ما زال التفكير الاستراتيجي مثار جدل علماء وباحثي علم الادارة الاستراتيجية ، ومرد ذلك الحداثة النسبية في دراسة ابعاده على الرغم من ان الفكر الاستراتيجي هو نتاج عمليات تفكير العقل الاستراتيجي . وقد نبع الاهتمام به وترافق مع ولادة افكار تبشيرية بالمدخل المعرفي كونه احدى المكونات التي اجتذبت عملية البحث العلمي في محاولة لتأطير مفهومه .
وقد برز رأي مفاده ان التفكير الاستراتيجي هو اساس صياغة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي انطلاقا من انهما يصبان في برامج عمل رئيسة تستخدمها المنظمة لبلوغ رسالتها وغاياتها . وقد حلل التفكير الاستراتيجي وفق نظرة معرفية على انه عنصر جوهري يحدد بقاء منظمات الاعمال التي تعمل في محيط بيئي متغير . وعبر عنه بالبوستر الاستراتيجي الذي يبين اتجاه المنظمة ازاء بيئتها .
وحدد التفكير الاستراتيجي كعملية ضمن منظور تحديات العولمة بأنه العملية التي تستخدم لتطوير تصور استراتيجي . وهنالك من يعتقد ان تفكير الادارة استراتيجيا ينطلق من بناء اطار شامل لمنهج الادارة الاستراتيجية والاحاطة بنطاقه والتطورات التي جعلت منها ميدانا حرجا ، فهو يهيء الفهم والوعي بالادارة الاســــتراتيجية والاعتراف بأهميتها في التحرك لنجاح المنظمة .
ان التحليل يمثل نقطة الانطلاق الحرجة للتفكير الاستراتيجي ، اذ ان التفكير والتحليل يقودان الى اختيارات استراتيجية ، وللتدليل على مفهوم التفكير الاستراتيجي تبرز مجموعة من التساؤلات ، مثل :
• ما هي المنافسة في السوق وما مدى شدة جميع قوى المنافسة ؟
• أي المنظمات تتمتع بمراكز تنافسية اقوى او اضعف ؟
• ما هي التحركات الاستراتيجية المفضل اتخاذها لاحقا ؟
• ما هي العوامل الرئيسة المحددة لنجاح المنافسة في بيئة الصناعة ؟
• ما جوانب تمكن المنظمة وضعفها والفرص والتهديدات ؟
• ما مستوى عمل استراتيجية المنظمة حاليا ؟
• ما مدى قوة المركز التنافسي للمنظمة ؟
• ما هي المشكلات الاستراتيجية التي تحتاج الى تشخيص ؟
في ضوء هذه التساؤلات يتبين ان التفكير الاستراتيجي يمثل اسلوبا لتحليل مواقف تواجه المنظمة تتميز بالتحدي والتغير والتعامل معها من خلال التصور والبوستر الاستراتيجي لضمان بقاء المنظمة وارتبائها بمسؤولياتها الاجتماعية والاخلاقية حاضرا ومستقبلا .
ومن اجل ان تتمتع المنظمة بالاقتدار ، فقد برهنت التجارب ان تطوير استراتيجيات اقسام المنظمة ووحدتها هو نتاج ذلك التفكير . ويتطلب الامر امتلاك الادارة العليا والمدراء الاخرون معرفة بأعمالهم وتوفر المعلومات الضرورية التي باتت احد المشكلات الخطيرة في حياة المنظمات ويتجلى ذلك اثارة تساؤلات استراتيجية يتم الاجابة عنها بالاستفادة من ادوات التحليل الاستراتيجي كمصفوفة بوسطن BCG .
ومن فوائد التفكير الاستراتيجي انه اداة تعزز الاقتدار والتميز في المنافسة ، اذ تستطيع الادارة العليا تحديد الاستعدادات التي يمكن من خلالها تحقيق النجاح من خلال استعدادات نوعية التصنيع وفاعلية الكلفة التوزيع الفائق ، وتقارن الادارة العليا جوانب القوة في عمليات المنظمة وقوتها نسبة الى المنافسين في مجالات اعمال قد قامت بتحليلها لكي تقرر عبرها المركز الاستراتيجي .
وعد التطور الحديث الذي شهدته تكنولوجيا المعلومات عاملا مساعدا ومدعما للتفكير الاستراتيجي للمنظمة وقدرتها على التكيف والمناورة والتحديث بسرعة وبدقة ضمت عمليات الاستراتيجية . وكذلك التركيز على الاوجه الابداعية فيها ، ويمكن القول ان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بانواعها المختلفة تشكل عاملا محددا للتفكير الاستراتيجي في المنظمات ذات الاعمال المتنوعة ، بشكل مؤثر في فاعلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية فيها ومقدار ما تحتاجه من ابداع لضمان العملية الاستراتيجية .
لقد تبلورت رؤية جديدة عن التخطيط الاستراتيجي من خلال توظيف المدراء للتفكير الاستراتيجي الحدسي كونهما يؤمنان تصورات عن اعادة بناء الاستراتيجيات . ولما كان التخطيط الاستراتيجي نشاطا رئيسا مستمرا فانه يشجع المدراء بل ويلزمهم التفكير استراتيجيا ويدعوهم الى التركيز على البحث عن مخارج المعضلات البيئية الخارجية في الأمد البعيد اضافة الى التفكير بالمخارج للمعضلات المرحلية والتشغيلية قريبة الامد .
• رأي Ansof : ان التفكير الاستراتيجي يبني على اساس تفاعل المنتوج ورسالة المنظمة القائمة والجديدة مبينا ان على الادارة ان تفكر بخيارات وسلوك استراتيجي ينسجم مع طبيعة الموقف الاستراتيجي .
• رأي Chandler : قاد منهجا تاريخيا الى التفكير بضرورة المواءمة بين تغير البيئة واستراتيجية التنويع والتكامل وبين الاستراتيجية والتركيب التنظيمي لمنظمات صناعية ضمانا لبقائها .
• رأي Child وينصرف الى علاقة التفكير بالاختيار الاستراتيجي بعوامل الموقف ( البيئة والتكنولوجيا والحجم . ) واعتماده تفكيرا موقفيا لبناء استراتيجية المنظمة قائما على تقويم تلك العوامل ومحققا مواءمة معها .
• رأي Porter ويدور حول القيام بالتحليل التركيبي ثم ذهب لطرح ثلاثة خيارات استراتيجية هي الاختلاف والتركيز وقيادة السوق من خلال الكلفة نتاجا لعملية التفكير متأثرة بدرجة اسهامها بتحقيق ميزة تنافسية وتوسيع الحصة السوقية للمنظمة والمحافظة عليها . ودعا الادارة الى التفكير بطبيعة قوة المنافسين الحاليين والجدد والمشترين والموردين والسوق وما يترتب عليها من تهديدات وفرص .
التفكير والتصور الستراتيجي :
ان التفكير الاستراتيجي مكون معرفي يرتبط ويتبادل التأثير مع الادراك والتعلم والذكاء والوعي الاستراتيجي وما ينتج عنها من خيال وحدس وتصور استراتيجي . فضلا عن الحاجة الى تصورات استراتيجية بأعتبارها معطيات تغذي العقل الاستراتيجي وتتفاعل مع ما تختزنه الذاكرة بعيدة الأمد من خبرات وقدرات لخلق الابداع والتمثيل لسيناريوهات تكون اكثر انسجاما مع حالة تنوع المواقف الاستراتيجية التي تواجه ذلك العقل .
وقد عد التصور الاستراتيجي واحدا من مداخل التخطيط والمعتمد على استخدام نظام السيناريوهات ذات العلاقة المباشرة بتحليل بيئة الأعمال ، وبناء المركز التنافسي وتطوير خيار الادارة كونها مترابطة مع بعضها . ويمتد التصور الاستراتيجي ليشمل عمليات المنظمة بأعتباره يصف ما ينبغي ان تكون عليه المنظمة في نهاية عشرين سنة قادمة مثلا ويتلازم استخدام قائمة التصور مع الاقتدار المتميز التي تبذل به الجهود لتحديد طرق تحقيق الميزة التنافسية وتلعب دورا حيويا فيه .
وقد عرف التصور الاستراتيجي بانه تصور استراتيجية او مجموعة استراتيجيات المستقبل ، ويحقق ذلك امثلية استراتيجية المنظمة فهو يهيء تصورا عن توجه وغرض كامن في الاستراتيجيات والانشطة الاستراتيجية . واعتبر خلق تصورات استراتيجية من احدى مهام الادارة الاستراتيجية بأعتبارها نظاما مصمما لمساعدة الادارة في تقدير وصنع القرارات الاستراتيجية ، اضافة الى وضع تصورات استراتيجية .
وضمن منطق التعلم المنظمي واطار مناقشة القيادة الكارازماتية والتحويلية القي الضوء على احدى ادوار القائد التي يتوقف عليها نجاحه متمثلة بقدرته على خلق تصور جديد عن حالة مرغوبة في المستقبل تسعى المنظمة بلوغها وتجاوز ومغادرة الانماط التقليدية للتراكيب والعمليات والانشطة التي لم تعد مفيدة . وينبغي ان يتمكن القائد من فصل التصور خارج المنظمة ، فالتصور الاستراتيجي الجديد اساس نجاح القيادة لتطوير تصور جديد للتحول المنظمي ويأخذ القادة وقتا للارتباط بالمدراء والافراد من خلال عدد من الفرق الاستراتيجية ، لكنهم يسعون الى ربط الاستجابة الهادفة والمبادأة والالتزام بالتصور الجديد لحركة المنظمة ونتائجه المرغوبة في الأمد البعيد .
وقد وصف التصور بأنه التوجه المستقبلي للمنظمة ومسار اعمالها ، فهو يرشد المنظمة لما تحاول ان تقوم به لكي تصبح في مكانة متميزة في المستقبل في بيئتها وعد التصور الاستراتيجي احد المهام الرئيسة للادارة الاستراتيجية صناعة وتنفيذا لعمليات تصميم الاستراتيجية وتنفيذها ، اذ يتقرر بموجبه الاعمال التي ستكون فيها المنظمة ، وتصاغ ضمن تصور استراتيجي ترتبط باحتياجات المنظمة الموجه والقائد لحركتها .
ان التصور الاستراتيجي يترابط مباشرة مع رسالة المنظمة وعملية صياغة اهدافها ومراجعتها فهو يهيء المنظمة لرؤية المستقبل ويساعد في انشاء توجه بعيد الأمد وتاشير مقاصدها المساهمة في صنع مركز اعمال خاص بها .
وترتكز دقة التصور الاستراتيجي ومنطقه على فاعلية نظم المعلومات الاستراتيجية ونظم الرصد البيئي ونظم التدقيق الاستراتيجي ونتائج التنبؤات بعيد الامد وادارة الابداع المنظمي ونضج التكوين المعرفي خبرة وادراكا وتعلما وتمثيلا وخيالا وحدسا وذكاء . ويمكن النظر الى التصور بأنه نافذة المنظمة نحو المستقبل المرتقب . وتستطيع ادارة المنظمة رسم التصور الاستراتيجي من خلال المعرفة العميقة برسالة المنظمة واهدافها الاستراتيجية . فضلا عن ارتباطه بنتائج التحليل الاستراتيجي الداخلي والخارجي . ولايمكن بناء اي تصور دون استيعاب حقيقي لسيرة المنظمة عبر دورة حياتها وآلية تفاعلاتها مع منظمات مماثلة ومختلفة ، وتشخيص وفرز لمتغيرات بيئتها العامة والخاصة والتنافسية .
وهنالك ضرورة الى اهمية التنبيه الى خطر استنساخ التصورات الاستراتيجية فتبتلي ادارة المنظمة حينئذ بأمراض التقليد البيروقراطي وما يرافقه من توليد ازمات وقيود تجعل من الاقدام على التغير الاستراتيجي والتحول المنظمي امرا مقيتا . كذلك التحذير من تجاهل تأثير العوامل الثقافية والعقائدية والقيمية .
ولاقيمة لاي تصور استراتيجي ما لم يتسم بالشمولية والواقعية وامكانية التطبيق . وهكذا فالتصور الاستراتيجي لا ينطلق بأية حال من الاحوال من فراغ انما هو نتاج تفكير عقلي مبدع ومتجدد لواقع فعل المنظمات وما يصدر عنها .
فاعلية التصور الاستراتيجي :
• التمييز بين التصور الاستراتيجي الذاتي والموضوعي . الحالي والمستقبلي . المثالي والمحدود . الأحادي والمتعدد الأبعاد . المحلي والقومي والاقليمي والدولي والعالمي . الكلي والجزئي ، المبدع والتقليدي ، المكتسب والتحويل ، الرتيب والمتفرد ، المرغوب والمرفوض .
• امتلاك ادارة المنظمة ارادة وقدرة على المبادأة في ضوء التصور الجديد.
• اعتماد اساليب تخطيط استراتيجي وتشغيلي .
• استخدام نظام السيناريوهات في التعامل مع بيئة الاعمال لبناء مركز تنافسي .
• الدور الحرج لعملية التفكير الاستراتيجي الذي يظهر مختلف الرؤى والخرائط العقلية بما ينسجم مع تحديات تواجهها المنظمة .
• تشجيع الاستفادة من التعلم المنظمي والخبرة الاستراتيجية لادارة المنظمة .
• اعتماد اسلوب دلفي في التنبؤ الذي يقوم في جوهره على التفكير الحر وعصف الافكار
• انتقاء نماذج التحليل الكمي والنوعي والتأكيد على التعامل مع ادارة الوقت والنوعية الاجمالية والاقتدار المتميز .
• المرونة الاستراتيجية ووضح التوجه الاستراتيجي والقدرة على التكيف .
وهنالك موديلات Models نماذج علمية عديدة يستفيد منها باحثو التفكير الاستراتيجي في عملية الصياغة الدقيقة ، مثل تخطيط السيناريو ، وموديل الهدف الاستراتجي لهامل وبرهلد ، وموديل ذكاء الاعمال ، وموديل الاستتناج القياسي الاستراتيجي لجافيتي وريفكنز ، وموديل ادارة المخاطر لسلوتنزي درزيك ، وموديل الابعاد الثلاثية الذي قدمه أبيل كموديل متقدم على موديل أنسوف ذي البعدين( شبكة المنتج السوق ) ، وخريطة العقل ، وقبعات التفكير الستة لدي بونو ، وديناميكية المحاكاة .. وغيرها من موديلات او نماذج حديثة في التفكير الاستراتيجي كأساليب او تقنيات علمية ترفع مستوى التعاطي معه الى مستوى معرفي متقدم يتناسب وديناميكية حركة البيئة ومتطلبات الاعداد للمستقبل البعيد بثقة ورصانة اكبر .