سامح جاد / القاهرة

الصراع بين القديم والحديث، بين الجمود والتطور، هو أحد سنن هذا الكون وينسحب هذا الأمر على الشركات والمؤسسات والأفراد، لا سيما في مجتمعاتنا العربية التي تعاني فيها بعض مؤسساتها من الترهل الإداري والنمطية والخوف من التجديد والابتكار وهو ما يُجمِله خبراء الإدارة في مصطلح الروتين.
والروتين هو مرادف للعادة والتقليد والنمطية، أي أداء نفس المهام بشكل منتظم من قبل نفس الأشخاص في نفس الأوقات، واعتماد اللوائح الثابتة والأقدمية والقدرة على الأداء كأسس للإدارة، ومنهج التعاطي بين الرؤساء والمرؤوسين، بعيداً عن التطوير أو التجديد، أو تبني الأفكار المبتكرة والحلول غير النمطية.
والروتين بلا شك من الآفات التي أصابت مجتمعاتنا العربية وعطلتها عن مسيرة النهوض والتقدم وروح العصر الذي تلهث فيه المجتمعات نحو التجديد، ونحو تبني الجديد من الأفكار والمخترعات، وإذا كان الروتين ينشأ عندما يتمسك الجيل القديم بأفكاره ونظمه الإدارية، ولوائحه الوظيفية، والحفاظ عليها في حالة من الجمود، فهناك جيل جديد راغب في كسر الجمود داخل المؤسسة بأفكار جديدة وروح تطوير وتطور جديدة ملائمة للعصر الحالي.
إن التشبث بالأفكار التقليدية وبالأنماط الجامدة للإدارة وباللوائح الشكلية للعمل هو دافع إلى التراجع وربما الانهيار داخل الشركات والمؤسسات، لكن المؤسسات الناجحة بالفعل هي تلك المؤسسات القادرة على العمل بروح العصر، والقادرة على التغيير وإعادة صياغة خططها وأهدافها، والتي تترك لموظفيها مساحة من التحرك والإبداع في إطار نفس الأهداف الموضوعة مسبقًا، فالمؤسسة أو الشركة التي تقف أمام رياح التغيير والتطوير ستندثر أو ستقتلعها رياح التغيير.

عقبات يصنعها الروتين

لقد عشنا عصراً يفاخر فيه المدير أو الرئيس في مؤسسة ما بأنه يقود جيشًا من المرؤوسين لا يمكنهم التصرف دون قراراته أو إشاراته ومشوراته، وكثيراً ما ترددت على أسماعنا جملة "بناء على توجيهات المدير..." ، فإذا كان هذا هو حال في المستويات الإدارية العليا، فما بالنا بالمستويات الإدارية الأدنى ألا يستدعي ذلك تطوير الثقافة الإدارية وإطلاق حرية الإبداع وترقية المتميزين !!
فالسلبيات التي يخلقها الروتين داخل مؤسساتنا عديدة ترتبط بالفرد وبالإدارة، أما ما يرتبط بالفرد فيتمثل في الهروب الدائم من المسئولية وتحملها، والتمسك بالإجراءات واللوائح الرسمية العقيمة وبحرفية القوانين وبالتالي جمود وعدم مرونة الأداء، كما أن الشخص الروتيني ليس لديه الرغبة في تفويض السلطة ويميل إلى المركزية في أداء الأعمال والواجبات، وهو متطرف في مركزية الأداء مما يؤدي إلى صعوبة اتخاذ القرار، دون الرجوع إلى رئيسه المباشر في كل صغيرة وكبيرة نتيجة عدم رغبته في تحمل المسئولية، كما أنه –الشخص الروتيني- ليس لديه رغبة في تطوير أسلوب العمل مما يجعله نمطي الأداء يتصف بالتكرار والملل والبطء في التنفيذ، وتجنب الابتكار، والتقيد بأسلوب أداء ثابت.
ومن سلبيات الروتين فيما يتعلق بالمؤسسة أو الشركة التدرج النمطي في السلطة، والتأكيد على أهمية التنظيم الرسمي، حيث يقوم المدير بإصدار القرارات والأوامر وتبليغها للمرؤوسين من خلال قنوات الاتصال الرسمية، بعيداً عن الاتصال المباشر، ومن ثم انتفاء العناصر المعنوية كبواعث للاجتهاد والإبداع، وتحول العلاقة بين المؤسسة وموظفيها إلى علاقة مادية جافة، وهو ما يقتل بدوره دافعية التطوير والنهوض في نفوس الأفراد.
يضاف إلى ذلك من معوقات التطوير في المؤسسات والشركات ارتباطاً بالنمطية والروتين التحديد الدقيق لمجال ونطاق السلطة والمسئولية الرسمية لأي مستوى إداري، والتزام المرؤوسين بقوانين ولوائح وقواعد العمل الرسمية وتنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من الرؤساء.

بين الجمود والمرونة

إن التطوير الشامل يبدأ بتطوير التشريعات والقرارات التي تحكم عمل الجهاز الإداري داخل المؤسسة أو الشركة، فكثير من التعقيدات الروتينية التي تعطل العمل ناتجة عن بعض مواد التشريعات المنظمة للعمل، فمن المهم إعادة صياغة كافة القوانين والأنظمة والقرارات التنفيذية الجامدة والتي غالباً ما تعود لفترات ماضية قد تصل لربع قرن أو خمسين عاماً، وأصبحت تحتاج إلى تعديل جذري.
فالتغيير يعني كسر الجمود وترك مساحة واسعة من المرونة تسمح للنظام بالكامل (أفراد ومؤسسات)، بأخذ خطوات من التطوير والنجاح، والوصول إلى بناء تنظيمي يسمح للأفراد والمؤسسة أن يتحركوا نحو أكبر قدر من المرونة دون الإخلال أو التفريط.
ويتم ذلك عبر وضع استراتيجية متكاملة للإصلاح الإداري تشمل تطوير شامل للإدارة تستند لتوصيات ودراسات متخصصة قادرة على مواجهة نفوذ بعض الذين سيرفضون التغيير .

الرقابة والإشراف

للرقابة والإشراف شأن كبير في النظام الروتيني يشبه إلى حد كبير النظم العسكرية من الرقابة المباشرة واللصيقة، وهي لا تأتي لقياس درجات النجاح والإنجاز بقدر ما ترتبط بمراقبة مدى قيام المرؤوسين بتنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدر إليهم من مديرهم بغض النظر عن قبولهم أو عدم قبولهم لها، وهي تشهر سلاح العقوبات لمحاسبة المخطئين؛ لأنها وبشكل روتيني ترصد الأخطاء، وتتغافل عن النجاحات ولا تنسبها للأفراد، بل للمستويات العليا من الإدارة التي وضعت اللوائح والنظم الدقيقة التي أوجدت هذا النجاح –حسب اعتقادها.
والمؤسسة الروتينية تخشى تدفق المعلومات إلى جميع الأفراد، لذلك فهي تعتمد أسلوب التقارير كوسيلة لتقييم الأداء ومتابعة نتائج التنفيذ، وتسجيل كل القرارات والأوامر والسياسات حتى يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
وبتركيز النظم الروتينية على الجوانب المادية للعمل وتجنب الاعتبارات والعلاقات الاجتماعية والعاطفية عند الأفراد تنشأ لدى الجميع حالة حذر دائم وترقب خشية الوقوع في خطأ، كما تظهر المجاملة والوساطة والمحسوبية والنفاق.
أما في النظم الإدارية الحديثة فتكون أدوات الرقابة والإشراف غير مباشرة وتعتمد في جانب كبير منها على الرقابة الذاتية لدى العمال أو الموظفين وتنبع الرقابة الذاتية من كسر حاجز الخوف من العقاب أو من الإدارة، وتنمية قيمة الانتماء داخل الموظفين، هذا دون الإخلال بقواعد الإشراف الواجبة والمرتبطة بالمراجعة والتدقيق والثواب والعقاب.<

الإدارة بالمشاركة

إننا بحاجة لتغيير الثقافة الإدارية السائدة بالأجهزة الحكومية والمؤسسات والشركات من القاعدة إلى القمة والتحول إلى الإدارة بالمشاركة والاقتناع والترقية للمتميزين والمبدعين لا للكسالى والمحاسيب، ونريد موظف مبدع ومسئول قادر على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، المؤسسة نظام مغلق لا تخرج عن كونها بناء هرمياً مادياً يعطي خدمات أو يستفيد ماديات وأرباحاً.
فالشراكة في الإدارة بين الرؤساء والمرؤوسين تعني نظام مفتوح على المجتمع ترتبط فيه المؤسسة أو الشركة بالنسيج الاجتماعي تتفاعل مع الناس، تتأثر وتؤثر فيهم، على عكس النظم الروتينية التي تكون نظماً مغلقة يلتزم أفرادها بالسلوك الرسمي للتنظيم والمفروض عليهم والذي ينظمه قواعد ولوائح العمل الرسمية والتي تحكم نظام العمل وأسلوب الأداء عند وضع وتنفيذ الأهداف والسياسات وبرامج العمل وعند أداء كل فرد الواجبات والأعمال الملتزم بأدائها.
والشراكة في الإدارة تُعني بالسلوك الرسمي وغير الرسمي كأساس في التعامل داخل المؤسسة لأن الاثنين يصدران من سلوك بشري واحد (فردي أو جماعي) وله أثره الواضح على العمل، وتفاعل كل الرجال معاً لإنجاح وتحقيق الهدف المطلوب وفقاً لقواعد ومبادئ العمل حتى ولو تعارضت مع الأهداف والرغبات الشخصية.

القيادة وكسر الروتين

للقيادة دور مهم في تحريك النظم الإدارية وكسر الجمود والروتين داخل المؤسسة أو الشركة عبر تنظيم شامل للجهاز الإداري داخل المؤسسة يضع في اعتباره الأهداف التي تسعى لتحقيقها استراتيجية الإصلاح الشامل والكفاءة كأساس للتقييم ووضع البرامج التنفيذية لذلك.
فإذا كان القائد في النظم والمؤسسات الروتينية يتولى بحكم المنصب والمركز الوظيفي الرسمي له وطبقاً لمبدأ التدرج في السلطة (الأقدمية)، بعيداً عما يتمتع به من سمات أو مهارات، فإن النظم المتطورة في الإدارة تعنى بتولي أصحاب الكفاءة للمواقع القيادية لتصبح الكفاءة والتميز أسس الترقي والوصول للمناصب الإدارية العليا.
ونرى جلياً كيف أن القائد في النظم الروتينية لا يؤثر في رجاله إلا من خلال الأوامر والتعليمات الرسمية حيث يتم اتخاذ القرارات من القمة، ومعروف حدود وظيفته ونطاق سلطاته ومسئولياته.
أما القائد الفعال في النظم الحديثة للإدارة فهو مؤثر في رجاله بلا شك ليس بحكم المنصب ولكن بسلوكه وقدرته على التأثير في المواقف المختلفة، فهو يرفع الروح المعنوية بين كل الأفراد ويعاونهم على فهم الوسائل المناسبة والخاصة بالعمل.
والقائد المتطور هو من ينمي أفكاره وقدراته ومعلوماته، ولديه القدرة على تحقيق أهداف المؤسسة دون الإخلال بالتفاعل الاجتماعي البناء مع مرؤوسيه، لتكون القيادة والأوامر من أعلى لأسفل، كما هي من أسفل لأعلى وهذا هو لب التفاعل وكسر الروتين في العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين، وهو لذلك يختار أساليب عمل مرنة ويعاونه من معه من رجاله على التكيف مع المواقف المتعددة والمتنوعة التي تواجههم.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 637 مشاهدة
نشرت فى 23 أغسطس 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,887,815

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters