يعد المال في الإسلام، ضروري، وخلق لمصلحة الإنسان وقياماً لحياته ومعاشه، وقد وضع الله له التشريع الذي يكفل تحقيق المصالح كسباً وإنفاقاً وتصرفاً، ومن اتبع هذا التشريع في أحكامه، ومبادئه في كسب المال، وإنفاقه على نفسه وعلى غيره، كان المال وسيلة لمصالح الدين والدنيا، أما إذا خرج بالمال عن أحكام الشارع ومبادئه فقد ضل سواء السبيل.

وباستقراء أدلة الشريعة من القرآن والسنة، نجد أدلة كثيرة تفيدنا كثرتها يقيناً بأن للمال في نظر الشريعة حظاً لا يستهان به.

1- المال في القرآن الكريم

جعل القرآن وظيفة المال ثانوية في الحياة، فهو فقط وسيلة لإعمار الأرض، وليس غاية، وبين ملكيته الأصلية، قال تعالى: ﴿ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مستخلفِينَ فِيه﴾. [الحديد : ۷]، وقوله: ﴿ وَءَاتُوهُم مِّن مالِ اللَّهِ الذي ءَاتَاكُم ﴾. [النور : ٣٣].

بين أن المال المذموم هو الذي يكون غاية في ذاته ويحرص صاحبه على اكتنازه وادخاره، لذا ذمّ الإسلام الإسراف والتبذير والشح والتقتير ودعا إلى التوازن بين الإسراف والتقتير، فقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ إِذا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَين ذَلِكَ قَوَامًا ﴾. [الفرقان : ٦٧].

والعبادات في الإسلام معظمها مرتبطة بالمال كالزكاة والحج والجهاد فإنه لا يتوصل إليها إلا بالمال، فجعل زكاة الأموال ثالثة لقواعد الإسلام، وجعلها شعار المسلمين، وجعل انتفائها شعار المشركين، في نحو قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاة﴾. [المائدة : ٥٥]، ونحو قوله: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَفَرُونَ ﴾. [فصلت : ٦:٧]. وفي هذا تنبيه على ما للمال من القيام بمصالح الأمة اكتساباً وإنفاقاً.

والحج لا يجب إلا على المستطيع، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾. [آل عمران : ۹۷]. وجعل الإسلام الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ و آخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال:60].

وقال تعالى في معرض الامتنان: ﴿ الله يَبسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾. [القصص : 82]. وقال سبحانه في معرض المواساة بالمال ثناء وتحريضاً: ﴿ وَمِمَا رَزَقنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾. [البقرة : ٣]. وقال سبحانه: ﴿ زين النَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ والأنعام والحرث﴾. [آل عمران : ١٤].

كما يعد إنفاق المال على الأهل من أهم الطاعات والقربات، قال سبحانه: ﴿ يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عليم ﴾. [البقرة : 215].

2- المال في السنة النبوية المطهرة

اهتمت السنة النبوية بالمال باعتبارها مفصلة ومبينة لما أجمل في القرآن، ويصف رسول الله . ﷺ . المال ويشبهه في الرغبة فيه، والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: " سألت رسول الله . ﷺ . فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى ".

وهذا يدل على أن فتنة المال والغنى مخوفة على من فتحه الله عليه، لتزيين الله تعالى له فمن أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتنته وحصل على ثوابه وقوله لي فمن أخذه بسخاوة نفس...] فيه تنبيه لأمته على الرضا بما قسم لهم. وقوله . ﷺ . ومن أخذه بإشراف نفس...] فيه ذم الحرص والشره إلى الاستكثار ألا ترى أنه شبه فاعل ذلك بالبهائم التي تأكل ولا تشبع وهذا غاية الذم، لأن الأنعام لا تأكل لإقامة أرماقها، وإنما تأكل للشره والنهم، فينبغي للمؤمن العاقل أن يتشبه بالسلف الصالح في أخذ الدنيا، ولا يتشبه بالبهائم التي لا تعقل".أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة / باب الاستعفاف عن المسألة.

وقال ﷺ في ذم الحرص على الزيادة من المال، وأنه لا غاية له يقنع بها، بقوله في حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله ﷺ قال: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". [أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق].

ويصور لكل من اتخذ المال غاية فكان أسيراً لهواه، وعبدا لشهواته وخاصة المال ففي الحديث الذي يرويه لنا أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:  " تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ ". [أخرجه البخاري في صحيحه].

في هذا الحديث جعل النبي طالب المال الحريص على جمعه وحفظه بمثابة الخادم والعبد لهذا المال، وخص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصا.

وأرشد أمته إلى عظيم سخائه وجوده، فعن أنس رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم ! أَسْلِمُوا، فإن محمداً يُعطي عطاء لا يخشى الفاقة" أخرجه مسلم في صحيحه.

كما رغب أمته في إنفاق المال، وبذله في وجوه البر، فقال في: " حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي ﷺ قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها، متفق عليه ".

 وبين أن كسب المال وإنفاقه من أهم الطاعات والقربات التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة، فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله ﷺ : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعن عِلْمِهِ فيمَ فَعَل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ". 

 

https://www.facebook.com/profile.php?id=61555439072213

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,991,526

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters