- ثقافة المؤسسة والأداء:
بالرغم من عدم اتفاق الباحثين حول الجوانب الوضعية للمؤسسة، إلا أنهم أجمعوا على أنه حتى تقوم الثقافة بوظائفها فإنه لابد أن تكون ثقافة قوية. فالثقافة القوية ترتبط بمستوى عالي من الإنتاجية والرضا الوظيفي لدى العاملين والعكس في حالة الثقافة الضعيفة تقل الإنتاجية ويقل الرضا الوظيفي لدى العاملين.
فكلما زادت عناصر الثقافة قوة وإيجابية كلما قلت درجة الإحباط الوظيفي لدى العاملين والعكس صحيح.
إن الثقافة القوية تؤدي إلى زيادة فعالية المؤسسة والترابط الاجتماعي وجماعية العمل وفعالية نظام الاتصال والاتفاق فيما يتعلق بالقيم والمبادئ، حيث أن الثقافة الضعيفة تعوق الفعالية التنظيمية القوية وتؤدي إلى الانعزالية والكراهية بين الأفراد والشعور بالاغتراب والامبالات.
تتسم المؤسسات الناجحة ذات الأداء المرتفع بأن لها ثقافة تنظيمية قوية وأن أهم ما يميز الثقافة التنظيمية القوية هو تجانسها فهي ثقافة متجانسة، فجميع أفراد المؤسسة يعملون داخل إطار قيمي واحد واضح ومفهوم لهم جميعا.
أما الثقافة الضعيفة فهي ثقافة غير متجانسة مجزئة، أو قد لا يوجد لها ثقافة على الإطلاق أو تتسم ثقافتها بعدم وجود اتفاق أو إجماع بين الأعضاء حتى القيم والمبادئ، ويحتاج العاملون فيها إلى توجيهات –صلابة السلوك، الحد الأدنى المقبول- حيث يتبعوا الأوامر فقط كمحصلة للتضاد بين خصائص التنظيم الرسمي وخصائص الشخصية الناضجة
لقد توصل Peter & Waterman ) في دراسة لهما أن المؤسسات التي تتمتع بثقافة تنظيمية متماسكة وقوية هي المؤسسات الأكثر إبداعا في كل شيء، وأن المؤسسات غير المبدعة تميزت بوجود ثقافة تنظيمية تميل إلى التركيز على القوة والنفوذ داخل المؤسسة بدلا من الاهتمام بالزبائن كما تميل إلى التركيز على الكم على حساب الكيف، وتهمل العنصر البشري وتتجنب الإبداع.
بينما المؤسسات القوية تركز على حاجات ومطالب الزبائن الداخليين والخارجيين والأهداف القصيرة والطويلة، وعلى إشباع كبرياء العاملين كما تمتاز بثقافة المشاركة. تتميز مستويات أداءها ليس بكونها الأفضل عن مستويات تلك التي تفتقر إلى هذه الثقافة وإنما أيضا بمستوى أدائها يزداد تفاوتا مع الزمن.
كما خلصا في دراستهما هذه أن الثقافة القوية تتميز بالخصائص التالية:
-1 درجة عالية من التجانس فلهذه المؤسسات مجموعة من القيم تؤمن بها وتعمل على ترسيخها وتثبيتها لدى كل العاملين بها.
-2 الابتكار: حيث تعمل هذه المنظمات على تنمية وتشجيع القدرات الإبداعية لدى العاملين بها.
-3 القدرة على التكيف: حيث تتسم هذه المؤسسات بدرجة عالية من المرونة والتكيف مع التغيرات الناشئة حولها.
وفي بحث أخر عن الامتياز حددا قائمة خصائص تنظيمية تميل إلى أن تكون ملامح رئيسية للمؤسسات الناجحة في المعتقدات التالية:
- الاعتقاد بأهمية استمتاع الشخص بعمله.
- الاعتقاد بأن يكون الأفضل.
- الاعتقاد بأن الأفراد يمكن أن يكونوا مبتكرين ومحتملين للمخاطر دون تعرضهم للعقاب عند الفشل.
- الاعتقاد بأهمية الحضور للتعرف على التفاصيل.
- الاعتقاد بأهمية العاملين كآدميين.
- الاعتقاد بأهمية عدم الرسمية لتحسين تدفق الاتصال.
- الاعتقاد بأهمية النمو الاقتصادي وتحقيق الأرباح.
- الاعتقاد بأهمية ضبط الإدارة بافتراض أن المديرين يجب أن يكونوا فاعلين وليس مجرد مخططين أو مستجيبين.
- الاعتقاد بأهمية الفلسفة التنظيمية المعترف بها والمعدة والمؤيدة من طرف الإدارة العليا.
وقد حدد الباحثان Deal & Kennedy مجموعات الثقافة القوية على النحو التالي:
- إن فلسفة بالمشاركة منتشرة على نطاق واسع.
- تركز على الاهتمام بالأفراد لتحقيق النجاح التنظيمي.
- تشجيع الطقوس والمراسيم للاحتفال بالأحداث أو المناسبات الخاصة بالمؤسسة.
- تحديد الأفراد الناجحين وتكريمهم.
- لديها قواعد غير رسمية للسلوك.
- لديها قيم قوية.
- تضع معايير أداء مرتفعة.
- لديها ميثاق محدد واضح للجميع.
أوضح أوشي أن المؤسسات الناجحة هي تلك المؤسسات التي استطاعت أن تكوّن لنفسها ثقافة تتسم بالأتي:
- جماعية العمل والمشاركة القائمة على الثقة.
