قد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم أن من علامات الساعة الفساد الإداري المتمثل في تنصيب غير المؤهلين ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: بينما النبي في مجلس يحدث القوم ، جاءه أعرابي فقال : متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلي الله عليه وسلم يحدث ، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة ؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال (إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة)، قال: كيف إضاعتها؟ قال ( إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) .

وعليه فمن الأمانة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والرجل المناسب هو المؤهل لشغل وظيفة ما، وقد دلت آيتان في القرآن أن الرجل المناسب أو المؤهل هو من يتمتع بصفتين- بصرف النظر عن نوع الوظيفة- وهما: الديانة والكفاءة، أو كما سماها الله " القوة والأمانة" – في سورة القصص- و" الحفظ والعلم " – في سورة يوسف- قال تعالى }قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ{(القصص:26)
قال تعالى }قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(يوسف:55)، وعليه فالكفاءة والديانة هما مؤهلا التوظيف ومعيار المفاضلة عند تزاحم المتنافسين على الفرصة المتوفرة، ويكون من الخيانة إقصاء الأكفاء لصالح غير الأكفاء .

والأكفاء هم الذين يستطيعون القيام بالعمل بإجادة وإتقان ، وتقوم المؤسسات والشركات والدوائر الحكومية بوضع مواصفات معينة للشخص المناسب المتقدم للوظيفة ، لضمان توظيف الكفء في هذه الوظيفة ، وهو ما يُعرَف بـ " الجدارة ".

ومن تولى وهو غير كفءٍ كان ما يفسد أكثر مما يصلح ، و من كان توظيفه من مبدأ الخدمة الشخصية – مع أنه غير كفء - فإنه سيستغل وظيفته لما يخدم مصالحه ، فتنتشر الرشوة ، والسرقة ، والكذب ، والتسلط ، ويؤول ذلك إلى الحقد ، والضغينة بين الرئيس والمرؤوس ، وبين المرءوسين أنفسهم .

قال يزيد بن أبي سفيان : قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام : يا يزيد ، إن لك قرابة عسى أن تؤثرهم بالإمارة , وذلك ما أخاف عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، حتى يدخله جهنم " رواه الحاكم .

المؤهل الأول : القوة :
فالقوة هي المؤهل الأول لتولي المناصب والوظائف، وقد أشاد النبي e بالمؤمن القوي، فقال: (المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ) رواه مسلم
والقوة في الوظيفة تختلف من مجال لآخر، وهي في كل مجال بحسبها، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال :" القوة في كل ولايةٍ بحسبها ، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها ، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام "
والقوة بالنسبة للموظف نوعان : جسدية ، ومعنوية ؛ فالجسدية : هي قدرته على القيام بالعمل بأن لا يكون فيه عاهة أو مرض يمنعه من القيام بالعمل ، و المعنوية : تعني القوة العلمية، والتي تشمل التمكن في التخصص، واستغلال القدرات والإمكانات، ومتابعة التطوير والتجديد، وهذا النوع من القوة مقدم على القوة المادية
وقد جمع الله تعالى بين القوتين للقائد طالوت الذي قال فيه } إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْم{ ( البقرة : الآية 247)
والذي يشعر أن فيه ضعفاً - بسببٍ صحيّ ، أو نفسيّ ، أو قلةٍ في الخبرة - عليه أن ينصح لإدارته ولا يطلب أكثر من حقه ، لأنه في الغالب لا يقوم بالعمل بشكل كامل ، بل على الإدارة أن لا توليه هذا العمل الذي لا يستطيعه ، فقد قال صلي الله عليه وسلم لأبي ذرّ : ( يا أبا ذرّ ، إني أراك ضعيفاً ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمَّرنّ على اثنين ، ولا توَلينّ مال يتيم ) ( رواه مسلم)
وهذا الحديث يبين لنا أن الموظف إذا كان تقياً ، فليس بالضرورة أن يكون قوياً على عمله

المؤهل الثاني : الأمانة :
الأمانة حملٌ عظيم ناءت به السماوات والأرض ، قال تعالى } إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً { (الأحزاب:72) فمن ولي أمانةً ما في وظيفته فإنه يحتاج إلى مراقبة الله فيها أولاً ، ثم أدائها على أتم وجه ، فمن فعل ذلك فإنه مع النبيين والصدِّيقين ، قال e( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصدِّيقين والشهداء ) ( رواه الترمذي )
ومن لم يؤدِّ الأمانة كان خائناً ، وقد قال صلي الله عليه وسلم ( لا إيمان لمن لا أمانة له ) ( رواه أحمد وابن حبان)
ومن أعظم الأمانة ؛ الأمانة في المال ، لأن المال محبوبٌ للإنسان ، كما قال سبحانه } وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ{ (العاديات:8) ، وقال عز وجل } وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً { (الفجر:20)
فالأموال التي يؤتمن عليها الموظف في العمل ، سواء كان مديراً له حق التصرف في الميزانية ، أو أمين صندوق ، أو موظف حسابات ، أو غيرهم ، فإنها وديعة بيده يجب أن يحافظ عليها ، ولا يتصرف فيها إلا فيما فيه مصلحة العمل ، سواء كان العمل عاماً – أي حكومياً – ، أو خاصّاً – أي أهلياً - .
ولا حق لأحدٍ من الموظفين أن يقول : إن لي حقاً في هذا المال ؛ لأني أحد المواطنين ، وهذا المال هو للمواطنين ، أو يقول : إن غيري يسرق من المال ، فأسرق مثله .
فإن المال وإن كان عاماً ، فلا يجوز أخذ شيءٍ منه ، إلا بإذن ولي الأمر ، وإلا كان الأمر فوضى
ومن الأمانة في المال : أداء الحقوق للآخرين ، قال سبحانه وتعالى } وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ { ( الأعراف : 85 ) ، فيجب على أرباب العمل ، والمسؤولين أن يؤدوا للموظفين حقوقهم المالية كاملة ، دون تأخير أو أذى ؛ لأن المسؤل قد يعطي الحق كاملاً ، ولكنه يؤخره ويماطل فيه ، فيؤذي أخاه المسلم ، وإذا كان الله تعالى قد منع الأذى في الصدقة بقوله } لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى { (البقرة : الآية264) فمن باب أولى منع الأذى في حقوق الآخرين

أمور تنافي أمانة الوظيفة والمنصب:
• المحاباة والانحياز لقرابة ونحوها: حيث يترتب عليه الظلم وانتشار الأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع، وقد روى الحاكم عن النبي e قوله: (من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) ، وروي كذلك عن النبي e قوله: (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، حتى يدخله جهنم) رواه أحمد والحاكم.
• استغلال الوظيفة للمصالح الخاصة: سواء كان اختلاساً أو استحلالاً لأدوات العمل؛ تملكاً أو استخداماً، لذلك فالأمانة تقتضي المحافظة على أدوات العمل ، وعدم استعمالها فيما لا يخصّ مصلحة العمل ، كالأوراق ، والأجهزة ، والسيارات ، ومكائن التصوير ، والهواتف وغيرها ، فإن هذه الأدوات لم توضع إلا من أجل مصلحة العمل ، لا للاستعمال الشخصي.
• ولا ينبغي له استغلال منصبه ليجني من ورائه ما لا يحل له لمصالحه الشخصية فضلاً عن أقاربه وذويه، فقد حذر الرسول e من ذلك قائلاً: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان ذلك غلولاً يأتي به يوم القيامة) رواه مسلم، ويستوى الوعيد في اختلاس القليل والكثير، والجليل والقدير، وقد توعد النبي e أحد المختلسين بقوله: " إن الشملة لتلتهب عليه ناراً أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم " ( رواه مسلم ) وذلك بسبب أنه لم يستأذن وليّ الأمر في أخذها.
• ومن المناسب هنا أن نذكر قصة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حين جاءه بريدٌ من إحدى الجهات ليلاً فأوقد شمعةً و جلس معه يسأله عن أحوال المسلمين ويتفقدهم ، فلما فرغ سأله الرجل عن حاله وحال أهله ، فاستأذن عمر وأطفأ الشمعة وأوقد أخرى صغيرة ، فلما سأله الرجل عن ذلك قال : كنت تسأل عن حال المسلمين فأوقدت الشمعة التي هي من بيت مال المسلمين ، فلما صرتَ تسألني عن حالي أوقدت شمعتي !
• ومثالٌ آخر عنه رحمه الله : فقد كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن ، فكتب إلى عمر بن العزيز رضي الله عنه : إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً . فكتب إليه :" إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن أتهم تضييعك وتفريطك . وأنا حجيج المسلمين في أموالهم ، و لِأدناهم عليك أن تحلف ، والسلام "
• أخذ الرشوة لإنجاز العمل الواجب : وأصلها لغةً من الرشا ، وهو الحبل ، ووجه الشبه بينهما أنها يتوصل بها إلى المقصود ببذل المال (كسب الموظفين : 121)
• وهي سحتٌ حرام ، ومن صفات اليهود ، قال سبحانه ] {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ { (المائدة : الآية 42) ، ومن تشبَّه بهـم لحقته اللعنة كاليهود ، قال e( لعن الله الراشي والمرتشي ) ( رواه الترمذي ) وسبب تحريمها أنها طريقٌ لتجاوز النظام ، وطريقٌ لتعويد الموظفين على عدم تقديم أعمالهم إلا بالرشوة ، وبالتالي التسبب في إفساد ذممهم، والتسبب في حرمان الكثير من نيل حقوقهم الطبيعية بالطرق المشروعة، لعدم إمكانهم دفع الرشوة ديناً أو عجزاً، وقد يكون ذلك سبباً في انتشار الضغائن والأحقاد في المجتمع من قبل أولئك الذين يشعرون بالظلم والغبن. وبالتالي يحرم الكثير من الناس من قضاء مصالحهم إلا بعد أن يقدموا الرشوة .
• وللرشوة صور ؛ منها : دفع المبالغ المالية للموظف أو المسؤل مقابل قضاء مصلحة الراشي ، إذا كانت هذه المصلحة من صميم عمل الموظف ، ولا يشترط أن تكون الرشوة مبلغاً كبيراً ، بل أي مبلغ يدفع لهذا الغرض فهو رشوة قلّ أو كثر .
• ومنها : أن يقدم الخدمات للمسؤول كتخفيض سعر السلعة لهذا المسؤول ، أو ترقية أحد أقاربه .
• ومنها : أن يتوصل إلى رشوة المسؤول عن طريق زوجته أو أبنائه .
• فعلى الموظف العام أن يكون فطناً لهذه المداخل ، فقد أهدى رجل من عمال عمر رضي الله عنه إلى امرأة عمر نمرقتين ، فدخل فرآهما ، فقال : من أين لكِ هاتان ؟ أشتريتهما ؟ قالت : بعث بهما إليّ فلان . فقال : قاتل الله فلاناً ، لما أراد حاجة فلم يستطعها من قِبلي أتاني من قِبل أهلي . فاجتذبهما اجتذاباً شديداً من تحت من كان عليهما جالساً ، ثم أخرجهما من بيته ، وفرَّقهما بين امرأتين من المهاجرين والأنصار ( رواه البيهقي ).

المصدر: وائل السيد , الفيس بوك .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 98/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 2314 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,877,790

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters