تمثل الوظيفة في المنهج الإسلامي أمانة، ولذلك على المكلفين بالوظائف تأديتها في ضوء أحكام الدين الإسلامي التي تقتضي بالتخلق بأخلاق الإسلام التي تلزم العاملين بأداء الأعمال بالمستويات التي تحقق افضل توظيف ممكن للإمكانات والموارد المتاحة، وتنمية الثروات، وتحقيق مصالح العباد، ويؤكد هذا قوله تعالى إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾. [النساء: ٥٨]. كما يؤكد ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾. [البقرة : ٢٣٥].

وفي ضوء ما تقدم يمكن تلخيص أهداف عمليات الرقابة الإدارية في المنهج كالآتي:

<!--تشخيص الانحرافات السلبية في أداء العاملين وسلوكهم عن مبادئ وقواعد المنهج الإسلامي في العبادات والمعاملات.

<!--تحديد العوامل والمتغيرات المسببة للانحرافات السلبية بين الأداء المطلوب والأداء المتحقق

<!--اتخاذ الإجراءات التي تسهم في منع تكرار الانحرافات السلبية في المستقبل.

<!--مساءلة العاملين الذين يكون مستوى أدائهم وسلوكهم مخالفاً لمبادئ الدين الإسلامي.

<!--مكافأة الأكفاء، ومعاقبة المقصرين تطبيقاً لقوله تعالى ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾. [الزلزلة : 7-8]، وقوله تعالى ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء : ۷]. بهدف تحفيز الأكفاء على الاستمرار على الأداء والسلوك المتميز، وفي الوقت نفسه حث المقصرين على الارتقاء بأدائهم وسلوكهم إلى المستويات المطلوبة.

<!--جلب المنافع للمنظمة، وللعاملين فيها، وللمتعاملين معها، والمستفيدين من السلع والخدمات التي تقوم بإنتاجها وتسويقها، ودرء المفاسد عن جميع تلك الأطراف من أجل خير العباد والبلاد.

سابعاً: أنواع الرقابة في الإسلام

يمكن تقسيم الرقابة في المفهوم الإسلامي الى ثلاثة أنواع أساسية:

<!--الرقابة الذاتية.

<!--الرقابة الإدارية.

<!--الرقابة الشعبية.

<!--الرقابة الذاتية

الرقابة بمفهومها العام هي عملية متابعة دائمة ومستمرة تقوم بها الإدارة للتأكد أن ما يجري في وحدة العمل يتم وفقاً للخطط والسياسات والبرامج.. والرقابة تشمل جوانب العمل الإداري قاطبة ولا تقتصر على الجانب المالي دون غيرها.. والرقابة عملية مستمرة تبدأ مع كل عملية ولا تنتهي أو تتوقف. والرقابة قد تكون داخلية أو خارجية.. كما أنها لا تقتصر في أدائها على المستوى الإداري الأعلى بل تؤديها كافة المستويات وفي ذلك يقول الرسول . ﷺ .: " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ". والفكر الإداري الحالي يركز جل اهتمامه على نوعين للرقابة الذاتية:

<!--رقابة السلطة التنفيذية والمتمثل في الحكومة والوزارة والأجهزة التنظيمية التابعة لها.

<!-- رقابة الرأي العام، وهي الرقابة الشعبية والمتمثلة في المجالس النيابية والتشريعية.

الرقابة في الفكر الإسلامي فهي مستمدة من قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [التوبة : 105]. فتنص الآية الكريمة على ثلاث أنواع للرقابة:

<!--رقابة الضمير: وهي شعور المرء برقابة الله تبارك وتعالى.. وهي رقابة ذاتية وتظهر في قوله تعالى "فسيرى الله..".

<!--رقابة تنفيذية: وهي رقابة أولي الأمر "ورسوله" وتتمثل في الوقت الحالي برقابة السلطة التنفيذية ورقابة السلطة القضائية.

<!--رقابة الرأي العام: وتتمثل في السلطة الشعبية سواء تمثلت في سلطة منتخبة أو علماء أو أفراد وواجبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "والمؤمنون".

والفكر الإسلامي يعول على الرقابة الذاتية ويصدر بها أنواع الرقابة، بينما الفكر المعاصر لا يضع لهذه الرقابة اعتبار، والإسلام في تحقيقه لرقابة الضمير يجعل من كل فرد رقيباً على نفسه يحاسبها قبل أن يُحاسب وتزن عملها قبل أن يوزن عليها فإذا راقب الفرد ربه فراقب نفسه وكبح جماحها لم يكن في حاجة إلى رقيب، وإذا طرح ربه وراءه ظهرياً أعيا كل رقيب.. وهذا الاهتمام بتحقيق رقابة الضمير في الفكر الإسلامي أدى إلى الاهتمام البالغ في إعداد الفرد ويستخدم لتحقيق هذا الهدف وسائل مختلفة ومتكاملة.

يتولى عملية الرقابة الذاتية ضمير الفرد المؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يراقب جميع أقوال الأفراد، وسلوكهم، وأداءهم للأعمال المكلفين بها، وتعاملهم مع الآخرين في مختلف الظروف والأحوال بصورة مستمرة، ولا يعزب عنه مثقال ذرة من أعمالهم وأقوالهم الظاهر منها والمخفي، سواء كانت خيراً أو شراً، وما يعتزمون القيام به في المستقبل، ولذلك ينبغي أن يعول على هذا النوع من الرقابة كثيراً فهي تمنع الفرد ذاتياً أن يكون أداؤه، وسلوكه، وعلاقاته مخالفة لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف. وقد روي عن النبي . ﷺ . قوله: " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " وفي الحديث " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ".

وقد عرفت بأنها إحساس داخلي للموظف منشأه الإيمان الذي لا يخامره شك بأن الله جلت قدرته يرى جميع تصرفاته الصغيرة والكبيرة والخفية والمعلنة، وأنه محاسب عليها، وهي ما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾. [التوبة : 105]. ويقوده هذا الإحساس إلى اتباع العمل الحسن واجتناب العمل السيء طاعة للمولى عز و جل .

وتطبق هذه الرقابة من خلال قيام عضو الإدارة في الجهاز الإداري بإعادة النظر في أعماله وتصرفاته الإدارية التي أمضاها ليتحقق بنفسه من سلامتها وصحة مشروعيتها، وعدم مخالفتها لقواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها أو لما صدر إليه من أوامر وتوجيهات من رؤساءه الإداريين، أو إعادة بحث مدى ملائمة تصرفه لمقتضى العدالة، ليبادر من تلقاء نفسه في حالة اكتشافه لخطأ ما في سلوكه الإداري بتصحيح ذلك من خلال إلغائه أو تعديله وقد تضافرت الأدلة النقلية في القرآن الكريم والسنة النبوية على وجوب التوبة من الذنوب والحث عليه فقال تعالى في محكم آياته ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾. [المدثر : ۳۸].

وقد أكدت الآيات القرآنية ان الله تعالى يراقب الأفراد، ويظهر ذلك في قوله تعالى ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ 5 وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾. [التغابن : 4]، وقوله تعالى ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. [البقرة ٢٨٤]، وقوله ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ 6 وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾. [يونس : 61].

وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأنظمة والتعليمات والقوانين الوضعية التي تناولت موضوع الرقابة تهدف إلى جعل الأفراد يهابون السلطة، ويخافون من العقوبات التي تصدرها بحقهم في حالة مخالفتهم لتعليماتها، ولكن الوقائع أثبتت بشكل لا يقبل الجدل والمناقشة أن هذا الخوف لا يكفي لضمان التزام الأفراد بالتعليمات وتطبيق الاجراءات المحددة من قبل السلطة، بينما الايمان بان الله يراقب الفرد في كل مكان وزمان يسهم في تنمية شعور ذاتي لدى الفرد بأهمية الالتزام بما يرضي الله، وتطبيق أحكامه في العمل، وفي علاقاته مع الآخرين، ويوفر رقيباً في داخل الانسان لا يمكن خداعة ولا يمكن استغفاله.

والرقابة الذاتية عملية مستمرة ودائمة وليست جامدة ومؤقته وهي هاجس الموظف المؤمن رئيساً ومرؤوساً بأنه إذا خفي عمله القبيح عن عيون الناس فإن رب الناس يراه، حيث لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه سوف يعرض عليه يوم الحساب وفي يده صحائف عمله، يقول الله تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورَا ﴾. [الإسراء : ۱۳]. وهذه هي حقيقة الرقابة فكراً ومنهجاً وممارسة.

والتاريخ الإسلامي يزخر بشواهد كثيرة تدل على عمق الرقابة الذاتية في حياة الناس، منها تلك الواقعة المشهورة الخاصة بنقاش ما دار بين أم وابنتها التي كانت تخلط اللبن. إذ طلبت الأم من البنت أن تخلط اللبن بالماء لتزيد من كميته وأنه لا عمر يراها ولا أحد يراها من رجاله. فأجابتها ابنتها جواب الخائفين من الله عزّ وتعالى والراغبين إليه والمتوكلين عليه بموضوعية وطمأنينة بقولها: إذا كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرى متقلبنا ومثوانا لأنه يعلم ما في الضمير ويسمع.

فرقابة الضمير هي خط الدفاع الأول ضد أي انحراف ولكن الفكر الإسلامي رغم ذلك لم يهمل الرقابة التنفيذية والشعبية وقد جسد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفهوم الرقابة التنفيذية بقوله: "أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا". فكان رضي الله عنه يتابع عماله والولاة ويتفقد أموال المسلمين ويرسل العيون وتمثلت الرقابة القضائية في نظر القضاء بتعدي الولاة وأجور العمال وفي خصومات الجمهور. والرقابة الشعبية التي يجسدها الشعب ويراقب بها ولي الأمر حيث أن الإمام يستمد سلطاته من الشعب.

من كل ذلك يتلخص جلياً الدور الفعّال الذي تؤديه الرقابة الذاتية [رقابة الضمير] في تحقيق الجدوى من العمل وفي التخفيف من عبء المراقبة والمتابعة ويغدو حينها كل فرد رقيباً على نفسه يؤدي دوره بكل جودة وإخلاص وإتقان. واليوم كحال الكثير من العلوم يعود العلم في اكتشافاته إلى منهج الإسلام الأصيل ونبعه الصافي فينادي رجال الفكر الإداري في العصر الحديث إلى اعتماد منهج الرقابة الذاتية كسياج أول لحماية العمل الإنتاجي في شتى المواقع وذلك بعد اكتشاف أهميتها العملية والإدارية البارزة في العمل.. فتحقيق رقابة الضمير هو تحقيق للرقابة الفعّالة بأفضل صورها وأنقاها وأقواها. ولا يمكن تحقيق هذه الرقابة دون بناء الإنسان.. ولا يمكن بناء الإنسان دون منهج السماء المتكامل الراسخ.

ومما سبق يمكن تعريف الرقابة الذاتية: بأنها عملية استشعار المسلم رقابة الله تعالى على نفسه، وما يصدر عنها من الأقوال والأفعال.

وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تنمّي الرقابة الذاتية لدى الفرد المسلم عن طريق الإعداد والتربية والتذكير بنِعَم الله تعالى، وتعد صيانة الأمانة، والالتزام بالفضيلة، وحسن الخلق جزءا من الوفاء لله، والامتنان له سبحانه. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾. [النساء : 1]، وقال تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾. [القيامة : 14]، وقال جل شأنه: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. [البقرة : 188].

من أسس الإيمان لدى كل مسلم أن يعلم كل مسلم أن الله تعالى معه ويعلم تفاصيل ما يقوم به، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾. [ق : 18]. وفي حديث أبي برزة الأسلمي مرفوعا: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه ". ولو استشعر كل مسلم هذا الحديث لصلح حاله، ومن ثم ارتقى المجتمع الإسلامي إلى ما نطمح إليه من تطور ورقي بين أمم الأرض. ومن أعظم ما يقي من الفساد السعي لمرتبة الإحسان التي حدد النبي . ﷺ . معالمها في حديث جبريل والذي فيه قال جبريل: ما الإحسان؟ فقال . ﷺ .: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". [رواه الشيخان البخاري ومسلم واللفظ عند مسلم].

كما أكد أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه - على الرقابة الذاتية بتحفيز الضمير، والتركيز على مخافة الله تعالى، والسعي لنيل مرضاته، كما أكد على الثناء والمديح وحسن الذكر إذا ما فشا العدل والإنصاف بين الرعية، لذا ابتدأ – رضي الله عنه - كتابه إلى عامله على مصر يأمره بتقوى الله تعالى، وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننِه التي لا يسعد أحد ألا باتّباعها، ولا يشقى ألا مع جحودها وإضاعتها. وفي موضع أخر يوصيه أمير المؤمنين – رضي الله عنه - ويأمره بأن يكسر نفسه من الشهوات، ويَزَعَها عند الجَمَحاتِ، فإنَّ النفس أمّارة بالسوء ألاّ ما رحم الله". وفي هذين المقطعين يركز أمير المؤمنين – رضي الله عنه - على الالتزام بتقوى الله سبيلا للنجاح والفلاح، ويركز على ترويض النفس، وكبح جماحها عن الشهوات والظلم والعدوان. فالسياسة الإنفاقية الرشيدة عند سيدنا علي - رضي الله عنه - هي التي يكون فيها الوالي مقترا على نفسه، وكاسرا لشهواته، ومبتعدا عما لا يحل له، وسخيا على رعيته، وعليه لا يحق له بلغة العصر إن ينفق على مشروعات لا نفع فيها مطلقا، أو تحقيق نفع لطائفة معينة دون أخرى، كما لا يحق له إنشاء مشاريع تكلف أكثر من تكلفتها الحقيقية.

ويستطرد أمير المؤمنين – رضي الله عنه - بقوله: "فَلْيكُنْ أَحَبَّ الذّخائِرِ إليكَ ذخيرَةُ العَمَلِ الصّالِحِ، فامْلِكْ هَواكَ، وَشُحَّ بِنفسِكَ عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ، فإِنَّ الشُّحَّ بالنَّفسِ الإنْصافُ مِنْها فِيما أَحَبَّتْ أو كَرِهَتْ". ثم قوله – رضي الله عنه -: "وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيهِم سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُم، فَإِنَّهُم صِنْفانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، و إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ".

والحق أن الذي يتأمل وصية أمير المؤمنين – رضي الله عنه - هذه يشعر أن أبا رحيما وعطوفا يوصي برعاية أبنائه، والعطف عليهم، وحفظ حقوقهم، وغفران أخطائهم، ولا تشعر أنها من سلطان تجاه الرعية، حقا أنها أخلاق أمير المؤمنين– رضي الله عنه -، بل هي أخلاق رسول الله . ﷺ . التي تستشعر إنسانية الإنسان، وتستهدف حفظ كرامته.

مسؤولية العامل وصاحب المنصب

وكثير من الناس يحب أن يكون من أهل المناصب والمسؤولية لأنه ينظر إلى ما يحصله صاحب المنصب من شهرة ومكانة ولكنه ينسى أن المنصب تكليف لا تشريف، وأنه مسئول أمام الله تعالى في عمله، فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله . ﷺ . قال: " ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية عن بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

ونجد أن الشارع قد نمى الرقابة الذاتية بذكر ما للعدل من ثواب، وما للجور من عقاب. فقد أخبر النبي . ﷺ . عن عظم جزاء العادل عند الله فقال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّـوا"، وفي الحديث الآخر: " ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور". وفي رواية: " ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه ". وقال شيخ الإسلام: " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك لأن العدل نظام كل شيء.

إن هذا النوع من الرقابة يعد مزية في الاقتصاد الإسلامي، لا نجده مثله في معظم النظم الاقتصادية الوضعية التي تنكر الوازع الديني في توجيه النشاط الاقتصادي بالرغم من حاجة النشاط الاقتصادي لهذا الوازع، لأن الأسس الاعتقادية والأخلاقية تُولّد في النفس دوافع إنسانية، وأخلاقية تجعل الحياة الاقتصادية منسجمة والحياة الأخلاقية والروحية، و تُولّد في النفس شعورا  بالمسؤولية تجاه الله، فيشعر المرءُ بالارتياح إنْ أدى الأمانة، وعمل لنفع البشر وخيرهم، كما يشعر بالإثم إذا غش، أو ظلم واستباح الناسَ حقوقَهم.

ومما سبق يمكن القول بأن أهمية الرقابة الذاتية: " في ظل الاقتصاد الإسلامي، فإنه إلى جانب رقابة القانون، أو الشريعة يحرص في نفس الوقت على إقامة رقابة أخرى ذاتية أساسها فكرة الإيمان بالله، وحساب اليوم الأخر، ولاشك أن في ذلك ضمانة قوية لسلامة السلوك الاجتماعي، وشرعية النشاط الاقتصادي، لشعور الفرد المؤمن بأنه إذا استطاع أن يفلت من رقابة القانون ومساءلته، فإنه لن يستطيع أن يفلت من رقابة الله تعالى ومساءلته.

محاربة التعيين للقرابة، والواسطة

ومن أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا في البلاد العربية التعيين بالواسطة أو للقرابة. وقد ورد التحذير الشديد من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله . ﷺ . " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ". وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله.

التعامل مع الرئيس في العمل

من الشائع في كثير من المنشآت، التنازع والتخاصم بين الرئيس والمرؤوسين، وقد حسم الشرع هذه القضية بتحتم طاعة الرؤساء بالمعروف، ودليل ذلك ما رواه مسلم أن النبي . ﷺ . قال: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".

وهذا في الولاية العامة ويدخل فيها الولاية الخاصة، وروت لنا كتب التراث عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو أبرويز بن هرمز أنه قال: أطع من فوقك يطعك من دونك. ونجد في تراثنا بعض وصايا ذوي التجربة لكيفية التعامل مع السلطان، ولا بأس أن تستخدم في التعامل مع ذوي المناصب العالية، فمن ما ورد في ذلك:

قال العباس لابنه عبدالله رضي الله عنهما وقد كان يختص بعمر رضي الله عنه: يا بني إني أرى هذا الرجل يدنيك وإني موصيك بخلال: لا تفشين له سرا ولا تخونن له عهدا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطوين عنه نصيحة. وقال أبو الفتح البستي: أجهل الناس من كان على السلطان مدلاًّ وللإخوان مذلاًّ

وقد بالغ بعضهم فقال: لا تسلم على الملك فإنه إن أجابك شق عليه وإن لم يجبك شق عليك. وهذا مخالف لأدب الإسلام، ومثل ذلك ما ذكروا من عدم تشميته وألا يعزيه وكل هذا تعظيم مردود.

<!--رقابة الأجهزة التنفيذية [الرقابة الإدارية]

وقد أكد المنهج الإسلامي أهمية رقابة الأجهزة التنفيذية في قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [التوبة : ١٠٥].

ويتبين من هذه الآية الكريمة أن السلطة التنفيذية كانت في صدر الإسلام تتمثل بالرسول محمد . ﷺ .  فقد كان على رأس السلطة التنفيذية آنذاك التي تقع عليها مسؤولية مراقبة اداء الأفراد للعبادات والمعاملات بهدف التأكد من قيامهم بها على وفق احكام المنهج الاسلامي

وبالتالي فهي تعرف بأنها [متابعة القائد الإداري، لأعمال معاونيه ونشاطات منسوبي الجهاز الإداري للمنشأة، كما تتمثل في كل من أخذ دور النبي . ﷺ . وعلى آله وصحبه في الإدارة والحكم كالخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين ونوابهم كالأمراء والوزراء والمدراء والولاة وغيرهم من القادة المسلمين إلى يوم الدين ].

<!--أجهزة الرقابة الإدارية

تمثل الرقابة في التصور الإسلامي امتداداً لنظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثم تطور نظام الحسبة والشرطة. وللرقابة في الإسلام مكانة رفيعة، وبناءً عليها تحدث المحاسبة، ويكون الجزاء وتصحح الانحرافات، وتعد الرقابة في الإسلام ضمانة لحق العباد المصون في الشريعة الإسلامية ومن ثم ظهر مفهوم الحسبة، والرقابة القضائية في الشريعة الإسلامية. وتفنن المسلمون في تأصيلها وتوظيفها في الخدمة العامة وتحقيق الصالح العام

إن الإدارة الإسلامية والرقابة على هذه الإدارة كانت من الدقة ومن التنظيم بما يشهد لرجال الإدارة المسلمين بالكفاءة والقدرة. ولم تكن هذه الكفاءة والقدرة مكتسبة بالدراسة والتحصيل ولكنها كانت نابتة مع الإيمان والإخلاص وفهمهم الكامل لروح الشريعة الإسلامي ومقاصدها.

وقد اتجهت الدولة العربية الإسلامية، منذ بدء عهد الخلافة الأموية إلى إنشاء اجهزة إدارية متخصصة في القيام بمهام الرقابة الإدارية مع استمرار وسائل الرقابة الذاتية والرئاسية التي سبقتها في مجال التطبيق العملي. وكان من بين هذه الأجهزة دواوين البريد والأخبار، والنظر في المظالم، والحسبة والخاتم، فضلاً عن اضطلاع جهات إدارية اخرى بالرقابة والإشراف ضمن مهامها الأساسية الأخرى كالقضاء ودواوين الرسائل والتوقيع والفض.

وكذلك الدواوين والهيئات المتخصصة بالشؤون المالية مثل بيت المال وديوان الخراج وديوان الدار وديوان النفقات وديوان الضياع وديوان المصادرات وديوان الأزمة وزمامها.

وتمثل قواعد اختيار العاملين في الجهاز الإداري الاسلامي احدى المظاهر الرئيسة للرقابة الإدارية واللبنة الأساسية الأولى في حلقاتها المحكمة فهي تستهدف ايجاد العنصر الإداري المناسب للقيام بالعمل المطلوب منه على خير وجه.

وتتطلب هذه المهمة من الخليفة باعتباره المسؤول الإداري الأعلى في الدولة والذي بيده زمام الأمور، ان يكون على جانب كبير من اليقظة والحزم والقوة وحسن التدبير، مع اخذه بالرأي الصائب القائم على مشاورة ذوي الرأي والفطنة تحقيقاً لصلاح الرعية وترسيخاً لمبادئ الحق والعدل التي أقرتها الشريعة الإسلامية.

وطبقاً لذلك ارتأت الدولة العربية منذ نشأتها اعتماد مواصفات وضوابط معينة لتقليد ولاة الأمور تقوم على أساس اختيار الأكفاء، وانتقاء الأصلح لكل منصب، وذلك لأنه اذا ما استعين لعمل ما بمن هو غير كفء له و فوض اليه تدبيره، عجز عنه وأفسده وآلت نتائجه إلى الفشل.

ولقد جاء في السنة النبوية ما يؤكد هذا النهج، يقول الرسول . ﷺ .: " من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى الله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ". كما ورد عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: [من استعمل رجلاً لمودة أو قرابة لا يشغله إلا ذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين].

والفاروق - رضي الله عنه - يتحرى قبل التعيين ويتحرى بعد التعيين عن الموظف الذي عهد إليه بعمل ما، فبعد أن يحسن الاختيار ويصدر قرار بتكليفه، يقول: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما عليّ؟ فقالوا نعم، قال لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته به أم لا.

ومن المبادئ التي أقرها النظام الإداري في الدولة العربية الاسلامية، أن تفويض السلطة من قبل الرئيس الإداري لا يعفيه من المسؤولية، لأن تفويض السلطة لا يعني تفويض المسؤولية، فكان رسول الله . ﷺ . يوصي عماله بألا يأخذوا من الناس كرائم أموالهم في الصدقة، ومن ذلك قوله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: " فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم ".

<!--الرقابة الإدارية في القانون الإداري الحديث

يسمى هذا النوع من الرقابة في علم الإدارة الحديث بالرقابة الإدارية، وهي الرقابة التي يمارسها الجهاز الإداري للدولة على نفسه، سواء كانت الرقابة داخل المنظمة الإدارية أو من السلطة المركزية، إذن فهي نوعان:

<!--رقابة داخلية، وهي التي يمارسها رئيس المنظمة الإدارية أو مديرها على موظفيه.

<!--رقابة خارجية، وهي التي تمارس من السلطة الإدارية المركزية، ويطلق عليها البعض بالوصاية الإدارية.

كما تعرف الرقابة الإدارية بأنها تلك الرقابة التي تقوم بها السلطة بواسطة أحد الأجهزة الإدارية، سواء أكانت من نفس الجهاز أو من جهاز خارجي كديوان الرقابة العامة في المملكة العربية السعودية. والرقابة الإدارية تنصب على جوانب المشروعية فقط، أي هل الإجراء المتخذ نظامي أم لا.

<!--الرقابة الجماهيرية [الرقابة الشعبية]

يؤكد قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [التوبة : ١٠٥].

أن المنهج الاسلامي منح المجتمع فرصاً واسعة لمراقبة الأعمال التي تقوم بها المنظمات والعاملين فيها بهدف التأكد من كفاءتها في توظيف الإمكانات والموارد والفرص المتاحة لها في المجالات التي تحقق خير العباد والبلاد، ويظهر من هذه الآية الكريمة ان لأفراد المجتمع الحق في مراقبة اداء العاملين وسلوكهم في جميع المنظمات، ولا يقتصر حقهم على مراقبة اداء المستويات التنظيمية الدنيا في تلك المنظمات، انما يمتد ليشمل حتى المستويات التنظيمية فيها.

وتعرف الرقابة الشعبية بأنها رقابة الأمة على الحاكم، أي متابعة الرعية لأعمال الرعاة ومحاسبتهم عليها لأنهم وكلاء مسؤولون عن نشاطهم أمام موكليهم بموجب البيعة [عقد الوكالة] التي تمت بين الطرفين، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

<!--رقابة مؤسساتية

وهي رقابة شعبية رسمية يقوم بها نفر من المختصين ممثلين للشعب وهي أهم وأرقى من المسماة بـ الرقابة العامة، وتظهر على شكل هيئة [برلمان].

<!--ورقابة عامة

ويقصد بها إشراف الأمة أفراداً وجماعات على نشاطات الراعي ومعاونيه وهي رقابة شعبية عامة على أعمال الدولة الإسلامية وذلك تمشياً مع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبناءً على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.

وكان سيدنا علي - رضي الله عنه - كله آذان تصغي لسماع شكاوى الناس، ورفع المظالم عنهم، كيف لا وهو القائل: "وَلاَ تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعِةِ، وَلاَ تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي، وَلاَ الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي، فَإِنّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ، أَوِ العَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيهِ كَانَ العَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ، فَلَا تَكُفُّـــوا عِنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ".

ومصداقا لذلك روت سودة بنت عمارة الهمدانية ما نصه: " لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يريد صلاة فلما رآني انفتل، ثم أقبل علي بوجه طلق ورحمة ورفق، وقال: ألكِ حاجة؟ فقلت: نعم، وأخبرته بالأمر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد أني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك، ثم اخرج من جيبه قطعة جلد، وكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. [الأعراف : 85]. وإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه، والسلام، ثم دفع إلي الرقعة، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا ".

وعملا على تشجيع الرعية على قول الحق، وعرض ما يشكون من سوء تصرف العمال نورد هذا النص، فقد كتب أمير المؤمنين – رضي الله عنه - إلى بعض عماله: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً وَاحْتِقَارًا وَجَفْوَةً، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُم أَهْلاً لِأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِم، وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِم، فَالْبَسْ لَهُم جِلْبَابًا مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ، وَدَاوِلْ لَهُم بَيْنَ  القَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَامْزُجْ لَهُم بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَالإِدْنَاءِ، وَالإِبْعَادِ وَالإِقْصَاءِ".

إن التاريخ الإسلامي يكتظ بالشواهد الرائعة كأمثال لهذا النوع من الرقابة الشعبية، فلقد كان الخلفاء الراشدون يطلبون من الرعية التعاون معهم في بناء دولة إسلامية مثلى ومجتمع مسلم أفضل من خلال لقاءاتهم بهم وخطبهم الموجهة إليهم.

وها هو الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يوقظ الحس الرقابي لدى الناس ويقول في خطبته الأولى بعد البيعة العامة: أيها الناس: فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني وإذا أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

كما شجع رضي الله عنه الرعية على الرقابة المباشرة بقوله أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي. وقد خطب عمر – رضي الله عنه - الناس على المنبر يوماً وقال أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه ـ فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه ". وكذلك قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في خطبته إلى الناس: فأنا أول من أتعظ، فإذا نزلت فليأتيني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردّني الحق عبداً لأستن بسنة العبيد.

<!--شعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر [الحسبة]

<!--الحسبة لغة: ولها أربعة معاني وهي: طلب الأجر من الله من قول رسول الله . ﷺ .: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وتأتي بمعنى الإنكار ومعنى الاختبار ومعنى حسن التدبير والنظر في الأمر أو إحصائه أو عده .

<!-- الحسبة اصطلاحاً: تعريف الماوردي الذي نصه: الحسبة هي: أمر بالمعروف إذا ظن تركه، ونهي عن المنكر إذا ظن فعله.

وقد شغلت وظيفة المحتسب في الإسلام حيزاً كبيراً من لدن المفكرين المسلمين وغيرهم وذلك لما يقوم به المحتسب من الوظائف العديدة حتى شملت المراقبة والمتابعة على جميع أفراد الحكومة الإسلامية من الوالي إلى العاملين في السوق وللاحتساب في الإدارة الإسلامية وجهان هما المحتسب الرسمي والمحتسب المتطوع.

وفي القرآن كثير من الآيات تنبه إلى ضرورة الاهتمام بهذه الشعيرة، ومنها :

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ أَ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾. [آل عمران : 104].

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم نَّ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾. [آل عمران : 110]

وفي الأحاديث النبوية نجد ما يؤكد هذا المبدأ الإسلامي فمن تلك التوجيهات :

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله . ﷺ . يقول " من رأى منكم منكراً ليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 134 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,755,257

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters