محمود حسين
ما من أحد لا يريد لنفسه الرفعة والتقدم، وتحقيق ما يصبو إليه من نجاحات سواء على المستوى العلمي، أو على المستوى العملي؛ فكل العاقلين ينشدون النجاح، وفئة منهم أكثر عقلاً تنشد التميز المتواصل، والنجاح وحده في عالمنا الحاضر لم يعد كافياً، فالثورات العلمية الهائلة لم يعد يجدي معها الطموح في النجاح وحسب، بل تتطلب التميز الذي يمكّن صاحبه من مواكبتها والتعامل الفعّال معها، وليس أدل على ذلك من التطورات التكنولوجية الكبيرة في مجال الاتصالات، والتي جعلت العالم المترامي الأطراف يتقوقع في قرية صغيرة، بل في غرفة صغيرة .
وإن كان عبء النجاح والتميز يقع بدرجة كبيرة على الفرد ذاته، فإن هذا لا ينفي تحمّل المجتمعات والدول هذا العبء بدرجات أكبر، فلكل دوره الهام في تحقيق هذا النجاح والتميز، والذي يعود بالتأكيد بفوائد عميمة على كل من الفرد والدولة والمجتمع ككل .
فتقدم الأمم الآن يُقاس بمدى ما تملكه الدولة من تكنولوجيا وعلم حقيقي يتوافق مع المتطلبات العملية - وليس علماً تقليدياً يعتمد على التلقي وحمل ألقاب وفقط-. ولا يُقاس هذا التقدم – كما يفهم البعض – بمدى ما تملكه الدولة من مال، فالدولة التي تملك العلم والتطور التكنولوجي، والعمل الجاد الحقيقي على ترجمتهما إلى أرض الواقع تملك أسباب النمو والتقدم الاقتصادي، فهي تتبنى الفكر الإستراتيجي بعيد المدى وتطبقه، فنراها تستثمر في البنية التحتية، وتتبنى سياسات تصنيعية هامة، فتبني المصانع التي تعمل على إنتاج ذي جودة عالية للآلات والمعدات والسيارات والحواسيب الإلكترونية، فضلاً عن نظم الاتصالات والبرمجيات، وبذلك تضمن دوام الواردات المالية عن طريق اكتسابها لحصة سوقية كبيرة، ولا يُقاس تقدم الأمم بما تملكه الدولة من مال وحسب، فالدولة التي تملك المال دون العلم والتقدم التكنولوجي، ستنفقه راغمة في الاستهلاك حتى ينفد، ثم لا تجد إلاّ الخواء والفقر على المدى البعيد إن كان لديها مال يكفي للآماد القصيرة والمتوسطة .
ولعل المقام يفرض علينا أن نذكر للتدليل على الدول التي تقدمت بالعلم والعمل، وأصبحت الآن في مصاف الدول المتقدمة، ومن أهم هذه الدول اليابان، وألمانيا اللتان خرجتا من الحرب العالمية الثانية مدمرتين اقتصادياً ومحتلتين عسكرياً، ولكنهما كانتا تملكان الأهم من ذلك وهو العقول البشرية، والإرادة الصلبة، فانتهجتا سياسات وبرامج علمية تخدم واقعهما العملي، وانتهجتا أساليب عملية تتفق وما تفرضه عليهما ظروف المرحلة، ولم تتخلّيا عن التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى، حتى وصلتا إلى مكانتهما المتقدمة بين الدول، وكذلك تجربة ماليزيا والتي تُعدّ بحق تجربة يُحتذى بها، فهي لم تكن منذ ثلاثة عقود من الزمان شيئاً مذكوراً؛ إذ كانت من الدول الفقيرة، ولكنهـا بتوفيـق من الله، ثم بالتخطيط الإستراتيجي الفعّال، وبإرادة شعبها، نجحت في نقل التكنولوجيا المتقدمة، وعملت على تطويرها، وتسخيرها لخدمة واقعها، حتى نجحت فيما خططت له، والشاهد على ذلك مركزها الاقتصادي الآن بين دول العالم، وكذلك تركيا وما حققته من تقدم اقتصادي مشهود في السنوات القليلة الماضية .
والآن دعونا نبحث في كيفية إيجاد التوافق والتناسق بين العلم والعمل، والاستفادة من هذا التوافق وهذا التناسق في تحقيق النجاح والتميز..
إن كان التفكير الصحيح والإرادة القوية والتخطيط السليم من عوامل النجاح – وهذا حق - فإنها لا تحقق النجاح وحدها.. بل لابد أن تُترجم إلى نشاط وعمل يتفق وقدرات الفرد وصفاته الشخصية، فضلاً عن إمكاناته الماديـة، وهـذا النشاط وذاك العمل سوف يحقق النجاح شريطة ألاّ يحيد عن الخطة الموضوعة بعد تفكير عميق ودقيق .
إذا أردت – أيها الرجل، وأيها الشاب، وأيتها المرأة، وأيتها الفتاة - أن تحقق – أو تحققي - النجاح في أي مجال فلابد لك من السعي الدؤوب، والأخذ بالأسباب الحقيقية، والعمل الجاد المتفاني، كي تحقق هذا النجاح المنشود .
فالعمل الجاد والمستمر يكسبانك الخبرة والمهارة، واللتان تمكّنانك بدورهما من إنجاز أعمالك بمرونة ويسر وفاعلية، فضلاً عن تمكينك من التغلب على الصعاب التي قد تعترضك أثناء تأديتك لعملك .
وإذا نظرت إلى سنة الله -سبحانه وتعالى- في الكون فستجد أنها تشترط العمل للحصول على المراد من ورائه، وليس العمل فقط بل العمل المصحوب بالإتقان والإحسان، فلا تجد مثلاً: مسكناً يُقام ويطاول السحاب دون عمل، بل وعمل شاق من فئات بشرية متنوعة الثقافات، والمهارات، والشهادات العلمية، والخبرات والكفاءات، ولا تجد ثمرة تتوقف عليها حياتك تأتيك دون زرْعِ زارعٍ، وما يصاحبه من عمل مضنٍ وشاق، ومتابعة طويلة حتى يحصد تلك الثمرة، ويقدمها لك لكي تقتات عليها، ويستمر جريان الدم في شرايينك.. ومن ثم تستمر أنت على وجه الأرض..!
إن الحقيقة التي لا خلاف عليها أن الأشياء لن تتحقق بذواتها؛ أي بدون عمل..! فالعمل هو أساس كل شيء..! فإذا سألت نفسك: لماذا أتعلم؟! تجد الإجابة المباشرة من أجل الحصول على شهادة – أياً كان مجالها – لكي أعمل أو ألتحق بوظيفة تتطلبها..! فالعلم هنا –أي الحصول على شهادة– وسيلة من الوسائل المتبعة للوصول إلى العمل..! وتجد آخر يقول: أتعلم العلم الشرعي – مثلاً – كالفقه، أو الحديث أو التفسير... الخ لكي أعمل به.. وأطبقه بشكل عملي مبني على العلم.. انطـلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.. فعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". متفق عليه. فلكي يتحقق الإيمان في نفسي فلابد من عمل بالجوارح يبرهن على وجوده، فالإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل.. إذاً فالإيمان مقدمة للعمل، وقد ورد ذكر العمل بعد الإيمان في كثير من الآيات الكريمات..
وبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات جزاء العمل الصالح.. قال تعالى: "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً". [النساء:124]، وقال تعالى: "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". [البقرة:25].
إن العمل والعلم متلازمان، فلا فائدة من علم بلا عمل، ولا فائدة من عمل لا يقوم على علم؛ فالعلم مقدمة للعمل، وكذلك العمل مقدمة للعلم..!
والتخطيط الصحيح المبني على الأسس العلمية، وسيلة جيدة لعمل جاد، والعمل غير القائم على التخطيط الصحيح، عمل مبتور يؤول في كثير من الأحوال إلى الإخفاق، ومن ناحية أخرى إذا توافر التخطيط الصحيح ولم يصاحبه عمل موازٍ له فسيصبح حبراً على ورق، لا قيمة له، و يكون ضياعاً للوقت والجهد.. فمثلاً: إنْ وضع طالب للعلم أو موظف خطة جيدة لدراسة علم ما للحصول على شهادة في هذا العلم، أو التدريب على عمل ما يحتاجه للتقدم إلى وظيفة ما، ولم يترجم هذه الخطة إلى عمل حقيقي، بمعنى لم يهتم بدراسة هذا العلم، أو يلجأ إلى إحدى أكاديميات التدريب للحصول على التدريب المناسب، فعدم الترجمة العملية للخطة المكتوبة سيؤدي إلى الإخفاق في تحقيق النجاح والحصول على الشهادة المنشودة، أو عدم تحقيق الجدارة التدريبية والخبرة العملية المطلوبـة للوظيفة المأمولة .
والتفكير السليم الخالي من الشوائب والتشويش..! من أهم مقدمات العمل الناجح؛ إذ إن النجاح في أي عمل لابد أن يسبقه ويلازمه أثناء التنفيذ تفكير صحيح؛ فالتفكير سابق للتخطيط والعمل.
إن العمل حقيقة هامة من حقائق الكون؛ فلابد للإنسان أن يعمل لكي يحصل على رزقه، وهذه السنة الكونية ليست مقصورة على الإنسان فقط، وإنما تشمل الكثير من مخلوقات الله سبحانه وتعالى..! فالكل مأمور بالعمل لكي يحصل على رزقه.. فالطير يترك عشه كل صباح غير عابئ بحرارة شمس أو برودة طقس، ليبحث عن رزقه، ورزق صغاره..! فهو يخرج جائعاً، ويعمل بجد واجتهاد حتى يأكل ويعود لصغاره بأكلهم.. فهو يخرج "خماصاً ويعود بطاناً"..!
وقد فرض الله –سبحانه- العمل على البشر أجمعين، ولم يستثن منهم خير عباده، وهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.. فقد كان منهم راعي الغنم، والنجار، والحداد... وغيرها من المهن التي يعمل فيها الرجال، و كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، يقول الله سبحانه وتعالى:"وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً". [الفرقان:20] .
والعمل ليس بنقمة، أو عقاب للإنسان يصيبه بالتعب والنصب، بل هو نعمة من الله سبحانه..! لا يقدرها حق قدرها إلاّ كل ذي لب، وفهم لحقيقة الكون..! فحياة أي إنسان بدون عمل لا تُطاق.. فالعمل يقي المؤمن من شرٍ الوحدة والفراغ.. التي تورث في النفس الكثير من المهلكات، ومن أهم هذه المهلكات الكسل، وهو نقيض من نقائض العمل، وليس لبيان خطورته على الإنسان المسلم أكثر من تعوذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه في أذكار اليوم والليلة، حيث يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". فالعمل يصنع الأمجاد، ويحقق الذات، ويوصل للآمال، والكسل يورث العجز في نفوس أصحابه الذين لا يتطلعون إلى المعالي، ويركنون إلى الدعة..!
ومن أجل العمل جعل الله سبحانه النهار للناس معايش، يقول سبحانه: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً".[الفرقان:47]، ويقول سبحانه: "رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً". [الإسراء:66]
وقد فرض الله سبحانه وتعالى العمل على كل مسلم، وأمره أن يتحرى الحلال الطيب من الرزق، يقول سبحانه: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". [الجمعة:10 ].
فالعمل عبادة لله سبحانه، والذي يعمل، ويحسن العمل، يستحق النجاح والتميز، فضلاً عن استحقاق الثواب العظيم من الله سبحانه في الدنيا والآخرة، يقول سبحانه:"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ". [القصص:77].
أما الإنسان الخامل، الكسول، الراكن إلى الدنيا.. الذي لا يعمل فلا يستحق النجاح، ولا يستحق الحياة أصلاً.. لأنه يضع نفسه في جانب المهمشين، العالة، الذين لا قيمة ولا وزن لهم في الحياة..!
وللعمل الجاد أمور ومتطلبات يجب على كل إنسان يسعى إلى النجاح والتقدم والتميز أن يلزم نفسه بها.. كي يحقق أهدافه من خلال هذا العمل.. وسنعرض بإيجاز بعض هذه المتطلبات المعينة على العمل الجاد:
1- التزام الإقدام: أن تكون مقداماً.. أي تقوم بالعمل طبقاً لمقتضيات الحال.. فلا مجال للتسويف والتأخير، ولا تأجيل لعمل اليوم إلى الغد؛ فرأسمالك الحقيقي هو الوقت، والـوقت هو عمرك في هذه الحياة، وكما يُقال: لكل مقام مقال، ولكل حدث حديث. والوقت المتاح لك لإنجاز عمل ما الآن، قد لا يتوافر لك غداً، فثبات حال الإنسان من المحال..! والفشل قد يتأتى من التسويف.. أي تأجيل الأعمال للأيام أو الشهور أو السنوات القادمة بلا مسوّغات حقيقية..! فإن كنت قد أرهقت نفسك في التفكير والتخطيط لإنجاز عمل ما.. فما عليك الآن إلاّ البدء في تنفيذ هذا العمل طبقاً لخططك الموضوعة، ورسّخ في نفسك الإقدام على إنجاز العمل بهمة عالية، وإرادة قوية، متجنباً اليأس والكسل. والإقدام من الأمور المكتسبة بالممارسة والتدريب عليها..! فلا تتردد في الإقدام على العمل، فعلاج الكسل الذهني هو العزم على الفعل والإنجاز..! وقم بترتيب أولوياتك فإن لم تستطع القيام بكل الأعمال في وقت واحد، فأنجز مهمة من العمل، ثم مهمة أخرى.. وهكذا.. حتى تصل إلى إنجاز جميع المهمات الخاصة بالعمل والمحددة سلفاً في خطة عملك.
