إنني أنتهز فرصة اليوم العالمي لصاحب الإعاقة لأوجه هذا النداء:
أنك لو سألت كل الذين مروا بتجربة الإعاقة لأكدوا لك أن: الإعاقة الحقيقية لا تتمثل في فقد عين أو يد أو ساق لأن الله سبحانه أرحم بنا من أنفسنا وهو يعوضنا عن هذا الفقد بأشياء كثيرة أفضل منه، كذلك فإن الإنسان بقوة إرادته يستطيع أن يجعل من الإعاقة طاقة تدفعه نحو المزيد من بذل الجهد والعمل والعطاء.
وإنما الإعاقة الحقيقية تكمن في العقبات التي يضعها بعض الناس، ولها أنواع كثيرة منها:
1- وجود بعض الأفكار أو التصورات الخاطئة في ذهن بعض أ صحاب الإعاقة تمنعهم من استثمار أمكاناتهم وقدراتهم الأخرى والتغلب على ما قد يصادفهم من عقبات.
2- عدم قيام بعض الأسر بمسؤولياتها تجاه الابن صاحب الإعاقة بل ووضع بعض العقبات في طريقه أحيانا مثل أخفاؤه داخل البيت حرجا من الجيران وعدم الذهاب به لزيارة الأقارب، فهم لا يقومون بواجبهم تجاهه بل ويعاقبونه على ذنب لم يرتكبه ، يصدق عليهم المثل العامي (لا يرحموا ولا يتركوا رحمة ربنا تنزل).
3- وأحيانا تكون الإعاقة من البيئة حيث يتعرض صاحب الإعاقة للسخرية أو للإهانة من بعض سفيهي العقل سيئي الخلق.
4- وأحيانا أخرى يكون التعويق من بعض الموظفين الذين يرفضون دون تفكير ويحكمون نتيجة لنظرة مسبقة تفتقر إلى أي علم أو منطق فهو مثلا يرفض تعيين صاحب الإعاقة في عمل أو وظيفة دون أن يراه أو يختبر قدراته على أداء هذا العمل
5- وقد تكون الإعاقة الحقيقية في بعض القوانين الظالمة التي تحرم أصحاب الإعاقة من أداء أعمال معينة أو لعدم وجود قوانين أصلا تنصفهم وتعطيهم حقوقهم.
6- وقد توجد الإعاقة الحقيقية في ثقافة شائعة لدى الأنسان العامي بأن صاحب الإعاقة فيه شيئ لله أو ملموس من الجان فهو عندهم إما مبروك أو ممسوس، ولذلك فبعضهم ينظرون إليه نظرة ملؤها التخوف والريبة،ويتضح ذلك من خلال الكثير من الأمثال العامية التي يستخدمونها، مثل: ( كل ذي عاهة جبار، وأيضا (إن الأعور عبر أقلب الحجر) وكذلك (إن جاءلك الأعمى أكسر عصاه ما أنتش أحن من إلي عماه) وغيرها كثير.
7- وقد تتألم من بعض الأعمال الدرامية وهي تتخذ من صاحب الإعاقة مادة لاستدرار العطف، أو مادة كوميدية للسخرية منه
8- وتعجب من صاحب العمل أو المصنع الذي يتهرب من تطبيق النسبة القانونية المقررة لأصحاب الإعاقة على من يعملون معه، بما يتناسب مع ظروفهم وطبيعة العمل الذي سيقومون به
- بينما تجد آخرين ممن يشعرون بوخز الضمير قد يعينه في أعمال أقل من شهاداته وكفاءته، أو يعطيه مرتبه ويقول له اجلس في البيت ويكون حضوره إلى العمل أداءا للواجب أو لأخذ مرتبه آخر الشهر، وينسى من يفعل ذلك أن الابتلاء معرض له الناس جميعا ولا يختاره إنسان لنفسه، وأن صاحب العمل أو المؤسسة قد حكم بهذه الطريقة على قدرات صاحب الإعاقة وعلى أسرة دفعت دم قلبها من أجل تعليمه حكم عليهم جميعا بالإعدام ويصيبهم بالمرارة والإحباط.
-وإحقاقا للحق فإن من رجال الإعمال من جربوهم واقتنعوا بقدراتهم، وأعدوا لهم أقساما خاصة بهم عندما رأوا أن أداءهم وإتقانهم للعمل قد يفوق العاديين.
9- وتعجب من بعض الدول التي ما زالت تعامل أصحاب الإعاقة وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية:
- فليس لهم حق في المشاركة السياسية ، ولا في الترشح للمجالس النيابية بل ونادرا ما يتحدث عنهم مرشح، أو يتبنى قضاياهم حزبا
-والجمعيات التي تتولى شؤونهم معظم أعضاء مجالس إدارتها من غيرهم، وكأن صاحب الإعاقة كما يقال بلغة الأفراح (غائب ونقوطه حاضر) وليس من حقه أن يشارك فيما يخصه
- ولا يعين أحد منهم في مجالس ومنظمات حقوق الإنسان، وكأنهم لم يقع علهم ظلم وليس لهم حق،وصدق الشاعر العربي الذي يقول:
لا يدرك الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
ولعلك تتفق معي أنهم لا يحتاجون إلى وصاية من أحد لأن منهم نماذج أبدعت وتفوقت في شتى المجالات وحفرت في ذاكرة كل منا العديد من أسمائهم وإسهاماتهم المشرفة.
10- ومن أصعب الإعاقات التهميش والتمييز وعدم المراعاة: فمن أبسط حقوق صاحب الإعاقة الحركية مثلا أن يجد سلما منزلقا بجوار السلم العادي يستطيع أن يصعد به على كرسيه المتحرك، ويجد حماما واحدا في أي مؤسسة أو مصلحة حكومية يستطيع أن يقضي فيه حاجته كأي إنسان عادي، وهذه أمور بسيطة لن تكلف الدولة وأصحاب الأعمال شيئا. ومع ذلك لم تلتفت لها حتى الآن بعض الدول والمجتمعات
هذه بعض الإعاقات التي تصنعها بعض الأسر وبعض الأفراد وتسهم فيها بعض الدول والمجتمعات بقصد أو بغير قصد،
ولا يلغي ذلك وجود نماذج مشرقة ومبادرات إيجابية من آن لآخر وتعاطفا معهم من الإنسان العادي في الطريق أو داخل وسيلة المواصلات، لكن حجم المشكلة أكبر من ذلك بكثير.
ما نريد أن نخلص إليه أن هذه المعوقات هي الإعاقات الحقيقية وأن آثارها في الإحباط والتعويق لصاحب الإعاقة يتعدى آثار الإعاقة الجسمية عشرات الأضعاف، وأن أصحاب الإعاقة قد نالهم من الظلم والغبن والحرمان في الفترات السابقة ما تعجز الكلمات عن وصفه، وقد آن الأوان أن نضع أيدينا مع بعضنا لرفع الظلم عنهم وتعويض ما لاقوه من حرمان وتصحيح النظرة إليهم وجعلهم شركاء فاعلين في التنمية والعمل والإنتاج، وهذه هي أبسط حقوقهم وحتى لا نكون شركاء في هذا الظلم الذي يقع عليهم وكي نحدث تقدما حقيقيا في وطننا ومجتمعنا وعلى الدول ومنظمات المجتمع المدني أن تضطلع بمسؤلياتها في هذا المضمار
والله ولي التوفيق
ساحة النقاش