تشهد مهنة الصيدلة عالميا , تطور ملحوظ نتيجة لنشأة العديد من التخصصات الفرعية التي تشكل مجالات مهنية صيدلانية عديدة تلبي الطموح والاحتياج الذي يترافق مع تطور الأسواق الدوائية والخدمات العلاجية المقدمة وكفاءتها , وتطور التقانة في مجالات الابتكار والبحث والتطوير الدوائي ,أبرزت منتجات وخدمات جديدة تحتاج لمهارات مهنية وتنظيمية وقواعد تشريعية جديدة , دفع يدوره لنشأة خدمات مرافقة لانجازها وإخراجها بشكل ملائم وفعال يرضي الأطراف المهنية المستخدمة للمنتج او الخدمة , ويحسن من الرفاة الصحي للمجتمع و يزيد من تمتع المريض بنوعية من المنتجات والخدمات والتقنيات التي تمكنه من التغلب على الآثار المرضية أثناء وبعد المعالجة وترضي طموحة العلاجي وفق التفصيلات المعيارية لدية فيما يخص نوع وطريقة المعالجة , وهذا السباق والتسارع حدى بالصيدلاني ان يتحول من مجرد صارف للدواء الى كونه عامل عامل فاعل في التواصل المهني الاحترافي , مع المريض وتقديم خدمات واسعة الطيف من اهتمامه بالمخاطر العلاجية والعمل على الحد منها و تفاديها او تقليل أثارها السلبية وإبلاغ الهيئات والسلطات الصحية عنها و مراقبته للأعراض الجانبية للدواء وتداخلاته المحتملة وتعزيز دور النصح والإرشاد الدوائي ومراقبة أداء الدواء و مراعاة الجوانب الاقتصادية والثقافية والنفسية والمجتمعية أثناء تواصله الفعال مع المريض وتوعية المرضى و ذويهم عن المرض وجوانبه و آليات التعامل معه و تبديل الأدوية بناء على حالة المريض والأسس العلمية المعتمدة في التبديل والإحلال الدوائي كل هذا دفع بتخصصات جديدة في مجال الصيدلة ونشأت مهن صيدلانية لها مساراتها الخاصة وقواعدها التنظيمية والتشريعية والإجرائية المختلقة وحسب تصنيف الاتحاد الدولي الفيدرالي للصيدلة قسم المهن الصيدلانية إلى مهن جديدة متسقة لتحقيق هدف صيدلاني مختلف لكل تخصص ليتكامل مع بقية التخصصات الصيدلانية في أداء خدمات نوعية وملائمة و تمتاز بالكفاءة و الرشد في اتخاذ القرارات ألسريريه المرتبطة بالمريض من هذه التخصصات تخصص الصيدلة المجتمعية ولدينا نقابة متخصصة بها في اليمن أنشأت في 2017 م , وكذالك بروز الصيدلة السريرية المرتبطة بتقديم الخدمات الصيدلانية والعلاجية في المستشفيات و كذالك الصيدلة الإدارية التي تهتم بالتنظيمات واتخاذ القرارات وتعزيز الجودة في الممارسات و التسويق , و الصيدلة الصناعية التي تهتم بالمنتج الدوائي وإخراجه للسوق وفق الاشتراطات والمبادئ العالمية المرتبطة بالتصنيع وله خدمات مرافقة وقفزات تكنولوجية كبيرة و أصبح البحث والتطوير والدراسات السريرية المتعلقة بالدواء تخصص بحد ذاته و نشأ تخصص مهني مرتبط بالعمل الأكاديمي المرتبط بالتعليم الصيدلاني في كافة جوانبه المختلفة ......
