تقع الشركات العامله بالسوق العالمي تحت مجموعتين من الضغوط القوية وهما:
الأولي: ضغوط لتخفيض تكلفة الإنتاج وتفعيل منحني التعلم ومنحني الخبرة وإنشاء المصنع في الموقع الأفضل في العالم، وتعظيم وفورات الإنتاج الكبير.
الثانية: ضغوط للاستجابة لطلبات الأسواق المحلية بالدول المختلفة، مما يتطلب تنويع الإنتاج بما يتلاءم مع الذوق والطلب المحلي بتلك الدول.
فلقد جدت شركات إنتاج السيارات أن العملاء في أمريكا واليابان وأوروبا يطلبون أنواع مختلفة من السيارات، لذلك أتبعت هوندا وتويوتا وفورد أقلمية التصميم والإنتاج، أي أن تنتج داخل الإقليم كل احتياجاته من الألف إلي الياء، حتي تستطيع خدمته بطريقة أفضل، غير أنهم لم يستفيدوا من مزايا الإنتاج الكبير ومنحني التعلم ومنحني الخبرة والموقع الأفضل أفضل استفادة ممكنه. هناك أربع استراتيجيات لدخول الأسواق العالمية وهي:
- الاستراتيجية الدولية: International Strategy
تتبع هذه الاستراتيجية عندما تكون كلاً من الضغوط لخفض التكاليف وضغوط الاستجابة لطلب الأسواق المحلية محدودة، وتمتلك الشركة مزايا تنافسية لا يملكها المنتجون المحليون، هنا تكون الاستراتيجية الدولية مربحة جداً.
والشركات تطبق المركزية في وظيفة البحوث والتطوير، حيث تؤدي في الدولة التي يوجد بها المركز الرئيس للشركة وتطبق اللامركزية في وظائف الإنتاج والتسويق وتنشئ التسهيلات الإنتاجية وتطبق استراتيجية تسويق خاصة بكل سوق رئيسي تعمل فيه، مع احتفاظ المراكز الرئيسية للشركات الدولية برقابة صارمة علي أنشطة واستراتيجيات الإنتاج والتسويق. ومن أهم الشركات المتبعة لهذه الاستراتيجية Toys R Us وماكدونالدز وبروكتر أند جامبل P&G وميكروسوفت حيث تصمم وتطور منتجاتها بولاية واشنطن بمدينة ردموند، وتسمح لفروعها في الدول الأخرى باستخدام استراتيجيات التسويق والتوزيع الخاصة بكل منهم، وأن تقوم أيضاً ببعض التعديلات في مراحل الإنتاج النهائية كي تتوافق مع أسواقها المحلية، خاصة المرتبطة بقواعد اللغة وحروف الهجاء.
وتفشل هذه الاستراتيجية عندما تكون ضغوط الاستجابة لاحتياجات الأسواق المحلية عالية، وتخسر لصالح الشركات التي تعدل منتجاتها وتستجيب بسرعة لتلك الطلبات. وتعاني الشركات المتبعة للاستراتيجية الدولية من ارتفاع تكاليف التشغيل نظراً لتكرار إنشاء المصانع في العديد من الدول، ولذلك فهي غير مناسبة للصناعات التي تكون فهيا ضغوط خفض التكاليف قوية.
2- الاستراتيجية متعددة المحليات: Multidomestic Strategy
تعد من استراتيجيات الماضي وأتبعت عندما كانت الضغوط للاستجابة لطلبات الأسواق المحلية مرتفعة وضغوط خفض التكاليف ضعيفة أو محدودة، ونظراً لاشتداد المنافسة بعد عام 2000 وارتفاع التكاليف الاستثمارية اللازمة لإنشاء المصانع بعدة دول وعدم الاستفادة بمزايا منحني الخبرة ولا من اقتصاديات الموقع الأفضل، فضلاً عن عدم قدرة الشركات علي الاستفادة بقدراتها التنافسية في أسواقها الخارجية وعدم قدرتها علي نقل المزايا والمهارات التي طورتها فروعها الموجودة في دول مختلفة إلي فروعها الأخرى، لإتلاف البيئات يندر استخدام هذه الاستراتيجية في الوقت الحاضر.
