يتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بتعميق عولمة الاقتصاد وتزداد فيه دور المؤسسات الاقتصادية الدولية، وتبرز فيه عدد من الملامح الهيكلية. تتمتع الشركات المتعددة الجنسيات والتي تعد من أهم ملامح ظاهرة العولمة أو النظام الاقتصادي المعاصر بالعديد من الصفات والسمات التي تميزها وتتحدد دورها وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي، ومن أهم هذه الصفات:

1- ضخامة الحجم: تتميز هذه الشركات بضخامة حجمها وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة، ومن المؤشرات التي تدل على هذا، حجم رأس المال وحجم استثماراتها وتنوع إنتاجها وأرقام المبيعات والإيرادات التي تحققها، والشبكات التسويقية التي تملكها، وحجم إنفاقها على البحث والتطوير، فضلا عن هياكلها التنظيمية وكفاءة أدارتها. ولكن أهم مقياس متبع للتعبير عن سمة الضخامة لهذه الكيانات الاقتصادية العملاقة، يتركز في المقياس الخاص برقم المبيعات أو ما يطلق عليه " رقم الأعمال". كذلك يستخدم حجم الإيرادات لنفس الهدف، ووفقاً لهذا المقياس احتلت شركة ميتسوبيشي، بإجمالي إيراداتها الذي بلغ 184،4 مليار دولار، المرتبة الأولى بين أكبر خمسمائة شركة متعددة الجنسيات في عام 1995 م، والتي يصل أجمالي إيراداتها إلى نحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كذلك تستحوذ هذه الشركات على نحو 80% من حجم المبيعات على المستوى العالمي. أن نشاط الشركات المتعددة الجنسيات حقق معدلات نمو مرتفعة تجاوزت 10% سنوياً أي نحو ضعف معدل النمو في الاقتصاد العالمي ومعدل نمو التجارة العالمية

2- ازدياد درجة تنوع الأنشطة: تشير الكثير من الدراسات والبحوث، إلى إن الشركات المتعددة الجنسيات تتميز بالتنوع الكبير في أنشطتها، فسياستها الإنتاجية تقوم على وجود منتجات متنوعة متعددة، ويرجع هذا التنوع إلى رغبة الإدارة العليا في تقليل احتمالات الخسارة، من حيث أنها إذا خسرت في نشاط يمكن أن تربح من أنشطة أخرى. وقد قامت هذه الشركات بإحلال وفورات مجال النشاط، محل وفورات الحجم. والتي انتهجتها الشركات الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لذلك تتشعب الأنشطة التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات قطاعياً وجغرافياً ن وهذا بالتالي يؤدي إلى تحقيق التكامل الأفقي والرأسي.

3- الانتشار الجغرافي – الأسواق: من المميزات التي تتميز بها الشركات المتعدية الجنسيات هي كبر مساحة السوق التي تغطيها وامتدادها الجغرافي، خارج الدولة الأم، بما لها من إمكانيات هائلة في التسويق، وفروع وشركات تابعة في أنحاء العالم. لقد ساعدها على هذا الانتشار التقدم التكنولوجي الهائل، ولاسيما في مجال المعلومات والاتصالات. وتكفي الإشارة إلى أن شركة ABB السويسرية، تسيطر حالياً على أكثر من 1300 شركة تابعة منتشرة في معظم أنحاء العالم، مع العلم أن السوق السويسرية لا تستوعب إلا نسبة بسيطة للغاية من إجمالي مبيعات الشركة. وقد ساعدت على ذلك كله إبداعات الثورة العلمية والتكنولوجية في مجالي المعلومات والاتصالات، حيث أصبح ما يسمى الإنتاج عن بعد، حيث توجد الإدارة العليا وأقسام البحث والتطوير وإدارة التسويق في بلد معين، وتصدر أوامر بالإنتاج في بلاد أخرى.