هذا التطور المهيب للمهنة عالميا قابلة خمول و اندثار مهني على الصعيد المحلي رغم أن الموارد البشرية الصيدلانية بمختلف أنواعها تقدر ب45000 شخص في اليمن , ثروة ومصدر وطني مهدر يفتقد في معظم حالاته حتى للامان الوظيفي و الرفاه الاجتماعي وحتى قيمة دوائه و وصوله للخدمات الصحية اللائقة , هذا المصدر الذي يفوق موظفي شركة سيمنس الألمانية بخمسة أضعاف , يدور حول تشغيل ما يقارب ال300 مليون دولار , مقابل رقم 40 مليار دولار سنويا عائدات لشركة سيمنس و بمعدل مئات الابتكارات السنوية المسجلة .ومن هنا نقترب من واقع وحقيقة وضع المهنة رغم توفر واحد من أهم المصادر وهو العنصر البشري , الذي في اغلب أحواله لم يستفد من تأهيله المجتمع و بأغلب حالات الطبيعة نجدة عازف تماما عن التطور المهني او التعليم المستمر لردائه توظيفه بشكل جيد كمخرج وطني ومصدر متاح لرفد الاقتصاد الوطني وتطوير الاستثمار الدوائي في البلد , و بالنظر لرأس المال الدوائي المدور نجد معظمة لا يعزز الأمن الدوائي , فمعظم هذه الأموال تتسرب على شكل عملات صعبة للخارج مقابل أدوية لشركات من دول العالم الثالث ,حيث تمثل الصناعة الوطنية في مجملها فقط وفقط 15% في أفضل أحوالها , معظم هذه الأدوية نظرا لشحه الموارد و الموازنات الصحية لا يتم فحصها وتطبيق أسس الرقابة الدوائية على تشغبلاتها الواردة لليمن وهنا تجد حالات الغش الدوائي في ظل حالات من اللاتأكد وضبابية حول جودة ومخرجات الأدوية الواردة من كل أصقاع الأرض , ومن وجهة النظر الاقتصادية والاستثمارية نجد أن الاستثمار في الصناعة الدوائية والبحث والتطوير والدراسات السريرية متاح وهنالك الكثير من دراسات الجدوى الاقتصادية في هذا المجال تدعم هذا الرأي ولكن غياب الرؤية و الاستراتيجيات وتكامل مؤسسات الدولة يشكل عائق وعبئ على المجتمع , وبالنظر للتشريعات نصدم بعدم ملائمتها لتطوير المجال في ظل سباق من دول الجوار التي لا تمتلك الكادر البشري ولديها شحه واضحة في هذا المورد ,تقوم هذه الدول بعمل اتفاقات وعقود نقل التقانة والتكنولوجيا الدوائية بما فيها دولة إثيوبيا الجارة , التي خطت خطى جيدة في مضمار نقل التقانة الدوائية من خلال توفير البني التحتية اللازمة لذالك ومنها التشريعية والتنظيمية المتسقة مع التطور الصيدلاني والتنظيمات العالمية المعتمدة في المجال كعملية متكاملة .
وبالعودة لقطاع الصحة المجتمعية نجد انحدار مهني ليس وليد اللحظة , إنما تخريب و طمر للمهنة منذ عقود من خلال استبدال الكادر الصيدلاني بأطراف عير صيدلانية , ضعف التشريعات وعدم احترامها من القائمين على تنفيذها و غياب معايير الأداء المهني في التشغيل الناتج عن غياب الرؤية و ضئالة المردود بالنسبة للصيادلة العازفين غالبا عن الصيدلة المجتمعية وتركها للعشوائية والامتهان من الغير , الذي أجج زيادة العرض على الطلب الذي نتيجته الحتمية ضعف و رداءة في معايير الخدمة المفترضة و تلاشي واضح للانتماء المهني , خصوصا أن القائمين على الجهات التنظيمية والرقابية حولوا وظائفهم من تطوير المهنة والرقابة على أدائها إلى جباية و اجراءت تصب في الجباية والتعسف واستغلال المنصب وتضارب المصالح في أحيان كثيرة أضرت بالعمل المهني علما أن معظم القائمين على تلك الوظائف من غير المهنيين او من الكوادر الوسطية التي غالبا ما أعاقت التطور المهني والدرجات الأعلى منها خوفا من تلاشي دورها في السيطرة على القطاع , وفيما يخص المزاولة والرقابة المهنية تحولت الرسالة من أن الرسوم ليست جباية بقدر ما هي تنمية إلى الصراع التشريعي على الجباية الذي نتج عنة فساد مهني وتضارب تشريعات فمثلا تصاريح مزاولة المهنة انتزعت من النقابات المهنية ليتم إصدارها من المجلس الطبي أو من السلطات المحلية وكلا القانونين يقر لنفسه هذه الصلاحية الخطيرة من دون تنفيذ او اشتراط معيارية محددة , وهذا مثال منافي لمبادئ الإدارة عموما وتشتت الرؤية وغياب الاستراتيجيات الدوائية العامة وتحول العملية الهامة إلى فرض جباية يتم التنازع علية من قبل مؤسسات الدولة التي غيبت دور النقابات المهنية , والتي شاركت في الفساد المهني والإهمال للقضايا المهنية والالتفات للصراعات السياسية البعيدة كل البعد عن المسار المهني وعلاوة على ذالك نجد قيادات تلك النقابات الميتة متمسكة بالسلطة و رافضة لأي انتخاب او ترك للمناصب النقابية ليسوء الوضع المهني ويتردى بشكل واضح في غياب ممثل للقطاع يدافع عن حقوقه وينمي العمل المهني , بل تجاوز ذالك ان جمعت تلك القيادات بين العمل الإداري للدولة والعمل النقابي معا مخالفين كل القوانين السارية والأعراف النقابية المحترمة و استغلال تلك السلطات لمحاربة أي تحرك نقابي مهني من أي نقابة أخرى .