3- الاستراتيجية العالمية: Global Strategy
تتبع هذه الاستراتيجية عندما تكون ضغوط الاستجابة لطلب الأسواق المحلية محدودة والضغوط لتخفيض التكاليف مرتفعة وتسعي الشركات إلي تحقيق مزايا منحني الخبرة والموقع الاقتصادي وقيادة التكاليف علي مستوي العالم. لذلك تركز أنشطة البحوث والتطوير والإنتاج والتسويق في عدد محدود من المواقع المتميزة لتخدم السوق العالمي كله. كما أن استجابتها محدودة لإجراء تعديلات في منتجاتها لتناسب الأسواق المحلية بكل دولة، لأن ذلك يرفع التكاليف لصغر حجم الإنتاج وتكرار إنشاء تسهيلات الإنتاج (المصانع) في كل دولة، وتفضل الشركات تسويق منتجات نمطية في جميع أنحاء العالم للتمتع بأقصى مزايا منحني التعلم ومنحني الخبرة ووقرات الإنتاج الكبير، مما يدعم سياستها السعرية الهجومية علي مستوي العالم. ومن أهم الشركات المتبعة لهذه الاستراتيجية شركة Apple.
ولا تصلح هذه الاستراتيجية في الصناعات التي يتزايد فيها الطلب علي التنويع للاستجابة للاختلافات في الأسواق المحلية مثل صناعة السيارات.
4- الاستراتيجية عابرة الدول: Transnational Strategy
مع تزايد شدة المنافسة أصبح من الضروري أن تعمل الشركات الدولية علي تخفيض التكاليف، وتعديل منتجاتها لتلائم احتياجات العملاء في كل دولة، مع تحقيق أقصي استفادة من منحني التعلم والخبرة، ومن اقتصاديات الموقع وانسياب المهارات والقدرات من وإلي الفروع والمراكز الرئيسي بالدولة الأم وبين الفروع الأجنبية وبعضها البعض، وهو ما يسمي بالتعليم العالمي Global Learning.
ويقصد بالاستراتيجية عابرة الدول، عملية تخفيض التكاليف والاستجابة للأسواق المحلية ونقل القدرات والمهارات التي تمتلكها الشركة بما يتلاءم مع مقوم التعليم العالمي، غير أن أتباع هذه الاستراتيجية يواجه بصعوبات نظراً للتعارض بين اتجاهين، فالاستجابة لطلب الأسواق المحلية يعني التنويع مما يرفع التكاليف وخفض التكاليف يتطلب التنميط والإنتاج الكبير وعدم الاستجابة لطلب الأسواق المحلية.
ولحل هذا التعارض، نعرض حالة شركة كاتربللر فهي تنافس بشدة شركات ذات تكلفة منخفضة مثل شركة كوماتسو وديهاتسو اليابانية (ضغوط لخفض التكاليف) كما أن هناك اختلافات بين الأسواق المحلية في طرق وإجراءات البناء وفي القيود الحكومية في مجال البناء (ضغوط للاستجابة لاحتياجات الأسواق المحلية) ولذلك اتبعت الاستراتيجية العابرة للدول. وللتعامل مع الضغوط الخاصة بالتكاليف قامت شركة كاتربللر بإعادة تصميم منتجاتها لاستخدام العديد من الأجزاء في الكثير من منتجاتها، حيث أنتجت هذه الأجزاء في عدد محدود من المصانع الكبيرة التي أنشئت في عدد من أفضل المواقع بالعالم، وذلك لتحقيق اقتصاديات الحجم الكبير.
وللتعامل مع ضغوط الاستجابة للأسواق المحلية، أضافت الشركة خطوط تجميع إلي مصانعها لخدمة أسواقها الكبيرة، وفيها أضافت الشركة الخصائص المحلية للأسواق، حيث عدلت مراحل الإنتاج والتجميع والتشطيب النهائية لتناسب تلك الأسواق. وهكذا حققت الشركة تنويع وتمييز منتجاتها في المراحل النهائية مع خفض تكلفة الإنتاج، وكسبت الشركة أجزاء من أسواق منافسيها.
وأخيراً فإن تطبيق الاستراتيجية العابرة للدول يواجه بصعوبات إدارية وتنظيمية كبيرة، حيث يجب تطوير الهيكل الإداري للشركة ووضع نظام رقابي محكم وقد يصل الأمر إلي تعديل أنماط ونظم العمل والإدارة بالشركة وهو معقد جداً .. ويري البعض أنه قد يكون من الأفضل للشركة التركيز علي تعديل استراتيجيتها العالمية أو الدولية كي تتلاءم مع احتياجات بعض الأسواق المحلية وتخفيض تكلفتها.
وعموماً، علي الإدارة أن تسعي لتحقيق التوازن بين الضغوط الدافعة لخفض التكاليف، وبين تلك الضغوط الدافعة لتزويد العملاء بمنتجات متنوعة قيمتها أكبر من أسعارها المدفوعة.