4- القدرة على تحويل الإنتاج والاستثمار على مستوى العالم: أن هذه الخاصية ناتجة عن كون هذه الشركات تتميز بنشاطها الاستثماري الواسع في العالم، وكذلك كونها كيانات عملاقة متنوعة الأنشطة تسودها عمليات التكامل الأفقي والرأسي. على الرغم من ضخامة الاستثمارات الدولية التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات، فإن أكثر من ثلثي استثماراتها تتركز في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي (إنجلترا وألمانيا وفرنسا) وسويسرا واليابان، ويعود هذا التركز إلى العوامل التالية:

المناخ الجاذب لهذه النوعية من الاستثمارات، - ارتفاع العائد على الاستثمارات، - تزايد القدرات التنافسية للدول المضيفة والتي تتحقق عادة من خلال انخفاض تكلفة عنصر العمل وتوافره وارتفاع مستواه التعليمي ومهاراته وإنتاجيته، - توافر البنية الأساسية وتسهيلات النقل وتقدم شبكات الاتصالات، - والطاقة الاستيعابية للاقتصاد القومي.

5- إقامة التحالفات الاستراتيجية: وهي تعتبر من السمات الهامة للشركات متعددة الجنسيات والتي تسعى دوماً إلى إقامة تحالفات استراتيجية فيما بينها ومن أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية المشتركة وتعزيز قدراتها التنافسية والتسويقية. أن هذه التحالفات هي نتاج المنافسة المحتدمة والتي صارت سمة أساسية للأسواق المفتوحة وثورة الاتصالات والمعلومات. أن التحالفات الاستراتيجية بين الشركات المتشابهة تتم في الصناعات المتماثلة بدرجة أكبر، وفي بعض الأحيان يأخذ هذا التحاف شكل الاندماج، وهذا يظهر بوضوح في مجال البحث والتطوير بما يحتاجه إلى تمويل ضخم، ومن الأمثلة على هذا التعاون، التمركز الأوروبي لبحوث الحاسوب والمعلومات والاتصالات التي تشترك فيه ثلاثة شركات أوروبية كبرى تنتج الحاسبات الآلية، وهي بول الفرنسية Bull و TCL البريطانية و سيمنز الألمانية، وقد يتحول التحالف الاستراتيجي أيضاً إلى شركات تابعة مشتركة، للشركات متعددة الجنسيات. وكل هذا يمثل صيغ للتعاون لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لكل شركة متعددة الجنسية تدخل في التحالف الاستراتيجي الذي يتم الاتفاق عليه

6- المزايا الاحتكارية: تتمتع الشركات متعددة الجنسيات بمجموعة من المزايا الاحتكارية، وترجع هذه السمة إلى أن هيكل السوق الذي تعمل فيه هذه الشركات، يأخذ شكل سوق احتكار القلة في الأغلب الأعم، ومن أهم عوامل نشأته تمتع مجموعة الشركات المكونة له من احتكار التكنولوجيا الحديثة والمهارات الفنية والإدارية ذات الكفاءات العالية والمتخصصة. وهذا الوضع يتيح للشركات المتعددة الجنسيات الفرصة لزيادة قدراتها التنافسية ومن ثم تعظيم أرباحها وإيراداتها. وتتحدد المزايا الاحتكارية في أربعة مجالات هي التمويل، والإدارة، والتكنولوجيا، والتسويق. وتنبع المزايا التمويلية من توافر موارد عالية كبيرة لدى الشركة المتعددة الجنسية، وتمكنها من الاقتراض بأفضل الشروط من الأسواق المالية العالمية نظراً لوجود عنصر الثقة في سلامة وقوة مركزها المالي. تتمثل المزايا الإدارية في وجود الهيكل التنظيمي الذي يكون على أعلى مستوى من الكفاءة، ويسمح بتدفق المعلومات وسرعة الاتصالات، ويؤدي بالتالي إلى اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب. أن توافر المزايا الإدارية يتيح لهذه الشركات التمييز والتفوق، لذلك تحرص على وجود وحدات متخصصة وقادرة في مجالات التدريب والاستشارات والبحوث الإدارية. وتحصل الشركات على المزايا التقنية، من خلال التطوير التكنولوجي المستمر، للاستجابة لمتطلبات السوق، والحد من دخول منافسين جدد وتقرير وضعها الاحتكاري، ولذلك تحرص هذه الشركات على التجديد والابتكار وتحسين الإنتاجية وتطويرها وزيادتها وتحقيق مستوى عال من الجودة. تأتي المزايا التسويقية للشركات المتعدية الجنسيات من خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية، التي تعمل على توفير منتجاتها بحالة جيدة في الوقت المناسب. إن هذه الشركات تهتم بأبحاث السوق والتركيز على أساليب الترويج والدعاية والإعلان لمنتجاتها لضمان طلب متزايد ومستمر عليها.