- الاهتمام بالعاملين وتنمية مهاراتهم وقدراتهم الإبتكارية.
- المودة والتفاهم بين أعضاء المؤسسة.
إن أفضل طريقة للتمييز بين الثقافة القوية والضعيفة للمؤسسات يكون بطرح السؤال التالي:
ماذا يحدث لحامل الأخبار والأنباء السيئة أي ماذا يحدث للشخص الذي يشير إلى مشكلة محتملة ؟ هل يحصل على مكافأة أو يواجه بالعقاب لقيامه بذلك ؟ إن المؤسسات ذات الثقافة الضعيفة لا تشجع على نقل الأشياء السيئة، وتتماشى دائما الأمور غير السارة في العمل، بل إنها تقوم بالحيلولة دون وصول إشارات التحذير المبكر لمواجهة المتاعب إلى المسؤولين، كموقف عن مقاومة التغيير مما يشجع على الجمود والتسيب والإهمال والإدمان على السلبية، حيث لا أحد يسأل عن ماذا يحدث، إن كان بالطريقة الصحيحة أم بالطريقة الخاطئة، بينما نجد المؤسسات ذات الثقافة القوية تشجع دائما على الاتصال والتواصل والانفتاح والتفتح حيث فلسفتها تقوم على الاستعداد الدائم للتحدي تعتمد مدخل الفعل.
إن القيم الخاطئة الضعيفة عن مستوى الأفراد والمؤسسات يمكن إدراكها من النقص في الدافعية المتجلي في انخفاض الإنتاجية وعدم الكفاءة والغيابات وعدم الانتظام واللامبالاة ...في حين على مستوى المؤسسات يمكن الوقوف عليها من خلال سوء التسيير المتجلي في غياب المبادئ وعدم القدرة على التنبؤ والبطء في اتخاذ القرارات وتعديل القرارات بصفة مستمرة أو إصدار القرارات بصفة متكررة، سيطرة غير الأكفاء على الأكفاء، وغياب العلاقات الشخصية، فاعلية التنظيمات غير الرسمية، الجمود في العمليات ...الخ.
إن ثقافة المؤسسة جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، ولا شك أن الخصائص الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية
، نظام ونمط الإدارة، الاقتصاد الموجه، التسيير الاشتراكي للمؤسسات، القانون الأساسي للعمل، العائلة الممتدة، المستوى التعليمي...للمجتمع لعبت دورا بارزا في تشكيل السلوكيات والممارسات الفعلية حيث نجد أن ما يصدر من العاملين من تصرفات فعلية هو في واقع الأمر إفراز للبيئة التي يعيش فيها هؤلاء.
إن العوامل التي شجعت على توظيف بعض الممارسات المضرة بالمؤسسات والمجتمع نتاج عوامل متعددة منها ما هو راجع إلى التركيبة النفسية التي تحكم سلوك الفرد والمجتمع وتصرفاته وبشكل يحدد نظرته للحياة بصفة عامة. كما يمكن إرجاعه إلى مجموع القيم والأفكار والتقاليد الموروثة في المجتمع، ساعدت البيئة الخارجية على وجودها واستمرارها، فقد كان مثال للسياسة العامة للدولة على التركيبة الاجتماعية في المجتمع انعكاسات سلبية إذ ظهرت اتجاهات مثل التواكل واللامبالاة كشيوع ظاهرة عدم الانتظام والاهتمام مع رفض التغيير والاهتمام بالمظهر وعدم تحمل المسؤولية والدوران حول الذات،وغياب الالتزام وعدم الاعتقاد بالقيم الأخلاقية مثل الولاء والانتماء والصدق والتعاون والانضباط والانتظام في العمل والتهرب من المسؤولية وتعدد مضيعات الوقت وغياب الأعراف السلوكية، تراجع العقلية الرشيدة وأزمة الحوار، التواكل، المحسوبية، عدم المحاسبة، المجاملة واللطف، التحايل والمراوغة، سيادة قاعدة الغنائم والانسحاب والانعزال....لقد أثرت هذه السياسة على القيم وثقافة المجتمع وبالتبعية على المؤسسات.
فالعامل تكيف مع الأوضاع التي أكدت على الإدمان على السلبية حيث تعلم أن لا يكون موضع تقييم فلا يقيم الغير كما أنه لا يعامل وفقا للنتائج التي يحصل عليها لذا لا يبالي بنتائج الآخرين حيث أنه يكتفي بالحضور الجسماني إلى المؤسسة ويرتبط بالمنصب دون المؤسسة فهو ينظر لما تقدمه له ولا يبالي بما يجب أن يقدمه لها.
ومن المظاهر المترتبة عن التلوث البيئي الناتج عن الاغتراب التنظيمي الآدائي نجد:
- قتل التفكير الإبتكاري والمبادرة.
- غياب الحرية في الممارسة الإدارية.
- فقدان السيطرة والتنبؤ عن اتخاذ القرارات.
- غياب التقييم والمتابعة.
- غياب مبدأ الاستحقاق والثواب اللذان يمكن من خلالهما تحريك السلوك الإنساني سلبا وإيجابا.
- المجاراة اللاشعورية لما يحدث وكذلك المجاراة القهرية، القلق الدائم وفقدان الثقة في النفس.
- عدم ربط إشباع الحاجات بالأداء.<!-- google_ad_section_end -->
المصدر: التنمية الإدارية .
نشرت فى 5 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,754,693