بدت الحاجة ملحة إلى تقديم الإسلام للغرب وتعريفهم بمبادئه السامية وقيمه العالية بعد أحداث 11 سبتمبر، وأمست هذه الحاجة ضرورة بعد أزمة الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكما بدت الفرصة سانحة لعرض الإسلام أيضا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية.
والآن بعد ثورة 25 يناير أصبحت هناك فرصة ذهبية لعرض الإسلام وتقديمه إلى دول العالم بأسره، والغربي خاصة وذلك لسببين:
أولهما: أن الثورة المصرية ضربت مثالا رائعا وفريدا من نوعه بسلميتها، وكانت نموذجا حقيقي للإسلام دين السلام الذي يقبل الآخر ويظله تحت رايته، ويضمن له حرية الاعتقاد وممارسة شعائره، ولأول مرة في تاريخ الخطابة يخطب إمام مسلم فيقول أيها المصريون بدلا من أيها المسلمون، بالإضافة إلى أننا رأينا كيف يسمح المسلمون لإخوانهم المسيحيين لإقامة قداسهم.
ثانيهما: سقوط النظام الذي ظل يعمل على عزل الإسلام عن المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية، وكانت السياحة له خطا أحمرا، سعى جاهدا إلى ترسيخ فصلها عن الإسلام فصلا تاما، رافضا أي شكل من أشكال أسلمتها، أو الاستفادة منها لنشر دين الله، ولكن الآن بعد سقوط هذا النظام أصبحت هناك فرص كبيرة لتوظيف إن لم يكن أسلمة السياحة في نشر الإسلام وتصحيح صورة المسلمين عند الآخر.
ومن ثَمَّ تحتّم علينا أن نؤدي الرسالة التي شرُفت بها هذه الأمة ألا وهي الدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل: 125] تلك الأمانة التي حملتها هذه الأمة على عاتقها "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" [البقرة: 143] ومن فضل الله تعالى ومنته أن جعل هذا التكليف تشريفا لهذه الأمة، فقال سبحانه وتعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" [آل عمران: 110].
لقد حبا الله تعالى ديار الإسلام بنعم جليلة وعطايا كثيرة، أقل الشكر ـ فيما أعتقد ـ أن نوظفها للدعوة إلى دينه والهداية إلى سبيله، من هذه النعم الجليلة التي وهبها الله لديار الإسلام المزارات السياحية، التي يتوافد إليها السياح بالملايين(1) من جميع أنحاء العالم وبجميع لغاتهم الحية، وبجميع دياناتهم السماوية وغير السماوية.
يأتي السائح بمحض إرادته إلى ديار الإسلام ليزور آثاره، ويتعرف على تاريخه، وبالطبع يعايش في زيارته أهل الإسلام، ويرى بأم عينه عادتهم وتقاليدهم، ويلمس بنفسه واقعهم الدينى.
فرصة ذهبية لنعرض الإسلام على حقيقته النضرة، وهيئته السمحة، فهذه تذكرة لمن يعمل في حقل السياحة أن يكون ممن قال فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأن يهدي الله رجلا بك، خير لك من أن يكون لك حمر النعم" [رواه البخاري].
هذه دعوة لمن يعمل في حقل السياحة أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 33].
فيقدم القدوة الحسنة، الشخصية الإسلامية؛ في صدقها وأمانتها وسماحتها وأخلاقها الحميدة، يحاول أن يكون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم "خلقه القرآن" [صححه الألباني] فيكون خير داعية إلى الله.
كما أدعو أصحاب المحلات السياحية أن يعرضوا في محلاتهم كتب باللغات الحية عن التعريف بالإسلام وإعجازه العلمي، كالكتب التي يعرضونها عن تاريخ الأمم البائدة(2).
***
قد يتبادر إلى الذهن شبهة وما أكثر الشبه المثبطة للعزائم كيف يدعو إلى دين الله بالقول فضلا عن العمل في مجال لا يعرف عنه إلا أنه مجال مليء بالمعاصي والذنوب؟!
بادئ ذي بدء إنّا ندعو أن تكون السياحة خالية من كل أمر لا يقره الشرع، ولكن هذا لا يجعلنا نغفل عن تقديم ديننا والتعريف به، فمن منا بلا ذنب، وقد قال المسيح عليه السلام،من قبل عندما همّ الناس برجم زانية "من كان بلا ذنب فليرمها بحجر"، ولله در القائل:
لو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
وقيل للحسن البصري رضي الله عنه: إن فلانا لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل.
فقال الحسن رضي الله عنه: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وآله وسلم قال: " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم لجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" (رواه مسلم).
وليس معنى هذا إباحة المعاصي، ولكن معناه ألا نستسلم للمعاصي عندما تزل القدم بسبب بشريتنا وضعفنا، "كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" [صححه الألباني].
***
وفي الختام أتساءل لم لا تقوم الوزارات المعنية باستغلال هذه الفرصة للتعريف بالإسلام؟!
فمثلا يكون في المزارات الدينية كتب وأسطوانات عن الإسلام والتعريف به، وبتاريخه ودور علمائه في الحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى كتب وأسطوانات عن إعجاز القرآن العلمي، وكذلك شهادات المنصفين من غير المسلمين، وقصص المشاهير ممن اعتنقوا الإسلام.
لم لا يكون هناك في هيئة الاستعلامات السياحية كتب تعرف بدين البلاد التي يزورها السائح؟!
لم لا يكون هناك هيئات متخصصة في الرد على استفسارات السياح عن الإسلام؟!
وأخيرًا إن قصّرت الهيئات الرسمية عن دورها نحو دعوة الإسلام، فلم يقصر الأفراد عن هذه المهمة الشريفة؟! فهل من مشمّر؟!
ــــــــ
(1) بلغ عدد السائحين الزائرين لمصر فقط من (يوليو 2007- حتى مارس 2008 ) 9.1 مليون سائح
(2) للحصول على كتب وإسطوانات عن الإسلام باللغات الأجنبية مجانا اتصل بجمعية تبليغ الإسلام www.islamic-message.net