الإسلامية" كلمةٌ لطالما اقترنت بالخضوع للسلطان والسير في ركابه، واختطفها علمائه؛ علماء السلطان، ليحجبوها ـ قرون طويلة ـ عن كل ثورة، ويحادثوا الناس باسمها، فيخبروهم أنها لم تجز الخروج عن الحاكم وإن ظلم وفسق و.......

 ثم كان هو.

 بُعث في زمن قد غشى الجسد العربي الإسلامي ـ فيه ـ سبات عميق طال أمده، ليحوم حوله طائر الاستعمار المشئوم، إذ لم تك  تصدر عنه حركة تنبئ بحياة، فيحط عليه ـ من بعدُ ـ ليفتك بالجسد المسجى وينهش أعضائه بلا رحمة.

وكان أن أشرقت شمس ضياءه ـ انذاك ـ على عالمنا، وإذ  بمعجزة البعث تتدفق من بين كلماته، ليجابه بما جوبه به كل أصحاب الرسالات من قبله، فيقصى من الهند بعد ان تجمع أهلها حوله يحادثهم بحديث الثورة، فإذ بمحتليها ــ حينذاك ـ الإنجليز ـ يتلبسهم الذعر فيخفون لإبعاده عن الهند، ليحط رحاله ـ من بعدُ ـ بالآستانة، فإذ بحاسديه ـ من علماء السلطان ـ يهيلوا عليه مما تفيض نفوسهم من حقد وحسد وغيرة؛ فيقذفوه في دينه لتثور ثائرته تاركا تلك البلاد، ثم يكون ترحاله إلى مصر، ليطرد في قسوة وعنف بعد أن لبث بها ثمان سنوات قضاها في تحرير العقول من طغيان الجهل، وإزكاء النفوس من دنس الخضوع والذل لحاكمها المستبد، غادرها  وما فتئ صدى صوته الهادر يدوي مجلجلا في البلاد " هبوا من غفلتكم، اصحوا من سكرتكم، انفضوا عنكم الغباوة والخمول.. وشقوا صدور المستبدين بكم، كما تشقون أرضكم بمحاريثكم .. عيشوا، كباقي الأمم، أحرار سعداء، أو موتوا مأجورين شهداء ..". فكانت الثورة من بعدُ.

لم يشهدها، غير أنها ـ بلا شك ـ لا تعدو كونها نفحة من نفحات روحه الثائرة العظيمة.

ولم يمض وقت طويل حتى شهده الناس يُسحب على الثلوج ليساق مسلسلا بالأصفاد على دابة، ويلقى خارج حدود البلاد الإيرانية بأمر من طاغتيها، بعد أن كان قد عمد إليه برئاسة وزارته، ولكن أنى يكون له بقاء في منصب كهذا، ونفسه التى أثقلتها الأماني العظام لا تطمح إلا للأعالي؛ إلى فردوس بسطه حرية وقبابه عزة وكرامة. أنى يُستبقى ـ في منصب كهذا ـ من سُأل (من قبل شاه إيران): "أيصحّ أن أكون يا حضرة السيد وأنا ملك ملوك الفرس كأحد أولاد الفلاحين؟!".

فكانت إجابته عما سأل عنه: "اعلم يا حضرة الشاه أن تاجك وعظمة سلطانك وقوائم عرشك ستكون بالحكم الدستوري أعظم وأنفذ وأثبت مما هي عليه الآن..والفلاح والعامل والصانع في المملكة، يا حضرة الشاه أنفع من عظمتك ومن أمرائك .. ولا شك، يا عظمة الشاه أنك رأيت وقرأت عن أمة استطاعت أن تعيش بدون أن يكون علي رأسها ملك، ولكن هل رأيت ملكا عاش بدون أمة ورعية؟!"!!.

وجاءت خاتمة أسطورته في الآستانة، إذ دُس له السم؛ لتنسلخ روحه عن جسده، ضاربة بجناحيها أسوار الأبدية، ليعتلي مقعده في عالم الخلود شهيدا من شهداء الحرية، وسيدا للثوار عبر العصور، لا ينازعه ـ في تلك المكانة ـ منازع من الأولين والمتأخرين.

إنه مولانا جمال الدين الأفغاني، من نسله جئنا، لا من نسل أولئك الذين جعلوا من ضعفهم ووهنهم وطمعهم دين ينفثوه بين الناس؛ فنادوا بأن السلطة لمن غلب، وجاء من بعدهم أقوام ـ ينتسبون إليهم ـ ما زالوا يشيعون في الناس أمثال تلك الوصايا المضللة، إن لم يكن بلسانهم فبأفعالهم، مدنسين بذلك غدير "الإسلامية"، ابتغاء وجه السلطان.

لذا فقد أخذنا على عاتقنا أن نبشر ـ من جديد ـ بتعاليم "الإسلامية" كما بثها فينا سيدنا (سيد الثوار) جمال الدين الأفغاني (قدس الله روحه)، وأن نستكمل مع إخواننا الثوار ـ من خلال تلك الحركة ـ مشوار الثورة التي مازال أمامها الكثير والكثير لترسيه في بلادنا

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 287 مشاهدة

ساحة النقاش

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

307,755