يعرف كورت لفين (1890-1947) واضع نظرية دينامكية المجموعات المجموعة على أنها تجمعاً للأفراد، وهي وحدة اجتماعية نفسية تتكون من أفراد متفاعلين ومترابطين، وبالتالي فإن ما يحدد سلوك الفرد داخل المجموعة هو جملة العناصر النفسّية والاجتماعية المكونة للمحيط الذي يلتقون من خلاله وهو ما يسميه لفين بالحقل التواصلي.
ويعرفها خليل معوض في كتابه علم النفس الاجتماعي بأنها "وحده اجتماعية تتكون من ثلاثة أشخاص فأكثر يتم بينهم تفاعل اجتماعي وعلاقة اجتماعية وتأثير انفعالي ونشاط متبادل على أساسه تتحدد الأدوار والمكانة الاجتماعية لأفراد المجموعة، وفق معايير وقيم المجموعة وإشباعا لحاجات أفرادها ورغباتهم وسعيا لتحقيق أهداف المجموعة ذاتها".
إن للعمل ضمن مجموعات تأثيرات متعددة المستويات كالاجتماعي والثقافي والعاطفي، حيث أن المشاركين في المجموعات يأتون من خلفيات اجتماعية ودينيه وثقافيه مختلفة، وعلى الأغلب أيضاً ينتمون إلى مناطق جغرافية- سياسية مختلفة.
إن العمل في إطار المجموعات له الكثير من الفوائد فهو من ناحية يعالج بعض الأفكار المسبقة عن الأفراد، ويزيد الاتصال الإيجابي فيما بينهم، كذلك يساعد في رفع الشعور بالتقدير الذاتي الصحي لدى المشاركين من ناحية أخرى، وبالتالي تحسين أدائهم الوظيفي.
سوف ألقي الضوء في هذه الورقة على العمل مع بعض المجموعات المجتمعية المهمشة التي تشترك فيما بينها بوجود احتياج مشترك، تلجأ بسببه إلى مؤسسات داعمة ومراكز مجتمعية. هذه الورقة تتمحور حول ديناميكية العمل في المجموعات بشكل عام مع توضيح خصوصية العمل والهدف من تكوين المجموعات وفلسفة العمل من وراء هذا التوجه. سيتم الحديث أيضاً عن ( الأدوار) الشخصيات التي يلعبها المشاركين داخل المجموعة وكيفية التعامل معها، مع ذكر لبعض استراتجيات العمل التي يمكن للميسر/ة الاستفادة منها في عمله في الإرشاد والتوجيه الجماعي.
تمرالمجموعات جميعها بمسارات ومراحل متشابهة يمكن التنبؤ بها مسبقاً، وهذه المراحل تعكس ديناميكية العمل في المجموعة والعلاقات القائمة بين أفرادها تجاه بعضهم البعض من جهة واتجاه الميسر/ة من جهة أخرى. وسرعة الانتقال من مرحلة إلى أخرى يتعلق بالثقة التي تتطور من قبل أعضاء وعضوات المجموعة بين بعضهم البعض من جهة وبين الميسر/ة من جهة أخرى وبنجاعة الاتصال والتواصل بينهم.
وتمتاز كل مرحلة بميزات وتحديات خاصة، على المشاركين/ات مواجهتها كمجموعة وكأفراد. هذه التحديات قد تسبب إشكالية لبعض الأفراد (بحسب شخصياتهم وطباعهم وكيفية تعاملهم مع الظروف الضاغطة) وقد تؤخر من انتقالها من مرحلة الى أخرى بسبب تلك الاختلافات، ولكن على كل مجموعة أن تمر بمراحل تطور ذات مسار متشابه ولا يمكن الانتقال من مرحلة إلى أخرى دون المرور بنجاح في المرحلة التي سبقتها، تماماً كما أن الطفل لا يستطيع أن يمشي قبل أن يستطيع الوقوف على قدميه.
- مرحلة التكوين المرحلة الأولى لحياة المجموعة :
يسود المرحلة الاولى مشاعر متناقضه بين الرغبه بالانتماء والتقبل من جهه والخوف من الرفض والتقييم من جهة أخرى، وإحساس الفرد بالثقة من جهه ومن عدم الثقة من جهة أخرى، في هذه المرحلة يكون الهدف الأساسي في هذه المرحلة التغلب على الإحساس بالغربة وبناء أجواء آمنة وممتعة بين أعضاء المجموعة وبينهم وبين الميسر/ة.
في هذه المرحلة تكون المجموعة متعلقة بالميسر/ة وذلك لان المجموعة في بدايتها، المشتركون هنا في تفحص مستمر ولديهم الكثير من التساؤلات، كيف سيتم تقبلهم من قبل الآخرين، وكيف سيتقبلون الآخرين، وفي تلك الأجواء الجديدة يحاول كل فرد إظهار نفسه بشكل مثالي ليعجب من حوله، ولا تكون هنالك علامات قوية لمواجهة الصراعات أو التحديات بين أفراد المجموعة.
على الميسر/ة أن يخلق جو من التقبل والدعم من خلال التخطيط المسبق للقاءات وبناء فعاليات تخدم الهدف من كل لقاء، منها فعاليات التعارف ( كسر الجليد)، وهذا يتيح مشاركة الجميع في اللقاء من خلال الإصغاء لتجارب بعضهم البعض، والتعرف على بعضهم البعض بجو هادئ وممتع.
إن مشاركة أفراد المجموعة بعضهم البعض بمعلومات عنهم هو المؤشر على بداية الإحساس بالألفة والأمان داخل المجموعة وبالتالي تتكون المجموعة، مع أنه غالباً ما يقتصر التعارف في المراحل الأولى على تقديم معلومات أوليه مثل التحدث عن الأمور المتشابهة بينهم.
يشبه سميث (1980) هذه المرحلة بمرحلة الولاده حيث يكون الطفل متعلقاً بأهله معتمداً عليهم ومرتبطاً بهم، وهكذا يرتبط أفراد المجموعة بالميسر/ة حيث يشعرون بالحاجة إليه/ها ويتقبلونه/ها دون معارضه وكل ما يشغلهم هو قضية التقبل والانتماء .
- مرحلة التنافس والصراع :
في هذه المرحلة تبدأ الصراعات بين أفراد المجموعة على السلطة والقيادة والرغبة الجامحة للتأثير، وتكون مهمة الميسر/ة في هذه المرحلة بناء الوعي والإدراك لدى كل فرد بالآخر، وأيضا على الميسر/ة مواجهة هذه التحديات وحلها بطرق بنَّاءة والتعامل معها بطريقة تتلاءم ونفسية الأفراد بالمجموعة، وتنسجم مع احتياجات وأهداف المجموعة بشكل يتيح لكل فرد الحيز الخاص به. ولكي نضمن هذا المناخ الايجابي، من الضروري بناء قوانين للمجموعة يتم صياغتها بشكل جماعي، تسهم في تقوية حس الإلتزام والانتماء للمجموعة. ومثال على تلك القوانين الالتزام بالوقت، الخصوصية داخل المجموعة، احترام الآراء واقتراحات كل فرد في المجموعة... الخ .
وأشير هنا الى أهمية شخصية الميسر/ة والتي تساهم قدراته ومهنيته وأسلوبه في عبور هذه المرحلة بأمان، حيث من الضروري أن يكون لديه المرونة والقدرة على امتصاص الكثير من مشاعر الغضب والانتقاد، وسرعة البديهة وتحويل الصراعات بين أفراد المجموعة الى نقاط للإثراء. إن خلق جو يسوده التبادلية واحترام الرأي الآخر وتقبل الآراء يرفع من الاحساس بالألفة والاحترام المتبادل والانتماء والتقبل وهنا تبنى هوية المجموعة .
يصف "سميث" هذه المرحلة بأنها بداية مرحلة البلوغ حيث يبدأ الطفل بالاحساس بكيانه كإنسان مستقل مختلف، ويبدأ بمعارضة البالغين من حوله وتبدأ صراعاته على القوة، والسيطرة على اتخاذ القرار والتأثير، ووظيفة الميسر/ة هنا أن يلعب دور "الاهل الداعمين" الذين يستطيعون مساعدة أبنائهم وبناتهم في تجاوز هذه المرحلة بسلام والتغلب على جميع المشاعر التي تظهر في هذه المرحلة من غضب وغيره، واعطاء الشرعية لتحرير هذه المشاعر دون أن يشعر الميسر/ة بقلق أو تهديد على مركزه/ها ومكانته/ها داخل المجموعة.
- مرحلة التكيف ( التقبل ):
في هذه المرحلة تقل الصراعات بين الأفراد ويسود الشعور بالترابط وتزداد الحاجة إلى توفر الأجواء الداعمة كي يستطيع الأفراد الاتصال مع ذواتهم الداخلية من جهة، والتشارك المعمق مع افراد المجموعة من جهة اخرى، فبينما كانت تتركز التوقعات في المرحلة السابقة على تفحص شخصية الميسر/ة، ينتقل الثقل في هذه المرحلة الى مدى مساهمة افراد المجموعة في بناء ووضع المعايير لكيفية العمل في المجموعة، فيتعلمون تقبل مشاعر الآخرين والسيطرة على مشاعر الغضب والضغوطات، وتتطور لديهم القدرة على الاحساس بالآخر والمشاركة والقدرة على تقبل الاختلاف. الامر الذي قد يؤدي الى تغير سلوكيات بعض الافراد الذين يشعرون انها تثير معارضة المجموعة، وهنا يسود الشعور الجماعي ونرى الأعضاء يتحدثون بلغة (نحن).
يشبه سميث هذه المرحلة بمرحلة البلوغ، حيث يتم النضوج لدى افراد المجموعة فتهدأ الصراعات على السيطرة والتاثير، ويزول قلق الانتماء للمجموعة.
- مرحلة التفاعل والمشاركة :
تمتاز هذه المرحلة بالتقارب والودية بين أعضاء المجموعة، إذ أنه بعد وصول الفرد الى وعي ذاتي يستطيع ان يكون قريبا من الاخر، فيستمر التفاعل بين افراد المجموعة وتتعمق العلاقه بينهم، ويبدأ التاثير المتبادل بينهم في أجواء من المتعة والمسؤلية المتبادلة. يظهر الاحترام وتقدير الاختلافات لدى كل فرد، فيعي الأعضاء ان علاقاتهم تستند الى التعاون والتقبل والعمل المشترك وتهدف الى تحقيق أهداف المجموعة، وهنا يرى اعضاء المجموعة دور الميسر في مساعدتهم على تحقيق هذه الأهداف.
- مرحلة الانهاء :
مرحلة الإنهاء تعني: مرحلة الانفصال (بين الميسر/ة وافراد المجموعة) وانهاء العمل, حيث في نهاية اللقاء يتم ذكر وسرد التجارب والخبرات والمعارف التي مرت بها المجموعة مع ذكر بعض القضايا التي لازالت بحاجة للتطرق إليها،مما يساعد ذلك الأفراد على تذويت العمل كتجربة حياتية بناءة.
ومن الجدير ذكرة في هذه المرحلة قد تسود مشاعر من التوتر والإحباط المرتبطة بالفراق والخسارة، وهذه المرحلة بمثابة الجسر والتي تعطي فرصة للأفراد لاستعمال المهارات والخبرات التي قد تساعدهم في المستقبل .
انماط الشخصية داخل المجموعة وطرق التعامل معها :
على الميسر/ة أن يدرك أنماط الشخصية (الأدوار) في المجموعات التي يعمل معها وكيفية التعامل معها، حيث نواجه في حياتنا العديد من انماط الشخصية السلبيه والايجابية التي يسهل او يصعب التعامل معها فبعضها قادر على افتعال وإثارة الكثير من المتاعب والمشاكل في المحيط الذي نعمل فيه. هذه الشخصيات متواجده في كل مكان من حولنا سواء في بيوتنا، مؤسساتنا وفي كافة قطاعات المجتمع وأيضا داخل المجموعات التي نعمل معها، وهذه الشخصيات قد تصيبنا أحياناً بالاحباط واليأس.
من الضروري أن يكون الميسر/ة على دراية بالأدوار المختلفة التي يتقمصها الأفراد في المجموعة ويتبناها كل فرد منهم، نشير هنا إلى بعض تلك الأدوار والأنماط منها "الداعم" أو "المتحالف" مع الميسر/ة الذي يريد أن يتكلم ويساند الميسر/ة في ما يقول أو يفعل، "الاستعراضي" الذي يتكلم لمجرد لفت الانتباه، "الثرثار" الذي يتكلم أكثر ما يفعل ويقاطع الآخرين بشكل مستمر وهدفه لفت الانتباه والتشويش، "المشاكس" أو "المهرج" الذي يتصرف بسخافة وتهريج، "أبو العريف" الذي يعرف كل شيء، "القائد المنافس" للميسر/ة، هنالك أيضا "المنطوي أو الصامت" وهو دائم الصمت وعدم المشاركة، "المستضعف" الذي يحاول دائما أن يظهر مدى ألمه والبكاء أحيانا وهدفه استمالة المجموعة وكسب تعاطفهم ولفت انتباههم.
في هذه الحالة من الضروري أن يكون لدى الميسر/ة استراتيجيات مختلفة لمواجهة تلك الأنماط الشخصية والتعامل مع السلوكيات الناتجة عنها بشكل مهني ونوعي والاستفادة من كل دور لهدف تيسير وإثراء المجموعة، ومن الاستراتجيات الممكن استخدامها والتي تحد من تماهي مثل هذه الشخصيات وضع قوانين للمجموعة، رؤية جميع أفراد المجموعة والاهتمام بكل الأفراد، إتاحة المجال أمام جميع أفراد المجموعة للمشاركة، والاهتمام بأن يكون لكل فرد حيز زمني متساو مع غيره.
استراتيجيات يمكن إتباعها في العمل داخل المجموعات :
هنالك أساليب واستراتيجيات كثيرة ومتنوعة لجعل مسار وبناء المجموعة أكثر فعالية، وهنا مهمة الميسر/ة في اختيار الإستراتيجية والأسلوب الذي يتلاءم وهدف اللقاء، ومن هذه الأساليب:
- هنالك الأسلوب المنفرد (الفردي): حيث يقوم الميسر/ة بطرح موضوع أو قضية معينه ويطلب من كل فرد أخذ مساحته والحرية في التفكير والاختلاء بنفسه، وتحديد مدة زمنيه محدد لتلك الفعالية بعدها يتم مناقشة الفعالية مع المجموعة.
- أسلوب من واحد إلى واحد (الثنائي): هنا يتم تقسيم المجموعة الكبيرة إلى ثنائيين ومهمة الثنائي نقاش موضوع معين أو قضية ما، أو الوصول بقرار معين لقضية ما وإقناع المجموعة بها، وهذا يساعد على التقارب أكثر بين المجموعة والإصغاء إلى آراء وأفكار جديدة وإتاحة المجال لكسر الحواجز بشكل اقل توتر وزيادة الشعور بالألفة والمودة والثقة.
- أسلوب تقسيم مجموعات(مجموعات صغيرة): هنا يتم تقسيم المجموعة الكبيرة إلى مجموعات صغيرة تكون بمثابة مجموعات عمل أو نقاش موضوع أو قضية ما أو الاشتراك بتحدي معين وعرضه على المجموعة الكبيرة، ويفضل في هذه الفعالية تقسيم المجموعات بشكل متجدد ومتغير بحيث لا تكون كل مره نفس الأفراد بالمجموعة الصغيرة، وهذا له الأهمية في زيادة التفاعل بين المجموعة الكبيرة، زيادة روح التعاون بينهم، والإحساس أكثر بأهمية وقوة مفهوم المجموعة.
- أسلوب العصف الذهني : هو أحد الطرق التي تساعد على استكشاف أكبر قدر من الأفكار والمفاهيم والخواطر حول موضوع او قضية ما داخل المجموعة، وهذا يساعد على فهم المحتوى الثقافي والاجتماعي والبيئي للمجموعة ويعطي الأسلوب الأمثل في كيفية الدخول وتحقيق هدف المجموعة بشكل ناجح .
- أسلوب تمثيل الأدوار: هو أحد الأساليب القيمة في لقاءات المجموعة حيث يتيح للأفراد تمثيل أدوارهم الحقيقية أو أوضاع مروا بها، أو تمثيل آراء أو أدوار وهذا الأسلوب يسمح لهم بارتداء ثياب غيرهم ويفسح المجال للمشاركين في المجموعة لرؤية ذواتهم بالمفاهيم التي يحملونها والسلوكيات التي يسلكونها، وأيضا الإتاحة بالاستكشاف الذاتي يعطي لأفراد المجموعة مساحة وبعدا للتفكير حول مفاهيم وقيم تربوا عليها، وإعادة النظر في تلك المفاهيم وإمكانية تطوير الرؤية النقدية الذاتية حول مواضيع بدت بديهية طبيعية مثال: إعتقاد بعض الأهل أن أفضل وسيلة لتربية الأطفال وتعديل سلوكه هو العقاب بشكل عام والجسدي بشكل خاص على أساس أننا تربينا هكذا.
- المراجع:
- دليل التدريب في مجال التمكين النسوي والتوعية المجتمعية إعداد عربية منصور وسناء عرنكي (2005).
- كراسة المهارات الحياتية , مهارة القيادة, يحيى حجازي المركز الفلسطيني للارشاد.