"جوّع كلبك يتبعك"
وقد كان أوَّل من قالها ملكٌ من ملوك حِمير كان غليظًا فظًّا على رعيّته يجوّعهم ويسلبهم ما في أيديهم من المال وغيره، وقد أخبره بعض الكهنة أنّ رعيّته ستقتله يومًا، ولكنّه لم يكن يهتمّ لكلامهم، وقد حذّرته زوجته منهم أيضًا؛ ذلك أنّ الرّعيّة كانت تعيش في شظفٍ من الحياة، بينما يعيش هو وأسرته حياة رغيدة، فكان يقول لها: "جوّع كلبك يتبعك"، وقد صارت مثلًا منذ أن قالها،
ولما كان الحرمان سيد المواقف، اتفقت الرعية مع أحد أخوة الملك على قتله، وجعلته ملكًا مكان أخيه!
كلنا نعرف أن مشكلة الجوع لم تنشأ من بخل الطبيعة، أو عجزها عن تلبيه حاجات الإنسان، وإنما نشأت من الإنسان نفسه، عندما يكفر ويبتعد عن النظام الإلهي العادل: "إن الإنسان لظلوم كفار"، فظلم الإنسان في توزيع الثروة وكفرانه بالنعمة بعدم استغلال كل المصادر التي تفضل الله بها عليه، هما السببان الأساسيان للمشكلة التي يعيشها الإنسان منذ أقدم عصور التاريخ.
بل إن الحكام منذ القديم قد انتهجوا سياسة تجويع الشعوب لأنها عندما تشبع من الأكل، قد تطالب بالكراسي و المناصب.فالبطون المليئة قد تتواصل مع العقول اليقظة لأجل المطالب ورفع الشعارات والمطالبة بالحقوق، ومحاسبة الظلم، بل والسعي نحو تحسين الحياة طالما أنه لا خطر على الحياة من الجوع، وهذا غير مقبول بتاتا عند الحكام الذين يخافون على كرسي سلطتهم، فانتهجوا سياسة التجويع لكسر إرادة الرعية!
ثمّ لماذا لا نقلب المقولة، فنصححها كالتالي :أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم، وأحسن إلى الناس يحسن الله إليك أما سمعتم قول العرب من أحسن إليك فقد استرقك وأن الاحسان قيد الكريم .
أليس هذا هو المنطق السليم؟!
علينا أن نعرف أننا لا نحصل على قلوب الناس وولائهم حين نهددهم بحياتهم، نحن هنا نحصل على خوف مؤقت وقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت!
فالمدير الذي لا يعطي الأجراء رواتبهم، هو لا يضمن ولاءهم، ولا يشتري طاعتهم، إنه يصنع وحشًا كاسرًا يخاف على لقمة عيشه وعيش أولاده، ولينظر حين يجوع هذا الوحش ما هو صانع!
والزوج الذي يبخل بالمال والعاطفة على عائلته، هو لا يضمن بقاءهم معه، ولا طاعتهم له، إنه يصنع أسرة خائفة تتحين فرصة موته كي تعيش!
والزوجة التي تجوّع أولادها حبًا وعاطفة وطعامًا عمدًا، وتحرم زوجها حنانًا، وتسعى لهز عصا المفارقة عند كل مشكلة لهي جديرة بأن تنال جزاء تجويعها زوجًا قاسيًا وأولادًا عاقّين!
والصديق الذي يستغل عاطفة صديقه وجوعه لوفاء، فيسخره لخدمته ولا يبادله العطاء بالعطاء، سيكون وحيدًا منبوذًا لن يجد من يعينه على صعوبة الأيام!