تتطلب معايير بازل من المصارف تغييرا في المفاهيم الإدارية، وإعادة صياغة الاستراتيجيات على صعيد مجالس إدارة، مما يعني تطور في العقلية المهنية ووضع مواثيق داخلية تصهر المؤسسة المالية في وحدة متكاملة هدفها السعي باستمرار للحفاظ على استمرارية نوعية، ضمن القطاع المالي، عبر المحافظة على نسب نمو ثابتة ومتواصلة.
أصبحت المصارف، وفي بحثها عن معدلات مرتفعة من الربحية، عرضة للعديد من المخاطر التي قد تنشا من البيئة الخارجية والعوامل الداخلية التي تعمل بها، وفي ظل تصاعد المخاطر، كان التفكير في البحث عن آليات لمواجهتها، بهدف استعادة ثقة المودعين والتي تزعزعت بعد الأزمات التي عصفت بعدة مصارف دولية، فتشكلت لجنة بازل للرقابة المصرفية، والتي أصبحت معيارا دوليا للدلالة على مكانة المركز المالي للمصرف، وتقوي ثقة المودعين فيه من منظور تعميق ملاءة البنك.


لا يخلو العمل المصرفي من المخاطر التي تطرح تحدياً للمؤسسات المالية وللسلطات الرقابية على حد سواء، ولكن وفي إطار العولمة، وجدت المصارف نفسها أمام واقع يأخذ بعين الاعتبار تثقيلات المخاطر في العمليات الاستثمارية، وفي هذا السياق فإن المصرفية الإسلامية، عرضة للكثير من المخاطر التي قد تتماثل بعض الشيء، مع المخاطر التي تواجهها المصارف التقليدية، تبعا لنوع المنتج وطبيعته، ولأنواع العقود.
وفي إطار التطورات التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، ومع تزايد المنافسة، ارتفعت وتيرة المخاطر على مصارفنا، حيث الخدمات المصرفية الإسلامية هي من أكثر القطاعات نمواً في الصناعة المصرفية في الشرق الأوسط، وبفعل معدلات النمو، والعائد المرتفع التي يقارب نسبة 15%، شكلت عامل جذب للمصارف التقليدية، وللمنافسة أصبحت المصارف التقليدية تفتح فروعا لها تعنى بالنظام الإسلامي بهدف جذب أموال المودعين، والإشكالية ربما تبررها الشفافية، ولكن كيف لنا أن نعلم عدم دمج الأموال خلال التشغيل، وفي نهاية الفترة المالية على المصرف أن يقدم نتائجه المجمعة بما في ذلك كافة الخدمات والمنتجات، والمنتجات الإسلامية جزء منها.
وبترك الموضوع للمشرع، هناك مجموعة متنوعة من الأنشطة يمكن أن تعمل من خلالها المصارف الإسلامية وبطرق مختلفة تمكنها من تقديم الأموال ويتم تكييفها لتلائم المبادئ التي تنظم العمل المصرفي الإسلامي ومن أهمها مبدأ المشاركة في المخاطر، ولذلك، هناك حاجة ملحة لتحديد وقياس وإدارة ومراقبة مثل هذه المخاطر الخاصة والحد منها في حدود طاقة وكفاية رأس المال.


اعتماد المعايير هو من العوامل التي تؤكد على المصداقية والشفافية وترفع من مستوى الأداء والإدارة، وبالتالي تشكل ضمان للمودع، ويمكن بنظرنا اعتمادها كوسيلة وليس كهدف، حيث باتباع هذه المعايير، ستتكون عوامل الجذب التلقائية لادوات الاستثمار وبالتالي يمكن تحقيق اهداف المؤسسة المالية.
وبالانتقال من مفهوم بيتر كوك في عام 1988 في بازل واحد الى مقياس ماك دونانغ في مفهوم بازل2، واللذان ابقيا على معدل ملاءة إجمالية 8% مع ادخال طريقة مستحدثة لحساب كفاية راس المال المرجح بالمخاطر لمواجهة مخاطر السوق ومخاطر التشغيل ومخاطر االاستثمار، وبالرغم من شمولها على تعديلات في مكونات احتساب قيم رأس المال المساند من جهة، وادخال قيم لمخاطر التشغيل، والتي تساوي بصورة مبسطة 15% من متوسط رقم الاعمال لفترة 3 سنوات يفترض تكوين كفاية رأس مال لها تساوي 8%. وان كان لا يوجد مشكلة كفاية رأس مال فعلية، الامر يتعلق فقط في التعرف الى انواع المخاطر تبعا لطبيعة العمليات وادارتها بشكل سليم، .فان نسب كفاية رأس المال تم استخلاصها بالاعتماد على تجربة المصارف في الدول الغربية، ونعتقد أن على المصارف الإسلامية ولجذب الأموال العربية المستثمرة في العالم، والتي تقدر بما يتخطى 1400 مليار دولار، ولتأكيد خصوصية المنتج الإسلامي، وضع دراسات على فترة خمس سنوات لاستخلاص نسب إمكانية التعثر، ونسب الخسائر عند التعثر، والتي تختلف قطعا عن التجارب الغربية، وإبراز هذه النسب إلى لجنة بازل و واستخلاص نسب كفاية رأس مال تتناسب مع وضع الصيرفة الإسلامية، لتأكيد خصوصية العمل في المنتجات الإسلامية، وبالتالي منح ضمانة للمستثمر العربي الذي لا زال يتردد في استثمار أمواله لعدم قناعته بوجود حوكمة إدارية وشفافية.


حيث تختلف طبيعة النشاط المصرفي ما بين المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية، والاختلاف قد يصل برأينا لغاية اعتماد التعاريف، حيث تعتمد المصارف التقليدية على التسليف والائتمان لتحصيل اكبر نسبة من عائداتها، مع حق النظر في طريقة الإدارة والاستثمار للمستلف ولكن دون حق المشاركة في النشاط، وبالتالي فان خطر عدم نجاح النشاط يقع على عاتق المستلف، ويكون على المصرف تحصيل قيمة القرض بالطرق القانونية المناسبة.
وتحاول المصارف الإسلامية التقارب من شكلية المنتجات التقليدية حتى في استخدام التعابير، الائتمان، وهو تعبير مستخلص من أمانة، والصيرفة التقليدية تستخدمه للدفاع عن أموال المودعين في حال التأخر في الدفع تحت صيغة إساءة الأمانة، أما من ناحية إسلامية، فالأمانة لا يترتب عليها عائد، وهنا في حال وضع أمانة لدى أي شخص لا يمكن الطلب منه فائض قيمة هذه الأمانة والنزول عند رغبة المؤمن لديه في حال رغبته ام لا، وبالتالي فإن التعبير لا يتناسق مع الفكر الاسلامي.


بما ان موضوع العمل المصرفي المتوافق مع الشريعة اصبح يحظى بأهمية متزايدة بالنسبة للمهتمين بالاستقرار المالي، مع توسع أعمال التمويل المتوافق مع مبدأ تجنب الفوائد وأثره وأبعاده بالنسبة للأسواق المالية العالمية والنظام الاقتصادي العالمي، بما في ذلك مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومصارف التنمية بالإضافة إلى السلطات الإشرافية في الدول التي تعمل فيها تلك المصارف، وذلك نظراً للنمو السريع في حجم ونطاق الخدمات المصرفية الإسلامية في بلدان كثيرة. فيمكن الطلب من لجنة بازل للرقابة المصرفية اعتماد التعاريف التصنيفات الخاصة بما يراعي عمل مصارفنا.
وباعتبار المنتجات التي تسوقها المصارف الاسلامية لمعرفة نسب المخاطر التي يمكن احتسابها، فطبيعة النشاط تختلف، حيث يكون المصرف في بعض الاحيان المالك والشريك، مما يتعارض مع مبدأ الصيرفة التقليدية، مع الاشارة الى ان يكون طلب الاموال على الاستثمار يقوم على قاعدة الحاجة الشخصية الأصيلة، لتجنب عملية المضاربة بالاسهم، والتي تدفع بالسوق إلى هزات عنيفة تؤثر سلباً على أداء السوق، وعلى مصداقية العمل، كون المصرف على علاقة مباشرة بالعميل، والمصداقية التجارية للعميل تنعكس قطعا على المصرف.


وبما يتعلق بكفاية راس المال، لا اعتقد بوجود عوائق قيم مالية لمواجهة متطلبات بازل 2 في المصارف الاسلامية، الموضوع متعلق اكثر بعملية التصنيف والادارة والتنظيم الداخلى ووضع الاطر والاستراتيجيات.
حيث ومن ناحية المنتجات، فالاجارة مثلا، ويقوم المصرف بشراء منتج معين ويؤجره الى زبونه، فالمصرف يكون مالك للمنتج، مع وجود عقد ايجار بين المصرف والزبون، ومخاطر المنتج، هو ان يترك المستأجر الاصل او يهمله، وبالتالي يصبح غير ذي جدوى، ولمواجهة هذا الخطر وتخفيضه تبعا لتوصيات بازل2 يمكن القيام بالتالي :
- المرحلة الاولى، تبدأ باختيار المنتج من قبل المصرف ودراسة الجدوى، واي نوع من المنتجات يمكن ان يختار المصرف والتي تشكل خطرا مدروسا من ناحية توازن فترة استهلاك المنتج مع فترة الاجارة، ودراسة السوق الثانوية للاجارة، في حال اراد المصرف اجارة المنتج مرة ثانية او بيعه، وكذلك ادارة هذا المنتج وصيانته بصفة دورية، او التعاقد مع الشركة البائعه لاستراد المنتج وظروف ذلك.


- في مرحلة ثانية، يمكن الطلب من الزبون ايداع ضمانة، في حال اجارة مسكن قيمة 3 اشهر مسبقة عن الايجار، مع قيمة يتم تحديدها عن صيانة والمصرايف المشتركة، وفي حال ماكينة مثلا، ايداع ضمانة تساوي قيمتها 20% من قيمة الاصل، لضمان حسن استعمال المنتج من قبل العميل، مع حد ادنى لمدة الايجار تضمن للمصرف استرداد نسبة كبيرة من المال المستثمر في حال التعثر، لتكون قيمة المنتج في السوق الثانوية كافية لتغطية النقص في الاموال.
وبالتالي فهل نسب التعثر ستكون وسطيا 8% من قيمة المنتج المؤجر، وهنا ربما يتوجب معرفة نوع السلعة، وعمرها، وقيمة الايجار ونسبتها من الدخل، بالاضافة الى معرفة الزبون ونشاطه ومستواه العلمي، وهل هو مستعد اخلاقيا ان يتحمل مخاطر سمعة رديئة في مجتمعاتنا العربية الضيقة، وهنا اقول ان النسبة يمكن ان تكون اقل بكثير من 8%، وربما، وفي حال توزيع وتجزئة المنتج تبعا للقيمة المستثمرة، اعتماد نسبة التثقيل المعتمدة في بازل 2 والتي تساوي 75% من 8% مما يعني 6%.


من جهة الاجارة والاقتناء، او ما يسمى بالايحار التمويلي، حيث يقوم المصرف بشراء الاصل، ويؤجره الى الزبون، الذي يقوم بدفع ايجار شهري لفترة زمنية، وفي آخر العقد يتم تحويل ملكية الاصل الى المستأجر مقابل دفعة اخيرة تكون قيمتها اقل من القيمة العادلة للأصل، وفي حال اتباع المعايير الدولية، ومع دراسة جدوى وسوق السلعة، فان مخاطر عدم السداد برأينا ستكون متدنية جدا، ويمكن الاعتداد بما يمكن تثقيله في ضمان المساكن وهي 35% من نسبة 8% مما يعني الاحتفاظ بنسبة كفاية اموال تعادل 2.8% من قيمة الاستثمار، مما يعطي امكانيات استثمارية واسعة على مصرفي.
وقبما يتعلق بعقود المضاربة، والمرابحة، المشاركة، ومن اجل التثقيل، يفترض دراسة العقد والتفريق من ناحية مسؤولية:
- ما بين الزبون المتضامن في الربح والخسارة، وبالتالي لا يوجد مخاطر تعثر حيث ترتبط ايداعات الزبون بربحية المشروع نفسه وليس على المصرف، والمخاطر هي فط مخاطر تشغيلية،
- وبين الزبون الذي يحدد مع المصرف نسبة معينة من الارباح كحد ادنى يريدها من استثمار امواله، يدفعها المصرف من امواله الخاصة في حال عدم تمكن المشروع من تحقيق الاهداف المرجوة، وهنا تدخل مخاطر اكثر تعقيدا، حبث بنظرنا يقترض على المصرف وضع نسبة تعثر للمشروع بالاضافة الى نسبة اضافية تعادل برأينا نسبة الربح التي تم التوافق عليها.


ونهاية، ومن أهم التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية هي موضوع الحوكمة الادارية، وان يعترف المستثمر بانه لا يمكن ان يعرف كل شيء، ليتعلم، ولا خجل في العلم، ويتخلى عن سلطته في ادارة الاموال الى الجهات المهنية المتخصصة واللجان في المصرف، اما المواضيع التانية من ناحية ادارة مخاطر، وشفافية وافصاح تكون اقل حساسية على صعيد اداري.
إن تشجيع المؤسسات المصرفية الإسلامية على الاندماج في الأسواق العالمية سيدفعها للمنافسة مع كافة المؤسسات المالية الأخرى مما يحفزها نحو الابتكار لمقابلة متطلبات العملاء من شركات وأفراد ويوسع نطاق وقاعدة عملها ولا يربطها بشريحة محددة من العملاء أو أسواق معينة. وهذا سيساعدها على التكيف مع متطلبات النظام المالي العالمي ويوفر لها الأدوات اللازمة التي تساعدها على النمو وتقوية هياكلها ويسهل انتشارها.


اما من ناحية متطلبات الضوابط الداخلية في صناعة الخدمات المالية الإسلامية يجب أن تكون دائماً في حالة تطور وأن يتم تطويعها لتلبي الحاجات المحددة للمصارف الإسلامية. خاصة وأن جانباً مهماً من العمل، مبني على الانطباع والسمعة. لذا فإن على المصارف الاسلامية أن تعي أهمية الدور المناط بها، وبشكل خاص الدور الأخلاقي.

المصدر: د. محمد سليم وهبة
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 2375 مشاهدة
نشرت فى 23 ديسمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,886,529

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters