تنمية القيادة لدى الأطفال ..
- القيادة كما هو معروف هي ملكةُ ترؤس وتوجيه المجموعات، وتؤتى إمّا بالقوة والسطوة، وإمّا بالمقدرة والحكمة. والقيادة بالنسبة للطفل هي شكل من أشكال حب السيطرة والظهور، وقد تبدأ روح القيادة عند الطفل في المنزل، حيث يفرض سيطرته على اخوته ويلقي عليهم الأوامر والتعليمات، إما بسبب أنه أكبرهم في حالة غياب الأب أو لشعورٍ في داخله بأنه أقدرهم ويجب عليهم الانصياع له، أو لأنّ والده قد كلّفه بذلك، إن روح القيادة عند الطفل شيء محمود إذا لم تتجاوز حدودها بالسيطرة والعنف، فالقياديون الصغار تماماً كالقياديين الكبار، فمنُهم من يسوس بحكمة العقل والشعور بالمقدرة على ذلك، ومنهم من يسوس بالقمع والقوة.
ومن سمات القيادة لدى الصغار:
• قد يشعر الطفل بأنه الأقوى بُنية وعليه فإنه يعتقد ان هذه السمة تخوله ان يسيطر على أترابه.. أو اشقائه. سواء في البيت أو الملعب، أو المدرسة.
• قد يكون الطفل متمتعاً بذكاءٍ وحكمة وموهبة يفتقرإليها الأطفال الآخرون، وفي هذه الحالة سيقبل الأطفال قيادته لهم دونما عصيان أو رفض، ويرون فيه قدوتهم.
• قد يكلف الطفل بهذه المهمة سواء من والده في المنزل أو مدرب في الرياضة في الملعب، أو مربي صفه فيجعل منه عريفاً على الطلبة، وبتكرار هذه التكليفات فإنها تُرسّخ شعور القيادة لدى هذا الطفل «المكلف» وتصبح صفة ملازمة له، وفيما بعد يقبل زملاؤه بها.
• قد تلجأ مجموعة من الأطفال إلى اختيار رفيقٍ لهم يرون فيه قدوة، وذا مقدرةٍ على قيادتهم، لا تتوفر في أحدٍ منهم. ويقول مختصو تربية الأطفال إنّ هذه هي أفضل أنواع القيادة لأنها مُنحت للطفل القائد «ديمقراطياً» من أقرانه.
إنّ النزعة إلى السيطرة وحبّ الظهور، هي نزعة فطرية لازمت الإنسان منذ نشأة الكون، فكان هناك رؤساء القبائل، وأمراء الأرض في المجتمع الزراعي، والمخاتير في المجتمع القروي، وهذه صفات مقبولة إذا كانت تُعنى بشؤون المرؤوسين وتحقق أحلامهم. والطفل بطبيعة تكوينه كإنسان ليس بعيداً عن حب نزعة الرئاسة والقيادة.. وهنا لا بُدّ من ترشيد هذه النزعة وتنميتها إيجابياً، وتحبيبها إلى المرؤوسين باعتبارها شكلاً من أشكال التنظيم والانتظام الاجتماعي بين الأطفال.
ويجب على الأب أو المدرب الرياضي أو مربي الصف أن يعملوا على أن لا تكون هذه القيادة قهرية على الآخرين، بمعنى أن يخلقوا شعوراً من القبول لها من قبل الأطفال الآخرين. بحيث تسود روح الأُلفة والرضى بين الطفل القائد واقرانه. وعلى المربين بكافة مواقعهم ان يراقبوا هذا «الطفل القائد» بحيث لا يتسلط على اقرانه. وان تكون قيادته لهم مقبولة مرضية، وان يعمل المربون على خلق روح تقبل النقد والتوجيه لدى الطفل القيادي. وفي تدريب ديمقراطي لا بأس لو قام المشرفون على الالتقاء بهذه المجموعة من الاطفال والاطلاع على رأيها في قيادة زميلها لها، سواءً قيادة كرة القدم في المدرسة أو اللجان التي تشكلها المدرسة ضمن النشاطات اللامنهجية.. وان يعمل المربون على صقل موهبة القيادة لدى الطفل المُكلف بها.
إنّ القيادة عند الأطفال إذا ما رُوقبت ووجهت، تؤتي أكلها بحيث ينشأ هذا الطفل.. وينمو ويتطور حاملا في فكره وخلده ان القيادة شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الذي لا بد منه وقد قيل في المأثور:» إذا كنتم ثلاثة فأمّروا واحداً عليكم».
وما الكشافة وفرقها وقياداتها المتسلسلة إلا دليل على ذلك، فالنظام الكشفي، يعتبر مقدمة للحياة القيادية، والنظام الاجتماعي.. وقيادة الطفل لأقرانه قد تكون في هذا السياق، وتعتبر تجربة لما بعدها من مراحل العمر. ولنتذكر أن كثيراً من قادة الدول، كانوا قياديين في مدارسهم ونواديهم وتنظيماتهم الطلابية، وعليه فلا بأس من تنمية روح القيادة لدى الطفل.
كيف ننمي القيادة لدى أبنائنا ؟
ـ إن المعرفة البسيطة بالأمهات والأباء تبين لنا أن معظمهم يطمحون إلى تنشئة أبناء أسوياء على كافة المستويات منها الذهنية والاجتماعية والنفسية، ولكننا نجدهم في غالب الاحيان يستثمرون جل اوقاتهم ومجهودهم وطاقاتهم بالتركيز على تنمية الجوانب الذهنية وتحديدا التحصيلية ،ولا يكرسون وقتا او مجهودا كبيرا في تنمية الطفل بشريا وتطوير قدراته الشخصية ليصبح شخصا يتحلى بسمات حيوية وذات اهمية والتي من خلالها سينجح في تحقيق النجاحات الباهرة حقا .
ـ ومن المهم برأيي أن نحاول الإجابة على أربعة أسئلة أساسية من خلال هذا المقال لكي نؤدي مهمتنا التربوية على أتم حال : ما اهمية ان ننمي في ابنائنا روح القيادة ؟ وما معنى القيادة ؟ وما هي الصفات التي يجب ان يتحلى بها القائد ؟ وكيف يمكننا ان ننمي فيه هذه الصفات ليصبح بذلك من القادة البارزين ؟
ـ ما أهمية أن ننمي في ابنائنا روح القيادة ؟
نجد أن الأباء والأمهات يكونون على رضى تام ان كان الابناء قادة و"زعماء" في مدارسهم وبين زملائهم واصدقائهم ،والجدير بالذكر ان هذا الرضى يأتي في الغالب بسبب ان سمة القيادة تجعل الابناء بارزين ومحط انظار المحيطين بهم وبالتالي فسيشكلون مصدر فخر واعتزاز للاهل .
ـ ونحن بدورنا اذ نطرح هذا الموضوع ونتعمق مع قرائنا فيه ليس فقط لطموح ورغبة الاهل بوجود ابن قائد بينهم للظهور والبروز ،وانما لأن سمة القيادة هي احدى السمات الهامة جدا والتي نتمنى ان يتحلى بها معظم ابنائنا خاصة في زمننا هذا ،ذلك أن هذه الصفة تساعد الابناء على النجاح في كافة الاصعدة بحيث أنها تؤهلهم ليكونوا أصحاب شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرارات ، وتحدي العقبات التي تعترض طريقهم وما أكثر هذه العقبات في أيامنا هذه التي تريد أن "تسوق" جيلا كاملا نحو اتجاهات محددة غالبا ما تكون منافية لشرعنا الحنيف ومخالفة لعاداتنا وتقاليدنا الاصيلة لذا فمن الضروري خاصة في هذا الزمان ان نعمل وبكل كد وجد وجهد على إعداد جيل قائد، لنزرع فيه القدرة على الثبات وامتلاك المؤهلات الضرورية للحفاظ على هويته وهوية أمته بعيدا عن التبعية والذوبان .
ولعل هذا يقودنا الى السؤال المحوري التالي :
ترى ما معنى القيادة ؟ وما هي الصفات التي يجب ان يتحلى بها القائد ؟
قد يظن البعض متأثراً بنماذج سلبية من القادة بان القيادة تعني التحكم في الآخرين والتعالي عليهم، أو الأنانية في إبراز الذات أو فرض الرأي والفكر. ونذكر أن من كان كذلك قذف إلى مزابل التاريخ في حين بقي ذكر وتأثير القادة الحق قائما حتى يومنا هذا، لذا فيجب إن نصحح ونؤكد إن القيادة الصحيحة هي عكس التجبر والعنجهية والاستبداد بل هي مبنية على احترام الذات والآخرين والثقة بالنفس وتحمل المسؤولية، والقدرة على إدارة الأمور والنجاح في الحياة والتأثير الإيجابي في الآخرين. وإذا ما نظرنا وتأملنا جليا في تلك النماذج من القادة الصالحين عبر التاريخ والذين قادوا مجتمعاتهم ودولهم وأحيانا أجيالا كاملة لتأكدنا أنهم لم ينجحوا في ذلك لولا انهم تحلوا بصفات خاصة وسمات مميزة. والجدير ذكره إن على الأباء والأمهات الذين لديهم الإدراك لأهمية تنمية القيادة عند أبنائهم ، إن يعرفوا الصفات التي تتطلبها القيادة الصالحة من صاحبها وذلك لكي يدعموها ويقووها فيهم ومن هذه الصفات :
1- التفوق العلمي والذكاء وسرعة البديهة والتمكن من المعرفة والمعلومات في كافة المجالات.