7- تعبئة المدخرات العالمية: أن كل شركة من الشركات متعددة الجنسيات تنظر إلى العالم كسوق واحدة، ومن ثم تسعى إلى تعبئة المدخرات من تلك السوق في مجموعها بالوسائل التالية:

<!--طرح الأسهم الخاصة بتلك الشركات في كل من الأسواق المالية العالمية الهامة وكذلك الأسواق الناهضة، وغيرها. تعتمد الشركات متعددة الجنسيات، عند الإقدام على عمليات كبرى مثل شراء أسهم شركة منافسة بالقدر الذي يسمح بالسيطرة على إدارتها مثلاً، إلى الاقتراض من البنوك متعددة الجنسيات وبمعدلات عالية

<!--تستقطب الشركات متعددة الجنسيات الجزء الأعظم من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتوجهه أساساً إلى أسواق الدول الصناعية التي تمثل ثلاثة أرباع السوق العالمية

<!--إلزام كل شركة تابعة بأن توفر محلياً أقصى ما يمكن لتمويل اللازم لها، من خلال وسائل مختلفة مثل المشروعات المشتركة، طرح الأسهم الخاصة بتلك الشركات في الأسواق المالية العالمية، الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي وغيرها.

وبهذه الوسائل يمكن للشركات متعددة الجنسيات أن تقوم بتعبئة مقادير متزايدة من المدخرات العالمية

8- تعبئة الكفاءات: تتميز الشركات متعددة الجنسيات بعدم تقيدها بتفضيل مواطني دولة معينة عند اختيار العاملين بها حتى أعلى المستويات، فالمعيار الغالب الذي تأخذ به هو معيار الكفاءة. والنمط المعمول به في اختيار العمالة في هذه الشركات هو الاستفادة من الكادر المحلي لكل شركة تابعة بع اجتياز سلسلة من الاختيارات والمشاركة في الدورات التدريبية. تعبئة الكفاءات أو استغلال الموارد البشرية من خصائص الشركات بشكل عام، ولكن يمكن اعتبارها أيضاً من خصائص الشركات متعددة الجنسيات. فعندما تعمل الشركات المتعددة الجنسيات في بلدان مختلفة، يتعين عليها التعامل مع تحديات مختلفة، منها توظيف العمالة المحلية في تلك البلدان. ولذلك، فإن الشركات المتعددة الجنسيات تحرص على استغلال الموارد البشرية في الدول التي تعمل فيها، من خلال توظيف العمالة المحلية وتدريبهم وتطوير مهاراتهم، وذلك لتحقيق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للشركة والمجتمعات المحلية.

كما تحرص الشركات المتعددة الجنسيات على تعبئة الكفاءات المتاحة في مختلف الدول التي تعمل فيها، من خلال جذب الموظفين الأكثر كفاءة والخبرة من مختلف الجنسيات، وذلك لتعزيز قدراتها التنافسية وتحسين أدائها في الأسواق الدولية. وبذلك، تساعد تعبئة الكفاءات على تعزيز قدرة الشركات المتعددة الجنسيات على التكيف مع التحديات المختلفة وتحقيق النجاح في بيئات العمل المتغيرة.