الغياب التشريعي المواكب لتطور المهنة وخصوصا التعليم الصيدلاني المستمر الذي لم تقدمة الجهات المسؤلة أو النقابات المغتصبة لحق المهنيين في الدفاع عن حقوقهم واختيار ممثليهم لتحقيق ذالك الغرض , هذه الحالة جمدت الدماء في عروق المهنة , وقصور التشريعات والتوصيف الوظيفي للقائمين بالإشراف والرقابة الذين لا يقدروا ان يفرقوا بين الرقابة كنظام معياري متكامل لقياس الأداء و التفتيش كوظيفة للحد من المخاطر ذات غرض وهدف محدد تنقضي بانقضاء الغرض منها ولها ولشاغلي هذه الوظيفة مواصفات خاصة وتتبع الوزارة وتتبع منهجية الحياد في اتخاذ القرار واجراءت القانون الجزائي في ممارسة الوظيفة المحددة ذات المسؤولية المحددة نتيجة بلاغ او شكوى او انحراف واضح في معايير المساق المهني ....الخ , ونجد استغلال واضح لتصفية الحسابات او التهديد للغير من قبل الهيئات والسلطات الصحية المحلية خارج الأطر والاجراءت القانونية السارية المفعول سواء بقصد او بدون قصد يتم ذالك غير مدركين ان الصيدلية ونموها واستمرارها هي وظيفتهم الأساسية .
التشريعات مازالت قاصرة لغياب الرسالة والهدف العام من الوظيفة الصحية ,علاوة ان اغلب القوانين عبارة عن مقتطفات من قوانين عربية أخرى تختلف في البيئة والخصوصية عن البيئة وخصوصية اليمن ولا تمثل ايظا ريادة مهنية حقيقية في المجال الصيدلاني عالميا , فالتشريع القائم قاصر وغير ملائم ولن يساعد على تطور المهنة فعليا .
وعن الدخلاء حدث ولا حرج ابتداء من انتهاك الطبيب للمهنة وفتح أكشاك داخل العيادات لبيع الأدوية او أدراج داخل العيادة لبيعها وانتهاء بكل من يطمح بلقب دكتور صيدلاني من دون الصيادلة المعرفين قانونا أنة الصيدلاني الحاصل على شهادة البكالوريوس فما فوق في الصيدلة . .
في السنوات العشر الأخيرة تطور الوضع لان يقوم بعض مدراء المستشفيات الحكومية لتأجير الصيدلية الداخلية وفتحها كصيدلية تجارية لتتحول الدولة ممثلة بمدير المستشفى إلى منافس شرس لصيادلة المجتمع ليتم طمر المهنة و دفنها حين يستخدم الموظف الحكومي المعين صلاحياته لخصخصة أموال الدولة وتأجيرها بعيدا عن ولايته القانونية وخارج أطار مهامه المفوض بها بموجب قوانين الخدمة المدنية , والصلاحيات الممنوحة له و فوق ذالك حسابات هذه الصيدليات الغير قانونية غير مربوطة بحساب وزارة الصحة بوزارة المالية في اغلب الاحوال
الحلول في الحقيقة نوصي بتطبيق مبادئ العالم الإداري فايول و نقترح التالي
بناء رؤية و رسالة واضحة من الجهات المعنية للقطاع الدوائي والصيدلاني كبداية
استقراء الواقع المهني عالميا ووضع تشريعات ملائمة للتخصص و تطوير المهنة
وضع إستراتيجية وطنية لنفل التكنولوجيا الدوائية لليمن وتطوير الاستثمار
الرقابة الدوائية المتكاملة تحتاج امكانبات وهي مرتبطة بسلامة الناس وجودة الدواء , فلا مانع من إنشاء شركة مساهمة للتحاليل الدوائية والبحث العلمي , يكتتب فيها المواطنين وتحت إدارة وتنظيم الهيئة وإشراف الجهاز المركزي للرقابة
الأمن الدوائي يحتاج لشركات مساهمة تقوم على مبدأ الكفاءة الإدارية والنزاهة والشفافية وإعمال مبادئ الحكومة , وتشغل مدخرات صغار المستثمرين بدلا عن المؤسسات الفردية .
وضع معايير أداء للعمل المهني حسب التخصص ومعايير للقائمين بالإشراف و الرقابة والتنظيم الحكومي
استثمار الكادر البشري وتطويره وأهمية التلمذة المهنية في المجالات الصيدلانية .
تعزيز الولاء المهني وتفويض الصلاحيات الإشرافية والتعليم المستمر للنقابات المهنية
توزيع الخدمات وفق مبادئ عادلة .
إعمال الحكومة ومشاركة إطراف المصلحة في القرارات الحكومية بشكل حقيقي
التخطيط الفعال على كل المستويات الدوائية وتحسين ظروف الصيادلة المالية والاجتماعية اللائقة .
إعداد منهجيات اتخاذ القرار الدوائي والإفادة من الدراسات الإنسانية والاقتصادية والسريرية
وضع مهام وحدود الممارس المهني وحقوقه الملموسة التي تدفعه للممارسة المهنية فعليا .
و نحن على قناعة أن المهنة رغم العدوان الجائر على بلدنا سوف تتطور وسيكون للاستثمار الصيدلاني باع كبير في تطوير المهن الصيدلانية في ظل توجهات القيادة السياسية لتحقيق مبداء الأمن الدوائي للبلد و الله الموفق و نسأل الله أن تكون ملاحظاتنا قد لامست الجوانب الحقيقية كما يراها الأخوة الصيادلة الممارسين
د محمد النزيلي
رئيس مجلس إدارة نقابة صيدليات المجتمع –اليمن
محاضر في الصيدلة الإدارية والاقتصاد الدوائي