2- اجعل شعارك في العمل 'العمل الجاد المتواصل: فالعمل قد يكون مطلوباً في ذاته في بعض الأحيان، كمن يريد ملء فراغ لديه فيقوم بأداء عمل ما ليس له خطة سابقة.. أما العمل الذي نقصده فهو العمل القائم على التفكير والتخطيط المحدد المعالم والمهام، والمحدد النتائج.. فهذا العمل يتطلب منّا البذل والعطاء، والجد والاجتهاد، والاستمرارية.. فالنجاح بالوصول إلى تحقيق الأهداف المحددة، لا يأتي بالتمني، وإنما يأتي من خلال العمل الجاد والشاق، وبالصبر والمثابرة.
3- ألزمْ نفسك بالدوام على العمل: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام عليه العبد، وإن قل".. فالعمل الدؤوب المتواصل والمستمر يصل بصاحبه إلى الهدف المنشود.. والعبرة في الأعمال دائماً بالخواتيم، فلا تظن أنك قد حققت النجاح بمجرد البدء في العمل لإنجاز مشروع ما – أياً كان هذا المشروع – وإنما ترسخ في نفسك أنك بدأت أولى الخطوات المؤهلة للنجاح..! فقد تتوقف في منتصف الطريق، ويؤول مشروعك إلى الإخفاق..! ويكون عملك في هذه الحالة هباء منثوراً..! فتحقيق النجاح يتأتى بالعمل المتواصل حتى نهاية الطريق، وتحقيق الأهداف المحددة.
4- ألزمْ نفسك الإحسان في العمل: من نعم الله الكبرى على الإنسان أن جعل له عقلاً يميز به بين الخبيث والطيب، ويختار إنْ أعمل عقله الأطيب والأحسن من الأعمال، وبعد هذا الاختيار، يلزم نفسه الإتقان في إنجاز هذه الأعمال لكي يتحقق له ليس النجاح فحسب، وإنما التميز أيضاً.. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات التزام الإتقان والإحسان في العمل، وليس بالعمل فقط، وجعل الثواب العظيم لهذا الإتقان.. حيث يقول سبحانه: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ". [الملك:2]. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
5- كن ذكياً في التعامل مع عملك: من المعلوم أن لكل شخصية إنسانية مداخلها أي مفاتيح لهذه الشخصية..! وكذلك فإن لكل عمل مداخله..! بمعنى أن تتعامل مع إنجاز عملك بذكاء وحرفية، ومن أقصر الطرق، فعليك بتحديد المدخل الذي تبدأ به عملك، فابدأ عملك بالأسهل ثم تدرج حتى تصل إلى نهاية الطريق، ويُقال دائماً لطالب العلم: ابدأ بحل السؤال الأسهل.. ومعرفة مفاتيح العمل.. أي الدخول الصحيح في عملية تنفيذ العمل ووضعه على أرض الواقع.. يؤدي إلى الخروج الصحيح منه أيضاً.. أي الوصول إلى النتائج المرجوة، والمخططة سلفاً.
6- لكي تنجز بل وتتميز في عملك عليك بحبه: فإن مَن أحب شيئاً تفانى في الوصول إلى تحقيقه وإنجازه..! لأنه يشعر بمتعة كبيرة أثناء تنفيذه، وقد تنسيه هذه المتعة المشاقّ التي يلقاها أثناء التنفيذ، وقد تدفعه دفعاً إلى الابتكار والإبداع والإنجاز بصورة أفضل مما خطط له سابقاً..! وعليك إن كنت ممن لا يحب عمله أو لا يشعر بمتعة أثناء تنفيذه أن تستبدل هذا العمل بعمل آخر إن كان ذلك في مقدورك، أو تلجأ إلى الدراسة والتدريب اللذين يؤهلانك إلى الالتحاق بالعمل الذي تميل إليه وتشعر أنك ستحقق النجاح فيه، فضلاً عن تحقيق ذاتك من خلاله وهذا أمر هام..!
7- أيقظْ انتباهك دائماً أثناء قيامك بأداء عملك.. فهذا يؤدي إلى إنجازه طبقاً لما خُطّط له، وقد يكون بشكل أفضل مما خُطّط له..! ومن ثم تضمن عدم ضياع وقتك، وجهدك، وتشعر باستمرار بطعم النجاح.. وهذا الشعور دافع قوي لتحقيق نجاحات وراء نجاحات..!
يقول (إليون تيك) وهو أحد الأطباء النفسانيين في كتابيه (الأهداف) و (الخوف من النجاح): 'لنفترض أن طول مدة الانتباه لديك عشر دقائق، وأمامك عمل يتطلب إنجازه ساعة.. حالما يبدأ عقلك بالشرود توقف عن العمل لمدة ثلاثين ثانية تؤدي خلالها أي عمل من شأنه أن يقوي الدورة الدموية، كأن تقفز في الهواء، أو تذهب لإحضار كوب من الماء... بعد ذلك تابع عملك مركزاً عليه كل انتباهك لمدة عشر دقائق.. وهكذا إلى أن تنجزه، فتكون أضعت ثلاث دقائق فقط من أصل ستين دقيقة".