مفهوم الشفافية والمقصود بها (طبيعتها وأهدافها) :
الشفافية كلمة سحرية إذا ما أرتبط القول بالفعل، وهناك العديد من التعريفات والتوضيحات حول المقصود بالشفافية فهي في اللغة تعني الشيء الشفاف الذي لا يحجب ما وراءه فمعنى شف أي رق حتى يرى ما خلفه أي تعنى الوضوح وهي عكس التعتيم والسرية ولعل استخدام هذه الكلمة اصطلاحا لا يختلف كثيراً عن معناها اللغوي.
فالشفافية هي الصدق في حياتنا والصدق يعني قيمة وليس شعاراً وهي قيمة موجودة ويجب أن تكرس في حياتنا على صعيد المنزل والعمل والمجتمع والوطن.
كما أن الشفافية مبدأ تنموي استثماري واقتصادي مهم يعني ضرورة الإعلان والإعلام عن الأنشطة والبرامج التي تنفذها المنظمة ، وكذلك الأمر بالنسبة للدول فكثيراً ما نسمع عن ألسنة المسئولين أن تصرفات الحكومة تتصف بالشفافية. فما معني ذلك؟
معنى ذلك أن مصادر الدخل واضحة وأوجه الإنفاق واضحة. فميزانية الدولة متاح معرفتها للجميع ومشاريع الدولة وقيمتها الحقيقية متاحة أيضاً حتى يمكن محاسبة المسئولين بعد ذلك عن أي خسائر أو تغيير يحدث فيما هو مخطط له وما تم فعلا من منطلق هذه الشفافية ، ولهذا فلا عجب أن نجد مثلاً في بعض الدول الديمقراطية أن يتهم رئيس أو وزير بالرشوة أو الفساد وذلك عن مرئي ومسمع من الناس لأن الرقابة أمانه وضعها الشعب في أعناقهم ومن حق الشعب أن يعرف أين هو وإلى أين يتجه.
فالشفافية تعد أحد أهم مبادئ الحوكمة وتعود هذه الأهمية إلى أنها السلاح الأول لمحاربة الفساد والاختلاسات والتربيطات التى كثيراً ما نسمع عنها. فغياب الشفافية هو الذي يفتح الباب على مصراعية لعقد صفقات الفساد من تحت الترابيزة (يعني في الخفاء) أما مع وجود الشفافية فإنه يصعب حينها إساءة استخدام السلطة لصالح فئة تعمل في الخفاء.
ومن الجدير بالذكر هنا أن للإعلام دورا كبيراً في تحقيق الشفافية حيث حرية الكلمة والتعبير والنشر تساعد على الحفاظ على هذا المبدأ وتساهم في تسليط الضوء والكشف عن أي تلاعب يكون، فالشفافية والوضوح بما تعنيه من نشر المعلومات والبيانات الحكومية والحرص على تدفقها وعلانية تداولها عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة يعتبر عنصراً رئيسياً في مكافحة مختلف أشكال الفساد واجتثاثه من جذوره.
فالشفافية تهدف إلى:-
1- تحسين صورة الوطن محليا ودولياً في مجال الإصلاح ومناهضة الفساد.
2- نشر القيم الفاضلة في المجتمع والتى تدعو الى الإصلاح ومحاربة الفساد.
3- تنمية ثقافة المجتمع في مجال الإصلاح ونشر المبادئ والقيم الداعية الى إيجاد مجتمع خال من جميع أشكال الفساد ومناهضة سوء استعمال السلطة.
4- السعي الى تفعيل كافة القوانين والقرارات الداعمة للشفافية.
5- تحديد مواطن القصور التشريعي واللائحي في مجال الإصلاح ومحاربة الفساد.
6- الكشف عن مواطن الفساد في المجتمع وتشخيصها ودراستها والبحث عن أسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافيها.
7- نشر الوعي بماهية الفساد.
كيفية صياغة فكر وطني داعم للشفافية ومناهض للفساد بين قطاعات الديوان المختلفة والمجتمع الدولية ؟
الإجابة على هذا السؤال تكون من خلال ما يلي :
أ) بناء مجتمع داعم للشفافية ومناهض للفساد:
هناك مجموعة من العوامل لبناء المجتمع الداعم للشفافية والمناهض للفساد الذي ينادي به كل المخلصين من أبناء الكويت وأهم هذه العوامل:
1. تعزيز قيمة الصدق في حياتنا من خلال التأكيد بأن الشفافية ليست مطلباً فقط بل هي قيمة ملتزمة تلازماً أكيداً بمفاهيمنا التربوية والسياسية والأخلاقية وقبل ذلك هي جزء من قيمنا التاريخية والوطنية وفي صلب المكونات العقائدية في حياتنا دينية كانت أو سياسية.
2. تعزيز البناء الديمقراطي في حياتنا على الفرد والجماعة ومنح المواطن كامل حقوقه وأهمها حقه في عملية صنع القرار على كافة الأصعدة وأهم من ذلك إطلاعه بصدق وشفافية على المكونات الرقمية التى تلعب دوراً أساسياً في عملية صنع القرار سواء الاقتصادي أو السياسي أو حتى الاجتماعي.
3. التأكيد على ان المحاسبة هي حق من حقوق المواطنين تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية في المجتمع وبناء مجتمع شفاف.
4. توفير سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام حقوق المواطن على اختلافها الذي يعد من أهم الأسس التى يعتمد عليها في بناء بيئة سليمة للشفافية وإذا استلزم الأمر يتم إصدار تشريعات وقوانين تساعد على ذلك.
5. تعزيز دور الإعلام الشفاف نظراً لما يلعبه هذا الإعلام سواء كان عاماً او حزبياً خاص في تحريك عملية التغيير الاجتماعي والتربوي عبر وسائل أكثر انتشارا وأكثر قدرة على الدخول الى أبعد وأصعب المعاقل.
6. استغلال التراث الحضاري والسياسي والديني في زرع روح القدوة والشفافية في حياة المواطن والجماعة وعدم تناس ذلك .
7. حماية النزاهة ويجب أن تتبناها الجهات التعليمية كلها والجهات الإعلامية وخطباء المساجد ومن في حكمهم فهذه الجهات يجب ان تغرس القيمة الإسلامية في نفوس الجميع. تلك القيم التى ترفض الفساد بكافة أنواعه وتطلب من جميع فئات المجتمع الابتعاد عن الفساد ومحاربته ونشر الشفافية.
8. تعزيز مساحات الحريات المدنية وخاصة حرية الصحافة.
9. تعزيز وتقوية واستقلالية الأجهزة الرقابية.
10.فرض عقوبات رادعة بحق من يمارس الفساد أياً كان موقعه.
ب) الاستفادة من مساهمات المنظمات الدولية والإقليمية ودورهم الهام في محاربة الفساد ونشر الشفافية والمخرجات الصادرة عنهم في هذا المجال.
لقد تزايد خلال السنوات الأخيرة الاهتمام العالمي بالتصدي للفساد بكل صوره وأشكاله على أساس أنه عدو للتنمية والديمقراطية ومشجع على كل مظاهر الفوضى والانحراف وعدم احترام القانون وأصبحت مسألة مكافحته على أولويات المؤسسات والأحزاب ومبدأ أساسي وفي سبيل ذلك تكونت العديد من المنظمات الدولية والإقليمية خارج وداخل دولة الكويت بهدف محاربة الفساد ونشر الشفافية وتعتبر هذه المنظمات وما ساهمت به في هذا المجال من الأمور الهامة لصياغة الفكر الوطني الداعم للشفافية والمناهض للفساد بين قطاعات الدولة المختلفة والمجتمع الدولي، ومن أهم هذه المنظمات ما يلي:
منظمة الشفافية الدولية:
"الاتحاد العالمي ضد الفساد" هذا هو شعار منظمة الشفافية الدولية التي أنشئت عام 1995 –ومقرها برلين- لتساعد الدول والأفراد الراغبين في أن يحيوا في "جزر النزاهة" بعد انتشار الفساد المالي والإداري سواء على المستوى الرسمي أو الغير رسمي وعجز المؤسسات المعنية بمحاربته بعد أن تحول الى غول يلتهم ليس فقط جهود التنمية المحلية بل الجهود الدولية المتمثلة في المنح والمعونات والقروض وهدف المنظمة كما جاء في أوراقها هو الحد من الفساد عن طريق تفعيل إتحاد عالمي لتحسين وتقوية نظم النزاهة المحلية والعالمية، ومنظمة الشفافية مهمتها أن تزيد من فرص ونسب مساءلة الحكومات وتقييد الفساد المحلي والدولي، وهي تمثل حركة دولية لمحاربة .
وطريق المنظمة في العمل لتحقيق أهدافها ينبع من إيمانها بأنه من الممكن محاربة الفساد بشكل مستمر في حالة مشاركة كل المعنيين سواء من الحكومة أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص ووسيلتها في ذلك أن تجمع في فروعها المحلية والأفراد ذوى الذمم المعروفين بالنزاهة في المجتمع المدني، وفي عالم التجارة والأعمال وفي الحكومات للعمل في تحالف من أجل إصلاح النظام، ومبدأ المنظمة في ذلك عدم تسمية أسماء أو مهاجمة أفراد بعينهم وإنما تركز على بناء نظم تحارب الفساد كما أن المنظمة تلعب دوراً هاماً في زيادة الوعي العام بمخاطر الفساد في الكثير من البلاد .
خمسة أشكال لبناء جزر النزاهة:-
تعتمد المنظمة في أداء رسالتها بشكل أساسي على الفرد كرمز للمجتمع المدني ليشارك في مجهوداته في محاربة الفساد، وقد ضمنت أدبياتها سبلاً كثيرة لتمكين كل من الإفراد والجماعات من المساهمة في محاربة الفساد، ودفعهم للحياة في جزر النزاهة وتتخذ هذه السبل الأشكال والنماذج التالية:-
1- منتديات عامة:- نقول أدبيات المنظمة في هذا الشأن أن هناك أوقات يشعر الكثيرون بالإحباط تجاه مناقشة موضوع مثل موضوع الفساد. ولكن الآن لم يعد الأمر أسيراً للعين أو المحرمات ...... إسأل نفسك وإسأل أصحابك: لماذا تبدوا الأمور سيئة على ما هي عليه؟ وكيف يمكن إصلاح تلك الأمور وإعادتها إلى مسارها الصحيح؟ إقرأ الكتاب الصادر عن منظمة الشفافية لتعرف المفاهيم التى تدعم نظام الدولة، ولتعرف كذلك المقترحات لجعل الأنظمة أكثر شفافية وأكثر مسئولية. أكتب رسالات إلى الجرائد إذا كانت تلك الجرائد تنوى نشرها. ولكن حاول أن تقترح كيفية تحسين الوضع، ولا تنصب رسالتك فقط على الشكوى مما عليه الأوضاع الحالية... والاتجاهات الكبيرة تنمو دائماً من الأشياء الصغيرة.
2- احتفظ بالمعلومات الرسمية وقدمها الى من سيتأثر بها :
تقيم الجماعات حملات للحصول على معلومات رسمية. وإذا تم لها الحصول عليها –من خلال الحق الشرعي- فإنها تأخذ هذه المعلومات وتذهب بها الى المسئولين، ومن خلال اجتماعهم تتم المساءلة ليشرحوا ويفسروا سبب عدم ذهاب المال الى مساره الذي كان من المفروض ان يذهب إليه. وبالتالي يمكن معاقبتهم، مما يؤدي الى تغيير سلوكهم في المستقبل. ولقد تم ذلك بالفعل في الهند.
3- من يطلق الصفارة:
أكثر الطرق فعالية التى يمكن ان ينتهجها الأفراد هي إلقاء اللوم وإصدار الشكاوي عند رؤيتهم لحدوث الفساد ولكن هذا الأمر يمكن أن يكون صعباً إذا كان يختص برئيسك أو من هو اعلي منك. وهذا معناه أنه ما دام الناس ليس لديهم الشجاعة لمواجهة رؤسائهم أو مديريهم فلن تحدث أية إصلاحات. ولذا فعليك أن تبادر بالمناقشات في داخل الشركة او المؤسسة التى تعمل بها مع أصدقائك لتعرف عما إذا كانت آليات الشكوى موجودة أم لا، ومدى صلاحيتها ومصداقيتها إذا كانت موجودة، ثم تحدد بعد ذلك مع رفقائك عن إمكانية أي منكم لأحداث التغيير المناسب ليكون هو "أول من يطلق الصفارة".
4 ) دائرة النزاهة:
إذا كنت تعمل في قسم معروف عنه إنه صاحب سمعة سيئة فعليك أن تنضم الى جماعة صغيرة من زملائك لتشكلوا سوياً ((دائرة النزاهة)) متفقين على عدم الاندماج في أية نشاطات فاسدة، وعلى تأييد بعضكم بعضاً. ضع لافتة على هذا المكتب الذي يجمع النزهاء تقول: " منقطة خالية من الفساد" وأكتب لافتات تقول : " لا تعرض أي رشاوي لإننا لا نقبل الرشاوي أو "الرشاوي غير ضرورية... إن أجورنا تدفعها الحكومة لنقوم بخدمتكم" ..... الخ.
شجع زملاءك في الأقسام الأخرى ليقوموا بنفس العمل. وإزرع بذور النزاهة في الهيكل الإداري، حاول إقناع مديريك بهذه الممارسات.
5) تسهيل الأنظمة للقضاء على فرص الفساد:
إذا رأيت أن هناك فرصاً لإزالة بعض الإجراءات الغير ضرورية في الأنظمة التى لا تخدم أي هدف مهم، ولكنها ممكن أن توجد الفرص للرشاوي، فأكتب الى المسئولين من الوزراء وأعضاء البرلمان والجرايد معطياً الإشارة الى الإصلاحات المطلوبة لإلغاء تلك الإجراءات. ورغم أهمية هذه النصائح والإستراتيجيات وسهولة تطبيقها على المستوى الفردي إلى حد ما من الناحية النظرية خاصة في الدول الديمقراطية.... إلا أن الواقع العملي لحجم الفساد ومساحة الأمن الديمقراطي في الدول النامية والأقل نموا يجعل من الصعب تطبيق مثل هذه الأساليب، فضلاً عن تعرض القائم بها للتنكيل والانتقام من قبل الفاسدين دون حماية كافية من السلطات، لا سيما إذا كان مرتكبي حوادث الفساد من كبار المسئولين بالدولة أو تربطهم بهم علاقات وثيقة ومن ثم فإن أية إستراتيجية لمحاربة الفساد ينبغي أن تراعي خصوصية كل دولة وربما حاولت المنظمة الخروج من هذا المأزق بترك المجال مفتوحاً أمام الأفراد والمؤسسات لابتكار الأساليب التى تتناسب مع البيئة التى يعيشون فيها وواقع الفساد بها.