9- التخطيط الاستراتيجي والإدارة الاستراتيجية: يعتبر التخطيط الاستراتيجي أداة لإدارة الشركات متعددة الجنسيات، وهو المنهج الملائم الذي يضمن ويؤدي إلى تحقيق ما تهدف إليه الشركة متعددة الجنسية والتعرف على ما ترغب أن تكون عليه في المستقبل. يكثر استخدام التخطيط الاستراتيجي في الشركات المتعددة الجنسيات وهي تسعى من خلال ذلك اقتناص الفرص وتكبير العوائد، وتحقيق معدلات مرتفعة في المبيعات والأرباح ومعدل العائد على رأس المال المستثمر. أن التخطيط الاستراتيجي هو الأداة الأساسية التي تستخدمها وتقوم بها الإدارة الاستراتيجية في تلك الشركات، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. وتعد الخطط الاستراتيجية في غالبية الشركات المتعدية الجنسيات في المراكز الرئيسية، ويترتب على ذلك أن قواعد التخصيص ووضع الأهداف الخاصة بكل شركة تابعة يرتبطان بتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة وخدمة استراتيجيتها العالمية. تعاظم الشركات المتعددة الجنسيات هناك العديد من المؤشرات والتي تدل على تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات والعالمية النشاط ومن أهمها:

<!--أن حوالي 80% من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعدية الجنسيات، وهو ما يعكس ضخامة قدرتها التسويقية والإنتاجية التي مكنتها من السيطرة على جزء هام من حركة التجارة الدولية.

<!--الدور الكبير الذي تلعبه هذه الشركات في تسريع الثورة التكنولوجية، فبفضلها زادت نسبة الاكتشافات التكنولوجية الحديثة والتي كانت نتيجة لجهود البحث والتطوير التي قامت بها هذه الشركات

10- التركيز على النشاط الاستثماري: تُشير البيانات والمعلومات المتاحة إلى أن الشركات متعددة الجنسية تتميَّز بالتركُّز في النشاط الاستثماري الضخم الذي تقوم به تلك الشركات، ولعل تفسير هذا التركيز في النشاط الاستثماري يرجع بالدرجة الأولى إلى مناخ الاستثمار الجاذب لهذا النوع من الاستثمارات بمُكوِّناته المختلفة بالإضافة إلى ارتفاع العائد على الاستثمار، وتزايد القدرات التنافسية للدول المضيفة في العناصر الخاصة بتكلفة عنصر العمل، ومدى توافره ومستواه التعليمي، ومهاراته الإنتاجية والبنية الأساسية ومدى قوتها وتكاليف النقل، والوقت الذي يستغرقه الشحن، وتسهيلات النقل والاتصالات اللاسلكية والكهرباء والطاقة والأرض، والتسهيلات التمويلية كلها وغيرها، تجعل دولاً معينة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المتدفقة من الشركات متعددة الجنسية، بالإضافة إلى الجوانب الخاصة بالمعلومات والخدمات المدعَّمة للأعمال، وتوافر المُدخَلات في السوق المحلية وغيرها، يُضاف إلى ذلك الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني والصحة الاقتصادية، وإثبات المقدرة على النمو وغيرها من العوامل.

11- الانتماء غالباً إلى دول اقتصاديات السوق المتقدمة صناعيا: ينتمي المركز الرئيسي أو الشركة الأم في معظم الحالات إلى دول اقتصاديات السوق المتقدمة صناعيا، وفي مقدمتها الو.م.أ وهذ اللفظ اختصار لوكالة الأنباء الإماراتية، لوفرة رأس المال، واحتكار التكنولوجيا لتهيئ مناخ الاستثمار لنمو هذا النوع من الشركات، ولذلك نرى هذه الشركات مركزة بفروعها في عدد من الدول المتقدمة.

يمكن اعتبار الانتماء إلى دول اقتصاديات السوق المتقدمة صناعياً من خصائص الشركات المتعددة الجنسيات. فعادة ما تتأسس هذه الشركات في دول تتمتع بنظام اقتصادي وقانوني متطور ومتقدم، وتعمل في عدة دول حول العالم، وتحقق أغلب أرباحها من العمليات التجارية خارج بلدانها الأصلية.

وتعتمد الشركات المتعددة الجنسيات على العولمة لتوسيع نطاق عملياتها، وتحقيق الفوائد الاقتصادية والتنافسية، وزيادة القيمة المضافة للمساهمين والمساهمات في الشركة. وعادة ما تستفيد هذه الشركات من تنوع الثقافات واللغات والأسواق في العديد من الدول، مما يساعد على تحسين أدائها المالي وزيادة قدرتها على التكيف مع التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم.

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,755,753

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters