من الملاحظ أن مشروعات إنشاء المكتبات في العالم العربي قضية أو ظاهرة تخضع في غالب الأحوال إلى الاجتهادات الشخصية أكثر مما تخضع للرؤى العلمية المبنية على التخطيط المنهجي الذي يوضح المسار الذي يجب أن يلتزم به المشروع في مواصفاته ومراحل تنفيذه ومتطلبات كل مرحلة . فهناك اعتبارات عديدة مالية وبشرية وتقنية وفنية ينبغي أن تؤخذ في الحسبان في أي مشروع يهدف إلى تأسيس مكتبة جديدة ، كما ينبغي عدم إغفال تجارب الآخرين والنماذج الرائدة في هذا الصدد .
ولسنا بحاجة إلى إبراز أهمية استخدام المنهجية في إعداد مشروعات تأسيس المكتبات ، حيث يعد هذا الموضوع من الموضوعات الحيوية في المجال ، فضلاَ عن أن هناك ندرة في الكتابات التي عالجت هذه المسألة وبخاصة في اللغة العربية .

وفي هذا السياق يذهب أحد الباحثين إلى أن هناك ثلاث مراحل أساسية تمر بها عملية التخطيط لمشروعات إنشاء المكتبات المعاصرة ، وتتمثل في: مرحلة الإعداد والتجهيز ، ومرحلة التنفيذ وإنجاز المشروع ، ومرحلة إطلاق الخدمة . ويدخل تحت نطاق كل مرحلة من تلك المراحل مجموعة من النشاطات ، وذلك على النحو التالي :

1. في المرحلة الأولى ، يتم تحديد أهداف المكتبة بشكل واضح ودقيق ، وتحديد الفئات المستهدفة وطبيعة احتياجاتهم ، وطبيعة مصادر المعلومات المزمع الحصول عليها ، وأساليب معالجة المعلومات واسترجاعها ، ونوع الأجهزة والبرامج المطلوبة ، والكادر البشري ومؤهلاته .


2. في المرحلة الثانية ، يتم تأمين المتطلبات والاحتياجات بما في ذلك الأجهزة والبرامج والعنصر البشري ومصادر المعلومات ، وذلك وفقاً لعوامل عديدة أهمها حجم المكتبة المزمع إنشاؤها ، وعدد المستفيدين منها ، وحجم الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة .


3. في المرحلة الثالثة ، يتم تشغيل النظام وتقديم الخدمات ، ويسبق ذلك إجراء تجربة للنظام القائم ، وفحص الأجهزة والبرامج ، وعمل التعديلات المطلوبة إذا لزم الأمر . وبعد ذلك تبدأ عملية إتاحة مصادر المعلومات للمستفيدين ، وتدريب العاملين ، وتعريفهم بطبيعة العمل

 

كما أن هناك مجموعة من العوامل التي ينبغي مراعاتها في التخطيط لإنشاء المكتبات الحديثة خاصة في البيئة الإلكترونية ومن أهمها ما يأتي :


1. مرونة وظائف المكتبة ، بحيث تصبح أكثر قدرة على استيعاب تقنية جديدة وإضافة طرفيات جديدة .
2. التصميم الداخلي وبيئة العمل وتأثيره على الطاقة والأجهزة والتكييف والتهوية الطبيعية والإضاءة .
3. الجوانب الأمنية ، حيث يراعى وجود أجهزة وتوصيلات كهربائية توفر نظام أمن وسلامة من الحريق والمخاطر الأخرى المصاحبة لاستخدامات الطاقة الزائدة .
4. الجوانب المالية ، حيث إن استخدام الحاسبات والأجهزة والاعتماد على شبكات الاتصال يضيف عبئاً مالياً جديداً على المكتبة ، مما يوحي بضرورة توفير ميزانية عالية تلبي احتياجات الاتصال والطاقة وغيرها .
5. مساحة مبنى المكتبة ، حيث ينبغي تخصيص مساحة كبيرة جداً عند التخطيط للمكتبة الإلكترونية وتصميمها لكي تستوعب استخدام الأجهزة والطرفيات والأجهزة الأخرى ، وليشعر المستفيد بالراحة أثناء الاستخدام .


وفيما يتعلق بالعناصر التي ينبغي مراعاتها عند التفكير في تأسيس مكتبة جديدة فإن من أبرزها أهداف المشروع ، والتي لا تخرج عادة عن جمع وتنظيم مصادر المعلومات ذات الصلة باهتمام المكتبة المزمع تأسيسها أو اهتمام المؤسسة الأم التي تتبعها المكتبة ، وتقديم الخدمات المرجعية والبحثية . ويتفرع عن هذا الهدف الرئيس مجموعة أهداف فرعية من أهمها بناء مجموعة من مصادر المعلومات المختلفة التقليدية والإلكترونية ، وتسهيل سبل وصول الجمهور المستهدف من الباحثين والدارسين بتلك المصادر ، وتعزيز حركة البحث العلمي في مجال الاهتمام والمجالات الأخرى المساندة .
وثمة عامل آخر لا يقل أهمية عن سابقه ، ويتمثل في تحديد الجمهور المستهدف من نظام المكتبة المنشودة ، ونعني بذلك جميع المعنيين بالموضوع قيد الاهتمام من الأفراد والمؤسسات . وفي هذا الإطار يؤكد أحد الخبراء على أن "تحديد فئات المستهدفين والتعرف إلى خصائصهم وصفاتهم يعتبر مهماً سواء في عملية تصميم المكتبة أو تحديد المكونات أو توفير الخدمات المعلوماتية "

 

ويمكن أن نضيف إلى ما سبق تحديد مجال الاهتمام ونطاق التغطية لمشروع المكتبة تحت الإنشاء ، بما في ذلك نطاق التغطية الموضوعية ، واللغوية ، والشكلية، والجغرافية . ويقصد بالنطاق الشكلي جميع مصادر المعلومات المطبوعة والإلكترونية التي تهم المنتمين إلى القطاع محط الاهتمام ، بما في ذلك الكتب والمقالات العلمية والرسائل الجامعية والتقارير الإحصائية الصادرة عن الجهات الحكومية والخاصة والهيئات وبحوث الندوات والمؤتمرات ، إضافة إلى أوعية المعلومات السمعبصرية مثل الأفلام والأشرطة ونحوها ، والمواد غير التقليدية بما في ذلك الخرائط والأطالس والمجسمات ، علاوة على الوسائط الإلكترونية بمختلف أنماطها . أما النطاق الجغرافي فيقصد به أن المشروع ينبغي أن لا يقتصر على مجرد إنشاء مكتبة بالمفهوم التقليدي معزولة ومبتورة عن نظم المعلومات الأخرى ، بل يطمح إلى تصميم نظام معلومات متكامل في مجال الاهتمام يعتمد على الربط الشبكي بمختلف المصادر بغض النظر عن الحواجز الجغرافية ، بحيث تشكل المكتبة أحد عناصر النظام الوطني للمعلومات ، ويمكن من خلالها الدخول على قواعد المعلومات المتخصصة والشبكات العالمية مثل شبكة الإنترنت وغيرها . ولذا فمن المتوقع أن تصبح الفهارس وقواعد المعلومات المصممة محلياً في المكتبة المقترحة نواة لشبكة معلومات ترتبط بها الجهات المعنية في الدول الأخرى من خلال النهايات الطرفية. الأمر الذي سيسهل عملية تبادل الخدمات ، والإعارة التعاونية INTERLIBRARY LOAN، والفهرسة المركزية ، والخدمات المركزية التعاونية ، ونحو ذلك من الخدمات الأخرى التي تهدف في النهاية إلى إزالة العوائق الجغرافية أمام انسياب المعلومات العلمية في مجال اهتمام المكتبة وتدفقها في الأوساط العلمية .
وأيضاَ من بين العناصر الأخرى المهمة في التخطيط لإنشاء المكتبة دراسة وضعها الراهن ومدى تأثير العوامل المحيطة بما في ذلك الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والقانونية والبيئية التي تؤثر على المكتبة قيد الإنشاء ، وتشكل في الوقت ذاته قضايا أساسية لاستشراف مستقبلها . ولذا فمن المهم فهم تلك الجوانب بغرض تحديد النظام المناسب لإدارة المعلومات ، وتطوير المصادر العلمية، ومجاراة التغيرات التقنية ( HOUGHTON : 2006 ).
ولأنه عادة يسبق تنفيذ أي مشروع دراسة الأوضاع الراهنة ، وسبر غور مجموعة الظروف المحيطة بالمشروع ، بغرض تكوين تصور متكامل عن الوضع القائم ، وذلك كخطوة نحو رسم المتطلبات الأساسية للتنفيذ ، وتحديد المستلزمات المادية والبشرية والفنية والتقنية ، فينبغي من هذا المنطلق القيام بالاطلاع الفاحص على الأدبيات التي تناولت التجارب الرائدة في مجال تأسيس المكتبات في مختلف دول العالم، بغرض استقراء تلك التجارب والإفادة منها ، واستخلاص النموذج الأمثل الذي يناسب البيئة المحلية. إضافة إلى عمل دراسة استطلاعية لاحتياجات المستفيدين ، وهي عبارة عن مسح ميداني ( أولي ) يهدف إلى التعرف على احتياجات الفئات المستهدفة من نظام المكتبة المزمع تنفيذه .


وبعد ذلك تبدأ مرحلة تهيئة البنية التحتية ، حيث يتم اختيار الموقع المناسب لمبنى المكتبة ، وتصميمه بالشكل المناسب ، وتجهيز المكان ، والتأكد من صلاحيته لتقديم الخدمات المعلوماتية ، ومراعاة التجهيزات الضرورية بما في ذلك الإضاءة والتكييف والإنارة والأثاث المناسب ، وتأمين المعدات والأجهزة والقوى البشرية ، وغير ذلك من العوامل الأخرى المساندة. ومن ثم يتم الشروع في اختيار النظام المناسب لإدارة المكتبة ولتحسيب خدماتها ، حيث يتم توظيف النظم المتكاملة التي تؤدي سلسلة من الوظائف الفنية المساندة ( التزويد ، الفهرسة ، الإعارة ، ضبط الدوريات ، الفهرس العام المباشر)، ومن خلال هذا النظام المتكامل تتم مشاركة جميع الوظائف في قاعدة بيانات واحدة . وعادة يتم شراء برنامج جاهز من السوق ، نظراً لما يتوافر في هذا الخيار من ميزات عديدة . وبعد ذلك تبدأ مرحلة التشغيل (الاستعداد وتركيب الأجهزة والبرامج وإنشاء قواعد المعلومات وتهيئة الموظفين) .
وأخيراَ فينبغي أن يحدد الجدول الزمني المتوقع لتنفيذ المشروع ، حيث يتم عادة تقسيم المشروع إلى مراحل ، وتوضع تواريخ خاصة بإتمام كل مرحلة . وهذه التواريخ بمثابة تقديرات تقريبية ، قد تختلف بعض الشيء في مرحلة التنفيذ .

 

المصدر: مـنـتـدى مـــكـتـبــة مـدرسـة الـورديـان الـثـانـويـة * بـنـيـن...( تعليمى.متنوع.متطور )
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 2714 مشاهدة
نشرت فى 26 ديسمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,757,215

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters