ظلوا طوال عقود مضت يتخبطون في خلافاتهم وصراعاتهم، ويعتصرون جل طاقاتهم لتصب فيها، ويتنقلون من سُلم إلى سُلم (سلم نقابة الصحفيين، سلم دار القضاء العالي، سُلم..........، وأعتقد أن الإصرار على التظاهر من على السُلم راجع إلى أنه لوكان مكان التظاهر الشارع مثلا لما ظهر جميعهم في كادر الكاميرا)، ومن مصطبة فضائية إلى أخرى(برامج التوك شو)، ويستزرعون المقالات والفصول التنفيسية في صحفهم وكتبهم، لنهزها فلا يتساقط علينا منها سوى ثمرات ذابلة هزيلة، لا تسمن ولا تغني من جوع للتغيير.

وكثير منهم لطالما ارتضى شاكرا الفتات الذي كان يلقى إليه ـ بين الحين والآخر ـ من قبل النظام، وبعضهم كان يلملمه مبديا تذمرا وسخطا لقلته، وقليل منهم من كانت تزجره العفة عن فعل ذلك، ولم يكن أحد تلكم الفئتين السابقتا الذكر ليتورع عن تلبية دعوة من النظام البائد لحوار أو جلسة أو صفقة، رغم علمه الأكيد أنه لاطائل منها، فهذا كان دأبهم، وتلك كانت سيرتهم.

واحترفوا في السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة إنشاء الحركات، فأنشأوا العشرات منها، وما كانت غير كهوف تنبعث عبرها الروائح العفنة لأنواتهم المتضخمة، وهل كان لأيا منها برنامج عمل موضوع يستهدف التغيير حقا؟!.

وكان يتبع كل إعلان عن حركة من تلك الحركات إعلان آخر عن حركة أخرى تبشر بذات الهدف، ليعتلي منصة الإعلان عنها ذات الوجوه. (فكلما أسسوا حركة صحبها ـ بالطبع ـ مؤتمر صحفي ينقل إلينا ذلك الحدث الهام!!، وتتداول وسائل الإعلام أخبارها لفترة، لتدفن بعد ذلك إلى جوار أخواتها السابقات، لتبدأ الكَرّة مرة أخرى، وهكذا دواليك).

ثم كانت الثورة ليتدافع هؤلاء ممارسين ذات الدور الذي احترفوه على مدار العقود السابقة، إذ ما عاد بمقدورهم بعد طول عهد اضطلاعهم بدور المحلِل (لاستمرار شرعية النظام) أن يضطلعوا بدور غيره، فإذ بهؤلاء والثورة لم تكد ترقى من سُلم الخلاص من النظام البائد غير درجات قليلة يتوافدون في جماعات، ملبين دعوة النظام البائد إلى الحوار. منهم من استحى فاستتر (في جلسات سرية مغلقة مع عمر سليمان لم يكشف عنها بعد)؛ ومنهم من كان ودع الحياء وداعا بائنا منذ زمن طويل، فما كان يعنيه الاستتار من عدمه؛ ومنهم من أذهب حجم المكاسب والمغانم التي تصور أنه جانيها ـ من وراء تلك الثورة الناشبة ـ عقله، فلم يعن بستر أو استخفاء، وصاحبهم قلة من الثوار الشباب الذين ذهبوا ليبحثوا عن دور لهم. (فما من شك أنه قد بلغ سمعهم هتاف إخوانهم في التحرير "لاتفاوض قبل الرحيل"، وعادوا بعد ذلك إلى أقرانهم محذرين وواعدين ومتوعدين بالويل والثبور إن لم يتم إخلاء ميدان التحرير).


ثم كان التنحي، لتفتح ساحات العمل السياسي على مصراعيها، لمن أراد وقدر عليه، لكن ما أشبه الليلة بالبارحة!!، ذات الصورة القديمة، وذات الوجوه تتصارع وتتجادل وتخوض غمار معاركها النخبوية، وبعيد زوال غمار تلك المعارك الطاحنة، يتقدم البعض ممن لا يزال يأمل خيرا في أولئك ليستجلي الأمر، ويحصي ما قد اغتنمه أي من الطرفين المتصارعين لنا أو لأنفسهم، فإذا بالإحصاء يفضي بهم ـ في كل مرة ـ إلى صفر ممزوج بالمرارة والأسى.

لكم أتمنى أن يُعرض الشباب ـ المزمع خوض غمار الحياة السياسية ـ عن تلك الكيانات التي يظللها مثل أولئك بظلالهم، فلن ينتفعوا ولن ينفعوا من خلالها أحد، فمثل هؤلاء لا ينتمون إلا لذواتهم، وما كياناتهم ـ التي يقودونها سواء أكانت أحزاب أم جماعات أم حركات ـ وأيدلوجياتهم سوى سيوف وحراب يستعملونها في القتال مع بعضهم البعض لا أكثر، ولن يقبلوا ممن يتبعونهم ـ إذا ما ارتضوا قيادتهم لهم ـ سوى أن يكونوا قطعانا، أينما أشاروا إليهم بعصا خبرتهم وحكمتهم المزعومة اندفعوا مهرولين إلى حيث يشيرون . لن يرتضوا بأقل من ذلك، فدعوها إنها منتنة، وانطلقوا في فضاء الحياة السياسية، لتقيموا بها من الأطر ما لا تظله إلا سماء نفوسكم الصافية.

محمد السيد الطناوي

[email protected]
suprahuman.wordpress.com

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 407 مشاهدة

ساحة النقاش

tulipe

Thank you to the page you like and can identify more than during the rest of the articles and new articles that will put it on
But if you like the author of the article so you can communicate with him directly through your email at the bottom of the article
Thank you

tulipe فى 23 أغسطس 2011 شارك بالرد 0 ردود

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

307,778