2- الثقة بالنفس.
3- الطموح والهمة العالية والنشاط.
4- العطاء المتواصل والالتزام بالمسؤوليات أياً كان نوعها.
5- قوة الشخصية والانطلاق في التعبير.
6- القدرة على تحديد ومعرفة الاهداف،وايضا الحسم في القرارات كما القدرة احيانا على التنازل.
7- التأثير الإيجابي على من حوله.
8- القدرة على الإقناع وإدارة مجموعة .
9- التواضع والأمانة والصدق.
10- مراعاة مشاعر الآخرين ورغباتهم وعدم التعصب للرأي وللرؤية الشخصية .
11- الاستقلال.
12- القدرة على الاختيار واتخاذ القرارات.
13- القدرة على تحمل المسؤولية.
14- القدرة على التعامل مع الآخرين على اختلاف شخصياتهم وآرائهم وتوجهاتهم.
15- الحضور وما يسمى ب"الكريزمه".
ـ إن عرض هذه الصفات يقودنا إلى التساؤل المركزي والأساسي :
إذا ماذا علينا نحن الأهل فعله لكي ننمي روح القيادة في أبنائنا ؟
ولكل من يهمه الأمر وللأهل الحائرين نسدي هذه النصائح والتوجيهات العملية التي قد تساعد منفردة ومجتمعة على تنمية القيادة عند الطفل ليكبر وتزيد احتمالات تحوله إلى قائد ليس في بيته أو بين أهله أو أصدقائه فحسب ، بل حتى على مستوى المجتمع عامة.
أولا : من المهم التوقف كما فعلنا في مقدمة هذا المقال على معنى القيادة وما هي الصفات المطلوبة من القائد وذلك لكي لا يضل الأهل ويربون في بيوتهم أشخاصاً جبارين يفهمون معنى القيادة على أنها السيطرة والتحكم بل عليهم أن يعوا السمات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها أبناؤهم لكي يعينوهم على التحلي والتمسك بها. حبذا لو أدرك الأهل أيضا أهميه تربية جيل قائد مؤمن ملتزم يدافع عن الحق ويصد كل تشويه لهويته وانتماءاته خاصة في زمننا هذا ليكون هدفهم خالصا لله نقيا وليس فقط لتنمية أبناء قادة للبروز والظهور والتفاخر.
ثانيا : على الأهل السعي والعمل الدؤوب على تعليم أبنائهم وتحبيبهم في العلم والتعلم والمعرفة وعدم الاكتفاء بالحصول على شهادات تؤهلهم للعمل فقط بل يجب محاولة دعم الأبناء للارتقاء بالعلم والدرجات الاكاديمية والانجازات العلمية والطموح الدائم للمعرفة، والتعطش للتطور والاضافة للذات والآخرين فنحن في زمن يتميز بالعلم والمعرفة والسبق للعلماء ، فيكف لقائد في زمن كهذا أن لا يكون متمرسا بالعلم. كذلك فعلى القائد كما ذكرنا في سمات القيادة ، أن تكون لديه ثقافة ومعلومات عامة فكيف له أن يستقرىء الواقع ويتخذ القرارات ويتبعه الناس ويؤثر فيهم أن لم يكن كذلك ، لذا فعلى الأهل تربية الأبناء على المطالعة وحب الاكتشاف وعدم الاكتفاء فقط في المواد التعليمية المدرسية.
ثالثا : على الأهل توفير حاجيات الطفل العاطفية من حب وحنان وأمن وأمان واستقرار عائلي لكي يوجه بدوره طاقاته إلى التطور والارتقاء وليس إلى الانشغال في المشاكل العائلية وإشباع رغباته العاطفية غير الملباة ،ونذكر في هذا السياق اهمية قضاء الوقت مع الأبناء، فيه نلعب ونمرح ونربي ونوجه ونتحاور ونتناقش، فمن خلال قضاء هذا الوقت النوعي معهم نزيد من استقرارهم وحتى قد ننمي لديهم مهارات عدة مثل إبداء الرأي والتعبير عن الذات والعطاء فنحن قدوة لهم في ذلك إن أعطيناهم لم يترددوا أيضا هم في العطاء.
رابعا : على الأهل أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم يتحلون بصفات حميدة كالصدق والأمانة وحب الخير ومساعدة المحتاجين والإيثار والمسؤولية وكلها أساسية في شخص القائد ونحن نؤكد هنا على أهمية حث الأبناء على التحلي بهذه الصفات على أن يكون الأهل قدوة لهم في ذلك مما يزيد من احتمالات تذويت هذه الصفات أكثر فأكثر.
خامسا : من المهم تربية الطفل على المسؤولية منذ الصغر مع مراعاة قدراته وسنه بحيث لا نحمله ما لا يطيق فيتحول من مسؤول إلى لا مبال بل وأحيانا متمرد. وتبدأ المسؤولية حين نربي الطفل أن يحافظ على ممتلكاته وما يخصه ومن ثم أن يكون مسؤولا عن غرفته وصولا بان نجعله مسؤولا عن شيء يخصه كأن يربي نباتا أو حيوانا ويكون مسؤولا عن رعايته والعناية به مما يصقل به سمة المسؤولية وذلك بأن نكلفه أداء مهمات معينة. وعلى الأهل زيادة مسؤوليته كلما كبر عمره ليصبح أكثر مسؤولية وما أجمل أن يكون هذا مقرونا بان نربي أبناءنا كجزء من مسؤوليتهم عن كل ما يخصهم، أنهم مسؤولون عن أبناء بيتهم ومجتمعهم وشعبهم وأمتهم أيضا فيأخذون بذلك مسؤولية ولو ضئيلة عنهم وبهذا نربي جيلا واعيا مهتما بالآخرين ليس متآكلا تابعا وغير مبال .
سادسا : أن أهم ما في القائد كونه مستقلا ،فعلى الأهل تربية الأبناء على الاستقلال منذ الصغر والامتناع عن حمايتهم الزائدة ،كذلك فان لبنة الأساس في شخصية القائد كما سبق وذكرنا هي الثقة بالنفس . وبسبب أهمية هذا الموضوع وعدم أمكانية اختصاره في سطور فقد خصصنا موضوع العدد السابق من "أشراقة" لموضوع الثقة بالنفس وكيفية بنائها عند الأطفال ونرجو مراجعة هذا المقال ،ذلك أن القيادة بلا ثقة بالنفس هي كالبحر بلا ماء.
سابعا : أن من أهم صفات القائد القدرة على اتخاذ القرارات خاصة الحاسمة والمصيرية منها، لذا من المهم أن نربيه كما قلنا على الاستقلال والثقة بالنفس وأيضا يجب أن نحثه على اتخاذ القرارات منذ الصغر وكأننا نمرنه على هذا الأمر حتى يكتسب هذه القدرة وتتثبت لديه عند الكبر، وإذا كانت القرارات التي مكناه من اتخاذها في صغره مقتصرة على الملابس التي يرتديها ، أو وجهة الرحلة التي سنخرج إليها ، قد تصبح هذا القرارات في مواضيع أكثر جدية وحتمية عند الكبر .
لذا فان إتاحة الفرصة للطفل بين الحين والآخر من اتخاذ القرار تعلمه المسؤولية والتفكير في أبعاد قراره ونعلمه أن يستقرىء الواقع، وان أراد المجازفة فيكون هو المسؤول وان لم يكن جديا أو غير واقعي فتبعات قراره قد تعلمه درسا لا ينساه ابدا وبهذا فإننا نصقل لديه القدرة ليس فقط على اتخاذ القرار وإنما أيضا القدرة على اتخاذ القرارات السليمة. وكم من الطلاب الجامعيين من يشهدون أنهم تعرضوا للأسف لانهيارات نفسية حين انتقلوا من بيوتهم بل لنقل من "حاضناتهم" إلى الجامعات والحياة الجامعية التي تطلبت منهم الاستقلال واتخاذ القرار، فلا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت معهم .
وتجدر الاشارة هنا أننا من الممكن أيضا أن نستشير الأبناء ومنذ الصغر بأمور تخصنا ايضا مع مراعاة العمر والحدود التي يجب أن تحفظ بين الأباء والأبناء ، وهذا كطريقة أخرى نسهم من خلالها بتربية أبناء قادرين على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية .
ثامنا : تشجيع الأبناء على الانخراط في فعاليات ونشاطات اجتماعية تساعدهم على التعرف على الآخرين وكيفية التعامل مع نوعيات مختلفة من الناس ولكي يتعلموا مهارات الإقناع واستقطاب الآخرين بالرغم من الاختلافات القائمة فيما بينهم .
تاسعا : عرض النماذج القيادية للأطفال إما من خلال الحوار وإما من خلال القصص أو حتى من خلال لقاء مع هؤلاء والتحدث إليهم والامتثال بهم والاستماع إلى فكرهم وانجازاتهم وتوصياتهم، فلقاء الناجحين قد يجعل الأبناء ناجحين ، ولقاء المبدعين يجعلهم مبدعين ولقاء القياديين يجعلهم قياديين .