إتخاذ القرارات الإدارية :

تمهيد:

    في عصرنا الحالي الذي تنمو في الطروحات الفكرية للعلوم الإدارية بشكل متسارع والذي إزداد فيه تعقد التركيب التنظيمي والإداري وتشابك الأهداف والطموحات وما يرافق ذلك من المخاطر. لم يعد المدير أو متخذ القرار فيها قادرا على تحمل هذه الأعباء بالإعتماد على ما يتمتع به من معرفة وقدرات موروثة ومؤهلات مكتسبة ، بل إتجه الفكر الإداري نحو المعطيات الحديثة للإدارة التي تعتمد على التنفيذ العلمي والكمي المحوسب للكثير من الظواهر والمشاكل الإدارية.

    إن الألفية الثالثة من تاريخنا الحالي حملت معها صور ونماذج مختلفة من صيغ العمل الإداري والصراع من أجل الهيمنة والسيطرة والبقاء وذلك في نفس الوقت الذي شاعت في العولمة. ومن هنا إزدادت الحاجة إلى إعتماد أساليب علمية متطورة لترشيد القرار الإداري لكي ينسجم مع ما هو مطروح من تحديات.

    وفي هذا السياق أصبحت هناك ضرورة ملحة لتنمية مهارات المديرين في مختلف المستويات الإدارية بالإتجاهات الحديثة والممارسات المعتمدة على تملك مهارات علوم الإدارة والأساليب الكمية التي تساعد على الإعتماد على المعلومات الكمية القابلة للقياس والمدعمة للحقائق التي تستفيد من قوة النماذج الإحصائية والرياضية في التحليل دون تحيز في التوصل إلى القرار الأمثل.

 

1 – أهمية إتخاذ القرارات الإدارية :  

  تعد عملية إتخاد القرار الإداري جوهر العملية الإدارية ومحور نشاط الوظيفة الإدارية وهي عملية إختيار لإستراتيجية أو لإجراء، وهذه العملية منظمة ورشيدة وبعيدة كل البعد عن العواطف، ومبنية علي الدراسة والتفكير الموضوعي للوصول إلي قرار مرضي أو مناسب.

    وقد عرفت على أنها عملية إختيار بديل واحد من بديلين محتملين أو أكثر لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف خلال فترة زمنية معينة في ضوء معطيات كل من البيئة الداخلية والخارجية المتاحة للمؤسسة. ومن هذا المفهوم يمكن إدراك أن عملية إتخاد القرارات تنطوي على عدد من العناصر هي:

أ- الإختيار،        ب- توافر البدائل،       ج- الأهداف والغايات،              د- الوقت

ه- الموارد المادية والبشرية،   و- البيئة الداخلية،       ز- البيئة الخارجية بما تحتويه من متغيرات.    

2-  مفهوم عملية إتخاد القرارات:

       في البداية يجب التفريق بين صنع القرار وإتخاذ القرار وحل المشكلة، فعملية صنع القرار تتضمن كل مراحل القرار التي تبدأ بتحديد المشكلة وتحليل أسبابها وتعيين متغيراتها بما في ذلك جمع البيانات من مصادرها و إستعراض الحلول الممكنة وبناء النماذج أو تصميم الحلول والمفاضلة بينها ومن ثمة إختيار البديل الأفضل وتنفيده.

    وهذا التوصيف يشمل كل مراحل عملية القرار التي إقترحها سيمون أما إتخاد القرار فهو ينحصر في مرحلة المفاضلة وإختيار البديل المناسب .

3- خصائص عملية إتخاد القرارات:

   - إن عملية إتخاد القرار مرحلة متقدمة في العملية الإدارية وأن المراحل السابقة هي مقدمات أساسية للقرار السليم على الرغم من أنه في كل مرحلة تظهر لكنها تتجسد في مرحلة إتخاذ القرار وغالبا ما تكون نتيجة القرار وخاصة فيما يتعلق بالمشكلات هي حلول توفيقية تركيبية ما بين الإمكانات المتاحة والحاجات والمتطلبات المفروضة وهذا ناتج عن كون عملية صنع القرار تحتوي على المفاضلة والإختيار والتصنيف والترتيب بين الإمكانات المتاحة والأهداف المرسومة.

    - تعد عملية صنع القرار وظيفة إدارية وعملية تنظيمية، فقرارات المدير تعكس كثيرا من الوظائف الإدارية الرئيسية كتكوين الخطط ووضع السياسات وتحديد الأهداف كما تؤدي إلى كثير من الأهداف والنتائج المتعلقة بإدارة المؤسسة. فقرارات المديرين لها تأثير كبير على شكل وأسلوب العمل.

     - هي عملية إختيار يقوم به صانع القرار لإختيار البديل الأفضل من بين بدائل عديدة.

4- أنواع القرارات والمشكلات:

    قسم كونتز وزملائه القرارات إلى نوعين هما القرارات المبرمجة والقرارات غير المبرمجة فالأولى تشير إلى القرارات المخططة سلفا والتي تتعامل مع حل المشكلات المتكررة أو الروتينية. أما الثانية فهي الغير متكررة أو التي تعالج مشاكل جديدة أو تتعامل مع المواقف غير المألوفة مثل القرارات الإستراتيجية.

    أما أنسوف فصنف القرارات إلى ثلاثة أنواع هي:

أ- قرارات إستراتيجية: تصنف بأنها غير متكررة كما أنها تحظى بدرجة عالية من المركزية في إتخاذها وتكون في: - إختيار مزيج السلعة-السوق.

                    - قرارات تخصيص الموارد وقرارات التنويع.

                    - قرارات إختيار توقيت وأزمنة البدء.

ب- قرارات تنظيمية: تتصف بالتكرار إذا ما قورنت بالسابقة وتكون في:

        - القرارات الخاصة  بإجراء توزيع الموارد - القرارات الخاصة بتنظيم وتملك وتنمية الموارد.

        - القرارات المرتبطة بتدفق المعلومات وتحديد مدى الحريات والصلاحيات.

ج- قرارات تشغيلية: تتصف بدرجة عالية من اللامركزية وهي متكررة أي أنها مبرمجة مثل:

                  - توزيع الموارد المتاحة على الأنشطة الوظيفية، جدولة الإنتاج.

                 - تحديد مستويات التشغيل، التسعير وسياسات التنمية، أساليب الإشراف.[1]

5- حالات اتخاذ القرارات :

    أ- حالة التأكد: بيئة القرار مستقرة وبسيطة حيث تحتوي عدد قليل من العوامل والمؤثرات المتشابهة والتي تبقى هي نفسها خلال فترة إتخاذ القرار وخلال تنفيذه وهو كما في القرارات الروتينية.

   ب- حالة المخاطرة: بيئة القرار مستقرة ومعقدة وتحتوي على عدد كبير من العوامل والمؤثرات التي تؤثر على عملية إتخاذ القرار وأثناء تنفيذ القرار كما في القرارات التشغيلية.

   ج- حالة المخاطرة وعدم التأكد: بيئة القرار متغيرة وبسيطة وتحتوي عدد قليل من العوامل والمؤثرات والتي تتشابه فيما بينها إلى حد كبير لكنها تتغير بصورة مستمرة مثل القرارات الإدارية.

   د- حالة عدم التأكد: بيئة القرار متغيرة ومعقدة وتحتوي عدد كبير من العوامل والمتغيرات التي لا تتشابه مع بعضها والتي تتغير بصورة مستمرة مثل القرارات الإستراتيجية.[2]

6- العوامل المؤثرة في عملية إتخاد القرارات:

إن حل المشكلات يواجه عوامل تؤثر على فاعلية الحلول المقترحة وإذا ما تداخلت فإنها أحيانا تقود إلى قرارات خاطئة، لهذا فإن إتخاذ القرار مهما كان بسيطا يجب الإحتياط  مما يلي:

أ‌-       العوامل الإنسانية السلوكية: تتمثل في:

- مدى قبول وإقتناع الأفراد بالقرار الذي يتم إتخاده أو الحلول المقترحة.

- العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المؤسسة ومدى تماشي القرارات والحلول معها.

- التسرع في إتخاد القرارات دون دراسة متأنية.

- الإعتماد بدرجة كبيرة على الخبرة السابقة.

- التحيز والعواطف والخلط بين المشكلة ومظاهرها.

- عدم إهتمام متخذ القرار بإحتمالات المقاومة للتغيير.

ب- العوامل التنظيمية:

    - عدم وجود نظام جيد للمعلومات.

    - عدم وضوح العلاقات التنظيمية بين الأفراد والإدارات.

    - المركزية الشديدة وحجم المؤسسة ودرجة إنتشارها الجغرافي.

    - عدم وضوح الأهداف الأساسية.

    - عدم توافر الموارد المالية والبشرية والفنية اللازمة.[3]

ج- العوامل البيئة الخارجية:

    - العوامل التنظيمية الإجتماعية والإقتصادية مثل النقابات والتشريعات والقوانين والرأي العام وشروط الإنتاج.

   - الظروف الإنتاجية القطاعية مثل المنافسين والموردين والمستهلكين.

   - التعارض بين أهداف المؤسسة وأهداف الأطراف المتعاملين الخارجيين.

   - المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية السائدة في المجتمع.

   - درجة التقدم التكنولوجي في مجال نشاط المؤسسة ومعدلات النمو ودرجة المنافسة.

د- عوامل أخرى:

   - ظرف إتخاد القرار.

   - تأثير عنصر الزمن ومدى أهمية القرار.

   - ضغوط العمل.

 

7 – إتخاذ القرارات في الفكر الإداري الإسلامي .

     إن النشوء الحقيقي للإدارة في الإسلام هو قيام دولة الإسلام على يد نبي الإسلام محمد r الذي ختم الله برسالته الرسالات السماوية .

والهدف الإستراتيجي للإسلام هو إخلاص العبودية لله وعلى ضوء هذا الهدف تتحدد كل أهداف النظم الأخرى في المجتمع الإسلامي سواء اجتماعية أو اقتصادية أو إدارية وهدف أي نظام إداري هو تحقيق رفاهية المجتمع والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وهو ما يطالب به الإسلام .

     والإنسان المسلم هو غاية المنهج الإسلامي في الإدارة هو القائد والموجه لكل مراحل التطور والتقدم، وتنمية القيادة الإدارية ضرورة ملحة لضمان نجاح العمل فأهتم بتنمية القدرات العقلية والقدرات التسخيرية والخبرات المختلفة .وتنمية التفكير العلمي بدلاً من الظن والهوى .

وحسن اتخاذ القرار عامل مهم للقائد وجميع المشاركين في العملية الإدارية ليتم نجاحها .

وعند اتخاذ القرار لابد من ملاحظة الطاقة البشرية ولابد من معرفة كيفية التعامل مع النفس البشرية ، وهذا الأمر غاية في التعقيد وذلك لاختلاف النفوس البشرية ،  وكذلك أن النفس البشرية تختلف من وقت إلى آخر .

القيم الإسلامية لاتخاذ القرار :

بما أن القرار هو الاختيار الواعي (المدرك ) بين البدائل المتاحة في وقت معين ، وبما أن المنهج الإسلامي يقوم على النظرة المتكاملة للتنظيم فقد وضع بعض القيم التي تحكم عملية إتخاذ القرارات ، وهي كالتالي :

1-    ليست هناك قرارات صحيحة تماماً نظراً لظروف عدم التأكد التي تحيط بمتخذ القرار .

2-    ليست هناك قرارات ثابتة يمكن تطبيقها في جميع الظروف والأحوال .

3-     القرار في الإسلام لمعالجة مشكلة وليس لإضافة مزيد من الضحايا .

4-   القرارات الإدارية وإن كانت تعتمد على المعلومات إلا أن هناك جوانب إلهام يضعها الله في نفس الإنسان عند إتخاذ القرارات.

5-    لا يجوز اتخاذ قرار ما بدون مبررات كافية له وإقناع الآخرين بهذه المبررات .

6-    القرارات يجب أن تخضع للتجربة والاختبار قبل البدء في تنفيذها .

7-    النشاط الذي يستهدفه القرار يجب أن يكون متكيفاً مع الطبيعة الإنسانية ويمكن تنفيذه دون مشقة أو عنت .

     8 -  الإسلام يشترط الرشد في القرارات بأشكاله المختلفة ( الذاتي – الموضوعي –الواعي –

           التنظيمي ) .

 

     ولكي يكون القرار رشيداً وفعالاً يجب أن تتوفر فيه ثلاث مقومات مجتمعة وليست متفرقة وهي:

من يعلم ، من يهمه الأمر ، من يستطيع .

أ - فإذا كان من يعلم ويلم بالمشكلة وحلها لا يهمه الأمر، ولا يهمه التنفيذ ،  فسوف يكون قراره خاطئا.

    ب -  وإذا كان من يعلم  ويهمه الأمر والتنفيذ ،  ولكن ليست لدية سلطة اتخاذ القرار،  فسوف يكون

  قراره لا قيمة له ، أي أن اتخاذ أي قرار ناجح لابد وان يجمع في شخص واحد المعرفة بالمشكلة  

 وطرق حلها والاهتمام الكافي بتنفيذ هذا الحل وسلطة اتخاذ القرار.

     ج - وإذا لم تتوفر كل هذه المقومات في شخص واحد فلابد أن يجمع أكثر من شخص تتكامل لديهم كل

         هذه المقومات الضرورية للمشاركة في اتخاذ القرار .

أما متخذ القرار في الإسلام فلا بد أن يراعي مجموعة من المبادئ ،  مثل  :

1- متخذ القرار ملزم بدراسته جيداً ، والتأكد من أنه نابع من فكر سديد وليس على هوى متبع

2- الأمانة والحياد : والأمانة تقضي عدم التسرع في القرار وعدم التعصب لمذهب معين وأن يكون القرار ملائماً لطبيعة العصر. .

3- الإنسان ليس له قدره نهائية على اتخاذ القرار ولهذا أوصى الإسلام بالمشاركة الجماعية .

4- يجب على متخذ القرار أن يراعي عدم محاباة مصلحة أو جماعة على حساب مصلحة شخص آخر . ولذلك عني الإسلام بتهذيب الضمير والوجدان .

5- منفذ القرار يجب أن يكون قدوة للآخرين في العمل بنصوص القرار ، ولا بد أن يدرك تماماً قبل إصداره أنه مسؤول عنه أمام الله ، إلى جانب مسئوليته الدنيوية .

حالة عملية في اتخاذ القرار في عهد الخلفاء الراشدين :

    يحث الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في كتابة إلى واليه على مصر الأشتر النخعي على التريث في الأمور وإفراغها من أثار الأحقاد، والتثبت من المعلومات قبل إتخاذ القرار وعدم تصديق الوشاة ، وأن يكون العدل هو الأساس الذي يتخذ بموجبة القرار وعدم التسرع في اتخاذ القرارات وعدم إرتجالها  . فيقول((أطلق عن الناس عقدة كل حقد ، وإقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل مالا يتضح لك ،  ولا تعجلن إلى تصديق ساع ، فإن الساع غاش ، وإن تشبه بالناصحين ، وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها ،أو التساقط فيها عند أماكنها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذ استوضحت فضع كل أمر موضعه ، وادفع كل عمل موقعه ))

يتضح من هذه القصة أنها تحمل فلسفة إدارية شاملة لجميع العناصر الإداريه ، فهي تقوم على أساس القيم والمبادئ الإسلامية في إطار العقيدة الإسلامية السمحة ، حيث تركز على مبدأ العدل والشورى والاختيار السليم للولاة وعدم تصديق الوشاة والتثبت من المعلومات التي يبنى عليها اتخاذ القرار.



[1] - عبد الغفار حنفي وعبد السلام بوقحف: تنظيم وإدارة الأعمال، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، 1993، ص144.

[2] - كاسر نصر منصور: مرجع سابق، ص53.

 

المصدر: التنمية الإدارية .
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 2553 مشاهدة
نشرت فى 1 نوفمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,722,019

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters