميزات أساسية للركاب تمكنت الشركة من الإسراع بحركة طائراتها في مختلف المطارات، وهذا بدوره يجعل الشركة تقبل بأجر معقول (وهي " نعم " الثانية) وفق جدول رحلات ملائم لمعظم المسافرين - وهي المميزات الأكثر أهمية لدى الركاب.

" لا " الإيجابية تمكنك من حماية ما تقدّره
 تأمل للحظة كل الأشياء التي تهمك: سعادتك الشخصية، والأمان لمن تحب ونجاح المؤسسة التي تعمل بها، والأمان لبلادك، والوضع الاقتصادي الجيد. إن كل ما تهتم به تقريباً يمكن أن يتأثر أو يتهدّد من جراء سلوك الآخرين. والرفض الإيجابي يمكننا وضع الحدود الأساسية، والمحافظة عليها والدفاع عنها ـ سواء كان ذلك على المستوى الشخصي، أو التنظيمي أو الاجتماعي، وهي الحدود الضرورية والأساسية لحماية ما نعتز به. تأمل كيف استطاعت مجموعة من الأمهات قول " لا " لعنف عصابات المراهقين المستشري في أحيائهن في " لوس أنجلوس " والذي بدا وكأنه لا سبيل إلى إيقافه، وبعد شعورهن بقلة الحيلة في بداية الأمر، وجدت النسوة قوتهن في التضرع إلى الله، وخرجن ذات ليلة إلى الشوارع، حيث لاقين جماعات المراهقين الذين ينتظرون سبباً للعراك كل يوم، وقد تحدثت النسوة إلى الشباب من أبنائهن وأبناء إخوانهن وأخواتهن، وقدمن لهم المياه الغازية والكعك، واستمعن إلى أحزانهم وشكواهم. والغريب أن الشباب لم يتشاجروا في تلك الليلة. ولذا فقد خرجت النساء في الليلة التالية والتي تليها. واستجابة لاهتمام الشباب، وقد بدأن في توفير أعمال صغيرة لهم كتدريب للتخلص من العنف.
 وقد انخفض معدل العنف بشدة في الجوار. إن سر أولئك الأمهات يكمن في " لا " الإيجابية، وكانت " نعم " الأولى التي قالوها موجهة للسلام والأمان. أما " لا " فكانت للعنف ثم جاءت " نعم " الثانية لمساعدة الشباب في إيجاد عمل يحقق احترامهم لأنفسهم.

الرفض الإيجابي يمكنك من تغيير ما لا يجدي
سواء كنا نتحدث عن أي تغييرات تنظيمية في العمل، أو تغييرات شخصية في المنزل، أو أخرى أساسية واقتصادية في المجتمع، فإن كل تغيير خلاّق يبدأ برفض الوضع الراهن، وربما كانت تلك الـ " لا " للرضا عن الأوضاع القائمة والركود في العمل، للمعاملة السيئة داخل الأسرة، أو للظلم داخل المجتمع الأكبر.
 كان هناك أسرة لديها ابن يدمر حياته، وحياة أسرته بإدمانه للقمار، فاجتمعت الأسرة بكل أبنائها ذات يوم فيما يعرف " بالتدخل والمشاركة " وواجهوا الابن بشكل بنّاء، وبدؤوا معه بالحديث عن مدى أهميته لهم (نعم الأولى)، واتبعوا ذلك بإخباره بأن عليه أن يتوقف عن المقامرة (وهذه هي اللا وإلا فسيفقد دعمهم، ودعوه إلى طلب المساعدة من خلال برنامج علاج دائم (وهي نعم الثانية) وحين تمت مواجهته بهذا الرفض الإيجابي، وافق على البرنامج العلاجي. وتخلص من إدمان المقامرة. وإجمالاً، فإنك سواء أردت صنع ما تريد أو الحفاظ على ما تحب، أو تغيير ما لا يجدي، فليس هناك أجدى من استخدام " لا " الإيجابية، فهي تساعدك في حياتك العملية للرد على المطالب غير المعقولة من قبل العملاء، ورفض السلوك المسيء من الزملاء، والضغط الزائد من الرؤساء، وتساعدك أيضاً في حياتك الأسرية بنفس القدر. لمقاومة طلبات أطفالك اللحوحة، وزوجتك المدللة، ومقاومة السلوك السيئ للمراجعين، وتساعدك أيضاً على مقاومة السلوك الاستغلالي والمضايقات غير الأخلاقية. وتصلح " لا " الإيجابية أيضاً للعالم ككل: فالقادة مثل المهاتما غاندي، وروزا بارك، ونيلسون مانديلا، أظهروا لنا كيف نقول " لا " بقوة، وبشكل بنّاء للظلم الاجتماعي، والعالم في أمس الحاجة إلى ذلك الرفض الإيجابي، فإذا تعلمت من هؤلاء كيف تقول " لا "، فإن بالإمكان تحقيق قدر كبير من السلام والعدل في العالم.
 إن طريقة " لا " الإيجابية تساعدك على قول " لا " حتى لنفسك. فأغلبنا يواجه أحياناً صعوبة في قول " لا " لإغراءات وسلوكيات مدمرة لذواتنا مثل الطعام والشراب والاستهلاك، وأحياناً نرضخ لتلك الإغراءات، أو نهاجمها من خلال محاسبة النفس، أو إنكارها ببساطة. إن قول " لا " حتى لأنفسنا يمكنتا من حماية رغباتنا الأسمى مع إبداء الاحترام لذاتنا - وتكون تلك مساعدة لا تقدّر بثمن على طريق السمو بذاتنا.


المصدر : الباحثون 34 - نيسان 2010
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 4524 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,488

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters