بقلم /محمد سعيد محمد أبوالنصر
حينما يكون الإنسان غير مسلم سواء كان من أهل الكتاب ،أو لا ديانة له، ثم شاء الله هدايته أو هدايتها ،ودخل في الإسلام فالمنطق الطبيعي أنه يسأل عن هذا الدين الجديد الذي دخل فيه .ويا ترى من الذي يعلمه ويشرح له هذا الدين ؟ والجواب إنهم علماء وشيوخ هذا الدين !! فإذا رأينا هذا المسلم يشتمهم ويقول إنني أكرههم ولا أحبهم وخاصة إذا كانوا بحجم الأئمة الكبار أمثال الشيخ محمد عبده ،والشيخ الشعراوي وغيرهم ..فلنسأل إذا كان المسلم الجديد يقول بلسانه أنه أصبح مسلمًا!!! ..فهل الإسلام قول فقط ومجموعة من التوثيقات الورقية يأتي بها ليقول من خلالها أنه أصبح مسلما ،أم أن الإسلام عبارة عن دين كامل يحتاج المسلم الجديد لأن يتعلمه وذلك عن طريق أهله الذين هم الشيوخ والعلماء .فإذا وجدنا المسلم الجديد يسب ويشتم ويتعامل بكل جلافة وكبر وعنجهية مع مَنْ سيعلمونه، ويصفهم بأنَّهم إرهابيون ومؤججو فتن ومشعلو نيران ...ألا يحق لنا أنْ نسال .هل أسلم هذا المسلم الجديد أم أنه دخل ليهدم الدين ويقوض أركانه ويشتم علمائه !!؟؟ بعض العلماء ينحو هذا المنحى ويقول: إنَّ المنطق وبلا أدني تفكير يدلنا على أنَّ أي إنسان إذا دخل الإسلام وطعن في الإسلام وشعائره ، وشتم شيوخه فالمنطق يجهر بأنَّ هذا دخل مكيدة للإسلام وهو رأي لا يرفضه عقل العاقل ،ويتأكد مع بعض الشخصيات المأجورة.
لكن توجد شخصيات أخرى دخلت الإسلام بثقافة معينة فكيف نتعامل معها ؟
علينا أنْ ندعوهم لتعليمهم أولا ،نعلمهم أحكام الدين وشرائعه وكيف تقام .وندلهم على الطريق المستقيم ...ونخبرهم بأن الإسلام حرم الزنا وشرب الخمر ،والسرقة والكبائر جميعها فقد يكون المسلم الجديد يمارس هذه الكبائر وهو لا يعرف حرمتها وهذا ما حدث بالفعل في عصر الرسول جاء أحدهم يقدم لرسول الله هدية عبارة عن زجاجة من خمر فكيف تعامل معه الرسول ؟ .عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً أهدى للنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - راوية خمر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((هل علمت أن الله قد حرَّمها؟))، قال: لا، فسارَّ إنسانًا، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((بم ساررتَه؟))، فقال: أمرتُه ببيعها، فقال: ((إن الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها)).قال النووي - رحمه الله -:"قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - للذي أهدى إليه الخمر: ((هل علمت أن الله قد حرمها؟))، لعل السؤال كان ليعرف حاله، فإن كان عالمًا بتحريمها أنكر عليه هديتها وإمساكها وحملها وعزَّره على ذلك، فلما أخبره أنه كان جاهلاً بذلك عذَره".ومثل ذلك لو زنى، أو أفطر في رمضان جاهلاً بحكم الشرع؛ لأنه عاش طيلة حياته في غير بلاد الإسلام وهو حديث عهد بإسلام، لا حدَّ عليه؛ لأنه جاهل بالحكم، لأنه أسلم حديثًا، ولم يدرِ أن الزنا حرام، فهذا يشرح له الإسلام ويعرف بالحكم الشرعي . فالجهل بالحكم الشرعي معتبَر في المسلم الجديد، ولكن علينا أن نعلمه إياه.
-كما علينا أن نفهم المسلم الجديد بأنه ليس من الإسلام أن يشتم المسلم علماء الإسلام، وليس من الإسلام أن يستهزئ المسلم بأركان الدين وأحكام الشريعة .
بعد ذلك يكون قد عرف الحقيقة ،ووضحت له الحجة ،فإن استمر في إهانة الإسلام وعلماء الإسلام فللقانون كلمته وحكمه فيه.
لكن ما الذي جعل هؤلاء ينحرفون في هذا الطريق ؟
الانحراف له أسباب عديدة مشروحة في مظانها بالتفصيل أضف إلى هذا العصر الذي نعيشه ،عصر السموات المفتوحة والثقافات المتعددة ،والأنفس المريضة التي تطلب الشهرة ..وهذا نراه واضحا مع شخصيات من هذا العصر الذين يقدمون بأنهم كتاب ومفكرون ..والحقيقة أنهم هواء ..أجادوا بالفعل صبغ شعورهم ،ووضع اللينسز في عيونهم ،وشد وجوههم ، ونفخ شفاههم ..وما خفي كان أعظم ..أننا أمام بلياتشو في بعض الأحيان .. أمام عجوز شمطاء تتدلع وتقدم نفسها وكأنها شابة في حين أن ظهرها قد انحنى وعظمها قد وهن ..وكان أولى بها أن تحترم سنها وعجزها الشكلي والفكري ،وأن تمد يديها لمن يدلها على طريق النور ..لكن الكبر وعمى القلب ،والشهرة الزائفة ،قد يحرف صاحبه عن الحق إلى الباطل ،ومع هذا كله فالإسلام فيه من رحابة الصدر ما يؤهله بأن يتعامل مع المسلم الجديد .
وعلينا أنْ ندرك الآتي مع المسلم الجديد :
-أنَّ المسلم الجديد يحمل رواسب جاهليته ،فقرب عهده مما كان عليه يجعله يصدر بعض المخالفات القوليَّة والفِعليَّة . فالإنسان المنتقل مِن اللا دين أو من ديانته التي كان عليها ..لا شك أنه يكون في قلْبه بقيةٌ من الفكر الخاطئ ، وهذه البقيَّة لا تزول إلاَّ بعد مدَّة بشرط أن يطلب التعلم والتغير وأن يبتعدَ عن مواطن الكفْر والشك والفسوق؛ لئلاَّ يقعَ في قلبه شيء منها، "فرواسب الكفر قد لا يتخلَّص منها المسلِمُ الجديد في بداية الأمر، وإنَّ مَن يسلم على كِبَر وهو على درجة كبيرة من الثقافة والتعليم، أو يكون وجيهًا في قومه، قد لا ينفكُّ عن تلك الرواسب في أثناء كلامِه وكتاباته، وقد لا يسعف بعضَهم التعبيرُ الصحيح بألفاظ شرعيَّة في أثناء الكلام، أو يكون في نفسه شُبهةٌ لم يتخلَّص منها". فقُرْبُ عهْدِ المسلم الجديد مما كان عليه يجعله وبكل سهولة يطلب ما لا يُطلب ، قد يطلب الشرك .ويعتقد أن هذا أمر طبيعي ، وهذا ما حدث من بعض حديثي العهد بالإسلام في حياة الرسول ،جاء عن أبي واقد اللَّيْثي - رضي الله عنه - قال: خرجْنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى حُنَين ونحن حُدثاءُ عهْد بكُفْر، وللمشركين سِدْرةٌ يَعكُفون عندها، ينوطون بها أسلحتَهم، يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررْنا بسِدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الله أكبر! إنَّها السُّنن، قلتُم والذي نفسي بيده كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، قال: إنَّكم قوم تجهلون، لتركبُنَّ سَنَن مَن كان قبلكم...)). وقوله: "حُدثاء عهد بكفر"؛ أي: قريب عهدهم به؛ لأنَّ إسلامهم كان جديدًا متأخِّرًا، وهو يريد بيانَ العُذْر ممَّا وقع منهم أنَّهم كانوا جُهَّالاً.
والحديث فيه: أنَّ المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلْبُه لا يُؤمَن أن يكون في قلبِه بقيةٌ من تلك العادة؛ لقوله: ونحن حُدثاء عهْد بكفر".
-وينبغي للداعية أن يُبيِّن للمسلم الجديد ضرورةَ الحذر من الوقوع في الشِّرْك، إذ قد يقع فيه وهو لا يشعر بسبب الجهل، كما يحثه على تعلُّم العقيدة ومعرفتها والتبصُّر فيها" خشيةَ أن يقع الإنسان في مهاوي الضلال ،وبالدراية ترسخ قدمه بمعرفة الإسلام .
-كما علينا أن نتفهم صعوبة ممارسة المسلم الجديد بعض العبادات في بداية إسلامه ،" لا سيَّما كِبار السِّنِّ، وحَدَث شيءٌ من ذلك في صدر الإسلام بعدَ فتْح مكَّةَ، عندما أسلم بعضُ وجهاء قريش بعدَ ظهور الإسلام، ففي غزوة حنين لَمَّا ظنَّ بعضهم هزيمةَ المسلمين، تكلَّم رِجالٌ بما في أنفسهم من الضِّغْن، وأظهروا الشماتة بالمسلمين، فبدرتْ منهم بعضُ الكلمات؛ لأنَّ الإيمان لم تخالطْ بشاشته قلوبَهم، وكان منهجُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتبار هذه المرحلة، فتألَّف أصحابها بالعطايا، فما لَبِثوا أنْ حَسُن إسلامُهم."
- كما ينبغي للداعية أن يكون صبورا على بعض الأفعال التي تصدر منهم
مثال ذلك ما روي عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: بينا أنا أصلِّي مع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمَّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يصمِّتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)) - أو كما قال رسول الله، صلَّى الله عليْه وسلَّم - قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منَّا رجالاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم...)) الحديث. قال النووي - رحمه الله -:"فيه بيان ما كان عليه رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من عظيم الخُلق الذي شهد الله - تعالى - له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمَّته، وشفقته عليهم، وفيه التخلُّق بخلقه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه"، وقوله: ما كهرني، الكهر: العبوس في وجه مَن تلقاه؛ أي: ما استقبلني بوجهٍ عبوس.
لقد تجلَّى في هذا الموقف حكمةُ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الدعوة من الرفق واللطف في تعليم المسلم الجديد، ومن حكمته - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في دعوته أنه لم يُطِل الموعظة له؛ بل أرشده بكلمات يسيرات، وهذا ما ينبغي أن يكون مع كل حديثِ عهدٍ بالإسلام، فالمسلم الجديد أحوجُ ما يكون إلى الحكمة من الداعية، لا سيما في التعامل مع ما يبدو منه من أخطاء مصدرُها الأساس الجهلُ، فلا يُطِيل الموعظة في بيان خطأه .
نشرت فى 20 نوفمبر 2017
بواسطة janjeel